إلهي أتعبد في محراب حبك كل يوم
أنحني لقدسية جمالك و أراك في كل زهرة و كل نملة
ملأت روحي حتى فاضت بمياه العشق و سكنت كل حجرة في قلبي و كل شريان
أيقظت مياه إحساسي الراكدة و أذبت جليد الكبر و اللامبالاة
رويت قلبي بحبك بعد أن تشقق من فرط العطش حتى بت لا أشتهي بعدك شرابا
حبك أخرجني من العدم و أنقذني من التوهان
حبك أسكن أمواج أفكاري المتلاطمة و أغناني عن الدنيا فأصبحت لا أرى إلاك و لا يزاحم حبك في قلبي أحد
تحايلت الدنيا علي بزخرفها فدفعتها و صددتها صدا
مذ عرفتك ألجمت وحوشي و جمعت أجزائي و مدي و جزري في كأس حبك

كيف لي أن أقول لنفسي إنه حقا مات , كيف لي أن أصدق ذلك , لا أستطيع بتاتا, و لا أظن أن هناك من يستطيع أن يصدق ذلك خلال لحظات, فهذا لا يمكن, و أن يصلك هذا الخبر اللعين فهو أمر سيء حقا , بل أن يصلك عن طريق الهاتف و أنت بعيد كل البعد فهذا هو الأسوأ, لم أستطع أن أعرف حينها يدي من رجلي, أحقا وقع ما أخبرني به أخي على الهاتف حقا؟ أحقا ؟ أخذت في تكرارها مئات المرات, لم أستطع أن أتنفس حتى فما بالك أن أفكر في الأمر, بعد كل ما مر, و بعد كل ما جمعنا نحن الاثنين, سنوات و سنوات عشنا خلالها الحلو و المر, قاومنا مصاعب الحياة معا, و وصلنا في النهاية إلى كل ما نتمناه, و فجأة يتحطم كل شيء بهذه السهولة, و يصبح كل شيء رمادا, كل ما بنيناه أنا و هو أصبح من الماضي, أصبح من الخيال, هل يمكنني أن أتخيله ؟

بالقرب من إحدى المدن الصغيرة المعروفة بحماماتها الاستشفائية، عند أسفل التلة، كان هناك كوخان متجاوران يكسوهما القش. بالأرض العقيمة كان الرجلان القرويان يعملان بجهد كبير ليعيلا جميع صغارهما. بكل منزل أربعة أطفال. أمام البابين المتجاورين يلعب الصغار مجتمعين منذ الصباح حتى المساء.  الولدان البكران كانا في سن السادسة وكان عمر الصغيرين يناهز الخمسة عشر شهرا. في كلا المنزلين، الأعراس والولادات تمت في آن واحد تقريبا.
بالكاد تميز الأُمان نتاجهما وهم مجتمعون. أما الأبوان فيخلطان بينهم تماما. ترقص الأسماء الثمانية  داخل رأسيهما. تتداخل على الدوام. وعندما يضطران إلى المناداة على أحدهم، غالبا ما يردد الرجلان بأعلى صوتيهما ثلاثة أسماء قبل الوصول إلى الاسم الحقيقي.
يقطن آل توفاش أول المسكنين وأنت عائد من محطة مياه رول بور. كان لهذه العائلة ثلاث فتيات وصبي واحد. أما ثاني المسكنين المتهالكين فكان يأوي آل فلان.عائلة لها فتاة وثلاثة صبية.

  يسير بمحاذاة الجسر مكتئبا كاسف البال، تائها في شرارات أحزانه ونكداته، يرتدي أطمارا بالية وحذاء مرقعا باهت اللون، ويضع طربوشا أبيض تعلوه طبقات من العفن والأوساخ، يمسك ما تبقى من سيجارة وجدها ملقاة على الأرض ما تزال تصارع موتها. كان ينظر إليها ويتفحصها، سائلا نفسه لماذا يمسك بها إذا كان لم يسبق له أن دخن، هل فعلا سيجد في امتصاص دخانها عونا على نسيان همومه؟ كيف يكون الداء دواء؟ وضعها بين شفتيه، وصار يدخل الدخان إلى رئته، ولكنه ما لبث أن رماها لما أحس أنه على وشك أن يختنق، ورفسها بكعب حذائه، ثم صار يسرح بخياله في ذلك العالم الذي أُجْبِر على  العيش فيه. لم يكن عالَما مثاليا تحيط به هالة من نور، وتنشر فيه الزهور رحيقها، وتصدح فيه الطيور بأناشيدها الأخاذة، وتحلق السعادة في كل أرجائه، ولكن كان عالما بهيما، ضرير النجم، ساقط النواحي... إنه عالم الحزن الذي أُلْقِيَ فيه منذ أن فتح عينيه على هذه الحياة، ذلك العالم الذي شده إليه كما تشد البهيمة إلى الشجرة بوثاق من حديد..

-تهمة كاذبة-
صعب جدا أن تجمع الأحلام في سنوات لتفارقها عند مجرد لحظة، و الأكبر من ذلك أن تكون المـُذنب والذَّنبُ و أن تكون الجلاد و المجلود في نفس الوقت.  
ما أتعس لحظات تكون فيها في عين من تحب آثما و قد شاركك إثمك عن طواعية، غريب ذاك الذي يعيش مع الحلم و يجرك عنوة إلى أمل سرعان ما يكون أول من يقتله في قلبك.
أصعب ما في الأمر أن يسكنك الذهول، فلا تدري أين أجرمت، و متى أجرمت، و كيف كان شكل و لون و رائحة جرمك.
الجريمة تحتاج إلى جثة ولكن في هذه الحالة القاتل والقتيل صورتان لإنسان واحد، السفاح و المسفوح إنسان واحد، من يُصدق هذا؟

 من وراء الأحجار الطينية الملساء ، كانت عائشة تنظر إلى الساقية تسيل ماءا زلالا .اقتربت من مجراها ...فأخذت تعبث بعصا ، ترسم دوائر تضيق على الطين المبلل. ينعش خرير ماء عين " بوتلمسيردين " نفسها المتضايق ، دلفت بحذر شديد ، تحت أشجار الدفلى المتشابكة الأغصان و الأوراق تجر رجلها المعقوفة إلى الوراء ؛ وأخذت مكانها بالقرب من مجرى المياه . رشفت منها رشفة عميقة ... استلذت برودة الماء و المكان ، وروائح التربة المبللة . ذبال متساقط من أشجار الكليبتوس ، زاد من عطونتها مدت رجلها اليسرى كابسة على ركبتها لتطرد منها العياء . اقتحمها صوت ، تعرف رنين أوتاره...
ـ إلى أين أنتِ ذاهبة أمي عائشة؟
ودون أن ترفع بصرها ، أجابت قائلة :  إلى المقبرة
ـ ذلك سيتطلب منك جهدا جهيدا ، وأنت مهيضة .
فأجابته ، وهي تشدك على رأسها المشتعل شيبا بحزام من الصوف المفتول ، بكلام منفلت من بين ثنيتين ذهبيتين : 

تنظرُ إليَّ باستغرابٍ تارةً، وتارة أخرى بإشفاقٍ حاد، وكأنها تلومني على أوقاتي التي أقضيها سجيناً بين دفّتي كتاب، أو صفحات جريدة، فهيَ لا تقرأ، أو بالأحرى لا تقرأ بالقدر الذي يُصنّفُها في خانة القارئات، وحين أسألها عن أشهَرِ من كتبوا وتركوا آثاراً بعد رحيلهم لا تذبلُ ولا تُمحا، تعرفهم بسيماهم واحداً واحداً، وقد تحفظُ بعض مؤلفاتهم وتستظهرُ شيئا من سيرتهم الذاتية، فأجدني مستغرباً لا أملكُ لذلك تأويلا. 
فهي كالفراشة الطائرة، لا تكادُ تبرحُ مكاناً حتى تنتقل إلى غيره في لهفةٍ وحنين، ولا تقضي من الوقت في قراءة عابرةٍ بين السطور مثلما تسرحُ حواسها أمام التلفاز أزمانا طويلة، دون أن يُصيبها لفحٌ من عناءٍ أو مَلل، ودون أن تحتفظ في ذاكرتها بما يستحقُّ البقاء، فالذي يقرأُ لا ينسى، فكيفَ يَنسى مَنْ

Anfasse19113أقفُ نافراً أمامَهُ، أيّها السيّدُ أنا غاضبٌ، ومزاجي سيئٌ جداً ووجودُنا في هذا الوضعِ يتمخّضُ عن خطرٍعلينا نحن أعني الإثنين أنا وأنت فقط، ها أنت قد أغاظكَ خطابي ولجأتَ إلى تصَنّع الضَحِكِ الكاذبِ، كلّما ادعيتَ أمراً فَنّدَتْهُ الوقائعُ فأنتَ الذي كنتَ تبحثُ عنّي وما بحثتُ عنك يومًا، جلستَ تخططُ بخبثٍ وتهرفُ ليلاً ونهاراً تُذلّ نفسَك لكلّ مُتكبّر وتستسيغَ الصَغارَ من أجلِ أن تعثرَ عليَّ وإنْ تَعَثّرَتْ خُطاك وإنْ ملأَ أنفَكَ الترابُ ويومَ حصلتَ عليّ ووضعتني في جيبك، مع الكثير من أمثالي، أسكتَتْ رائحة جيبِكَ رنيني ورنينَ الصحبِ معي، كنتُ أشمّ عفونةَ شحّكَ حتى استبدلْتني مُجبرًا بحاجتكَ التي كانتْ عند مرتزقٍ خفيفِ الظلّ نذرَ أن يرمي أولَ ما تتناولَهُ كفّهُ إلى البحرِ اتقاءً لشرّ (بوسيدون) .

مفضلات الشهر من القصص القصيرة