anfasse03076"إن إرادة التوصل إلى معرفة أكيدة ترتفع فوق الرأي الذاتي ليست كافية لوصف ما نفهمه بالمعرفة العلمية." [1]
جرت العادة أن يتم تناول الإنسان من زاوية الحد والرسم والتعريف والمفهوم والمقولة وأن يخوض الفكر في عملية البحث عن الجوهر والماهية والطبيعة وأن تكون النتيجة العثور على تعريف نهائي وبناء حد جامع مانع وإيجاد مفهوم موحد ، وصار من بداهة الفكر الفلسفي أن يجتهد في وصف المكونات والعناصر والمرتكزات والأسس والخصائص والأبعاد والمميزات والكليات ويطرح الأسئلة الميتافيزيقية عن الأصل والمصير والغائية ويسقط من حسابه الاهتمام بالجزئيات والمظاهر والتفاصيل والتحولات والمنعطفات والتغيرات والقوى والدوافع والميكانيزمات ويتغافل عن طرح سؤال من؟Qui  وعن الانتباه إلى المسارات والأحداث والصيرورات. على هذا النحو ارتأت الفلسفة المعاصرة أن تقوم بتشريح الكائن البشري من جهة التَّعَرِّفِ على وضعه الأنطولوجي في العالم والتحقيق والتدقيق في منزلته الثقافية بالنسبة إلى الجماعة التاريخية التي ينتمي إليها وتقدير وضعيته المادية ومكانته السياسية والقانونية في المدينة وقدراته على الفعل التواصلي والترميز. لذلك ربما تثار الإشكالية المركزية لهذا الدرس من خلال الاستفهامات التالية:  أي وضع يوجد فيه الكائن البشري الآن وهنا؟ بأي معنى يكون الوضع البشري واحدا ومتعددا في ذات الوقت؟ وهل هو وضع مستقر وملائم يسمح للكائن بالمصالحة مع ذاته وحسن تقديرها أم هو وضع مستعصي يحول دون لقاء الذات وارتقائها؟ وما العمل للرد على حالات الضياع والاغتراب والانبتات؟ وكيف السبيل لكي يستعيد للكائن ذاته ويوقع حضوره في وضعه المتعدد الأبعاد؟ لماذا يخفق الإنسان في أن يكون سعيدا؟ وهل الإنسان سجين وضعياتهم المادية ومحدود بشروط وجوده أم بإمكانه الإنعتاق والتأثير والتجاوز والتغيير وصناعة ماهو مختلف وجديد؟ كيف يضع الكائن شروط وجوده؟ هل بالقصص والحكاية والتشكيل وإعادة التشكيل والوساطة الرمزية أم بالالتزام والمسؤولية والمشاركة في الفعل؟ولماذا كان الإنسان ولا يزال غير راض عن حاله بماهو كائن بيو- ثقافي ؟

anfasse03074في الآنا يسكن الآخر ـ محمولا في اللغة التاريخية التي تتلقّنها ـ ذلك ما يجعل الآنا تدرك/تؤسس/تحدّد علاقاتها الوجودية. علاقة الآنا غير محكومة بالآخر، إنما انفتاح باستمرار نحو الآخر، تتجاوزه إجرائياً كل مرة، وتشمل أبعادها الوجودية المفتوحة في اللغة والحب والعيش وما سواه. حيث لا يصبح الآخر مرحلة انغلاق، وتظل الآنا قادرة على صنع اختيار.
السعادة هي كوب قهوة، كتاب، أريكة، تديّن، أخلاق، مال، عمل... كل ذلك كلام فارغ. السعادة شخص، السعادة مرتبطة بالآخر. كل ما نقوم به حول سعادتنا يصب في مصلحتنا مع ذاك، الآخر.
حينما تُحب أنت لا تنتظر أن تُحب، إنما تنتظر أن يُجمَع شتاتُك.. بين الإعجاب والكبرياء والحب والكره والقُرب والنفور. تنتظر أن تجد نفسك، لأنك لم تعد تعرف نفسك بعدما انفصلت عن نفسك نحو ذاك: الآخر، الذي يُشتِّتك، والقادر على جمعك.

anfasse2767" إن المبدأ التفسيري لحركة جميع الكائنات الحية هو الروح، فإذا قرر إنسان ما أن يجلس أو أن يقف، فإن مرد ذلك إلى الروح، من ثمة فالروح هي علة هاته الحركة." ـ أرسطو ـ
" ليس وعي الناس هو من يحدد وجودهم الإجنماعي، بل إن وجودهم الاجتماعي هو من يحدد وعيهم." ـ ماركس ـ
" لقد عمل الفلاسفة على تفسير العالم، في حين أنه يجب تغييره." ـ ماركس ـ
    إذا حدث أن قلت للعديد من الماركسيين أنك ميتافيزيقي، وأن الميتافيزيقا أساس كل تفكير مهما كانت نوعيته، من العلوم إلى الطب مرورا بالفلسفة والفن... فإنه سينظر إليك بعين الارتياب، وسيصنفك ضمن التيار المثالي الذي أرست دعائمه فلسفة أرسطو إلى حدود المثالية الألمانية، وعندما ستطرح عليه علة هذا التصنيف، سيجيبك بطريقة ميكانيكية كون أن الصراع الفلسفي منذ مدة طويلة، هو صراع بين المادية والمثالية، بين من يعطي الأسبقية للفكر وبين من يعتبر الواقع أساس كل تفكير وإدراك، بين العقل والمادة، وبين الواقع والروح "l’esprit" وأن الحقيقي في هاته المعادلة الطويلة، هو الانتصار لكل ما هو مادي، أي انتصار للواقع أولا، بما أننا نوجد بداية، حيث تعمل آلة الواقع على تحديد وصنع وعينا، ثم بعد ذلك نفكر انطلاقا من واقعنا الاجتماعي والاقتصادي، أما المثالية فإنها ستقف معدومة أمام هذا القول، لأنه يستحيل أن تُصنع قبليا كي توجد، كلا إذ ما تؤخذ هذه الأمور بهاته البساطة الساذجة، أي أن حقيقة الأمر هي أننا نوجد بعديا "a postériori".
    والحاصل مما تقدم في هذا الحكم، هو أن الميتافيزيقا تفكر قبليا، وبما أنها على هاته الشاكلة فإنها مثالية بطبيعة الحال، بل إن هناك مثاليات مادية أيضا أرست دعائمها فلسفة فويرباخ الساذجة، حيث كل الأشياء تلبس معطفا ماديا ثقيلا إلى درجة الإفراط... إن أول هفوة سيسقط فيها صاحب هذا الجواب المفترض، هو عندما ستطلب منه أن يقدم لك تعريفا للميتافيزيقا، حيث ينحو أغلبنا تجاه حكم شائع، مفاده أن الميتافيزيقا هي "ما وراء الطبيعة" ثم ينتهي الأمر، أي أنها تفكر في الأشياء التي لا يمكن إدراكها بواسطة التجربة الحسية، صحيح أن هناك جانبا مهما من الصواب في هذا الشأن، بيد أنه ليس هو التعريف الرئيسي للميتافيزيقا، من ثمة فإننا سنعمل في هذا المقام على الحديث عن الميتافيزيقا، ثم أسس الفلسفة الماركسية، حيث سنحصل على نتيجة معكوسة، وهي أن الماركسية خاصة من جانبيها الفلسفي أو السياسي لم تستطع الانفلات من قوة الميتافيزيقا، بل إنها كلما ابتغت لنفسها التخلص منها، إلا واتسع نطاق خضوعها لها شاءت لذلك أو لم تشأ.

كونية الفن في حضارة إقرأ ـ د.زهير الخويلدي" إن أمر الحسن أدق وأرق من أن يدركه كل من أبصره"1[1]
لقد اهتم الفنانون في الإسلام بمختلف المهن والحرف وأتقنوا التصوير والنحت والرسم والتزويق والهندسة المعمارية والعزف والغناء ولكنهم برعوا في الشعر والخطابة وفن القول والخط والزخرفة والمنمنمات والفسيفساء وتذوقوا الطبيعة واعتبروا آيات الله في مخلوقاته وما تضمنته من تصميم بديع وجمال خلاب.   لقد غادر الفن الإسلامي مساحة الخصوصية العربية وعانق رحاب الكونية وذلك حينما تم الاختلاط مع الثقافات الوافدة من الهنود والإغريق والرومان والفرس وعكس نظرات المسلم المنفتحة على العالم2[2].
كما أظهر الفنانون عناية خاصة بالطبيعة وحاولوا الاعتبار من مظاهرها الجميلة وما تكنزه من عجيب ومدهش وأسرار وتعاملوا مع عوالم الجماد والنبات والحيوان بوصفها ظاهر إعجاز وقرائن عظمة الله.
لقد ابتعد الفنانون عن فن الصورة وفن النحت وذلك لتفادي شبه مشاركة الله في صفة المصور وتحاشيا لاستعادة مظاهر الوثنية وعبادة الأصنام التي كانت سائدة في الجاهلية وتم التضييق على الشعراء والمغنين صيانة للأخلاق الحميدة وتحصينا للشباب من الفسوق ولكنهم اعتنوا في المقابل بالخط والعمارة والزخرفة للتعبير عن أفكارهم وتخطى الرسام مضمون الخط العربي وسافر به نقشا وحفرا ورميا وتخييطا وبني به أشكالا جميلة أنيقة  وعناصر زخرفية طيعة واشتغل على الكتابة في الجداريات والمصاحف والقصور.

الحداثة وما بعد الحداثة : تثبيت الأصول أم كسر النماذج؟ ـ سعيد المتدين… كما أنه طالما وجدت كلمة "حداثة Modernisme" والبادئة التي تعني (ما بعد) "post" فمن الممكن أن يتحدث البعض عن "ما بعد الحداثة postmodernisme" كمفهوم جديد يعقب الحداثة في الزمان والمكان ويبحث عن كل ما يناقضها ليعلن صراحة عن أطروحته المركزية الضامنة لشرعيته الفلسفية، ألا وهي "موت الحداثة.
ظهرت فكرة الحداثة كمفهوم فضفاض وكمشروع ضخم ارتباطا بانطلاق العقلانية الغربية وتفاؤلها ونزعتها المركزية، فاقترنت بالتجليات الأساسية لانتصار العقل الأداتي وسلطته، مما أسفر عن جملة من المغالطات والتعسفات كانت أساسا لولوج الحداثة مرحلة الأزمة.
إن التأمل في ثوابت الحداثة من داخل إطارها المرجعي يفتح مجالا واسعا وخصبا من التساؤلات والإثارات النقدية التي تقف بوضوح شديد على مواضع الأزمة والقصور، وهذا ما يفسر كون الفكر الغربي عاد في المرحلة الثانية وهي مرحلة المراجعة والتصحيح إلى إخضاع المطلقات السابقة للنقد.
يعتبر التوجه النقدي جزءا من الوعي الحداثي وجانبا مهما من تفكير الحداثة، لذلك كانت الحداثة نقدا ذاتيا يسهم من زوايا متعددة في تصحيح المسار وتثبيت الأصول، ومن ثم فإن هذا النقد الذي تمارسه الحداثة على ذاتها ينطوي على خلفية أساسية تكمن في الدفاع عن مشروعها والوصول به إلى نقطة التوازن.

معضلة الدين وتماسك القانون ـ هادي معزوز"إن المعرفة المطلقة حدسيا، هي المعرفة التجريبية بما أنها عِلَّةُ جميع الموضوعات الكونية، حيث يمكن تلخيصها في الفن والعلم"
ـ كيوم دوكام ـ  
    هل يجب أن نحكم بالدين، أم بالقانون، أم بِهِما معا؟ كيف سننخرط في العالم والحياة اليومية عندما نلخص الإنسان في بعده الثيولوجي فقط؟ وهل يعتبر الحكم بالقانون تملصاً من الدين كمرجعية؟ هل يجب حصر الدين في جانبه الروحاني فقط، أم أن أنه حاضر في كل علاقاتنا؟ سنحاول قراءة ما تم ذكره في هذا المقام قراءة رياضية، أي أننا سنبني قولنا في هذا الشأن عن طريق البرهان بالخلف، سنفترض كل جواب على حدة، ثم بعدها سنرى مالذي سيحصل، بناءً أولا على معطيات واقعنا الحالي، وأيضا انطلاقا من خصوصياتنا التاريخية، على الأقل ما أحوجنا اليوم إلى مناقشة هذا الموضوع مطولا، والشاهد على ذلك هو الأحداث المتسارعة التي بات يعرفها عالمنا العربي من محيطه إلى خليجه.
    لا شك أن هذا الذي تم ذكره آنفا خيض فيه مطولا منذ فجر الإسلام وإن باحتشام مبالغ فيه، ثم سلك طريقه الواضح منذ القرن الثاني الهجري، حيث لبس معطف التسيير والتخيير، أي هل يحكم الخليفة كخليفة أي كإنسان على غرار الجميع؟ أم أن أقدارنا تمت كتابتها قبل انبثاقنا في الوجود؟ بعبارة أخرى: هل ما يحصل لنا هو بمعزل وبمنأى عن إرادتنا؟ ومنه فإننا نحكم بالدين، أم أن لنا جانبا كبيرا من المسؤولية على أفعالنا؟ كلنا نعرف القصة الشهيرة التي حدثت للمعتزلة عندما أخرجوا هذا النقاش إلى العلن، صحيح أنه نقاش فلسفي بامتياز بيد أنه يتأسس على تربة سياسية محضة، شكلت الفتنة الكبرى والحروب بين الصحابة من أجل السلطة ديدنها الرئيسي، وبما أن الفكر الاعتزالي عاش نزرا من الدهر ثم أُقبر بعدئذ، فإن هذا النقاش بدوره عرف أفوله ليؤجل إلى موعد لاحق، والحق أننا بِتنا اليوم نعيش تَبِعاتِ كَبْتِهِ، مما جعلنا نعيش في عصر جديد لكن بعقلية العصور الوسطى، نخلط بين الديني والدنيوي، نفرض على الآخر ما نريد، ونسمح له بما نريد، مما جعلنا أمة معلقة بين السماء والأرض.

Adam-Schaff    أصبحت الإشكالية اللسانية linguistique la problématique احد أهم الانشغالات المركزية، إن لم تكن الرئيسية، خاصة في الفلسفة غير الماركسية في القرن العشرين. فمجمل القضايا والمشاكل التي يدرجها النقد الماركسي عادة تحت مسمى " الفلسفة الدَّلالية philosophie sémantique " تؤسس لظاهرة شديدة التعقيد والتنوع للغاية، على خلاف ما تبدو عليه في الظاهر. ولغرض التثبت من ذلك، يكفي تتبع الاتجاهات الفلسفية السائدة كما نلمحها في كل من: النزعة الرمزية لمدرسة الفيلسوف الألماني إرنست كاسيرر والمرتبطة بتيار الكانتية الجديدة؛ والنزعة التجريبية المنطقية لحلقة فيينا المقترنة بتيار الوضعية المنطقية؛ والنزعة الذرية المنطقية للفيلسوف الانجليزي برتراند راسل ومدرسته  التي تجمع بين المدرسة التجريبية الانجليزية وبين النزعة الأفلاطونية على حد سواء؛ أضف إلى تلك التيارات أيضا، كل من: الفلسفة اللسانية لمدرسة أكسفورد المعاصرة والمستندة على طروحات الفيلسوف النمساوي فيتجنشتاين؛ وكذلك تيار التحليل الدَّلالي لمدرسة لفوف-وارسو  Lvov et de Varsovie البولونية التي تعود في أصولها إلى كل من الفيلسوف الألماني النمساوي فرانز برنتانو والى المذهب الوضعي...الخ من الاتجاهات الفلسفية الأخرى الشائعة، والتي طرحتُها على سبيل المثال لا الحصر، منتخبا منها ما هو فلسفي وما هو حامل لخاصية ولتوجه لساني بالمعنى الدقيق للكلمة، واضعا على حدة،  الاتجاهات المتعددة المعبر عنها في علوم المنطق والجماليات والسوسيولوجيا...الخ. 

anfasse3448قد لا يسعنا اليوم إلا أن ندعو الجميع إلى إحياء نقاش قديم جديد والذي ليس إلا طلب الانخراط في مناقشة سؤال الحداثة وفهمه، الغريب في الأمر أن أغلبنا يحكم على أشياء عديدة جدا، دون أن يعرفها سلفا، ودون اطلاع منه ولو على جزء بسيط منها، صحيح أن لهاته الأحكام العمياء أسبابا كبيرة يمكن حصرها أساسا في التعصب للرأي، والجهل بالجهل، والخوف من التغيير بما أننا نقف على أرضية جد هشة... والحال أن الحداثة قد تنزلت مما ذكرناه آنفا منزلة الحجر من الزاوية، خاصة وأنها باتت لغزا بعدما كانت الوضوح في أرقى صوره، وتحولت إلى عدو بعدما بناها رجالاتها كصديق للإنسان ومخلص له، من التبعية العمياء والاستبداد الفكري والسياسي...
    ليست الحداثة كما يعتقد السواد الأعظم من الناس، ترفا فكريا الغرض منه إفساد عقول العباد، كما ليست تحمل بين تضاعيفها منطق الرفض للدين والأخلاق السائدة، بقدر ما أنها بعيدة كل البعد على رفض التقاليد وتفتيت الهويات، وإلا فأين نصنف الحداثة في الصين واليابان وكوريا الجنوبية، ثم تركيا والبرازيل شيئا ما؟ حيث الاحتكام للقانون، واحترام الأقليات، وتكريس روح فصل السلط ودولة الحق والقانون لكن دون التخلي عن المكتسبات التي قدمها التاريخ والأصل والجذر.

anfasse3445الإنجاز، سلوك عملي ،يقوم على فعل يمارسه الإنسان لتحقيق منفعة يصيب أثرها الذات الفردية المنجزة للفعل، أو الذات الجماعية المنجز لها. و يرتبط السلوك الإنجازي في الصورة الذهنية، بمنجز، يحظى بقيمة نفعية مخصوصة، و قد يكون فكريا، أو اجتماعيا، أو سياسيا أو اقتصاديا، فيقال، إنجاز فكري عظيم، إنجاز اقتصادي عملاق، إنجاز سياسي فريد. إنجاز علمي مدهش .و بقول أخر، الإنجاز، سلوك مخصوص، يحكمه التدبير العقلاني المبني على سجايا مخصوصة ،قائمة على قاعدة نظرية مخصوصة، عصبها الفكر الخلاق. و معنى ذلك، الفكر العلمي المنتج باعتباره قاعدة و أساس الإنجاز البناء. إذ كلما ازدهر الفكر و نشطت الفعالية المعرفية السائرة على هدي نور النظر العقلي و حصافة المنطق، إلا و تحقق فعل الإنجاز على الوجه المطلوب. و هو ما يفسر جدلية العلاقة القائمة   بين فعل الإنجاز ببعديه النظري و العملي. و لعلها الحقيقة التي سار على هديها العقل المنجز الذي حقق سبقا و تفوقا على المستوى ألإنجازي. و على هذا الأساس يمكن القول إن الإنجاز ممارسة عقلية راقية تحكمها قيم و قناعات و خبرات و مهارات  تمثل ذخيرة تسمى ثقافة الإنجاز. و الجدير بالذكر في هذا المقام أن بناء ثقافة الإنجاز ليس بالعمل الهين بل مشروعا ضخما يرتبط تحقيقه بثابتين جوهريين:

anfasse7799" ان الكائن البشري ينطوي على استعدادات للتحول الذاتي تتنبه في حالات الأزمة عندما تأخذ الأشياء المتصلبة في التفكك في مواجهة المخاطر."1[1]
ينتمي كارل ماركس إلى فلسفة الرجة ويعتبر واحد من كاشفي الأقنعة وأقطاب الظنة وذلك لممارسته النقد الفلسفي للمجتمع وتطبيقه قراءة إيديولوجية علمية للوضع الاقتصادي للبشر تحت عنوان الجدلية المادية والجدلية التاريخية وذلك بالاستفادة من كشوفات علم الاقتصاد السياسي الكلاسيكي وتطورية شارلز داروين ووضعية أوغست كونت. في هذا السياق بدل إتباع المنهج الجدلي العقلاني عند هيجل الذي ينزل من السماء إلى الأرض ويسقط نسق الأحكام المطلقة على الواقع النسبي ولوحة المفاهيم المجردة على الظواهر الملموسة وبدل أن يدرس الناس من زاوية التخيلات والأشباح والأوهام والأقوال والآراء التي يكونوها عن أنفسهم وعن بعضهم البعض واعتبار ماهو معقول هو واقعي وماهو واقعي معقول يقوم ماركس بعملية قلب إيديولوجية ويبدأ من الأرض ويصعد إلى السماء وينطلق من الوقائع المادية ومن الناس بماهم لحم ودم ويوثق الصلة بلغة حياتهم الواقعية والفعالية الحقيقية ونشاطهم المادي ويدرس شروط نمو قواهم الإنتاجية وأوجه التبادل الاقتصادي المباشر ونمط العلاقات الاجتماعية التي توافق إنتاجهم ويعتمد على التجربة. لقد اقترب ماركس من الصواب حينما أعلن:" إننا ننطلق من الأفراد الواقعيين الأحياء أنفسهم ونعتبر الوعي ، فقط الوعي، يتعلق بهم"2[2]. 

anfasse7789لماذا نخاف من الحقائق أو بالأحرى من بعض الحقائق؟ بل ما هي الحقيقة؟ وهل هناك واحدة أم أن الحقيقة متعددة بتعدد مواضيعها؟ الحال أننا ملزمون أولا بفهم دلالة الحقيقة، ثم بعد ذلك سنحاول الإجابة على الأسئلة المذكورة أعلاه لكن ليس من جانبها الفلسفي الصارم الذي يجرد مفهوم الحقيقة، بقدر ما سنحاول قراءة الحقيقة والخوف من الحقيقة انطلاقا من واقعنا المعيش، معتمدين على الخصوصية التاريخية والثقافية أيضا.
أولا وقبل كل شيء يعرف الفلاسفة الحقيقة بكونها مطابقة الفكر للواقع ــ وإن كان تعريفا بيداغوجيا ربما يفرق أكثر مما يجمع بحسب تعدد المدارس ــ مادام كل ما هو عقلي واقعي والعكس بالعكس، أي أن الحقيقة هي مطابقة ما في الأذهان لما في الأعيان حسب التراث الإسلامي العربي، من ثمة فإن المستفاد منه مما سبق، يكمن في أن سؤال الحقيقة لا يتحمل وجهان متناقضان، كما لا يؤمن بالخطاب المزدوج، الحقيقة قول صريح لما في الأعماق، والحقيقة أيضا هو عندما يسكن العمق السطح، فيصبح العمق عميقا في سطحه، إنها حذف صريح للثنائيات الميتافيزيقية، كما أنها تعمل على تصديع كل تاريخ يؤمن بما هو رسمي متداول وبما هو سري ليس من حق الجميع الاطلاع عليه، ربما وبانطلاقنا من هاته التعاريف يمكن أن نقبل باستنتاج بسيط أو قُلْ بمنطلق أول، يدعونا إلى استشفافه بناءا على الواقع وبناءً على أسئلته أيضا، من هنا لا بد من الربط بين الإنسان كمنتج للحقيقة وبين الحقيقة كسلاح ينقلب على الإنسان في أية لحظة، بما أن الحقيقة ليست بريئة في كل حال من الأحوال.