تربيةإن الدارس والمتتبع لجغرافية قصة "حي بن يقظان" لصاحبها ابن طفيل، يجد بين ثنايا هذه القصة آراءه في التربية، فالقصة بمثابة منظار يمكن أن ينظر منه الباحث لأي إشكال يخصه، كإشكالية التوفيق بين الحكمة والشريعة، وإشكالية الفلسفة والتصوف، وإشكالية العقل والنقل، كما هناك من يستهويه الجانب القصصي والروائي في القصة... فالقصة سِجل مفتوح أمام كل التأويلات والقراءات. لكن نحن سنحاول حصر مجال اشتغالنا في التنقيب على البعد التربوي الكامن في قصة ابن طفيل. فالبناء الذي تمت به القصة يُظهر قوة ابن طفيل وخاصة المنهج الذي اتبعه، فلا نبالغ إن قلنا إنه منهجًا أكسيومياً، متماسكاً، ينطلق من مقدمات ليصل في النهاية إلى نتائج تترتب عنها كضرورة منطقية.

1060509388لقد كتبنا "ضد- أوديب" معاً، أنا وغاتاري. وبما أن كل واحد منا كان متكوثراً،1 فإن العدد أصبح كبيراً. وهنا استخدمنا كل ما يقرب بيننا؛ أي ما هو أقرب وما هو أبعد. ووزعنا أسماء مستعارة ذكية كي نحافظ على السرية. فلماذا أخفينا أسماءنا؟ بفعل العادة فقط؛ ولكي لا يتعرف علينا أي أحد. وأيضاً حتى يصبح ما يدفعنا إلى التصرف والشعور والتفكير في غير متناول الآخرين. وفضلاً عن ذلك، فإن من الممتع أن نتحدث مثل كل الناس، وأن نقول إن الشمس أشرقت، وهذه طريقة في التعبير، يعرفها كل واحد. ولم يصل بنا الأمر إلى الإحجام عن قول "أنا"، بل إننا وصلنا إلى الحد الذي لم يعد من المهم فيه أن نقول أو لا نـقول "أنا". فلم نعد نحن بل أصبحنا مغايرين لذواتنا، لكن كل واحد منا سيتعرف على ذويه (His Own). فنحن حصلنا على المساعدة وحققنا طموحنا وتعددنا.

lechhebe-arthصدر عن "جداول للنشر و التوزيع و الترجمة" ببيروت مؤخرا ترجمة كتاب "نقد الفلسفة الكنطية لأرتور شوبنهاور" من ترجمة و تقديم  الباحث المغربي حميد لشهب.

ظلت فلسفة شوبنهاور غائبة إلى حد ما على الساحة الفكرية و الفلسفية العربية الإسلامية، و لم يُتطرق له إلا مناسباتيا و في عجالة، على الرغم من الأهمية القصوى لفكره الفلسفي. و من المعلوم أن هذا الأخير قد أثر على أجيال من الفلاسفة الغربيين بأكملها و يعرف في الوقت الراهن، و بالخصوص في ألمانيا، نهضة جديدة و انتعاش ملموس، يمكن للمرء لمسه في إعادة طبع أمهات كتبه و قيام العديد من الجمعيات الفلسفية التي تحاول إعادة إحياء فكره.
إن المناخ الفكري و السياسي الذي عاش فيه هذا الفيلسوف العظيم، يشابه في جوانب كثيرة المناخ الذي تمر به الأمة العربية و الإسلامية حاليا، و الذي بدأ مع ما أسميه شخصيا بـ"ربيع الغضب العربي".

مفهوم السلطةتأسست قراءة ميشيل فوكو لمفهوم السلطة على المستوى النظري ضد التصور الماركسي،خصوصا نظرية لوي ألتوسير المتعلقة بــ"الأجهزة الإيديولوجية للدولة"،وضد مجمل التصورات الميتافيزيقية والتقليدية في هذا الصدد.فمن المعلوم أن ألتوسير خصص دراسة لما يسميه الأجهزة الإيديولوجية للدولة التي تعمل في رأيه على إعادة إنتاج نفس نمط الإنتاج وعلاقاته السائدة في المجتمع،ويقصد بذلك أجهزة الدولة ومؤسساتها التربوية والتعليمية والثقافية والجزائية التي تهدف إلى المحافظة على الفوارق الاجتماعية القائمة وإلى إعادة إنتاج نفس العلاقات..أما على المستوى العملي فقد تبلورت أدوات ومفاهيم فوكو انطلاقا من تغير جذري لحق طبيعة العلاقة بين النظرية والممارسة،حيث كان نضال فوكو في صفوف حركة"مجموعة الإعلام عن السجون"خلال بداية السبعينيات من القرن المنصرم من أجل تفادي الانزلاقات التي كانت تهدد اليسار الفرنسي آنذاك بالانجراف نحو العنف وإراقة الدماء..
    

ABSTR45567تمهيد:
 يعتبر مفهوم الشخصانية الإسلامية من بين المفاهيم الأساسية التي شكلت صرح الفكر الفلسفي عند الحبابي، وهو ما جعله ينفرد بميزة أول من قدّم نسقا فلسفيا متكاملا. مما جعل عدد المعجبين بهذا النسق يتزايد. كما نجد كذلك من لا يعترف بانتماء هذه الفلسفة إلى الخطاب العربي المعاصر. فمثلا الدكتور محمد عابد الجابري لم يدمج في كتابه "الخطاب العربي المعاصر، دراسة تحليلية نقدية" فلسفة الحبابي لأنها في نظره كُتبت بلغة أجنبية، وبالتالي فهي "لا تنتمي إلى الخطاب العربي المعاصر. أما بالنسبة للأستاذ كمال عبد اللطيف فإن انتقاده لا يقل جذرية عن انتقاد الجابري بحيث نجده في بحثه "طبيعة الحضور الفلسفي العربي في الفكر العربي المعاصر"، يصف الفلسفة العربية المعاصرة بأنها تتصف بالهامشية والانتقائية[1]. مضيفا بأن "مؤلفات الحبابي لا يمكن وصفها بالهامشية وحسب، بل إنها أيضا درجة أعلى من الهامشية، لأنها في نظره غريبة عن واقع المغرب المعاصر.

اسماعيل فائزمدخل عام :
قد لا نبالغ إن اعتبرنا الفيلسوف الألماني فريدريك نيتشه واحدا من أهرامات الفكر الفلسفي برمته. إذ استطاع أن يحدث ثورة في تاريخ الفلسفة، متوجها بنقده إلى مقولاتها ومفاهيمها وحقائقها، حيث كانت وسيلته إلى ذلك مطرقته، التي ترافقه أينما حل وارتحل، فوجهها صوب الميتافيزيقيا عامة والأفلاطونية خاصة. منطلقا من التشكيك في بداهاتها ومقولاتها، مفككا بنيتها، رافضا ثنائياتها، كاشفا وجهها التنميطي، معلنا ازدراءه لها، كونها تزييف وتشويه للحياة.                 
كان نيتشه، إذن، السباق إلى افتتاح أوراش كبرى، في مجال الفلسفة، ورش مجاوزة الميتافيزيقا. وهكذا توجه إلى قلب القيم، وإعادة النظر في أصولها وأسسها، وطرح قيمتها للنقاش. فوجدت الأخلاق نفسها أمام فيلسوف لا يتقن لعبة النفاق والتملق. بل أمام فيلسوف يجيد لعبة القاضي. فتراه يصب غضب نقده وتساؤلاته العميقة، حول الحقيقة، مشككا في أكثر العقائد رسوخا، موظفا في ذلك منهجه الجينيالوجي الرامي إلى كشف أصول كل ما نعتقد أن أصله سام وراق، والتساؤل بعد ذلك عن قيمته.
ولم يكن نيتشه يهدم فقط ، بل كان يبني أيضا ولكنه " كان يبني بعنف" كما أخبرنا بذلك أندريه جيد . لم تكن، إذن، رغبة الهدم هي التي تستبد بنيتشه فحسب، بل كانت حاضرة إلى جانب ذلك رغبة أعمق وأكثر جرأة ونبلا. إنها السعي إلى نشر أخلاق القوة والعطاء، وقيم اللعب والضحك، والفرح، والرقص على نغمات موسيقى فاغنر الشاب. فليس نيتشه فيلسوف المطرقة فحسب، وبعبارة أخرى إنه فيلسوف نلمس لديه روح الإبداع. إنها روح الشاعر والفنان، والعبقري بتعبير شوبنهاور.

مراد ليمامبرزت العولمة قوية منيعة مع الولادة المزدوجة للأسواق العالمية و الشبكة العنكبوتية ٬ ابتداء من النصف الثاني من القرن العشرين . فتحت وطأة مبدأ التنافسية التي قام عليها الاقتصاد ٬ تم الكشف الخارق عما تعنيه العولمة عندما تستخدم من أجل تجفيف الينابيع العميقة التي يستقي منها الٳنسان وعيه بذاته و للعالم المعروض فيه .
فالتنافسية لم تأت عن هوس في الرفاهية ٬ أو عن رغبة في مطابقة السماء للأرض بٳحلال الٳنسان محل الٳله الميت . بل حلت رافعة لواء التقدم لتغزو كل المجالات الٳنسانية و الرمزية و المادية . حينها أصبح للتقدم مرادف واحد يفيد معناه : ٳذا لم تستطع المضي نحو الأمام ٬ و ٳذا لم تبتدع أشياء جديدة فمصيرك التلاشي . و بتعبير أدق ٬ أضحى التقدم المسكون بقوانين التنافسية يدفع نفسه بنفسه ٬و يحصد ما يحصد من ٳنجازات مستبدا بمركزيته ٬مستعبدا الٳنسان في دائرة مغلقة من الٳنتاج الهادف ٳلى الاستهلاك دون علة غائية .
كل ذلك يطرح بحدة نوع التحولات المستقبلية التي تنتظر الٳنسان . لذا نجد لوك فيري Luc ferry يشبه النظام الاقتصادي بالانتقاء الطبيعي للنزعة التطورية عند داروين Darwin . فكل فصيلة لم تستطع التكيف مع متغيرات العالم مصيرها الانقراض . كذلك الأمر في عالم محموم أمسى التقدم فيه المعادل الموضوعي لفكرتي التجديد اللامتناهي و الاختراع المقترنين بعملية التكيف الدائم .

 زياد الترتيرفي سياق قراءته للحقل الفلسفي والعلمي والإبستمولوجي (المعرفي) المعاصر، يقر الفيلسوف الفرنسي إدغار موران بهيمنة منظومة التبسيط والاختزال إلى الوحدات الأولية لمختلف الحقول المعرفية كالذرة في الفيزياء، والخلية في علوم الحياة، والتركيب (Structure) في قواعد اللغة على أساس أن الوحدة غير قابلة للتفكيك، ووحدها القابلة للضبط والقياس، فقامت منظومة التبسيط بتنظيم الكون عن طريق اختزاله في كيانات وجواهر مغلقة وثابتة، عذرية وخالدة، لا تعرف التناقض والاختلال. وبذلك شكلت لاوعي الفكر الغربي، وحكمت نظرياته وخطاباته.

إن منظومة التبسيط باختيارها ذاك النظام، والعذرية، والثبات، والخلود، والأصل، والهوية، والاستمرارية، قامت بحرب تاريخية وتجاهل هائل لأسئلة لا يجاب عنها بصدد التحوّل، والفوضى، والتجدد، والخلق، والتعقد، والصدفة، والاختلال، واللانهائي، واللايقيني. إن كبح تلك الأسئلة يُعقّد من فهم ومعرفة أدق للعالم والكون بعد الاكتشافات الفيزيائية لكوانتوم الطاقة وللأنظمة المختلة والعلوم النسقية عموماً، التي تتطلب أدوات وأطراً ينظمها الفكر المركب القادر على تمثل الوجه الجديد لعالم دينامي، صدفوي، متنوع، ومتحول، ولا نهائي. إن مهمة الفكر المركب هي تغيير هوية العالم الذي ارتكز فهمنا له على منجزات العلم الكلاسيكي.

هادي معزوزكثيرة هي النقاشات التي كتبت أو قيلت حول فكرة الإلحاد، وكثيرة أيضا هي المقاربات المهتمة بها، سواء بقول فلسفي هدفه الرئيسي أشكلة ومساءلة منطق الإلحاد، أو بميزان ديني غرضه الحكم على هذا المنطق، أو انطلاقا من عين سوسيوثقافية فضولها يسعى إلى تفسير هذه الظاهرة عبر التاريخ من جهة، وداخل المجتمع من جهة ثانية، ناهيك عن السيكولوجيا التي لها من التفاسير هي الأخرى حول الفرد انطلاقا من طفولته وما عاشها، تأثير ليس بالهين كذلك على فكرة الإلحاد، دون نسيان البيولوجيا التي يرى بعض المهتمين بها، أن في دماغ الإنسان باحة أطلقوا عليها باحة الإلحاد، إذ في البدء كان الإنسان بمعزل عن كل القوى، وما الإيمان بإله أو آلهة متعددة سوى تأثير تمارسه الثقافة، سنعود للدين بداية حيث سنرى بأنه عدو لدود للإلحاد والملحدين، إذ كلما غاب الدين كثر الإلحاد، وكلما غاب الإلحاد تقوى الدين، هي قاعدة ثابتة منبعها النص الديني حيث لا غبار عليها ولا نقاش فيها، الدين يخاف من فكرة الإلحاد لأنها تجهز على مبدأه وأُسِّهِ، إنه صراع من أجل البقاء لم ينحصر في المستوى النظري المحض فحسب، بل تعداه إلى ماهو مادي صرف، وهو سبب البلاء والحروب التي نزلت في حقب غابرة أتت على الأخضر واليابس، طامسة هوية لصالح أخرى، وهكذا دواليك إلى يومنا هذا.

لمحاكاة في فكر نيتشه الشاب : مولد التراجيديا الإغريقية نموذجا ـ نادية عبد الجواد" لقد ولَت كلَ الأنساق الفلسفيَة و هاهم الإغريق يضيئون دربنا و خاصَة منهم إغريق ما قبل سقراط"

لئن وضعت الفلسفة المعاصرة موضع السؤال كلَ البديهيات التي قامت عليها الحداثة  -كمفهوم الذات الديكارتي أو الروح المطلق الهيجلي و غيرهما من " الأحكام المسبقة" التي قدَمت نفسها ك "حقيقة" ثابتة لا شكَ فيها و كمقولات بعيدة عن الريبة و الظنَ – فإنها ذهبت إلى أبعد من ذلك بأن عادت عودة تسآليَة لمواضيع قديمة ظنَنا أنها قد نسيت و امحت باسم ابتسار أحديَ لا يرى في الفكر سوى تطوَرا مستمَرا راسما خطَا مسترسلا  كأنما التاريخ كتلة واحدة لا انقطاع فيها و لا تشققَ.

و تجد هذه العودة ما يشَرع لها فيما قام به الفيلسوف الألماني فريديريك نيتشه عندما استرجع المسألة التراجيديَة الإغريقية استرجاعا قائما على الجمع بين العمل الفيلولوجي الصارم و التأويل الفلسفي و  هو ما عبرَ عنه حول المسألة الهوميريَة سنة 1869 قائلا :
" إن كل نشاط فيلولوجيَ يجب أن يكون موَجها و مؤطَرا ضمن تصَور فلسفيّ للعالم"

Figure-abstraiteمدخل عام
يبدو أن صاحب الظن "الفيلو دوكس" لا يكترث بتحديد قيمة ما يعرفه من حقائق ولا ينتبه إلى ضرورة التفكير في إدراكاته ، فهو يستخدم على الفور كل ما يوفره بادئ الرأي والحس المشترك ويستغرق في استعمال العقل وكيفيات الارتقاء به إلى أعلى مراتب التأمل ودرجات الذكاء دون التفطن إلى مراتب هذا الاستعمال ومنازله ، ودون التمييز بين استعمال خاطئ واستعمال جيد وعدم الاستعمال للعقل،  وهو بذلك لا يرى ضرورة للنقد والتأسيس ولا يدعو لذلك فكل ما ينبغي إيجاده هو موجود ويمكن اقتناؤه إما بالتقليد أو بالعادة والبداهة. إن يستعمل العقل استعمالا دغمائيا ويتهرب من النقد لأن هناك ثوابت ومقدسات وأسيجة لا يتقبل النقاش ولا يمكن اخضاعها للفحص المتعمق والدقيق مثل السياسة وخاصة علوية القوانين والدين و بالتحديد وجود الإله و صلوحية النص المنزل ويقف صاحب الظن غير بعيد عن المزيولوجي أو المثقف الهائم الذي لا يكترث هو بدوره بالعالم و ما يحدثه من مراجعات و تقدم وثورات وتحولات على رؤية الإنسان لذاته والآخر وللعالم ويقضي الوقت كله في التفلسف بشكل مجرد ومنعزل وذلك بتشييد الأنساق من استعارات ميتة وأبنية شاحبة تشبه بيوت العنكبوت ، و "للمزيولوجي" سبب معقول لجهله نفسه وهو الباحث عن المعرفة إذ لم يسبق له مرة واحدة أن تساءل عنها فكيف سيمكن له في يوم من الأيام أن يكتشفها ؟
من هذا المنطلق ما كان مشروع النقد والتأسيس لينمو لدى الإنسان إلا تحت ضغط الحاجة إلى تجاوز الخطأ وتدارك الوقوع في أية أزمة معرفية أو حيرة وجودية ولو تسنى للإنسان أن يحيا دون المعنى والفعل والتواصل لأمكنه الاستغناء عن مشروع النقد والتأسيس المرتبط بمصير الفرد وبمستقبل الحضارة والثقافة التي ينتمي إليهما. فإذا كانت أزمة كريزيس المجتمعات هي التي تحمل على نقد العقل بالذات ولنقل إنه يحمل على نقد العقل لذاته أي نقد قواعد الذهن وآلية الفكر ومنطق البحث ومناهج التحقيق. وعندها لا تقتصر المعالجات على نتاجات الفكر بوصفها آراء ومفاهيم أو باعتباره مذاهب ومدارس بل تتعدى ذلك إلى البحث في أصول المعرفة ونظمها وإلى التنقيب عن أسس الثقافة وبناها العميقة.