abstract-painting-bangkok-1مدخل:
مما لا شك أن الإنسان هو الكائن الوحيد الذي يعي وجوده في هذا العالم. وغير خاف أيضا أن حاجة الإنسان لإدراك العالم من حوله وسبر أغواره هي حاجة إلى الفهم، بقدر ما هي رغبة لإعادة بنائه وتغييره، لذاك فرؤى الإنسان المختلفة للعالم تجسد نزوعه اللامحدود إلى تعقله والفعل فيه، بحثا له عن موقع في خضم الوجود، بل وتمردا على ما هو موجود. لا ارتياب في أن موقف الإنسان من قضايا الوجود يترجم هوسه بإيجاد المعنى ومنح القيمة للأشياء، ظهر ذلك في العلم والتقنية والجمال والمقدس...

ورغم اختلاف الطرق الاستدلالية والمادة المفهومية في هذه الرؤى، فإنها تشترك جميعا في إضفاء مشروعية على طموح الإنسان لضمان استمرارية بقائه. ألم يقل ديكارت Descartes عن حركة اليد الإلهية (Pichenette) بأن الله قد خلق العالم (صنعه)، لكن لم يضع له غاية محددة ومعينة مسبقا، فالعالم إذن يستقيم بموارده وقوانينه الخاصة، وهي القوانين التي على الإنسان اكتشافها، وفي لحظة الاكتشاف والإدراك والتمثل والرؤية والصياغة والتعبير اختلفت العقول البشرية وتباينت منطلقاتها ونتائجها، لكن هذا لا يمنع من استنبات تقاليد حوارية بين المباحث والرؤى تلافيا لمنطق الدوغمائية الشال لخصوبة الإمكان، وقد لا تعني الحوارية هنا أكثر من السماح بالتراوح والتذاوت Intersubjectivité والتعارف والتيهان...

T00766 10وما زال يطلب الفناء عن نفسه والإخلاص في مشاهدة الحق، حتى تأتى له ذلك، وغابت عن ذكره وفكره السماوات والأرض وما بينهما، وجميع الصور الروحانية والقوى الجسمانية وجميع القوى المفارقة للمواد...وغابت ذاته في جملة تلك الذوات، وتلاشى الكل واضمحل، وصار هباء منثورا، ولم يبق إلا الواحد الحق الموجود الثابت الوجود...
فلسفة ابن طفيل ورسالته "حي ابن يقظان"، تحقيق عبد الحكيم محمود، دار الكتاب اللبناني، بيروت، لبنان، 1982، ص.141.

مدخل:
لا جدال في أن الإنسان هو الكائن الوحيد الذي حول أشياء العالم بغناها إلى أفكار ومعقولات وإبداعات أدبية. وقد لا نجانب الصواب إذا قلنا بأن عقلنة العالم وصبغه بمسحة جمالية وأدبية تعني تحديد  موقف أو رؤية للوجود انطلاقا من مبادئ معينة.

وبما أن أشياء العالم كثيرة ومتنوعة تنأى بنفسها عن الحصر والضبط، فإننا نفهم تعدد منظورات الإنسان إليها، وهذا ما يشكل دافعا قويا نحو إيجاد تقاليد تحاورية  بين المباحث والرؤى، وقد لا تعني الحوارية هنا أكثر من التراوح والتيهان والبينذاتية وتكسير الحدود الشالة لخصوبة الإمكان.

 عرف العصر العباسي ازدهارا أدبيا وفلسفيا وعلميا لاسيما بعد تأسيس بيت الحكمة، حيث ترجمت عيون التآليف الإغريقية والساسانية والهندية. في هذا الصدد، ومن زاوية فلسفية، طرحت إشكالية الدخيل والأصيل مضمونا ومنهجا، وهو الخلاف الذي جسده المتفلسفة والمتكلمة فيما عرف بإقرار التوافق بين الحكمة والشريعة في مختلف تجلياتهما (مناظرة متى للسيرافي لا تخرج عن هذا الإطار). ولنا في نصوص الفارابي والباقلاني والغزالي...ما يشهد على غنى هدا السجال النقدي. ونستحضر هنا تأليف ابن المعتز لكتابه "البديع" كرد على الشعوبية الذين زعموا أن البديع صناعة دخيلة اقتبسها المحدثون من بلاغة اليونان، بسوق أدلة من كلام النبي والصحابة وأشعار المتقدمين تبين أصالة البلاغة العربية([1]).   

Abstract-Reproduction1ينطلق لا يبنيز من فكرة أساسة مفادها أن هناك تناغم و انسجام بين أشياء العالم , فالطبيعة أو نظام العالم عند لايبنيز هي مثل ساعة دقيقة صنعها الله بإحكام . فالله مع لايبنيز ليس ساعاتيا رديئا كما هو الحال مع مالبرانش, لأنه خلق هذا العالم بشكل منقطع النظير واختار أفضل العوالم الممكنة وأحسنها للإنسان .
يوضح لا يبنيز في رسالته:" في فن التركيب" أن الكون بأكمله عبارة عن مجموعة من المركبات، وكل مركب يتكون من أجزاء، وكل جزء يتكون من أجزاء دقيقة وهكذا دواليك حتى نصل إلى الجزء الذي لا ينقسم ويسميه لايبنيز بالذرات غير القابلة للانقسام أو المونادات،وهي جسيمات لا مادية غير قابلة للقسمة أو التجزيئ.
لكن هل  توجد هده الذرات اللامادية في الواقع ؟
وما هو  البرهان الذي قدمه لايبنيز كي  يقنعنا بأنها موجودة فعلا ؟
يجيب لا يبنيز:  إن الشاهد الوحيد على وجود هذه المونادات هو النفس البشرية، فالنفس الإنسانية عبارة عن مونادة بسيطة غير قابلة للقسمة وغير مادية. فالأنا أفكر جوهر بسيط يفكر ويشعر و يحس، ويتخيل ، إذن فمنبعه روحي  . هكذا بعدما قدم لا يبنيز الشاهد على وجود هده الذرات . قال إن الكون عبارة عن مونادات وأنها المسؤولة عن تكوين  كل المركبات  المادية الكبرى التي نشاهدها بالعين المجردة.
 فلكل جسم مونادة  محددة تميزه عن باقي الأجسام ، فاختلاف الأجسام نابع عن اختلاف مونادته، فلكل جسم مونادة خاصة به  او كما يقول لا يبنيز: 

modern-art-blue-yellow-paintingعندما تأمل نيتشه وضعية أوربا إبان نهاية عصر نابليون وتبخُّر حلمه في توحيد القارة، وما رافق قبل هذا الأمر من تشبع قل نظيره بتعاليم الديانة المسيحية، أطلق فيلسوف المطرقة إبانها صرخته المدوية التي أعادت النظر في الإنسان، في العالم، في الدين وفي الحياة برمتها، لقد وصلت القارة العجوز إلى عدميتها المطلقة، هاته العدمية لم تكن وليدة عهد قريب لا وليست بدايتها سيّان وبزوغ المسيحية، بقدر ما أن أولى جذورها ترجع بالأساس إلى تعاليم سقراط وفلسفة أفلاطون، هاته الفلسفة التي عملت جاهدة على إرساء تعاليم أخرى على الأرض فقضت بذلك على آخر لمسات الإغريق الذين أعطوا معنى جميلا للحياة بمعزل وبمنأى عن تلك القيم البائدة التي احتقرت الحياة والجسد، أو بلغة جيل دولوز عن العدمية الإرتكاسية، توقف نيتشه مطولا عند مآلات الانسان الأوربي ثم حاول بعدئذ الوقوف عند أهم التحولات الكبرى التي عرفتها أوربا، ليخلص أخيرا إلى أن أوربا وعلى مدى تقدمها عاشت على إيقاع صراع ثنائي بين صِنْوين، بين نوعين من الأخلاق وهما أخلاق السادة وأخلاق العبيد.
    لا يجب الامتعاض بداية من هذا التقسيم للأخلاق، بقدر ما توجب علينا النظر بعين ثاقبة للأمور، أخلاق العبيد هي الحقبة التي تسود فيها قيم لصالح أخرى، قيم تمتاز بالانصياع والسعي من الانعتاق، قيم تسعى للثورة وتغيير الواقع، وفي نفس الآن تكون أكثر تعلقا بفكرة المُخَلِّصِ الأبدي، وأشد ارتباطا بقيم الخير والشفقة والتأنيب وعدم الرضى عن النفس، عندما ننشد الحرية وعندما نعمل على صناعة الثورة فإن ذلك يعني أننا مشدودين بأغلال ومكبلين بسلاسل، وحده السجين من يسعى للحرية ووحده العبد من يَتُوق للتحرر، العبودية رمز للضعف والانصياع من ثمة كانت العصور التي تسعى للتخلص من العبودية عصورا تنزل فيها أخلاق العبيد منزلة الأس من البنيان، أو ليست "الثورة مفخرة للعبيد la révolution est une fierté de l’esclaves " كما قال نيتشه ذات يوم !

 action-abstract-painting أطلقت كلمة (الهرمنيوطيقاHermeneutics ) في الفلسفات القديمة على تلك الدراسات اللاهوتية التي تعنى بتأويل النصوص الدينية بطريقة خيالية و رمزية، ابتعادا عن المعنى الحرفي المباشر، إذ تحاول البحث عن المعاني الحقيقية و التعمق في أغوار النص المقدس.
  و قد تطور مفهوم (الهرمنيوطيقا) في العصر الحديث فانتقل من البحث في الالوهيات إلى مجالات أكثر، لتشمل العلوم الإنسانية كالتاريخ و علم الاجتماع و علم الإناسة و النقد الأدبي...
  و اشتقت كلمة (الهرمنيوطيقا) من الفعل اليوناني (Hermeneuein) و يعني (يُفسر) و(يوضح)، و الاسم (Hermeneia) يعني (التفسير)   و (التوضيح). و الأصل اليوناني للكلمة: استعمال آليات و مساعدات لغوية للوصول إلى كُنْه الأشياء، و اللغة هي الآلية الأولى لعملية الفهم[1].

  و قد ارتبطت (الهرمنيوطيقا) عند اليونان بتفسير النصوص المقدسة و نقلها من مستوى اللاهوتية إلى مستوى البشرية، كما هو الشأن (بالإله هرمس Hormes) الذي كان يتقن لغة الآلهة ثم يترجم مقاصدها و ينقلها إلى بني البشر، و هو إذ يفعل هذا كان عليه أن يغبر المسافة الفاصلة بين تفكير الالهة و تفكير البشر، فهو إذن يحمل النبأ الجلل...و لا يمكن أن يكون الإنسان ((هرمسيا)) ـ أي حاملا للرسالة ـ إلا إذا كانت له القابلية لعملية التجلي.[2]

4153210-6304173لا تزال جملة من المفاهيم والمصطلحات والأفكار الإسلامية التقليدية تمارس تأثيرها في واقع عربي يموج فيه الناس بعضهم في بعض، اقتتالا واحترابا، بما يحيل إلى مفهوم الفتنة فعودة “القديم” و“الفائت” أمر يسهل رصده اليوم في ارتباط بالحدث السياسي العام الذي يفرض طرح سؤال الفتنة من جديد .
ونبتـغى هنا الالتفات ناحية الفلسفة العــربية من خلال أحد أبرز رموزها، ونعنى ابن رشد لمساءلة هذا المفهوم ضمن متنه الفلسفي ، أملا في الإحـــاطة بجانب من جوانب رؤيته السياسية، و هو ما لا يمكن الوقوف عليه دون إعــادة النظر في الصراع الذي دار بين الكلام والفلســـفة، كما عرضه وحلله وشرحه فــيلسوف قرطبة على هذه الصعيد بالذات، بما من شأنه أن يمكننا من رسم الحدود بين خطابين متضــادين في السياسة، لكل منهما آلياته و استراتيجياته.(1)
لقد توارى مفهوم الفتنة عربيا عن الأنظار لمدة نصف قرن الماضية على الأقل، ليعود بقوة في علاقة بالمستجدات الراهنة كما ذكرنا، ففي واقع عربي معقد تلفه الغيوم و تعوي فيه العواصف يجرى توظيف الدين و المذهب و الطائفة و العشيرة في الصراعات السياسية المحتدمة التي تنفجر هنا و هناك و هي متسربلة بخطاب الفتنة.
وهذا ما طرح من جديد إشكالية العلاقة بين الدين والسياسة، في إعادة إنتاج لمشكل قديم هو مشكل الصلة بين الشريعة و المدينة، أي ما حاول ابن رشد فهمه وتحليله قبل قرون، ومن هنا فإن الاتجاه ناحية مدونته الفلسفية لمساءلة خطابه حول الفتنة يفرض ذاته، فقد واجه المتكلمين من موقع الفلسفة، مبينا تهافت حججهم في صلة بإستراتيجية فكرية لا تتوانى عن كشف مقاصدها، ممثلة في محاربة الفتنة بما تحيل إليه من نزاعات وانكسارات ، وما تستوجبه من تطارح بدائل مرتكزة على وحدة المدينة وتناسقها وانسجامها، لأجل ذلك اندرج خطابه حول الفتنة ضمن مقاربته للمشكلة السياسية.

"عجبا لهؤلاء الإغريق لكم كانوا يعرفون أسباب العيش، بالصورة والشكل والأصوات والكلمات، والإيمان بأولمب المظهر، هؤلاء الإغريق كانوا سطحيين من شدة عمقهم...  " 
                            ـ فريدريك نيتشه ـ

    هل استطاع الانسان أي يعيش؟ أن يجرب معنى الحياة ويحس به، هل نحن متصالحون مع أنفسنا أم أننا نتوهم ذلك؟ ما معنى أن نحيا هنا، في العالم وبجانب الآخرين؟ وإلى أي حد استطعنا تحقيق الأفضل؟ ومن المسؤول عن هذا الذي حصل الآن؟ أسئلة وأخرى تشكل عمود هذا القول أو قل هذا الامر، ونحن نقارب الإنسان مرة أخرى، نقاربه من زاوية فلسفية ميتافيزيقية محضة، مادام الإنسان هو الكائن الوحيد الذي يعيش ميتافيزيقيا، حيث سنقلب هنا قيما لصالح أخرى، مسلطين الضوء على جانب معتم في الإنسان، والذي لن يكون إلا الجشع والطمع في المزيد كلما تحقق المراد.
إن الإنخراط في الحياة ليس يعني بالضرورة أن ننخرط في الحضارة وأن نعيش مرحلة الثقافة، لقد كان الإنسان قديما وفي عصور جد غابرة يعيش هو الآخر دون أن تكون لديه سيارة أو جهاز تلفاز، أو مركبات فضائية تحاول حل لغز الكون، والحال أنه عندما نتأمل ما قلناه آنفا سنلاحظ أن جهاز التلفاز جاء نتيجة طلب لاشعوري للتعب الذي أصبح يحفنا من كل الجوانب، من خلاله نقضي وقت الفراغ إما في التفرج على نكبات وكوارث الآخر، أو الاطلاع على آخر الأنباء أو مشاهدة فلم يعيش حياة مفترضة أو حياة كانت ستكون هي الواقع، أو التلصص على الحياة الخاصة لباقي الكائنات... السيارة هي الأخرى لا تقل أهمية عن التلفاز، إنها نتيجة للثورة الصناعية ظاهريا، لكنها وجه من أوجه جشع الإنسان باطنيا، أي قطع مسافة كبيرة جدا في أقل وقت ممكن، ما الداعي من طلب هذا الاختصار؟ ومتى كانت السرعة معيارا للانخراط في العيش؟ الدليل هو أن المسافة التي أصبحنا نقطعها بسرعة كما نعتقد، ستصبح بطيئة جدا بعد سنين معدودة، الانسان حاليا من خلال هذا الأمر يظن أنه متحضر على الذين سبقوه، وأنه يسافر من مدينة إلى أخرى في ظرف قياسي وجيز، لكن إذا تمعنا في الامر جيدا سنلاحظ أنه أمر تافه جدا أن تضع السرعة كمعيار للتقدم، بعبارة أخرى الإنسان القديم الذي كان يقطع مسافة في وقت طويل يعيش هو الآخر نفس السنين التي يعيشها إنسان الألفية الثالثة، وما يقوم به الأول أي الإنسان القديم وهو في طريقه نحو مراده، لا يقوم به الثاني وإن كان سيصل قبله بفرق شاسع جدا، المعادلة واضحة تماما لا تفوق للأول على الثاني وليس هناك أي انتصار للثاني على الأول.
 

ecri-abstrلماذا يكتب الإنسان؟ وهل الكتابة فعل بريء أم أن لها من الأغراض الخفية ما لا تظهره؟ وهل يمكن حصر الكتابة فقط كوسيلة للتعبير، أم أنها هي التي تعبر عن نفسها عن طريق الإنسان؟ الحال أن الوقوف على فعل الكتابة ليس من الجانب الأدبي وإنما من نظرة فلسفية محضة، يجعلنا نعيد ترتيب رأينا حول فعل الكتابة، بما هي قوة وليست مجرد أداة، وذلك من خلال وضعها أمام منطق المعنى، أي هل تلعب الكتابة دور الوسيط لتبليغ المعنى، أم أنها قوة تحاول تكريس معنى على حساب آخر؟
    عندما نعود لتاريخ الكتابة نجد أنها ارتبطت بداية بالسحر عن طريق خطِّ رموز كطلاسيم  للتخلص من الأرواح الشريرة، لتنتقل بعدئذ تطوريا إلى المجال الديني ثم القانوني فيما بعد، وهنا أول لقاء حقيقي بين الكتابة والمعنى، أن تكتب من هذا المنطلق معناه أنك تضع أثرا يفتت بنية الزمن، أي أن فعل الكتابة يحوي في طياته خاصية الحضور، حضور الأحكام والقوانين والعِبَر، وإبقاء سلطة قوية للنص الديني، والحضور من هذا المنطلق يجعل من الماضي حاضرا، كما يحول المستقبل إلى قوة دائمة الحضور بناء على ما نفكر فيه في الحاضر، فلنتخيل دينا دون نص مقدس مكتوب سلفا، سيبدو لنا الأمر صعبا إن لم نقل مستحيلا، من خلاله سوف يسقط النص الديني في منطق الشفهي، هذا الشفهي الذي ما إن ينتقل من شخص لآخر حتى يعرف تغييرات كبيرة في المعنى، من ثمة فإن أول شيء نستخلصه في هذا الأمر هو أن الكتابة حفظ للمعنى وتكريس لقوّته وضمان لحضوره الأبدي، وإبعاده عن بؤرة النسيان.
 

philosophy 1يخلد العالم خلال كل خميس ثالث من شهر نونبر ذكرى الاحتفال باليوم العالمي للفلسفة، حيث يقف المتتبع أمام واقع هذا الفكر والحالة التي بات عليها اليوم، من خلال تنظيم ندوات وورشات وعروض فنية الغرض منها تقريب الجمهور إلى الفلسفة، ناهيك عن تبادل المعارف والمعلومات والحديث عن آخر الإصدارات وأبرز القراءات النقدية الراهنة للواقع والانسان والوجود، ولسان الحال يقول أن الفلسفة ليست فكرا يقتصر فقط على الصالونات وجدران كبريات الجامعات والمعاهد، بقدر ما أن موقعا هو الساحة مع ضرورة الانفتاح على غير المهتمين بالفلسفة شرط الحفاظ على هويتها الخاصة.  
الفلسفة فكر ومعرفة زئبقية، ما إن تموت حتى تحيا من جديد، إنها كطائر الفنيق الذي يضمحل كي يبعث مرة أخرى، من هنا فالفلسفة أو موضوع الفلسفة بصفة عامة يرتبط بموضوع الساعة وبما يحف الإنسان في واقعه اليومي، إنها ترياق للأزمات والكوارث التي باتت تهدد الانسان، كما أنها موقف من مجموع السلوكات التي تضر بالحياة على هذه الأرض، الفلسفة لسان حال الوجود، وبدونها ستنهار المنظومة الأخلاقية ومعها سيعود الانسان لطبيعته الأولى ولجشعه الأول، لهذا ظهر فلاسفة العقد الاجتماعي مفترضين حالة أطلقوا عليها حالة الطبيعة، إذ من خلالها انطلقوا لوضع حدود دنيا لتصرفات الإنسان تجنبا لحرب طويلة الأمد ستأتي على الأخضر واليابس لا محالة، ومنه تم وضع القوانين والدساتير المنظمة ومنه أيضا انطلقت الإنسانية نحو منعطف آخر يضع لكل فرد منا حقوقه وواجباته، ما له وما عليه، نفس الأمر نجده أيضا عند الفيلسوف الألماني هايدغر الذي خاض نقاشا طويلا عريضا و مفهوم التقنية محذرا من أن تبسط قوتها على العالم، فيعيش هذا الأخير بعدئذ في قبضتها التي سيكون لها من العواقب ما لن يكون لغيرها، في المقابل كان ولازال يورغن هابرماس يدلي بدلوه بخصوص عديد الصفات التي بدونها لن نستطيع الاستمرار في العيش بكل رضى، حيث يبقى مفهوم الفضاء العمومي من أبرزها.
   

Abstract-Scienceينطلق التكذيبي من مسلمة أساسية ،إن النظرية تقود الملاحظة عبر فرضيات ،ويتم تعديل هذه الفرضيات كلما تبين أنها غير صالحة ، أو يتم تكذيبها ، فقابلية التكذيب كتفسير استنباطي للنظرية العلمية يقوم بالأساس على بناء فرضي قادر على تفسير مجموعة من ظواهر العالم،قبل أن استمر في شرح دور الفرضيات في تقدم المعرفة العلمية ، سأشرح هذا الذي نسميه قابلية التكذيب .
الفرضية قابلية تكذيب الفرضية
1 يوم الخميس، الجو حار --يمكن ان يكون الجو حار في أحد أيام الخميس
2 كل الأجسام تتمدد بالحرارة يمكن أن لا تتمدد بعض الأجسام بفعل الحرارة ، و يمكن أن نشير إلى أن الماء لا يتمدد بفعل الحرارة
3 الأمي هو غير المتعلم --هذه الفرضية لا يمكن تكديب ، لأنها في كل الأحوال صادقة
4 الله موجود --هذه الفرضية فرضية ميتافيزيقية لا تدخل في مجال العالم بالتالي يجب استبعادها

abstrait liberte “إن الامتثال للقانون الذي نلزم أنفسنا به هو حرية”روسو
أن تكون كائنا حرا، معناه أن تفعل ما تشاء. بيد أن هذا المعنى، يفهم في نطاق معان شتى ومتنوعة. يحيل المعنى في البداية إلى حرية فعل التصرف، أي إلى حرية الفعل. وأي معارضة لها تعد فعلا من أفعال الإكراه أو الإعاقة أو الاستعباد. “فليست الحرية، بتعبير هوبس، شيئا أخر غير كونها غياب كل الموانع التي من شأنها أن تعترض أي حركة، فهي أشبه بماء محجوز في إناء لا يتمتع بحرية الانسياب. لكن ما أن يتم تحطيم الحواجز، حتى يسترد الماء حرية انسياب جريانه. وبهذا المعنى يتمتع شخص ما إلى هذا الحد أو ذاك بحريته وفق فضاء معطى له”. أي أنني أكون حر التصرف، حينما لا يعترضني شيء أو شخص ما. فهذه الحرية لم يسبق لها أبدا أن كانت مطلقة (هناك دوما موانع) ونادرا ما تكون منعدمة. فحتى السجين مثلا، بمقدوره في العادة أن يظل في زنزانته قاعدا أم منتصبا، متكلما أم متكتما، معدا لعملية فرار أو مداهنا لحراسه... فلا أحد من المواطنين، وفي أية دولة يستقر في كنفها، بمستطاعه أن يفعل ما يشاء: فالآخرون والقوانين هي بمثابة إكراهات يستحيل القفز عليها دون مخاطر أو مجازفات. لهذا السبب، نتحدث مرارا، بغاية الإشارة إلى هذه الحرية ذاتها، عن المعنى السياسي للحرية؛ لأن الدولة هي القوة الأولى التي تقيدها وهي، بلا أدنى شك، الوحيدة القادرة على ضمان بقائها. فالحرية تستمد أساسا عظمتها من ديمقراطية ليبرالية أكثر مما تستمدها من دولة كليانية، بل ومن دولة الحق عوض استمدادها من حالة الطبيعة:لأن القانون هو الذي يسمح وحده للحريات أن تتعايش فيما بينها بدل أن تتعارض، ولأَن تتقوى(حتى وإن كان بعضها يحد البعض الآخر بشكل متبادل) أفضل من أن تتهاوى كلها. فحيثما “يغيب القانون، تنعدم الحرية أصلا.