anfasse22015لعل ما يُساهم اليوم في تكريس دوغمائية العقل الإسلامي، وتدعيم السياج المُطبق عليه هو الاستمرار في اجترارِ قِراءةٍ حَرفيةٍ لِلنصِ الديني، ويكفي المرء هنا  للوقوف على هذه المسألة العودة  إلى المعيش اليومي لِيرى الكم الهائل من السورٍ و الآيات التي يستشهد  بها المسلمون في حياتهم اليومية، وهي آيات غالباً ما تأتي مبتورةً من سياقها الاجتماعي والسياسي والاقتصادي الذي ولدها، وبالتالي مُستعملةً دون أدنى وعي تاريخي؛ فالذي يستشهد بها يُسقط شرطها التاريخي، ويذهل عنه أن هذه الأخيرة جد مُتصلةٍ باللحظة التاريخية التي أنتجتها. هذا في ما خَصَّ الوعي التاريخي، أما الوعي اللغوي فهو الأهم والأخطر؛ فنعلم جيدا أن اللغة القرآنية شديدة الارتباطِ بالبيئة الجاهلية التي سبقتها، من هنا فالمعنى الذي نعطيه لبعض المصطلحات القرآنية اليوم قد يكون هو النقيض الموضوعي لما كانت تحمله سابقا، والذي لا مِرية فيه أن هذا التَخَارج على مستوى المعنى سَينعكس لا محالة على فهمنا لِمضامين النص الديني. وليس غريبا أن نجد نفر من المسلمين المعاصرين ما يزالون يرغبون في الدفاعِ عن الإسلامِ بالسيفِ والعنف، نظرا لِما قد يُحدثه التأويل اللاتاريخي أو اللالغوي للنص الديني من شحنٍ للأنفس وتعبِئةٍ للعقول على ضرورة الجهاد، وإرجاع غير المُسلم عُنوةً إلى دينِ الحقِ. كل هذه الإشكالات  تدفعنا إلى التساؤل أولا وقبل كل شيء عن بنية هذا العقل المسلم المتطرف؟ ما العلاقة التي تجمع الإسلام بالتطرف؟  للإجابة عن هذه التساؤلات آثرنا الوقوف عند مقاربة محمد أركون  التفكيكية لِبنية العقل العربي الإسلامي.

anfasse22013يقدم الدكتور هـ.شرابي أطروحته الموسومة : "مشكلة القيم في فلسفة هارتمان* ولويس كلرنس*" لينال بها شهادة الماجستير سنة 1948 بجامعة شيكاغو. وهي الرسالة الأولى فيما اعتقد ...نظرا للاهتمام القليل بنظرية القيمة في فكرنا العربي المعاصر ، اللهم إلا ما يعد اليوم على الأصابع ...فهي تعد إضافة علمية للمكتبة العربية في هذا المجال.
ولاعتبار ثان ، كون الفلسفة التقليدية لم تهتم بالقيم إلا من خلال نظرية المعرفة التي تعالج مشكل الحقيقة وعلم الجمال الذي يعالج مشكل الجمال والأخلاق التي تعالج مشكل الخير . كما كانت تهتم بها لا لمعرفة بنيتها ، بل لمعرفة الكيفية والشروط التي تُوصلنا إليها .ـ لكن الفلسفة المعاصرة ( فلسفة القيم المعاصرة) أضحت تبحث عن القيمة في الموضوع الذي يجسمها أكثر مما تبحث عنها في الشخص الذي يقدرها وعن الكيفية التي تصير القيمة بها حاضرة في الموضوع، أو عن الكيفية التي يكتسبها الموضوع بها .
وعليه، لقد كان اختيار المؤلف لهذه المشكلة، ناتج عن تأثره بالفيلسوف " هارتمان " الذي يقول عنه، أنه كان في أسلوبه مثاليا بالرغم من كونه من أتباع " هوسرل " كما كان له تأثير كبير في الفلسفة الوجودية المعاصرة. إذ يعتبر القيم الأخلاقية كالعدالة والشجاعة والمحبة والصداقة ( مثلا موضوعية ) لا تتغير بتغير المكان والزمان ، وتتمتع بوجود أبدي كالمثل الأفلاطونية . بالإضافة إلى ما يتميز به في الكتابة التي كانت غاية في الدقة والأناقة والجمال... مما جذبه أكثر نحو " هارتمان .

anfasse15017"إن فن الرسم يقحم صعوبة: فهناك فكر يرى ويمكن أن يوصف بشكل مرئـي. هكذا فإن لوحة "الوصيفات" هي صورة مرئية لتفكير بيلاسكيث اللامرئي. فهل معنى هذا إذن أن اللامرئي يمكن أن يكون أحيانا مرئيا؟ نعم، شريطة أن يكون الفكر مكونا فقط من أشكال مرئية" روني ماجريت (René Magritte)(1)
مقدمة:
بإمكان الباحث في ميدان الفلسفة أن يجد دائما في تاريخ فن الرسم أمثلة معبرة على التحولات التي عرفتها بعض المفاهيم الفلسفية. وبإمكانه في المقابل أن ينطلق من الإمكانات الفكرية التي تتيحها الفلسفة لكي يبحث في القواعد والأطر التي قننت النظم الإستطيقية لفن الرسم. هذا الطريق الثاني هو الذي قررنا نهجه عندما عزمنا البحث في المكانة الخاصة التي احتلها مفهوما المنظورية Perspectiva والتمثل Repraesentation في تاريخ فن الرسم La Peinture وانعكاسات هذا على تغيير صور المكان والرؤية.
لن ندعي في هذا المقال المتواضع القدرة على الإحاطة بكل المشاكل والحيثيات الإستطيقية التي يستدعيها مفهوما المكان والرؤية في فن الرسم، فما نرمي إليه بالأساس هو الوقوف على الأسس الفلسفية الكبرى التي قادت رسامي عصر النهضة إلى اكتشاف تقنية المنظورية وإلى بناء صورة جديدة للمكان وللتمثل ستجسد بحق انقلابا هاما في تاريخ فن الرسم والتشكيل، وكذا الأسباب التي قضت بتحطيم هذا التصور منذ مطلع القرن العشرين.
ولن نقوم من جهة أخرى بتاريخ دقيق ومتكامل لمفاهيم المكان والرؤية لأن ما يعنينا في العمق ليست هي الاعتبارات التقنية وإنما القواعد والنتائج الفلسفية التي كانت ضمنيا خلف بناء مفهوم جديد للمكان التشكيلي ابتداء مما يتعارف على تسميته "بالقرن الخامس عشر الإيتالي" Le Quattrocento؛ وهو القرن الذي يمثل في نظر مؤرخي فن الرسم، التدشين الفعلي لميلاد مفهوم المنظورية والتمثل دون غيرهما من المفاهيم الأخرى، فلأن هذين المفهومين سيلعبان دورا بالغ الأهمية في تحديد قواعد فن الرسم الكلاسيكي. ولن نحتاج إلى جهد كبير لتبين مظاهر التأثير التي مارسها هذان المفهومان لا على فن الرسم لوحده بل على الثقافة الغربية بصفة عامة، إلى حد أن إرقين بانوفسكي Erwin Panofsky يعتبر الجهاز المنظوري تشكيلة رمزية لاتستنفذ قيمتها في البعد الهندسي لمفرده وإنما تتعداه لتشمل البعد الثقافي أيضا. كما أننا لن نفتقد الأمثلة العديدة للتأكيد على أن فن الرسم ظل إلى عهد قريب جدا يصبو إلى تحقيق "الوظيفة التمثيلية"، الأمر الذي سيعطي لمفهوم "التمثل" مكانة سامية. ولسنا في المقابل بحاجة إلى التوضيح بأن هذا المفهوم سيكون له وقع كبير على ميلاد الحداثة في الفلسفة.

anfasse15015لقد أخذ تأريخ فوكو للحقيقة اسم جينيالوجيا(1) فهذه الأخيرة تعد الأداة التي تسمح للفلسفة بأن تلتقي بالتاريخ؛ بجعل الفلسفة تتخلى عن منطلقاتها الميتافيزيقية، والدفع بالتاريخ إلى أن يكون اهتماما بما يحدث فعلا في جميع مستوياته المختلفة. من هنا تظهر الجنيالوجيا وسيلة لتقويض الميتافيزيقا باعتبارها إنتاجا للحقيقة، من خلال نقد لمنطلقاتها، وإعادة النظر في الأساس المفاهيمي الذي تستند إلى الأزواج. ولعل أهمية البحث الجنيالوجي، كتقويض للميتافيزيقا، تظهر في وصفه للواقع الإنساني، كواقع يتشكل من الصراعات والمصالح، ومن ثمة الهيمنة، والرغبة في التملك(2)، إذ لا مجال للقفز على هذا الواقع من خلال إنشاء مفاهيم مجردة تنشئ عالما ينوب عن العالم الواقعي، عالما تنتفي فيه الصراعات والمصالح. إضافة إلى أن الجينيالوجيا على خلاف الميتافيزيقا، لا تهتم بالبحث في الأصل الأول الذي صدرت عنه الموجودات، باعتباره ما يحددها، ما يعطيها نمطا من الوجود تتشكل منه هويتها الثابتة(3). إن ما تظهره الجنيالوجيا هو أن الأصول -إذ ليس هناك أصل بالمفرد- حصيلة الصراع، وبالتالي فهي تتلون بطبيعته، وما يرتبط به من مصالح ومنافع, من هنا فالجنيالوجيا هي تاريخ للحقيقة؛ وهذا يعني أن التأريخ الذي يريد الجنيالوجي القيام به، يهدف إلى بيان أن الأحداث التاريخية تجد تفسيرها الحقيقي في تحديد طبيعة الحقيقة(4) التي تشكل "مادة" التاريخ، ذلك أن الإنسان وهو يشتغل، ويتكلم، ويحيا ويرغب(5)، وهو بهذا يشكل تاريخه الخاص، يجد نفسه محاطا بنوع من الحقيقة التي توافق ما يحدث. وهذا التوافق يتجسد في الممارسة التي تخص تاريخه، والتي تعطيه قواما متميزا.

anfasse15013لماذا نفكر؟ بل لماذا يجب أن نفكر؟ التفكير سمة إنسانية محضة جادت بها الطبيعة على هذا الكائن، بيد أننا سنقف حائرين أمام هذا الكرم وهذا السخاء الطبيعي علينا، حيث للتفكير حدان لا يمكن أن يلتقيا، مثلما للإنسان وجهان ليس بإمكانهما العيش معا في نفس الحين، من ثمة وبقدر ما يساعدنا التفكير على حل معضلاتنا، بقدر ما يعيدنا إلى تخلف كبير، فنغدو معلقين بين السماء والأرض مصابين بلعنة التيه والفراغ.
    إننا نفكر ظاهريا من أجل الانفلات من تلك التي نعتبرها مشكلات وعوائق تحد من إرادة الإنسان سعيا للتقدم الإيجابي، في نفس الوقت يأخذ هذا التفكير إرادته السلبية الساعية إلى الهيمنة واستعباد الآخرين، وعليه فمن الواجب الأخذ بعين الاعتبار أن الإنسان ينحدر  من الطبيعة، والحال أن هذا الانحدار يجعلنا نقف أمام جوهر الإنسان المؤمن بالبقاء للأقوى، وهذه هي باختصار قصة العلاقة بين الإنسان والعالم، لكن ما موقع التفكير من كل هذا؟
    عندما نفكر نربط علاقة ثنائية، الأولى مع العالم والثانية مع الآخرين، إننا نفكر إذن سعيا في تكريس الحضور على الغياب، كما أننا نفكر طمعا في ترميم قراءاتنا السابقة حول العالم نحو الإنسان، التفكير شرط أساسي لكل تقدم سديد، ومحرك إبستيمولوجي لكل إرادات الحياة، لكن هذا الحلم ينقلب بدوره إلى كابوس عندما ترافق كل أشكال التفكير أمراضا خبيثة تحوله من محرك إلى عائق وهو الأمر الحاصل اليوم في ثقافتنا كما في إسهاماتنا.

anfasse15012تعُدُ فينومينولوجيا إدموند هوسرل " 1859- 1938 " إحدى أهم التيارات الفلسفية التي كان لها بالغ الأثر على الفكر الأوربي بمختلف مشاربه واتجاهاته الفلسفية , ذلك لما وجهته من سهام  نقد جذري للموروث الفلسفي والعلمي للقارة الأوربية . ابتداء من تأسيس الوعي على الأنا أفكر " الكوجيتو " الديكارتي . وصولاً للعلوم الطبيعية التي أخذت تنسي عالم العيش و أفق الحياة , وليس انتهاءاً بالعلوم الإنسانية التي جعلت من الإنسان ووعيه موضوعا متماثلا و موضوعات التجربة العلمية رغم البون الشاسع ما بين الظواهر الطبيعية والإنسانية , تمايز آليات ومناهج  البحث  بينهما . ما حمل " هوسرل " على رفع معاول نقده عالياً في وجه هذه المعرفة " الطبيعية والنفسية " التي كانت قد بلغت أزمة حادة  , جعلتها عاجزة عن أن تقدم نفسها كعلم يتسم بالبداهة واليقين  , الثبات والثقة , خاصة بعد أن تناقضت العلوم المنتشرة في عصره مع بعضها البعض  , وتعددت أفكار وأراء  الفلاسفة دون أن ترتكز على منطلقات معرفية واحدة تجعلها تبلغ الحقيقة الكلية والوعي الماهوي للذات  .

anfasse08019I - إيتيمولوجيا الكلمة:
كلمة تقدم (Progrès, Progress) هي كلمة من أصل لاتيني (Progressus) مشتقة من الفعل Progredi بمعنى السير إلى الأمام أو التقدم إلى الأمام في الزمان أو في المكان أو فيهما معا: التقدم في السن والتقدم في قطع مسافة مثلا. عند بادئ الرأي (عامة الناس)، التقدم حركة غير دائرية وغير تراجعية حُمِلَتْ أولا على تنقل الجيش عندما يتقدم نحو العدو ثم استعملت بمعنى مجازي للإشارة إلى التطور في الزمان أو التغيير الذي يسعى إلى هدف محمود كالتغيير في طرق العيش وفي طرق التفكير وفي التعامل مع الطبيعة الخ. تعني أيضا كلمة تقدم: تطور الإنسانية عامة أو التحضر. أما في اللغة العربية فيبدو أن كلمة تقدم تفيد أصلا الرجوع إلى القديم أي المتقدم (في مقابل المتأخر).
II - نشأة وتطور فكرة التقدم:
ظهرت فكرة التقدم، كما نفهمها اليوم، أي بمعنى التحضر، في الحضارة الغربية خلال النصف الثاني من ق17م، وذلك عندما بدأ العلماء والأدباء آنئذ يتجادلون حول الأهمية التي ينبغي إيلاؤها أو عدم إيلائها لآراء القدماء وإنتاجهم العلمي والأدبي. ولقد تمخض عن هذا الجدل موقفان أساسيان: موقف يمثله أنصار الماضي (أو ما نسميه في مغرب اليوم بالموقف السلفي أو الأصولي) وموقف يمثله أنصار الحداثة (أو التقدميون).
حسب الموقف الأول، القدماء أكثر حكمة من المحدثين لأنهم أسبق زمنا وأكبر عمرا، وبالتالي أنضج رأيا. ينطلق أنصار هذا الرأي من فكرة أنثروبومورفية مفادها أن المجتمع الإنساني يشبه الإنسان تماما بحيث كلما طال عمره كلما أصابت حكمته. فالتقدم، بالنسبة لهؤلاء، هو الرجوع إلى آراء القدماء (أي الرجوع إلى التراث) واعتبارها نموذجا للتقدم ينبغي إعادة تحقيقه. ومن المحتمل أن تكون الرغبة في تأدية هذا المعنى هي التي حدت بالمترجم العربي إلى ترجمة كلمة Progress بكلمة تقدم.

anfasse08017ليس من شك في أن العلم والتقنية أصبحا أملا واعدا للبشرية بالإزدهار ،والتقدم والرقي ،وهي نتيجة لتطبيق اكتشافات علمية كبرى ،والتقنية كمفهوم شمولي كما عرفها لالاند هي مجموعة من العمليات والإجراءات المحددة تحديدا دقيقا، والقابلة للنقل والتحويل والرامية إلى تحقيق بعض النتائج التي تعتبر نافعة.
فهل نتذكر تلك الخدمات التي قدمتها التقنية للإنسان مند القدم إلى العصر الحديث؟، لكن لعل الشيء الأكثر غرابة أنها أصبحت في الحقبة المعاصرة كائنا غير مراقب يتحرك كما يريد دون إذن من أحد حتى صارت هي التي تراقبنا ولسنا نحن، لقد صنع الإنسان إن صح التعبير فناءه بيده، لقد صارت التقنية عقلانية مغلوطة بتعبير ماركيوز. و أقامت لنفسها محكمة تحاكم كل من تجاوز حدود التعامل معها.
يحاور هايدغر عصره محاورة نقدية وذلك بالعودة إلى مشكلاته, فمن خصائص هذا العصر أنه عرف اكتمال الميتافيزيقا اكتمالا نهائيا في ظل هيمنة الخطاب التقني الذي تحكمه نزعة عقلانية تتمركز حول ذاتها,و تسعى إلى تسخير التقنية لفرض رؤية تدميرية كانت الخطر الأعظم على العالم.
فهل التقنية الحديثة نتيجة لتطبيق علوم الطبيعة على الواقع؟ وماهي المخلفات التي تركتها التقنية على الطبيعة وعلى الإنسانية حسب هايدغر؟ و ماهو السبيل لاستعادة سؤال الوجود في ظل معرفة ماهية التقنية؟ وهل كان للفيزياء دور فعال في تهميش طرح سؤال ماهية التقنية؟ وهل اقترب العقل التقني من لحظة الإنفجار الأعظم كما أسماه هايدغر؟ وهل تشكل التقنية تهديدا فعليا لمصير الإنسان؟
استطاع هايدغر بخلاف غيره من الفلاسفة تحويل عصره إلى مجموعة من الإشكالات ذات أهمية بالغة, كانت مهمة الفلسفة أن تقوض الثوابت الميتافيزيقية وتزعزع سلطة العقلانية الحديثة بكل أبعادها ومستوياتها.

anfasse08013 تعتبر كلمة الحرية من بين الكلمات الأكثر إستعمالا اليوم ، في واقعنا خصوصا العربي . و التي تكون ملتصقة في غالب الأحيان مع الديمقراطية و التعددية  والإستقلالية. سنركز على مفهوم الحرية بكونه شعارا يرفعه الفرد في فضاءات متعدة : الاسرة ، العمل ، الدولة ...و بالتالي فشعار الحرية يخفي أهدافا متابينة .
      سنتوقف عند مفهوم الحرية كمادة للتحليل الفلسفي و الاجتماعي ، كمطلب ضروري موجود في الدولة ومفقود في الواقع . إن الإنطلاق من هذا المفهوم يستدعي منا استيعاب الأليات التي تجعله يغيب و يحضر في الواقع السياسي و الاجتماعي .لذلك فالمطالبة بالحرية هناك ما  يبرره. فالحرية يمكن أن تكون وسيلة لتحقيق هدف معين : حرية التعبير حرية الاحتجاج ، حرية المعتقد ، الحريات الفردية ...يوجد إذن دافع كمبرر للمطالبة بالحرية .فإشكال الحرية يكمن في مدى  إمكانية تحقيق الصورة التي تشغلها الحرية في ذهن من يطالب بها . فسؤال ما الحرية  ؟ غير مجدي و غير نافع .فالأحرى بنا القول ، كيف تتصور الحرية الآن ؟ بحيث سيكون الجواب  حريتي الآن هي أن أفعل و أعبر عن  ما أريده في إطار القانون دون أن اشعر بقيد أو أحس بأن هناك من يضايقني أو يسلب لي حريتي. ذلك هو المبرر الفعلي لرفع شعار " الحرية هنا و الآن ".

anfasse08012إن هذا المقال حدد لنفسه هدفا هو استخراج مضامين القسم الثاني من كتاب النقد المزدوج/Double Critique، و بها وعليها سنسير لاكتشاف المحتوى الفلسفي لفكر عبد الكبير الخطيبي، الذي وبالرغم من تصنيفه في عداد السوسيولوجيين، إلا أن فلسفــته تقوم على مرتكزات فلسفية صلبة، وبذلك سنسعى إلى تفكيك خطابه من أجل تبين هذه الأسس كما فعل هو ذاته من خلال تفكيك التراث الذي انطلق منه معظم المفكرين العرب عموما والمغاربة خصوصا من أجل الكشف عن أسسه الميتافيزيقية واللاهوتية، وعليــه فإن محـاور هذا العرض ستعرض بشكـل مقتضب ومركز فيما يخص أهم الأفكــار الواردة في القسم الثاني "علاقة ماركس باليهود، الماركسية ضد الصهيونية، وسوسيولوجيا المغرب والعالم العربي".

1-القراءة الماركسية و الفرويدية للمسألة اليهودية من منظور الخطيبي:
"إن اليهودي لن يتحرر إلا بعد تحرره من اليهودية"
كارل ماركس، المسألة اليهودية

بعد أن فكك د. الخطيبي التراث العربي أو ما يسمى بالأنــا وبين أن الوحدة والأصـل في ما يسمى الهوية العربية مجرد مفهومان ميتــافيزيقيان يستندان تارة علنا (الأصولية) وتارة ضمنيا (التاريخانية) لأساس لاهوتي هو النص القرآني، يذهب الآن إلى تفكيك خطــاب الوحدة والأصل لدى الآخر الذي ندعوه الغرب ممثلا في المسـألة اليهودية/La question juive ، معتمدا على المنظور المــاركسي و الإختلافي على حد سواء، فقد نجد نقطة تماس ما بين فلاسفة الاختلاف والماركسيين فيما يسمى بالمسألة القومية عمــوما، وعليه فإن أهم خلاصة نظرية يجب أن نتلمسها بعد الإنتهاء من هذا المحور هي: لمــاذا تطرق الخطيبي بالذات للرؤية الماركسية والفرويدية؟

anfasse0110I – حول الصور المتعددة للفكر التأويلي الرشدي.
لا ريب أن تقييم المتن الفلسفي الرشدي الشارح لأرسطو، والتأمل في أبعاده ودلالاته الفلسفية العامة من شأنه أن يفضي حتما إلى إدراك وجود مفارقة كبرى تفصل هذا المتن إلى نصين، أو بالأحرى إلى نظامين دلاليين يتولد فيهما اللاحق عن سابقه ويستنسخه في الوقت ذاته، إذ يتعلق الأمر في الممارسة الرشدية الشارحة لأرسطو بالوضع الإشكالي لقضية المعنى ولصيغ تداوله وتأويله، ذلك أن الشروحات الرشدية على أرسطو تضعنا في مواجهة بناء معرفي يتقابل فيه نظامان للحقيقة ولكيفية إنتاج الدلالة يمتلك كل منهما أفقه اللساني والثقافي الخاص به. ومن الأكيد أن القصد الرشدي المحرك لشروحاته الفلسفية يتجاوز ذلك الفهم الضيق للتأويل البرهاني كحصر لمنطق العلاقات بين العلامة والمعنى، ليصب في اتجاه البحث في المنظومات والقواعد التي حددت تحولات هذا المعنى، تلك التحولات التي أفضت إلى استيعابه في ممكنات تأويلية متعددة، مشائية متأخرة وإسلامية، قاسمها المشترك في الاعتبار الرشدي عكوفها على إنتاج وتوليد صور من المعاني والدلالات ليست بتلك "الدلالة الأولى" التي يؤشر عليها النص الأرسطي المؤسس، ولا يصلها به سند مرجعي محدد.
ومما لا شك فيه أن إصرار ابن رشد على ضرورة وفاء النظر الفلسفي بشروط اليقين التام والعلم المحقق، كشرط إبستيمولوجي يضمن إمكانية العلم بالعلة، لا يبرره إلا قلقه الصامت من تفكك أنساق الدلالة وتضارب أنظمة المعنى بفعل تصارع التأويلات المذهبية وانكسار الخطاب الفلسفي أمام المد الكلامي الأشعري نتيجة استبدال الركائز الثقافية والفكرية للعقلانية الفلسفية في الفترات الحالكة من سياسات الموحدين بمستويات فكرية جديدة ترتكس بالتعقل الفلسفي، وبشكل جذري، نحو الخيال الصوفي وصور اللامعقول. إذ يوحي الضروري في السياسة بمعالم هذا الوضع المضطرب، فإضافة إلى اعتراضات ابن رشد العديدة على مضامينه كنص أخلاقي وسياسي[1]، والتي تشهد على استحالة إمكانية تحول فكر أخلاقي يستند في بنيته العقلية ومرجعيته العملية، إلى مفاهيم كونية تتصل بالطبيعة الجوهرية للإنسان، إلى سلطة عملية لتدبير الواقعة الأخلاقية عن طريق السلوك المدني الفاضل، فإن الرشدية تأخذ على العقل العملي الأرسطي عجزه عن التقريب بين التصورات المختلفة عن طبيعة الإنسان في لغة أخلاقية موحدة ونظام مدني جامع[2].