Art-33345هل يمكن النظر اليوم للعقل الإسلامي بنفس النظرة القديمة له؟ كيف يجب قراءة هذا العقل انطلاقا من التحولات الفكرية والسياسية التي بات يعرفها العالم؟ بل هل يمكن اليوم الحديث عن خصوصية للعقل الإسلامي في ظل كونية التقنية، والأخلاقيات العالمية التي لا تؤمن بالخصوصيات الهوياتية إلا لتفتتها وتقوضها؟ لماذا أصبح من الصعوبة بمكان إثبات فعالية ونجاعة العقل الإسلامي، هل لأنه انتهى منذ سقوط الأندلس، أم بسبب بروز قوى أخرى أكثر فعالية، عن طريقها تغيرت موازين قوى العالم؟
    أسئلة وأخرى نجد أنفسنا أمام ضرورة معالجتها وليس الإجابة عليها، أمام طرحها للقراء ومناقشتها، لأن الجواب ليس وليد لحظة قراءتها بقدر ما أنه يستدعي منا الوقوف أمام تاريخ العالم الإسلامي، أمام فهم إنتاجه وصناعته الفكرية على ضوء تحولاته السياسية، مند قيام الدولة الإسلامية الثيولوجية في المشرق العربي إلى امتدادها نحو إفريقيا وأوربا وأقصى آسيا. والحال أن الحديث عن عقل إسلامي في بيئة عربية، يلزمنا بداية أن نكتب معرفين هذا العقل بأنه مجموع الصناعات الفكرية والسياسية والثقافية التي ساهمت العوامل الدينية في نشأته، كما أنه تلك النظرة الأحادية والخاصة للعالم سواء في بعدها الأنطولوجي المرتبط بالثيولوجيا، أو البعد الوجداني اللصيق بعلاقة الإنسان بالآخر. 

gilles-deleuzeتتمثل وظيفة الفلسفة في إبداع وخلق المفاهيم الفلسفية. ويعد فعل الإبداع والخلق في المجال الفلسفي مقاومة، حيث يقاوم الفنانون والسيناريست والموسيقيون والرياضيون والفلاسفة بإبداعاتهم الفكرية والفنية. لكن مقاومة ماذا بالضبط؟ إنهم يقاومون ميولات ومتمنيات وطموح الرأي العام، والمتمثلة في ذلك المجال من التساؤلات الغبية، وبالتالي قدرتهم على فرض نمط تفكيرهم أمام تصورات ورؤى ثقافة العامة.
يعد الإبداع مقاومة، حيث إنه من العار الانتماء إلى الجنس البشري. وقد عبر الكاتب الإيطالي بريمو ليفي (1) بشكل جيد عن هذه الفكرة، حيث يقول :“حين أطلق سراحي، ما كان سائدا هو من العار الانتماء إلى الإنسانية”. ليس هذا التعبير تجريديا، بل يضرب جذوره في الحياة اليومية للناس. كما لا يعني أن الجميع قتلة أو متهمون، مثلا متهمون في مجازر النازية. ليس الجلاد والضحية سواسية.

 L-art-abstraitإن الإنسان كائن مفكر يراقب ذاته ويجعل من ذاته ومن العالم موضوعاً لتأمله، وهو الموجود الوحيد القادر على طرح الأسئلة المرتبطة بوجوده في العالم، ليضفي بذلك المعنى على هذا الوجود، من هنا كانت حاجة التفكير الإنساني إلى المطلق واللامتناهي وحاجته إلى الدين، إذ تشكل الظاهرة الدينية جانباً ضرورياً في الحياة الإنسانية وهي ظاهرة لا يمكن استبعادها وبخاصة في عصرنا الراهن . من هنا أنصب اهتمام فلسفة الدين كعلم متميز على طرح الأسئلة حول الدين، وعلاقة الله بالنفس والعالم ، ومعرفة الله، والخلاص، وطبيعة الله واللغة الرمزية الدينية ومشكلات الأخلاق والعلم وأنساق القيم الثقافية. وبالتالي محاولة الوعي بالخبرة الروحية على اختلاف معانيها، واتخاذ موقف فلسفي نقدي تجاه شتى الخبرات الإنسانية وأهم المشكلات الدينية والفلسفية والثقافية والحضارية، ومن ثم فإن فلسفة الدين تتناول تركيب العلاقات ما بين (الثقافة والدين، الدنيوي والمقدس المطلق، الذات والعالم، الوجود والعدم.. الخ)، والأشكال والوظائف؛ أي المقولات العامة لفلسفة الدين (ماهية الدين وطبيعته) والمقولات الخاصة (النظرية والعملية).
ومع ظهور العديد من الدراسات الفلسفية والدينية والأنثروبولوجية والتاريخية التي حاولت تناول الدين بوصفه ظاهرة ثقافية، للكشف عن طبيعته وماهيته الحقيقية، وبالتالي تبيان خصوصية هذه الطبيعة التي تميزه عن غيره من الظواهر الإنسانية، أخذ هذا العلم “فلسفة الدين” ينوس بين بعدين، العقل والوحي، الفلسفة والدين، الدنيوي والمقدس، العالم والله، فأحياناً ينحاز إلى هذا الحد، وأحياناً إلى الحد الثاني، وإن كان يظهر –وبخاصة في عصرنا الراهن- بإفراط ليحدث في إهاب إيماني يختفي وراء صور من البراعة الجدلية والمنطقية. ليضحى بالفلسفي/الثقافي لحساب الديني فيختزل بذلك الفلسفة إلى نوع من النزعة السكولائية المعاصرة توفق بين الديني والثقافي بأكثر مما تحتفظ بحقلين منفصلين أحدهما للفلسفة وآخر للديني، بحسب تقاليد الفلسفة الحديثة.

الاختلافشكل سؤال الاختلاف داخل الثقافة العربية الإسلامية، ذلك المجال المغلق الذي قلما تم الحديث عنه أو نفض الغبار عليه، على الأقل باعتبار الاختلاف نمط عيش وعلامة على مدى تحقق التواصل والتفاهم، بيد أن التاريخ وبالرغم من هاته التعتيمات التي حاولت القذف بالاختلاف داخل فضاء النسيان، فإنه دوّن لنا ما تم اعتباره فيما بعد بغياب ثقافة الاختلاف في موروثنا العربي الإسلامي، حيث سنقف بادئ ذي بدء عند  بعض من الأمثلة التي تصور لنا محنة الاختلاف، ثم سنعرج بعدئذ إلى أسباب وعلل ذلك، متسائلين طبعا عن الجانب اللاشعوري الذي كان وراء فشل غرس ثقافة الاختلاف في تراب الذهنية العربية، والذي ورثناه حتى اليوم لدرجة أنه أضحى دَيدَنَ مجالنا الذي لا فكاك منه، والدليل على ذلك هو سعينا حاليا لنشر ثقافة الاختلاف، حيث لا نطلب عادة إلا ما ينقصنا. 

haydaralisalamaتعد عملية الكتابة حول مفاهيم "الخراب الفلسفي" و "إصلاح التفلسف"، من أهم الثيمات الثقافية والإشكالية التي أطرت مجمل طروحات كل من: الأستاذ الراحل "مدني صالح"، والأستاذ "عبد الستار الراوي" في مُصنفيهما  الفلسفيين الصادرين في عام2007، وهما: (بعد خراب الفلسفة) للراحل مدني صالح و (قطر الندى، أيام الفلسفة في الوزيرية1963-1967) للأستاذ الراوي.
إن بنية "التزامن التأريخي" لظهور كلا المؤَلَفين المذكورين أعلاه، تشير في واقع الأمر إلى ولادة ما يعرف بـ"أبستمولوجيا النقد البيوغرافي لجينالوجيا تعليم الفلسفة في العراق" والتي تُعتبر من أهم المنعرجات في تاريخ تكوين العملية الفلسفية في العراق منذ عام 1949. وهذا يعود في احد أهم أسبابه، إلى فرادة تلك التجربة من جهة؛ ومن جهة أخرى إلى تدشينها لأهم ممارسة اركيولوجية في "نقد وتفكيك" مجمل مستويات وصيرورة العملية الفلسفية، بدء من: بنية الدرس الفلسفي؛ وإنتاج النص الفلسفي؛ وتكوين مهارات التفلسف؛ وتشريح تاريخ الانطولوجيا؛ ونقد تاريخ نظرية المعرفة التقليدي ونظامه المنطقي واللساني المكون له وانتهاء بنقد النظام المؤسساتي والبيروقراطي المسؤول عن إنتاج/وتكوين ذهنية  متلقي النص الفلسفي.

abstrait fondamental 11" تتمثل نظرية المحاججة في دراسة التقنيات الاستدلالية التي تساعد على تدعيم أو حث موافقة العقول على الدعاوي التي يتم عرضها "  شايم بارلمان
لم ينج ديكارت من الوقوع في المغالطة عندما اعتبر قاعدة البداهة هي معيار الحقيقة وعندما أكد أنه لا يمكننا أن نعتبر أمرا ما على أنه حقيقي إلا إذا تمثلناه بشكل واضح ومتميز واستنتج أن مناقشة أمر ما من طرف شخصين أو أكثر هي علامة على خطأ ذلك الأمر، أليس هو القائل:" كلما كان شخصان يحملان عن الشيء ذاته حكما مناقضا كان أحدهما بالضرورة مخطئا. ويمكن أن نذهب إلى حد القول أنه لا أحد منهما على صواب لأنه لو كان أحدهما يمتلك تصورا واضحا ومتميزا لتمكن من توضيحه لخصمه وإرغامه بشكل ما على الاقتناع"؟ أليس مثل هذا القول هو المغالطة عينها؟ ما أدراه أن كل أمر يوضع موضع مناقشة ويختلف حوله الناس وبالضرورة يقع البعض منهم في الخطأ؟ لماذا تحدث عن الإرغام على الاقتناع؟ وكيف السبيل إلى تجاوز مثل هذه المغالطات والوصول إلى حد أدنى من الاقتناع؟ ماهي آليات الإقناع غير المرغم؟ لكن قبل ذلك ماهي مواطن المغالطة؟ وهل توجد فقط في اللغة الأخلاقية والخطاب العلمي والسياسي والكلام اليومي الحي والمباشر أم أن الأحاسيس والعواطف والخيال والذاكرة تلعب دورا بارزا في تراكمها وترسخها في النفوس؟ هل يكفي الوعي بالمغالطات للتحرر منها؟

72304550الثقافة ثقافتان، ثقافة ساكنة جامدة، وأخرى متحركة فعالة، الأولى ارتكاسية لا زمن لها والثانية خلاقة إما أنها تدرس الماضي وتفهمه على ضوء الحاضر كفلسفة التاريخ مثلا والتحليل النفسي، أو تتنبأ بالمستقبل كالطب وعلم المناخ والفلك، الثقافة الحية ثقافة تتغذى من السؤال وبالسؤال، أما الثقافة الميتة فإنها لا تطرح الأسئلة إلا لماما، وإن طرحتها فإنها تنحصر فقط ضمن المجال النظري دون العودة للعملي، أسئلة الثقافة الحية أسئلة جريئة جدا تبدو مجنونة لنا في الوهلة الأولى، لكنها تعدو بعدئذ حقيقة لا مناص منها، في حين أن أسئلة الثقافة الميتة هي أسئلة خجولة معادة بصيغة أخرى، أسئلة تخاف من الانفتاح وتنشد التقوقع، الثقافة الحية تحيا انطلاقا من لا محدودية المجال الذي تشتغل فيه، أما الأسئلة الميتة فإنها تدور في نفس القطر دون أن تعرف ذلك، تنتج المُعاد دون أن تبدع، وتدور في المحدود دون أن تدري.

sartre-camus"عزيزي سارتر، ها هي كنوزكم التي رصعت بالشكر"-من كامي إلى سارتر
يُعتبر كل من ألبير كامي وجون بول سارتر أيقونتين، للفكر الفرنسي خاصةً والعالمي، في القرن المنصرم (العشرين). وخاصة ما بين فترة 1940 و 1960. فأعمالهما وإنخراطاتهما الفكرية والنضالية/الثقافية، تتقاطع، لتجيب عن تحديات القرن الماضي، وتستمر في القرن الحالي. في السنة الماضية 2013 تمّ إكتشاف رسالة، تحمل توقيع ألبير كامو إلى ج. ب. سارتر.. وقد عُثر عليها من قبل وراقين من Orléans، وقد عُرضت في معرض ب Lourmarinما بين الثالث والثامن من شهر شتنبر من نفس العام. جاء في الرسالة بإيجاز "عزيزي سارتر [...] أتمنى لك وأيضا للقندس المزيد من العمل [...] أعطني إشارة عند عودتكم، سنقضي أمسية حارة [...]".

ABSTScience-Fiction"العلم وحده قادر على حل مشكلات الجوع والفقر والجهل،والخرافات والعادات والتقاليد البالية، والثروات الآيلة إلى النضوب،والبلدان الغنية التي تتضور شعوبها جوعاً ... وهل هناك من يجرؤ على تجاهل العلم؟فنحن نلتمس العون منه في كل أمر ...ولا وجود في المستقبل إلا للعلم، ولكل من يناصر العلم".جواهر لال نهرو
يمثل هذا القول شعاراً لأنصار النزعة العلمانية التي تستقي مبدأها الأول من دعوة رينيه ديكارت (René Descartes) إلى السيطرة وتسخير الطبيعة بواسطة العلم والتقنية.  لقد كانت هذه الرغبة الإنسانية في التحكم وتسخير الطبيعة لصالحه مرتبطة منذ القدم بشعوره بالضعف أمام قواها، وأحياناً جبروتها.  بيد أن سبل تحقيق هذه الرغبة قد تنوعت وفق مستوى التقدم المعرفي والعلمي عبر تاريخ البشرية، فقد كانت في البداية عبر الأسطورة، إذ كان اليونان -مثلاً- يتصورون الآلهة في صورة البشر، تنفعل وتغضب وترحم وتظلم، ومن ثم وجب العلم بها، لذا كان لا بد من وجود الكهنة كوسائط بين الإنسان والآلهة، للتعبير عن رغباتهم ونزواتهم وحكمهم.  باختصار، لقد كانت الآلهة تتدخل لتغيير القوانين الطبيعية.  ثم تحولت الأسطورة إلى خرافة كنتيجة طبيعية لأن الخرافة ممارسة عملية لما كان يحكى شفهياً؛ والغرض الأول لها هو نفسه؛ أي تسخير قوى الطبيعة واتقاء شرها عن طريق السحر والشعوذة.  وعندما بلغت المعرفة العلمية ذروة التقدم وتميزت عن غيرها من المعارف غير العلمية، اعتقد الإنسان بالقدرة الخارقة لهذا النمط المعرفي الذي أثبت فعاليته ونجاعته في مجالات الصناعة والطب وغيرها من المجالات الإنسانية.وعلى هذا الأساس التطوري، حاول العديد من الإبستمولوجيين والفلاسفة، وضع تحقيب لتطور المعرفة العلمية، فحددوا المراحل ما قبل العلمية والمرحلة العلمية بناء على معايير أو خصائص محددة [أوغست كونت (Auguste Comte)؛ غاستون باشلار (Gaston Bashlard)؛ ميشيل سير (M.Serres)؛ ليون برانشفيك (Léon Brunschvicg)].

philo"من ذا الذي يستطيع أن يعلم أنه يعرف شيئا من الأشياء إذا لم يكن يعرف هذا الشيء من قبل؟"   سبينوزا
هل نتحدث عن حقيقة الإنسان أم عن علاقة الإنسان بالحقيقة؟ وهل نبحث عن تعريف لها أم عن معنى؟ هل يتعلق الأمر بالتفتيش عن مصدر أم بإيجاد معيار نميز به الصواب عن الخطأ؟ ولكن من يحدد هذا المعيار؟ هل هو الإنسان الفرد المنعزل أم مجموعة من الذوات المفكرة؟ لذلك ترجع في الغالب إشكالية الحقيقة إلى إشكالية من يملك ميزان الحق؟ هل هو الفرد أم المجموعة؟
أبيكتات يعترف أن رأي الواحد منا غير كاف إذن لتحديد الحقيقة لأن الآراء متناقضة وليست صائبة ولابد من البحث عن التأييد من خلال إجماع عدد كبير من الناس لكن ألا يوجد معيار يعلو على الرأي ويخلص الناس من جنون استعمالهم للظن.

reflexion-philosاقترن  التفكير الفلسفي عند اليونان بالدهشة لا بماهي ذهول سلبيَ أمام موضوع غير مألوف و إنما كرجَة وجدانيَة و فكريَة تصاحبها حيرة و قلق و أسئلة و لقد عبًر عن ذلك ذلك أرسطو في كتاب الميتافيزيقا عندما اعتبر أن ما يدفع الناس إلى البحوث الفلسفيَة هي الدهشة و من هنا كانت " الدهشة هي أم الفلسفة و منبعها الخطير" كما قال شوبنهاور , فلا نكاد بهذا المعنى نطرح مشكلا فلسفيا بعيدا عن كلَ ضروب القلق و الأرق و هواجس الفهم بدءا بأكثر الأشياء بداهة وصولا إلى المرَكب منها. فالبساطة لا تستقيم أمام السؤال الفلسفيَ بل فيها ما يستدعي دائما التفكير و الفلسفة هنا اختراق و هدم و استنباط لكلَ ما يظهر و يتخفى على حدَ السواء.
أن نفَكر هو أن نتفلسف : هكذا أعلن الفكر نفسه لأوَل مرَة مسائلا الوجود في عناصره و حركته و تبدياته مع فلاسفة ما قبل سقراط و مسائلا الإنسان في إنسانيته بدءا من أفلاطون , و مع ذلك يبقى الفكر في ذاته مغمورا , لا مفكر فيه كأنهَ من تحصيل حاصل إذ عادة ما نحدد موضوع التفكير أو منهجه و شروطه لكن نادرا ما نقصده في ذاته مرتبطا بالذات المفَكرة السائلة و القلقة كأنما قذف بها في العالم ترى نفسها تتساءل و  لا تدري من أين لها أن تسأل و تفكَر.