anfasse11029سنفكر في هذا العنوان مع دريدا Derrida وبنصوصه، معتبرين ذلك محاولة للاقتراب من الأفق الفكري الذي عقد حوارات مع الميتافيزيقا(*) من أجل مجاوزتها.
I – الكتابة والميتافيزيقا:
أما السؤال الذي سنجعل منه منفذا للتفكير مع دريدا وهو يحاول تفكيك الميتافيزيقا هو الآتي: بأي معنى يعتبر الفكر الغربي في مختلف أعراضه بتصور واحد للكتابة، التصور الذي يقيم هذه الأخيرة (= الكتابة) على الصوت واللوجوس؟
تجدر الإشارة بداية، إلى أن دريدا، لا يخرج، في مفهمومه لهذا الذي نسميه فكرا غربيا، عن تصور هيدجر للميتافيزيقا. وذلك لأنه يربط مفهومه للكتابة بتاريخ الفكر الغربي منذ بدئه مع سقراط الذي يعتبر لحظة انقلبت معها مجموع القيم حين اعتبر الفكر هو القيمة الحقيقية "للطبيعة الإنسانية"، وأنه على النظام التربوي أن يهذب النفس من أجل صيانة هذه الطبيعة وذلك لأنها مهددة دوما بحمق الجسد وبمقوماته الحسية، وينبغي لهذا النظام أن يكون لا نهائيا لأن ثمة عالم الأهواء الذي يهدد رصانة العقل. وإذا كان الإنسان جسدا ونفسا تفكر، وبما أن هذه الأخيرة تتميز بالخلود والتعالي، فإنه يتعين علينا صيانتها بشكل دائم عن طريق التربية حتى يتسنى لعين النفس أن تتخلص ما أمكن من ظلال الكهف وضلالاتها وتتمكن من رؤية تقوم على العقل الذي ينبغي له أن يوجه الإنسان نحو الأعالي، نحو الآيديا الذي يتميز بوجود أنطلوجي متعال؛ على العقل، بوصفه المستوى الجوهري داخل النفس، أن يعمل جاهدا من أجل أن تحاكي ماهيته ماهية هذا العالم، عالم الآيديا. من هنا حصل انشطار الوجود إلى عالمين متنافرين، عالم يمثل الحقيقة وعالم يمثل الضلال.
فمنذ هذا العمل السقراطي ستصبح مسألة المعنى والكتابة هي مسألة الماهية. وستتخذ صيغة السؤال، الذي ظل يحكم الميتافيزيقا، الشكل الصوري التالي: "الشيء-ما هو؟" أي أن لكل شيء ماهية تتميز بالحضور والجوهرية: فالفكر جوهر الإنسان وطبيعته الحقة. وهو بهذا قابل للنقل في حضوره وصفائه، من رأس إلى رأس عن طريق الحوار وفن الجدل والمايوتيقا، أو يتم نقله عن طريق اللغة بوصفها موجودا يسمي الأشياء ويقوم بإيصال الأفكار بين العقول، خاصة وأن الأفكار ماهيات، ونحن نعرف مع أفلاطون أن الماهية لها سبق أنطلوجي في الوجود قبل اللغة أو الكلام.

anfasse11028لم تكن الدولة موجودة دوما على هذه الصورة التي نعرفها اليوم. ونحن مطالبون بدون شك بابتكار أشكال جديدة للتنظيم السياسي مستقبلا. وحين سنلبي الطلب سيتعين علينا أن نأخذ بعين الاعتبار مختلف الحوافز الأنتروبولوجية التي راهنت عليها الدولة الحديثة دوما. وسيكون من الخطر بمكان تجاهل أو تناس هذه الحوافز الأنتروبولوجية التي راهنت عليها الدولة الحديثة دوما. وسيكون من الخطر بمكان تجاهل أو تناس هذه الحوافز بدعوى مسايرة النزعة العلموية. إن هذه الحواجز ما كان لها أن تختفي، ولن يستقيم أي تحول في شكل الدولة إن لم يعتمدها وفق قواعد جديدة.
هل نستطيع تصور مجتمع بدون دولة؟ هذا السؤال كان عبارة عن حلم راود الأذهان طيلة هذا القرن الذي يوشك على الانتهاء. غير أن الدولة –رغم هذا الحلم- تبقى السد المنيع والأكثر فعالية في مواجهة العنف المدمر والمتنامي الذي يهز أرجاء العالم.
[ في فرنسا ] لم تتوقف المجادلات فيما بين الباحثين السياسيين حول التعارض الوجداني الذي يكتنف مشاعر المواطنين إزاء دولتهم. إن الاضطراب الأخير الناجم عن إضراب سائقي الشاحنات، من ضمن اضطرابات أخرى سابقة، يبين كيف أن لا مفر للمهتمين بالشؤون السياسية من الأخذ بعين الاعتبار هذا التعارض الوجداني. ففي هذا الصدد اتفق كل من أرباب العمل والمأجورين في القطاع الخاص على الترحيب ومباركة تدخل حكومي كفيل ليس بإيجاد حل لنزاعهم فحسب، بل ومن أجل رعاية وضمان اتفاق عاجل ودائم بين الطرفين.
وفي دراسة مطولة حول المركزية في الإدارة [ الفرنسية ] لأحد الباحثين (بيار لوجوندر Pièrre Legendre)، قدم هذا الأخير تلخيصا جيدا لهذه المشاعر المتناقضة فيما أسماه بالمفارقة في نظرة الفرنسيين إلى الدولة. ويتمثل هذا التلخيص في قوله "إنها (الدولة) حليفة وعدوة الكل في نفس الوقت".

anfasse11025لقد صرخ بعض المتعصبين المنتمين للدهماء، كون ان جون كالاس هو الذي قام بشنق ابنه مارك أنطوان، والحال أن ما تفوه به ذلك الشخص ما فتئ أن تم ترديده بعد ذلك، بل إن البعض أضافوا أن المتوفى كان قد قرر إعلان جحوده خلال يوم غذ، مما أيقظ حقد أسرته والشاب لافيس ضد الديانة الكاثوليكية، بعدها وفي غضون لحظة صغيرة لم نعد نشك أبدا كون أن المدينة برمتها اقتنعت أن هناك نقطة دينية عند البروتستانت أدت بأب وأم إلى قتل ابنهما فور قرار إعلان رغبته في تغيير انتماءه الديني.
والواقع أنه بتلقي هذا الخبر لم تتوقف العامة مطلقا، فقد ادعوا أن بروتستانتيو لانغدوك قد تجمعوا في نفس الليلة، حيث اختاروا بأغلبية الأصوات جلاد الطائفة، إذ وقع الاختيار عل الشاب لافيس، البالغ من العمر أربعة وعشرين سنة، حيث توصل بجديد نتيجة الانتخابات، ثم وصل بعدها إلى بوردو بغية مساعدة جون كالاس وزوجته وابنهما بيير، على خنق صديق وابن وأخ.
والحق أن محافظ (1) مدينة تولوز السيد دافيد، أُثارته هاته الإشاعات، مما جعله يرى أنه من الأفيد التدخل سريعا، وذلك عن طريق وضع إجراءات ضد المساطر والقرارات الثابتة، وهو ما أدى بوضع كل من عائلة كالاس وخادمتها الكاثوليكية وابنهما بيير، ولافيس على مرمى حجر.

anfasse05026بول ريكور المعروف بصمته وشحه بالاعترافات والنصوص البيوغرافية قبل في النهاية اقتراح كل من فرانسوا أزوفي ومارك دولوني مساعديه في الإشراف على تسيير مجلة الميتافيزيقا والأخلاق، بسرد مساره الشخصي والفكري على شكل حوار مطول يستعرض فيه مختلف محطات حياته. حصيلة هذا الحوار الذي استغرق عدة شهور شكلت مادة كتاب النقد والقناعة الذي يحسن أن لا ينظر إليه كمدخل وأعمال بول ريكور فحسب، باعتبار أنه يقدم فيه مسحا عاما لكل الحقول ذات الأهمية الفلسفية، من الميتافيزيقا إلى التحليل النفسي ومن الهيرمينوطيقا إلى تاريخ الفلسفة والثيولوجيا، بل أيضا كتفكير عميق حول أسئلة لم يسبق له أن عالجها في تآليفه المنشورة وكدرس في قدرته الفائقة على الربط بمهارة قل نظيرها بين المعارف والثقافات المتباعدة. الجزء الذي نقدمه معربا فيما يلي يمثل الفصل الثالث من الكتاب الذي يشتمل على ثمانية فصول أنجزت مادتها الحوارية بين أكتوبر ونونبر 1994، ثم ماي وشتنبر 1995 في بلدة شاتيني-مالابري Châtenay-Malabry بمكتب بول ريكور.
 

KIRكيركگورد خارج الأنساق الفلسفية:
  في عام  2013 مرَّ قرنان على ولادة الفيلسوف الدانماركي سورن كيركگورد، الذي ولد في 11/11/1813، وتقديراً لمكانته وأهمية منجزه اعتبر بلدُه الدانمارك هذه السنة خاصة بالاحتفاء به وإحياء آثاره، كما أُقيمت ندوات ومؤتمرات حوله في بلده وبلدان أخرى، ولم تهتم أو لم تتنبّه الجامعات العربية، ومراكز البحوث والدراسات، والدوريات الفكرية والدينية لهذه الذكرى. ما خلا مجلة قضايا إسلامية معاصرة التي خصصت العدد المزدوج 55-56 "صيف وخريف 2013"، جريا على تقاليدها؛ بتجاوز تكرار المكررات وشرح الشروح، للاحتفاء بهذا الفيلسوف المختلف، الخارج عن الأنساق الفلسفية، واللاهوتي الخارج على دوغمائية الإيمان الكنسي، والأديب الرؤيوي الخارج على صنعة الشعر والفن، والمفكر المتعدد المتنوع الخارج على الموضوعات الجاهزة إلى ما هو مهمل ومنسي، حين تخطى السياق المتوارث للتفكير الفلسفي، الذي اهتم بدراسة الإنسان من الخارج، فتمحورت كتاباته على دراسة الإنسان من الداخل، وطرح قضايا لم يهتم بها التفكير الفلسفي من قبل، مثل: الحب، الإيمان، المفارقة، الضمير، القلق، اليأس، الموت، وغيرها مما يعتمل في أعماق النفس البشرية. واهتم بإثارة الإشكالات من دون أن ينشغل بجوابها، يكتب: "إن مهمته في هذه الدنيا أن يثير الإشكالات في كل مكان، لا أن يجد لها حلا"[1].

anfasse29020لقد عرفت الكتابة عند الفلاسفة القدماء ظاهرة الازدواجية أو التناقض، سواء في الكتاب الواحد أو المؤلفات المختلفة لنفس الكاتب. والحق أن هذا التناقض ليس حكرا على الفلسفة فحسب، بل يطال التصوف والكلام، وإن بدرجات أقل. وهذا يعني أن التناقض عند القدماء يشمل قارات التراث المختلفة، بغض النظر عن الأسرة الفكرية التي ينتمي إليها هذا الكاتب، أو ينتسب لها ذاك. وقد شئنا لحديثنا في هذا العرض أن يقتصر على الفلسفة التي سنمثل لظاهرة التناقض فيها بالفارابي وابن رشد دون غيرهما من الفلاسفة المسلمين، حتى لا نثقل على القارئ الكريم، ونطول أنفاسه. فهل هذا التناقض الذي تحبل به الكتابات القديمة، مقصود أن غير مرام؟ كيف يمكن رأب الصدع ومد الجسور وإصلاح ذات البين، بين هذا الكتاب وذاك لنفس المؤلف؟ كيف يمكن فك "طلاسم" هذه الازدواجية، وتقريب الأفكار في ما بينها، وتأويل التناقض عند أصحابها؟ كيف يمكن سد الثلم والخروم، وملء الفجوات والنتوءات التي تقدم لنا هذا الفيلسوف أو ذاك، في صورة رجل "ولاج خراج"؟
لقد جرت العادة عند الباحثين المعاصرين، أن يعبروا عن ظاهرة التناقض عند القدماء باسم "الكتابة المزدوجة"، ولا نشتط إذا قلنا بأن هذه الظاهرة قديمة قدم الكتابة ذاتها، حيث ترتد بنا إلى اليونان. إذ يمكن تقسيم الكتابة الأرسطية –تمثيلا لا حصرا- إلى كتب أفلاطونية يدافع فيها المعلم الأول عن مذهب أفلاطوني، وكتب أخرى ينتقد فيها هذا المذهب نقدا مرا، ويتخلى فيها عن أسلوب المحاورات، ليكتب بأسلوب برهاني. ولا نبالغ إذا قلنا بأن ظاهرة التناقض عند الفلاسفة المسلمين لم تنشأ من فراغ أو عدم، بل لها ظروفها الموضوعية التي أوجدتها، وتربتها الملائمة التي أنجبتها، استنادا إلى المبدأ اليوناني الذي يعلمنا أنه "لا شيء من لا شيء". فلنومئ إلى مكامن هذا التناقض عند الفيلسوف المشرقي، قبل أن نشير بالبنان إلى مواطن الازدواجية عند الفيلسوف المغربي.
ازدواجية الكتابة الفارابية:

anfasse29019يمكن تمديد الفلسفة الهيغلية في اتجاهين متباينين: فلسفة تاريخ تفضي إلى إنسيان (Humanisme) بالمعنى الذي ستحمله عند فيورباخ أو عند ماركس؛ وفلسفة المعرفة المطلقة؛ ولكن أي معنى يبقى لتاريخ البشرية في الحالة الأخيرة هذه؟ إن الهيجلية تنطوي على هذين التطورين الممكنين؛ فهي ملتبسة لأن هيجل وفضلا عن أنه مؤلف علم المنطق – إن اللوغوس اللازماني هو المعرفة المطلقة، وباعتباره توسطا هو أساس الطبيعة والفكر المتناهي بوصفه تاريخا- هو أيضا مؤلف دروس في فلسفة الحق. ولا يبدو أن هيغل نفسه قد اختار على نحو صريح أحد هذين الاتجاهين. غير أنه يفضل المعرفة المطلقة، والحال أن المعرفة المطلقة تتجلى في التاريخ.
تحتوي فينومينولوجيا الروح لسنة 1807، في نفس الوقت على كل من فلسفة الإنسانية هذه –أو هذه الأنتربولوجيا إن جازت العبارة- وفلسفة المعرفة المطلقة التي يلعب فيها الإنسان فقط دور تجلي المطلق، فهو لا يوجد إلا لكي ينقضي في هذا الكلام المعقول الذي هو لوغوس الوجود.
وإذن، لم يكن هيغل صاحب الاختيار، بل إن أتباعه هم من كرسوا الاتجاهين المتضاربين من فكره. انطلاقا من فلسفته للتاريخ، أقام البعض المطلق غاية للتاريخ، إنسانية وقد صارت إلها (الماركسيون خاصة)؛ أما الآخرون، ومن غير أن ينكروا محايثة المطلق للتاريخ، فقد رفضوا أن يجعلوا المطلق تاريخيا.

anfasse29016تقديم : ما أحوجنا اليوم إلى نقاش طويل عريض حول مسألة التسامح، وقبول الاختلاف الديني باسم حق حرية العقيدة، وأيضا ضد محاكمة الأفكار التي لا تحاكم في الأصل، في هاته الرسالة التي نشرت إبان عام 1763 يضع فولتير الأصبع على التعصب الديني الذي كانت تعيشه أوربا، وذلك بمناسبة وفاة جون كالاس، وهو الامر الذي كنا ولا زلنا نعانيه منذ مئات السنوات، حيث يرفض بعضنا البعض بمجرد أنه يختلف معه في الانتماء الديني محلا قتله أو سحله باسم الدين، بل إنه في الدين الواحد عشنا دوما على إيقاع الإبادات التي تعرض لها المتكلمون وباقي الفرق الأخرى من سنة وشيعة وخوارج... بسب الاختلاف في بعض الاشياء الصغيرة، على العموم لا بد من التسليم أولا أن أرجلنا لازالت عالقة في وحل التعصب الديني، وأن الأجيال الحالية لم تعمل إلا على الحفاظ على هذا الإرث المشين، على النقيض من ذلك لا بد من العمل والعمل ضد كل تعصب، مؤمنين بأن الحقائق نسبية مهما كان تشبثنا بها كبيرا، وأن كل تعصب لن يولد إلا التخلف والإرهاب بشتى تلاوينه والفقر وتفشي كل أشكال ومظاهر الخرافة.   

anfasse29012مقدمة:
"أترانا مدانين لبقائنا أسرى لمنطق الحرب؛ ذلك المنطق الذي يعجزنا عن تصور العلاقات مع غيرنا دون أن نستدعي في أذهاننا العدائيات أمثال: الخطر، و الموقف المعادي، والصراع، و التهديد؛ الخ؟
تعالت الاصوات في الدول الغربية - تقريبا في كل مكان - ضد هذه الطريقة في رؤية مستقبل العلاقات بين الغرب و بقية العالم.
الناس بدأوا يشككون في المعنى الحقيقي لهذا التوصيفات الثنائية المؤسفة، و اشتعالها على إخفاء الحقائق.
ماذا تعني - حقاً - ثنائية الشرق / الغرب خلال تاريخ التوسع الأوروبي؛ أي منذ روما إلى امبراطوريات الاستعمار الحديث؟
ماذا تعني بديلتها المنتشرة الحالية: ثنائية شمال / جنوب؟ "
نشر جزء من هذه المقابلة مع محمد عابد الجابري في خريف عام 2006 في مجلة ريست الإيطالية.،
و بمناسبة مرور الذكرى الخامسة لوفاة الفيلسوف الكبير (توفي في 2010)، فنحن سعداء بنشر المقابلة كاملة للمرة الأولى. [**]

ـ في كتابك عن "العقل العربي"، أشرت في إحدى النقاط إلى أن المستقبل سيكون رُشدياً (نسبة إلى الفيليلسوف العربي ابن رشد). أكنت تتهكم أم كنت تشير إلى معنى محدد لهذا الوصف؟
لقد كنت أخاطب العرب و المسلمين، فابن رشد هو [فيلسوف] عقلاني كان قد تفهم الفكر الغربي تفهماً عميقاً؛ أي الأرسطية في زمنه، مثلما كان متبحراً في الفكر الإسلامي.
فكرة ابن رشد كانت تنبني على أن العقلانية النقدية التي نشأت في الأندلس، أي في أحضان الثقافة العربية الإسلامية، لكن ما جرى تاريخيا هو أن هذه المدرسة الفكرية هاجرت نحو الغرب.

anfasse220114ستتجـلى مهمة هذا المقــال  في التطـرق للفكـر الأخلاقي والسياسي لتوماس هوبز وجـون لوك، منظورا إليه من زاوية فلسفية، فالتطـرق للسيـاق الذي تبلور فيه فكر الرجلين يتطلب مقرابا فلسفيا/علميا على اعتبار  أن نسقهم ينتمي لحقلي الفلسفة و العلم. و هو الشيء الذي يتم تجـاهله لدى بعض مؤرخي الفلسفة مستعرضين بذلك تاريخ الفلسفة كأنه تاريخ أحداث من إنتاج شخصيات عظيمة أو مجرد كرونولوجيا سطحية، إن السـؤال الذي يجب طرحه بهذا الصدد و الأخذ به في مقاربتنا هو الذي سبق و أن طرحه هيغل في محــاضراته المعنونة بدروس في تاريخ الفلسفة والقائل "إذا كانت هذه التواريخ تعرض سلسلة المنظومات كأنها سلسلة آراء عادية من الأخطاء و ألاعيب الفكر، المبتكرة فعلا بمهارة كبيرة و جهد كبير، مع كل الإطراءات التي أمكن تخيلها بخصوص عنصرها الشكلي، و نظرا لانعدام الروح الفلسفية لدى هؤلاء المؤرخين، فكيف يمكن اكتناه وعرض ماهية التفكير العقلاني؟"[1]، إن هذا العرض لن يكون باستطاعته التطرق لفكر الرجلين على نحو دقيق، إلا أن الوصول لمستوى الدقة هو المهمة الذي يجب أن يتم التأسيس لها في التناولات المستقبلية .
وعليه، فإن هاته المقاربة ستأتي على مجموعة من المحطات النظرية و كأنها نقط مفتاح في فهم نسق الرجـلين.

1- نظــريـة المعرفة لدى كل من تومـاس هوبز و جون لوك:
إن التطـرق إلى التصور الذي نظر به هوبز  ولوك إلى الوجـود ككل هو  المدخل لأي محاولة فهم لنسق الرجليـن، قس على ذلك أن العـودة إلى نظرية المعرفة لديهما تفرض علينا العـودة إلى الإشكالات الفلسفية و العلمية التي حكمت حقبتهم التاريخية و نقصد هنا بالخصوص القرن XVII م، فمن غير الممكن تصور فلسفة من خارج تاريخها، بالرغم من أن معظم الفلسفات تصبو ذلك إلا أن الصراع  بين النسبي و المطلق، الواقعي و المتجاوز يؤول دائما لصالح الطرف الأول.
إن هـوبز ذاته في مقدمة كتـابه الليفيــاثان أو التنين، يشير  إلى أن أول ما سيعرض له هو  الإنسـان و طبيعته وكيفية حصول الفهم لديه بما أن الدولة بحسبه إنسـان عملاق. وعين الشيء ينطبق على جون لـوك بحيث أن مؤلفه الأول كان في قانون الطبيعة Law Of Nature و  بحثه المعنون بـ  محـاولة في الفهم البشـري - AN ESSAY CONCERNING  HUMAN UNDERSTANDING كـان سابقا على رسالة في الحكومة المدنية، بالتالي يجب أخد التأسيس المعرفي النظري لتصور الرجلين بعين الاعتبار، وهو مـا ينقلنا بالضرورة إلى هذه الموضوعة التي قـال بها هوبز  و طورها لوك إذ يقول: " إن كل فكرة تمـثل مظهرا لصفة ما أو عرضا لجسم آخر  يقع خارجنا، وهذا ما يسمى عادة موضوعـا.

anfasse220112يعتقد السواد الأعظم من الناس وهو الأمر الشائع، أن لكل لون دلالته وأثره النفسي على المتلقي،فالألوان عوالم روحية تقتحم اختيارات الفرد عبر العين، وقوى خفيفة جدا تسمو بكيانه ووجدانه، لكن بين هاته الألوان تباينات جمة  واختلافات متعددة، من الصعب فك شيفراتها إلا بالنسبة إلى أهل الاختصاص، والذي لن يكون إلا الرسام، هذا ويتفق أيضا السواد الأعظم أن اللون الأسود من بين الألوان حضورا منذ القديم ،غير أنه أخذ للأسف دلاله سلبية ربما يبدو من الجهل بمكان ربط ما نعتقده حول الأسود بماهية الأسود نفسه، فأية علاقة يا ترى يلبس فيها اللون الأسود هاته الدلالة السلبية التي أعطيناها إياه؟
    الألوان تترك فينا انطباعا لا محالة، لكن سيبدو من الغريب أن نقول في هذا الصدد أن كل فرد منا يتمثل اللون الذي يراه، إذ العين هي التي تدرك وليس الدماغ، في مقابل ذلك لا بد من التسليم أن الألوان تعرف تغيرا كبيرا جدا خارج الغلاف الجوي للكرة الأرضية، وداخل أحلامنا وكوابيسنا أيضا، من المسؤول عن هذا التغيير، الواقع أن اللونين الأبيض والأسود هما اللاعبان الأساسيان في هذا الأمر.
    قد لا يهمنا الأبيض في هذا المقام لسبب بسيط هو أننا نعتقد فيه البياض والسلام والنور والجمال أيضا، لكن وفي مقابل ذلك سنحاول إعادة قراءة الأسود على ضوء زاوية المنسي فينا... اللون الأسود لون فرح ولحظة السعي إلى خلق عالم منشود ضمن الواقع، إذ عندما نتلقى دعوة الحضور إلى حفل بهيج، أو لقاء مع الأصدقاء... يرتدي أغلبنا نساء ورجالا هذا اللون الغامض، من ثمة فإن حضوره حضور فرح ولقاء، وليس حضورا للغياب، إنه يعمل على تحقيق الغائب في الحاضر، وعلى إضفاء التذكر في النسيان.