أنفاسقدَري إمرأَةٌ نَيِّقَةٌ
تَقْتَرِفُ الخطايا العَشر
على أنغامِ العود !
وحكمَةٌ تُبايعني على كُلِّ شيءٍ
إلاّ الجدوى !
قَدَري
 أنْ تُعاصِرَني ألسنةُ النيرانِ
وتَعْصُرَني أطواقُها الثُعبانيَّةُ
بكُلِّ لَذَّةٍ وانخِطافٍ
قالوا : ليستْ نيراناً هذهِ
إِنَّما نجمةُ الصباح
قُلْتُ : حتى أنتِ يا نجوم ؟!

أنفاسمحاولتي أن أرى آخرَ النفقِ الآدميِّ مكللَّةٌ بالجنون
وفهمي يجللِّهُ العقمُ
قلبي يجللِّهُ حلُمٌ مزعجٌ
وأنا في اندهاشٍ غريبٍ عجيبْ
محاولتي لا تلامسُّ من حكمةِ الشيءِ غيرَ الرخامِ الرتيبْ
 
أناسٌ يجنُّونَ قبلَ الثلاثينِ , تصدأُ أرواحهمْ كالحديدِ الجديبْ
أناسٌ يجنُّونَ , ينتحرونَ , بأوجِ احتفاءِ الربيعِ بهم يذبلونَ بلا حكمةِ الصيفِ
ينكسرونَ , كأشجارِ رملٍ , لكلٍّ طريقتهُ حينَ يعلنُ لعنتهُ , حينَ يطفىءُ وردتهُ
آهِ قبلَ الثلاثينَ , قبلَ الثلاثينَ
هذا بلا سببٍ , ذاكَ شيطانهُ بلغَ الحلمَ , ذا يتنصلُّ من نفسهِ أوَّلاً ثمَّ من زوجهِ

أنفاسأخذت الطريق المعبد المؤدي إلى مكان العمل.انه طريق طويل بعض الشيء عن الاتجاه الآخر الذي كنت أسلكه عادة.و يسلكه أغلب العاملين معي خاصة الذين يسكنون قريبا من مسكني. كنت قد قررت منذ البارحة أن أغير اتجاه طريقي لأقضي على الروتين الذي استوطنني منذ مدة.أٌقول منذ بدأت العمل بهذه المؤسسة..يوم ولوجي إليها، أخذت مكتبي بين الموظفين الآخرين، و كان أغلبهم تجاوز سن الأربعين و بدت عليهم علامات الكبر و الترهل في الحديث و في العمل حتى مشيتهم تراجعت و لم يعد لها أي لون.قلت لنفسي" يستحيل أن أتحول إلى شبح يقضي وقته مسجونا بين هذه الكراسي و الحيطان." كم ضحكت على أحلامي في هذا الصباح خاصة بعدما أدركت أنني تجاوزت السنوات العشر و أنا أعمل بهذه المؤسسة."لقد هزمني الزمن."أكملت طريقي علني أجد شيئا جديدا لم تألفه عيني من قبل.هناك أجساد تتمايل يمنة و يسرة، و عيون بلهاء تحدق في الفراغ أو ترى أشياء أمامها.صور مألوفة لا جديد. كأنني بنفس الشارع الذي ألفته في السابق.تثاقلت خطواتي و تمنيت أن أظل على هذا المنوال و لا أصل إلى مقر عملي. فجأة،و أنا أتجاوز مجموعة من الأزبال  مرمية على حافة الطريق،لفت انتباهي قطيع غنم يحاول راعيه أن يجنبه مخاطر الطريق.فكان في  كل مرة يلوح بعصاه في الفضاء و يخرج أصواتا مبهمة لا يفهمها سوى القطيع.و في الخلف، امرأة مسنة، تجر كبشا مشاكسا من بين القطيع و يساعدها طفل صغير لم يتجاوز بعد سن الطفولة.ملحفة بغطاء أبيض و تضع على رأسها رداء من الصوف و لا ترى سوى عينيها الضيقتين.

أنفاسإنه  وهج البحر ، هذا القادم من مركب أسئلة معتقة، في فصل ساخن  ، تستعد  أشجاره الحزينة ، أن تلقي بنفسها للهيب الصمت المختلف ، قربانا لآلهة الحرف المهمش، الذي لم يولد بعد . هي مدخنة العمال تحكي ، تلك التي تنفث الآن رائحة الأجساد المحلقة في عيد السواعد ، و تجاعيد بحر قوي ، فضل ركوب صهوة الاندهاش .
هل حان وقت ثأر الأحجار من عنف أسواط الانتظار ..؟
كيف السبيل ، إلى إشعال شرارة صهيل  هذا الفرس الهارب باستمرار ، و المنقسم إلى فصول علاها صدأ الأمس ؟؟ و بفعل نزلة حرارة لا حد لها ، يزداد الفارس انكماشا و حيرة ، داخل صرخة صمت بحر تدخنه الحيتان ، و بإتقان كبير تلسعها  محارات قصائد جميلة ، تمجد يقظة تجاعيد شوارع المدينة ، و لا تمجد جليد المستنقعات  . 

أنفاسمنذُ مساءٍ طاعنٍ في عهرهِ , عرفتهُ فتىً كنهرٍ ضائعٍ في أبدِ الصحراءِ
كانَ هادئاً وناعسَ العينينِ والمسحةِ كابنِ النبلاءِ , مائعاً
جمالهُ مُهذَّبٌ , مشذَّبٌ , وصوتهُ مُقصَّبُ الصباحِ والمساءْ
نظرتهُ / بسمتهُ , مصيدتانِ للَّتي ما رجعت يوماً إلى أحلامها البيضاءِ
أو جنتِّها الخضراءْ
نموذجاً مُطوَّراً عرفتهُ , لكلِّ ما الذئبِ من قساوةٍ
لكلِّ ما في الثعلبِ الأحمرِ من دهاءْ
مُحتالُ عصرِ النتِّ والبورصةِ والعولمةِ الهشَّةِ والفضاءْ
يمزجُ عبقرِّيةِ الخداعِ والزيفِ بعبقرِّيةِ الذكاءْ
لكنني مستغربٌ لوهلةٍ , كيفَ استطاعَ ذئبهُ استدراجَ آلافَ الظبِّياتِ ....
استطاعَ نَسرهُ استدراجَ آلافَ اليماماتِ ؟

أنفاسلا حاجة لكرنفال لاستقبالي, ولا حاجة لكم لتقديم التعازي في الميت انا ؟؟ كل ما هنالك أني مت , وأني في شوق لأسمعكم حكاياتي , حكاية موتي... لقد علمت قبل مقدمي اليكم عفوا قبل تنفيذ القاتل لجريمته في حقي أنكم أيضا قتلتم .
آه نسيت!!!! كنتم  شموعا مثلي وخضعتم لقانون روبرت بويلي حيث يستحيل على فأر أن يعيش في هواء تشتعل فيه شمعة , وحيث يستحيل لشمعة ان تشتعل في هواء مات فيه فأر؟؟
 نعم نفس الفأر ونفس الموت ونفس القاتل -الإله المقدس- "فأر ميت" ولكني وبالمناسبة هاته ليست في حقيبتي إلا الأخبار السيئة , أن  جرائم القتل تقيد ضد مجهول - باعتبار قتل الالهة للشموع واجبا مقدسا- بل واكتشفت نظرية خطيرة أن هذا المجهول الفأر الميت-  من حقه ان يطفئ الشموع ويقتل الشموع ويمتص دماء الشموع لأنه ببساطة لا بد للعميان من اله يقدس! ولينبعث هذا الفأر الميت لابد من تقديم دم الشموع قرابين له.
ببساطة لان العميان لا حاجة لهم بشموع؟
أيها الموتى!

أنفاسلا تخفي عيناه كلّما تحسَّستا ظِلَّ صاعدٍ إليه ، ما يُضمرُهُ بسبب   التناوُب عليه في تفَقّدِ أحواله بين الساعة والساعة ، في مواجهة تساؤل أصحابي عن اعتكافه الذي طال أكثر من عشر سنوات ،لا أجد أشبهَ بِعمِّي المعتزل في غرفة السطح ، غير أبي العلاء المعري رهين المحبسين ، أقتربُ من العتبة دون  افتعال تلك الكحّة المتقطعة إيذاناً بوصولي، قال لي في المرة الثانية : صرتُ أعرفك من رائحة خطواتك .
ظلّتْ أمّي عنيدةً في مُصالحته لآخر لحظةٍ في حياتها، غير أنّها لم تذكُرْهُ أمامنا بسوءٍ يُكَرِّهنا فيه، سمعتُها تنتفضُ في وجه أبي مُتوسِّلاً إليها برحمة عزيز قوم ذُلّ : كيف يكون ذليلاً واسمُه على كل ألسنة المدينة إلى الأطراف ؟ لا أدري إن كانتْ تعيِّرهُ في خُلْوة الليل، بما صار يظهر عليه من تراجُع عن الحلم بالتغيير الذي عهدناه مُتعلّقا به.
دعاني ذلك المساء إلى جانبه ، بعدما كنت أتَّخِذ الركن تحت النافذة مُقْـتََعَداً لمُجالَسته ، سألتُه يوماً عن توجيهي إلى ذلك الموقع بالذات، رغم تسلّل المطر من بين شقوق الإطار، صمتَ كثيراً ثم قال : من خلال صوتك أتلمّس خيوط الضوء في العتمة، كثيرة هي عباراتُه التي لم أفهمْها إلا بعد رحيله .
- طال صمتُكَ يا عمّي ، متى تخرج للناس ؟

أنفاسينتقل بخفة في أرجاء المكان.. حاملا سنواته السبعين، يرتدي جلبابين، لابد أن الأول كان يوما ما ناصع البياض، هو مصفر الآن.. بينما ضيع الثاني لونه البني واتشح بالسواد... عندما اقترب وجالس امرأتين بجانبي، لاحظت وجهه المطبع بالتعب.. لمحت إشراقة تطل من خلف زجاج نظارته القديمة والسميكة.. بدا صوته يافعا. كان يقذف الكلمات بشكل متسارع والسيدتان تنصتان بخشوع متفاوت......
الكبرى مدثرة بجلباب وغطاء رأس ابيض ، غلبت هالة الاستسلام على محياها.. كانت تقلب بين أصابعها وريقات غصن الريحان وتتمتم بكلمات غير مفهومة.. بجانبها كانت الفتاة الأصغر سنا تحاول جاهدة طأطأة رأسها.. تلتفت خفية إلى المارين، تتطلع إلى الرجل المسترسل في قراءته، تعدل وقفتها، ترتب المنديل الأصفر الذي يغطي رأسها، تنفض غبارا غير موجود على جلبابها المزهر بورود مختلفة الألوان.. ثم تطأطئ رأسها من جديد.

يغادر الرجل المرأتين مسرعا.. يقفز فوق الأبنية الصغيرة.. بعضها حديث الطلاء، الآخر مزين بالنعناع.. هنا أيضا، بدت مظاهر التفاوت الطبقي.. أبنية مغطاة بالسيراميك وأخرى ارتفعت أكثر من جاراتها..

مفضلات الشهر من القصص القصيرة