anfasse9905مشكلة التاريخ:
لطالما ظل التاريخ يبحث عن روح تلهمه معناه الذي يكون جديرا به. هذا المنظور الذي حاول كل فيلسوف على حدة فهمه من منظوره الخاص، على أن هذه المنظورات المتعددة كان يربط بينها خيط متين يشدها، دون السماح لنفسه بالكشف عن ذاته.
لقد كان التاريخ، منذ أن بدأت الفلسفة[1] يحتل مكانة هامشية، دائما كان التاريخ غير مرغوب فيه، لأنه كان يحيل الإنسان إلى الذاكرة، والتذكر بدل إعمال العقل والتفكير في المجردات، لأنها المسعى الأول الذي يهدف إليه الفيلسوف[2]، والتاريخ لا يمكن أن يكون الطريق المؤدي إلى مخدع الحقيقة، ولهذا اعتبره أفلاطون من قبيل الرأي DOXA، إذ إنه يعرض لدراسة الأحداث المتغيرة، بينما كانت الميتافيزيقا اليونانية عما تعبر هو ثابت ودائم، على خلاف التاريخ الذي يتميز باللاثبات والتغير على هذا فإنه حتى ولو كانت هناك حقيقة تاريخية، فلن تكون حقيقة ثابتة، وإنما هي متحولة باستمرار، في صيرورة دائمة، وهذا هو الأساس الذي جعل الميتافيزيقا اليونانية تمقت التاريخ مقتا شديدا، فإلى جانب آراء أفلاطون، نجد أرسطو – على الرغم من تجاوزه لموقف أستاذه ونظريته له، فإنه يكاد يتفق معه حول إشكالية مكانة التاريخ ضمن العلوم المؤدية إلى الحقيقة- لا يصنفه ضمن هذه العلوم، مما جعل الروح التاريخية/معنى التاريخ Sens de l'histoire تعيش خمودا وركودا.
تستمر مأساة التاريخ مع رونيه ديكارت الذي يعتقد أن لا يقين إلا في العقل، وأن لا حقيقة إلا في الهندسة، إذ إن الحواس كثيرا ما توقعنا في شرك الخطأ، ولذلك كان الموقف الديكارتي أكثر صرامة تجاه المعنى الذي بإمكاننا أن نستلهمه من التاريخ في خدمة الحقيقة.

anfasse9900" الاحتكام إلى الذوق السائد يفتقر إلى الطبيعة الحقيقية للذوق"1[1]
منذ الوهلة الأولى يظهر البحث الايتيمولوجي الدلالي في مفردة الفن art  في اللسان الفرنسي حالة معقدة  وملتبسة ومتشعبة ويرجع ذلك الى التقنية Téchiné هي في الاغريقية والى الانتاج الصناعي والإجرائي والأداتي والحِرَفِي   poïesis ، وكذلك الى ارتبط اللفظ للاتيني  ars بالفعل الابداعي وبعد ذلك ميلاد الاستيطيقا في الحداثة الجمالية بالاشتغال على المصطلح الاغريقي aïsthêsis. في البداية لم يكن الفنان يوصف بالإبداع والخلق والإضافة بل المحاكي الوفي للحقيقة الموجودة بشكل مسبق والذي يعيد تنظيم المعطيات القائمة ولكن بع ارتبط بالحرفة والمهنة والإتقان في العمل الفني والجودة في المنتوج، ثم صار قائما بالأساس على العبقرية والإلهام والموهبة وإتيان العجيب الخلاب من الآثار وانتهى به الأمر إلى الاضافة والتشكيل والرحلة في المجهول والمغامرة في التخيل وتصوير ما عين رأت ولا خطر بقلب بشر.
بهذا المعنى يعرف الفن اصطلاحيا بأنه كل إنتاج للجمال يتم بواسطة أعمال ينجزها كائن واع وحددت الفلسفة الفن بأنه عملية إنتاج قيمة جمالية تتجسد في أثار هائلة وأعمال خالدة تحظى بإعجاب المشاهد.

philo-arabeأن نحصر دائرة الحوار في الفكرين الفلسفي والكلامي في الإسلام لا يعني البتة التقليل من شأن العلوم الإسلامية الأخرى في هذا الباب. من ميزة الاستبصار الوئيد التذكير بأن علم التصوف الذي عارض كل محاولة لتقريب السر الإلهي بالنظر (فلاسفة، معتزلة...)، نجح في تجذير خطابه في البيئة الإسلامية وتكثير مريديه وأتباعه بالرغم من غموض لغة المتصوفة وغرابة بعض أفكارهم ونهلهم من المصادر الغنوصية، وعواصة طريقهم الذوقي بحيث لا يقوى على تحمله وقطع جسوره إلا من سكنه عشق الوصول([1]). ولا بدع من ضرورة التمييز هنا بين التصوف من حيث هو فكر وعلم، والطرق الصوفية من حيث هي ظواهر اجتماعية مكتنزة بتمثلات للقداسة وما يتعلق بها من شعائر وطقوس.
ليس يخفى على ذي تحصيل من تشعب قضايا الخلاف بين المتكلمين والفلاسفة في الفكر الإسلامي الوسيط، لكن الجانب المنهجي المتمثل في إشكالية الاستدلال يحتل حيزا هاما في تلك اللجاجة التي مجتها الآذان قبل أن تملها القلوب. فإلى أي حد يصح القول بأن ما عابه الفلاسفة على المتكلمين سقطوا فيه عنوة ؟ ما فضائل الحوار ؟

anfasse8890للإجابة على هذا السؤال القديم الجديد، أو بالأحرى هذا السؤال المباشر الذي بقدر ما يخيف البعض، بقدر ما يزرع بذرة الحياة في البعض الآخر، لا بد أولا من الخوض في دواعي طرحه بدءا من كانط في ألمانيا إلى ميشيل فوكو بفرنسا، سؤال ما الأنوار؟ يطرح غالبا لسببين رئيسيين، أولهما الوقوف عند حالة القصور بمختلف أنواعه التي يمكن أن تصيب الفرد والجماعة على حد سواء، أي أنه سؤال يرتبط بالخصوصية وليس بالجانب الكوني، يرتبط فقط بالذين انخرطوا في الأنوار وليس مستهدفا نحو عقول الذين لم يستوعبوا الأنوار بعد، بالإضافة إلى الذين تجاوزوه، إنه دعوة لاستيعاب ما يحصل من تغيير إن على المستوى الفكري السياسي أو الاقتصادي... أما السبب الثاني الذي من خلاله نطرح هذا السؤال، فإنه يتجلى في العمل على إيقاظ الذين يعيشون حالة السبات القصوى، على تلقينهم أبجديات الحق والواجب، بيد أن الجامع المانع بين النوعين يكمن في أخراج الفلسفة من طابعها التجريدي الصارم، نحو خوضها في قضايا المجتمع، خاصة فلسفة الحق وفلسفة التاريخ وفلسفة الأخلاق ثم الفلسفة السياسية.

anfasse7674" الفنان الحر ... ينوء بعبء مهمة تجعل منه شخصية ملتبسة"[1]
لا يخفي على أحد تراجع الإبداع والجمال ، ولا يمكن انكار ندرة الإنتاج الثقافي الحامل للمعنى والمعبر عن القيم المطلقة والروائع الخالدة. ولقد أثار هذا الوضع الفني المتأزم أكثر من علامة استغراب حول أسباب تراجع الاهتمام بالذوق والابقاء على روعة الجمال طي الكتمان ، وقد تساءل الناقدين حول تأثير التقنية والتجارة ووسائل الاتصال الحديثة  في تفجير أزمة الانحطاط وتمزيق الصورة الناصعة للفنان التي تشكلت مع الحداثة الجمالية وحول الظروف التي هيئت تجفيف منابع الابداع وأدت الى انتشار الرداءة في أروقة الفنون وأصابت النفوس بالجدب والتصحر والتعثر في الارتقاء بالوضع البشري إلى مستوى الكائن الثقافي والشخصية الخلاقة. لقد حاول بعض الفنانين في الحقبة المعاصرة التمرد على السائد والخروج من الأنماط الصارمة والقوالب الجاهزة وبذلوا جهودا لكي يتفادوا السير في المتاهات وانخرطوا في أفعال مواجهة القبح الطبيعي اليومي، وقاوموا ظاهرة اختفاء الجمال في الأعمال الفنية من جهة المبدع والمتلقي.
 في هذا الإطار اهتمت الإستيطيقا المعاصرة بنفسية الفنان واعتبرته الفاعل الفني الأول وصاحب الدور الفعال والايجابي في تجربة الخلق الفني وأسندت له صفات الإلهام والعبقرية ونظرت اليه بإعجاب وثناء . أما علم الجمال النفسي فبحث في الآثار الفنية من جهة كونها وثائق نفسية تكشف عن طبيعة صانعيها أو عن طبيعة الجمهور الذي يتذوقها. من المعلوم التاريخي أن فكرة الإبداعية الحقيقية كانت غائبة تماما عن الفنان في العصر الإغريقي وكانت تنسب في الغالب إلى الآلهة ولكن الفنون الجميلة في عصر النهضة  هيئت الأرضية لحدوث قطيعة ابستيمولوجية وثورة كوبرنيكية في مجال الفن بأن ظهرت النظرة الثاقبة عند الفنان وبرزت الحاجة إلى إحداث التحولات في تقنيات الابداع الجمالي والتكلم باسم الغير وأضحى الفنان محرضا على الأمل وطبيب حضارة وكائن الصيرورة ولاعب نرد ومبدع أشكال جديدة من الحياة. لكن بما يتميز الفنان من ملكات عن العامي؟ وماهي التجارب والحركات الفنية المطالب بالانخراط فيها لكي يكون فنانا حقيقيا؟ هل يجب أن يكون مبدعا أم ملتزما؟ وهل يجدر عليه اجادة الحكم أم امتلاك الذوق؟ومتى ظهرت كلمة فنان لأول مرة؟ وماذا كانت تعني؟ وماهي مختلف التحولات التي مرت بها ؟ هل الفنان هو مجرد حرفي أم مؤلف مبتكر؟ هل هو شخص موهوب وبارع أم هو عبقري يمتلك قدرات استثنائية؟ وماهو السر الكامن في تقلص رقعة معنى الجمال واتساع نطاق تسمية الفنان؟

anfasse7673هل نحتاج فعلا للدين كي نلبي حاجاتنا الروحية؟ وهل يعتبر الدين بصفة عامة مقنعا بخصوص لغز تفسير الكون؟ هل للحيوانات دينها على غرار البشر؟ أم أن العقل الذي يتميز به الإنسان هو أكثر تقبلا للدين، بما أنه يتأسس على أرضية الإدراك والوعي والتمييز؟ عندما نتأمل هاته الأسئلة التي بين أيدينا، نجد أنها تدعونا مباشرة إلى فهم الدين، إلى الوقوف عند غايته، وإلى العمل على فك بنيته التي يتأسس عليها، لسبب بسيط هو أن الإنسان لم يستطع أولا أن يتفق على دين واحد، كما أن هناك من الناس من لم يقتنع بأية ديانة ولا أي اعتقاد، في مقابل ذلك نجد أن الدين الواحد ما يفتأ يتأسس على تفاسير مختلفة يكاد الواحد منها يقتل الآخر، مما يسبب تطاحنات داخلية بين أناس يقتلون باسم الدين، وإن كان هذا الأخير قد ظهر ليس من أجل القتل وإنما من أجل نبذه لا غير.

anfasse75" ان الصورة علامة تتمثل في كونها خاصية قابلة للتأويل"1
اذا ابتعدنا عن تناول الصورة من جهة تأثيرها في المجتمعات وعن النظر اليها كتقنية لتحريك التاريخ واقتربنا من البحث فيها من جهة اندراجها ضمن أنظمة الاعتقاد والمعارف المنظمة والأشكال الفنية التي تنسج علاقات متقاطعة بين تاريخ الفنون وتاريخ الأديان وتاريخ التقنيات فإننا نتخلى عن التعامل المجسد والمادي مع الصور ونشتغل على التمثلات الذهنية والوقائع الرمزية ونحاول الكشف عن القوانين غير المرئية للمرئي ونطرح اشكاليات حياة الصورة وموتها والصورة بين المنع والاباحة وبين الاتصال والانعزال والأصل في الصور والنسخ المحاكية لها ونبحث في الأساليب الاستعراضية للصورة وتراوحها بين التزيين والمناسبة. لكن ما هي الحاجة إلى الكتابة الفلسفية عن ماهية الصور وما هي أساليب النقد في تطور الصورة وأنواعها؟ وما هي طبيعة الصورة وخصوصيتها؟ وكيف هي قدرة الصورة في التعبير عما هو واقعي وخيالي؟ وهل يمكن تفسير مصدر قوتها وطرق تأثيرها على الحشد؟ كيف تشكلت الصورة؟ وما الهدف من تشكلها؟ وماهي مصادر انبعاثها؟ ومن أين تستمد سلطتها؟ وما علاقة الصورة بأشكال ثقافية أخرى مثل الفن والدين والعلم ؟ وماذا أضافت التقنية الى وظيفتها؟
لقد تشكلت الصورة في زمن أقدم من حيث الوجود التاريخي من الخطاب الشفوي والنص المكتوب وأكثر تجذرا وانغراسا في اللاّوعي والذاكرة والخيال والذهن وارتبطت بالعين والمرآة والطقوس. بهذا المعنى ظهرت الصورة في القرون الوسطى مع المسيحية وأصبحت تاريخ الصورة هو تاريخ الدين وقامت بدور تبشيري كبير وأقامت الدعاية للمعتقدات وبعثت الحياة في الرسالة الايمانية ولكن بعد ذلك اكتسبت الصور حركية اجتماعية واقتصادية وسياسية أكثر من الكلمات والأفكار وتحولت الى وسيلة للاتصال السياسي بالجماهير وقوة إنتاج مادي وفضاء للاستثمار الاقتصادي وتحقيق الأرباح ومراكمة الثروات.

anfasse73على الفلاسفة أن يعيدوا ترتيب العالم بعد أن وصل إلى ما وصل إليه اليوم، مثلما أعادوا ترتيبه في عديد الحقب مانحين للإنسان نفسا آخر، وروحا أخرى، ومنهجا جديدا لإدراك الوجود وتفسيره وتأويله أيضا، ربما أصبح سؤال : إلى أين يسير العالم؟ سؤالا ملحا وبكثير من الحذر في الخوض فيه، فلنتأمل مآلات الإنسان على أصعدة عدة، كي نجد أنفسنا أمام الانخراط في هاته الدعوة، ولنعد لبنية العالم أيضا كي نلمس هذا التغيير السريع، بناء على جملة من مظاهر ذلك، كالتعصب الديني، والحروب فارغة المغزى، والثلوث الذي يصيب كوكبنا في كل آن وحين، ناهيك عن التقلبات المناخية، وأزمة القيم، ونذرة الماء...
    بعودتنا إلى ما سبق ذكره نحاول البحث عن عِلَّةِ هذا الأمر، إذ يمكن إرجاعه أولا إلى طبيعة الإنسان التي تميل إلى الهيمنة والسيطرة وتطويع كل شيء حيث للفلسفة الديكارتية كبير تأثير على ذلك، أما من الجهة الثانية فإنه لا مراء من أن روح الأزمنة الحديثة قد تميزت وبفضل اكتساح التقنية للمعيش اليومي للإنسان، تميزت بتغييرها لسيرورة الوجود أو قُلْ لسيرورة كينونة الإنسان، مما جعلنا بلغة هايدغر نفرط في نسياننا لسؤال الوجود من ثمة ابتعادنا بالمطلق عن الحياة في شكلها الطبيعي.

anfasse71سأل غربي عربياً عن أحلامه. أجابه العربي بأنه يحلم بعمل وبيت وسيارة، ردَّ الغربي متسائلا كتوضيح بأنه سأله عن أحلامه وليس حقوقه ! هناك شبه إجماع عربي على أن أحلام هذه الفئة (العرب) تتحقق بالبلدان الغربية أكثر منها في بلدانها العربية. ذلك ما يفسر نسب انتحار العرب والأفارقة على شوطئ المتوسط.. طبعا إذا كان الانبهار بالغرب ناتج من مخيلة شريحة اجتماعية لا تتجاوز قدرتها الفكرية سن طفل في الثامنة من عمره ـ يؤمن بملاقاته يوما ما لسلاحف النينجا ـ فذلك أمر متقبل ومفهوم؛ أما أن تأتي هذه الهلوسات من جانب مفكر له تأثير سياسي كبير ومختص بمعالجة الهلوسات فكريا ومقاليا ـ نسبة للمقال المكتوب ـ فهذا يكشف عن اختلاط أدوات المفكر في تطرقه لموضوع أيديولوجي حساس.
العفيف الأخضر، العقلاني بامتياز، سبينوزا العرب كما يلقبه البعض، والجريء في تدميره للصرح الديني بما يخفيه من أشباح وشياطين تُخضع العقل لسلطة الأموات وماضيهم الضبابي، المفكر الذي شرّح سيكولوجية الديانة الإبراهيمية ـ بتركيز دقيق على الإسلام ـ كما لو أنه يفكك مقولة إميل سيوران "الله نفسه ليس سوى هلوسة صوتية" ليتبثها كمعطى استنتاجي بالأخير.. نجده بعد ذلك يبدي ـ بانفعال مراهق متأثر بقناة Vevo الموسيقية باليوتيب Youtube ـ تأثرا باهرا بمؤسسات الغرب السياسية والثقافية.

haidar-ali-salamaتمثل ترجمة الأستاذ محمد إبراهيم عيد لمؤَلف الفيلسوف إيهاب حسن (دورة ما بعد الحداثة)، شكلا من أشكال المجازفة الفلسفية والأبستمولوجية والميتودولوجية المنهجية،وذلك لطبيعة التداخل الإشكالي والمفاهيمي المعقد بين المصطلحات الفلسفية من جهة؛ والمصطلحات الجمالية والميتا-جمالية في خطاب ما بعد الحداثة من جهة أخرى.
لهذا، سوف نتخذ من الأطر المنهجية والمفاهيمية إلى جانب إشكالات الترجمة الاصطلاحية، القاعدة الأساسية والمحورية لمحاولتنا الفلسفية الرامية إلى إعادة فهم تاريخ فلسفة الجمال وبنية العمل الفني منذ أفلاطون إلى مرحلة ما بعد الحداثة. وستكون أطروحات الفيلسوف إيهاب حسن في مؤلفه المذكور أعلاه، الرافد الأساسي لمجمل مقارباتنا المنطقية والجمالية واللسانية.

    ما بعد الحداثة: الجدل الاصطلاحي لمفاهيم الدورة والمنعرج الثقافي
 يُعد مصطلح "turn" من ابرز المصطلحات الإشكالية التي استوقفتنا عند مطالعتنا لكتاب (دورة ما بعد الحداثة) الذي كان عنوانه الأصلي   " The Postmodern Turn". حيث جرى ترجمة ذلك المصطلح بمفهوم "دورة". على الرغم من أننا نلاحظ أن العنوان الفرعي للكتاب "Theory and Culture Postmodern" تضمن على إشارة إلى طبيعة الثيمات الفلسفية التي سيرتكز عليها عمل الأستاذ إيهاب حسن حول بنية الجدل الحاصل بين نظرية ما بعد الحداثة والثقافة، بعبارة أخرى، بين نظرية "مابعد الحداثة" "ونظرية الثقافة". وهذا يعني أننا سنكون إزاء خطاب من التحولات والمنعرجات الأبستمولوجية واللسانية والأستطيقية. فكان لزاما علينا ان نتساءل فيما ينبغي عليه ان تكون ترجمة مصطلح "turne " بالدورة أم "بالمنعرج" أم"بالمنعطف" ؟ وهل يمكن لمصطلح الدورة أن يؤسس لنظرية ثقافية جديدة أم هو مفهوم يُعيد إنتاج أشكال ثقافية تقليدية قديمة ؟ وهل أن معنى مفهوم "الدورة" ينسجم مع تحولات مفاهيم وتصورات ما بعد الحداثة الكونية ؟ وأين يمكن أن نضع فلسفة الجدل الثقافي والمابعد الحداثي: هل مع مفهوم الدورة "التوتولوجي" ؛ أم مع مفهوم المنعرج/والمنعطف السوسيو-لساني ؟

anfasse67ظل الفكر الفلسفي قديماً وحديثاً، فكراً نقدياً، يعمل ويشتعل كما تشتعل النار في الهشيم، رغم محاربته ينبعث من رماده، لمحاربة التسلط، وإنارة العقول، من خلال منح العُكاز للقاصرين فكرياً. لذا صار هذا الفكر ـ الفلسفي ـ نقمة على ابن رشد، بعدما كان نعمة، أيام لقائه بأمير المؤمنين أبي يعقوب، فأمره هذا الأخير برفع القلق عن عبارة أرسطو، كانت هذه اللحظات جميلة في حياة ابن رشد إلى حدود توليه طبيباً بعد رحيل ابن طفيل، الذي كان يشغل هذا المنصب. لكن النقمة على ابن رشد ستظهر عندما قرّر الخليفة يعقوب المنصور الموحدي، إلحاق الأذى بابن رشد وجماعة من العلماء، فأصدر منشوراً يتهمهم فيه بتهمة الانحراف عن الدين. في هذا المنشور رسالة واضحة إلى العوام، ونحن نعلم أن ابن رشد العدو اللدود للعوام (العامة)، يقول فيها المنصور "ومن عُثر له كتاب من كتبهم [ابن رشد وباقي العلماء]، فجزاؤه النار التي يعذب بها أربابه.."[1].

قبل سرد الروايات التي فسرت سبب هذه النكبة، نطرح سؤلاً، مفاده كيف نفسر هذا الانقلاب على ابن رشد، من حبيب وطبيب الخليفة المفضل، إلى عدو الدين؟ ثم إذا كان الخليفة الموحدي قد أبقى على الجانب العلمي، كالطب والحساب والفلك، بينما وضع الحظر على الفلسفة، فما هو هذا الإنتاج الفكري الذي به صُنف ابن رشد ضمن خانة المنحرفين عن الدين؟

  تعددت الروايات بخصوص مسألة النكبة، فمن بينها نجد صاحب "المُعجِب" عبد الواحد المراكشي يقدم رواية، يفسر فيها أسباب هذه المحنة، فيقول لها سببان: جليٌّ وخفيّ؛ فأما سببها الخفي وهو أكبر الأسباب، فإن الحكيم أبا الوليد ـ رحمه الله ـ أخذ في شرح كتاب "الحيوان" لأرسطو طاليس صاحب كتاب "المنطق" فهذّبه وبَسط أغراضه وزاد فيه ما رآه لائقاً به، فقال في هذا الكتاب عند ذكره "الزرافة" وكيف تتولّد وبأيّ أرض تنشأ، "وقد رأيتها عند ملك البربر[2]..." جارياً في ذلك على طريقة العلماء في الإخبار عن ملوك الأمم وأسماء الأقاليم، غير ملتفِت إلى ما يتعاطاه خَدمهُ الملوك ومتحيٍلو الكتَّاب من الإطراء والتقريظ وما جانَسَ هذه الطرق؛ فكان هذا مما أحنَقهم عليه غير أنّهم لم يظهروا ذلك[3]..