anfasse.orgײַ في هذه المدن الصغيرة يخاف الإنسان شيئين:الملل و الرقابة ײַ
حيدر حيدر
لم يكن هناك هاجس محدد يفرض علي نفسه ساعة ولوجي مقهى أم الربيع في تلك العشية التائهة.
فقط كنت أريد تخفيف بعض من قلقي و نسيان ما بي من ضيق. بالمقهى لوحات بشرية دائمة التعليق تثير فضول البصر، تؤثث لذاكرة، تحتضن ثلة معكوفة على الدوام على لعب الورق. تتعالى أصواتهم مهللة بالاحتجاج، ضجيجهم السرمدي يفتض بكارة الفضاء. دائما كانت تأسرني هذه الجغرافيا السفلى، أحس بأشياء من الأعماق تطفو على السطح، أحمل مآسيها و أحزان أعماقي الجارحة.
في البدء عندما طوح بي في هذه المدينة ، كان الحلم بعالم حميمي، بنبض جماعي يحتضن الصراخ العنيف للذات، بأيادي دافئة متشابكة على خاصرة الغد. كنت أحلم بفضاء تمتد أبعاده داخل القلوب يمارس أحلامه علانية في فضاء داخلي مكشوف مع بشر من نفس الكوكب الوجداني.

anfasse.orgليس عندي ما أخفيهِ
ما أنا إلاّ فضيحةٌ مُتوارثةٌ
ولن تنفع حوّاءَ أو آدم ورقةُ توتٍ
حتى ولا غابةُ توت !
---------
كان مستغرقاً في الإصغاء لموسيقىً شرقية تراثية يتصادح فيها العود والطبلة عندما دخل شقته المُطلِّةَ على نهر دجلة الذابل الآمل ! صديقُهُ القديم الذي يسكن معه منذ إسبوع بعد أن قام بزيارة لبغداد مدينتهِ لأول مرة منذ ما يقرب من ثلاثة عقودٍ قادماً من منفاه البارد , واليوم يدخل شقة صديقه راجعاً من زحام بغداد وحزن شوارعها وهو يتأفف ثم جلس قبالته وفيما كان صديقُهُ الموظف العاطل منذ شهور يسكب من زجاجة العَرَق القوي على مهلٍ في كأسه وكان الوقت مساءً , سمع صاحبَهُ النحَّاتَ يقول : حقيقة أعجبُ من لامبالاتك وقدرتك على الإحتمال فها أنت سادرٌ في نعناعياتك وتتفاوحُ كحديقة !
فردَّ الموظف بانكسارٍ : تمنيتك الآن أن تطرق أبواب قلبي فلن يستقبلك بابتسامةٍ إلاّ الجروح ! ولكن ما جدوى أن أشكو ؟

anfasse.orgها هو القمر يطل بوجهه النحاسي من خلف الجبال الداكنات. قرص كبير يشق السماء بسلاسة ليعتلي كبدها. لا غيم يعكر صفوه الليلة. سيضيء ويضيء حتى آخر رمق في ليلته هذه.
صوت إغلاق باب حديدي يصدر من مكان قريب. إنه "وسام" خرج من منزله ليستنشق هواء هذه الليلة القمرية المنعش، وليخفف شيئا من ثقل الحرارة على جسمه. إنه فصل الصيف، فصل الحرارة والبعوض الفاقد للحياء، والذباب الذي ينام ليستعد ليوم جديد من الشغب والمغامرات مع الأواني المتسخة ببقايا الطعام، وزجاج النوافذ، وفخاخ العناكب المثبتة في زوايا المنزل.
خطوات حثيثة على الرصيف تصاحبها فرقعة الأصابع كعادة "وسام"؛ فهو يحب أن يمشي ببطء كي يستمتع بمحيا السماء تعلوه حبيبات النجوم اللامعة ويتوسطه القمر الساطع. وما فرقعة الأصابع سوى عادة لا تفارق " وسام" فحسب. سار هذا الأخير في خط مستقيم إلى أن بلغ جدار حديقة لمنزل كان يسكنه أحد أصدقائه القدامى أيام الدراسة، إلا أنه الآن غير مأهول، ومالكه وضعه تحت رحمة البيع.
أسند ظهره للجدار متكأ رافعا رأسه قبالة السماء، قائلا للقمر « طاب ليلك يا قمر ». هذا الأخير قد تقلص حجمه في مشواره كي يتوسط قبة السماء. كأنه كان في حمية لينقص وزنه. ومن يدري.. ربما كان يود أن يكون وسيما وهو وسط السماء. محياه لم يعد نحاسيا كما كان. لقد صار ذا لون فضي مشع. أكان القمر يضع مساحيق وأقنعة كي تكتمل وسامته ! ؟ لا أظن.. فالقمر صريح مع عشاقه..

anfasse.orgالطقس بارد يبعث على القلق والقرف ولا زال منير يسير في دروب خافتة الضوء بخطى متهادية يتهدده السقوط في كل حين.دماغه مشلول بفعل الجوع وتأثير مخدر"السيلسيون" القوي.في طريقه يتراءى له المارة كالذباب.على عينيه غشاوة جعلته غير قادر على التمييز بين البشر والذباب.وما كان أحد لينتبه إليه لأنهم جميعا ألفوه في تلك الحالة منذ زمن ليس بالقصير لذلك لم يستطع وهو ثمل منهار أن يميز بدقة بين أحاسيسه،فمعدته تكاد تتقلص وأنفه يسيل ورجلاه المقوستان جعلتاه يبدو كغراب أراد أن يقلد مشي الحمام.
منير يشعر بالجوع،بالإنهيار،بالغثيان، لكنه لازال ماضيا في طريقه يقاوم انقراضه ليشهد على سفالتنا وضعتنا،يسير دون هدف.لعنة الجوع جعلته يفكر في استجداء صاحب الدكان  الملتحي المنكمش كالقنفد في جلباب صوفي،كان منهمكا يراجع الفواتير لما وقف منير أمام واجهة دكانه وطلب منه خبزا.على الفور أجابه في كلمتين بأن الخبز قد نفد،لكن منير بقي متسمرا في مكانه أمام الواجهة كأنه تمثال محارب قديم،أخذ نفسا من الخرقة المبللة بالسيلسيون ثم عاد ليطلب من البقال درهما ليشتري شيئا يأكله وعندها ثار عليه البقال ولعن أمه ثم نط إليه يدفعه باحتقار....وتابع منيره طريقه،إلى اللامكان
....

anfasse.orgإلى حبيبتي المهاجرة صوب عدمي :
  سأحرص دون إضاعة السطور على الديباجة إذ لم يتبق للجمال مساحة بعد أن ساقتكِ رياح الهجرة المنبعثة من فصول الكراهية المتعاقبة إلى مصير الغربة، وأنا هنا أحترق وأتحول إلى رماد في كل سطر أخطـّه عن إضاءات شوقي للقائنا المكتوب في سفرينا منذ الأزل رغم أنهم منعوا عنا فرصة التهيؤ لهذا اللقاء..
  حبيبتي ... أيتها الحبيبة السريّة - وقد خبأت هويتك تحت قميصي في مكان مقدس لا يجوز خرق حرمته- هل سأنال فرصة الثأر لحظي؟ ينتحب قلبي إذا جن الليل فأغرق في تأملاتي، أدور باحثاً عنكِ بين النـُصب الباقية لرموز بلادي، أشعر بجثمان جسدي قد سيق بمراسيم جنائزية بعد أن عارض بصرامة مغادرة البلاد، يأبى أن يتلقى التعازي رافضاً توشيحه بالأكاليل، تتقدم بي خطى الأعوام متخلفاً عن عصري، لكنني ما زلت حياً، أو هكذا يبدو لي وأنا شاهد على تنفيذ ما تقرفه روحي ويشعرني بالغثيان من تطبيق للعدالة لغايات ذات نوايا مبيتة غير عادلة.
  أقف أمام نصب الحرية وأحسبه شرفة الحبيبة، أعزف كماني المنفرد هناك وموسيقاه هي الصديق الخفي الذي يؤنس وحدتي.
  تمتم بمرارة نحّات الجدارية الحالم: قد أبدلوا هيئتي من نصب مهيب إلى ورق مقوى تقطعه المطاوي العمياء.

anfasse.orgالمطر..وحده المطر ,  لاشيء غيره...لازلت حتى الآن اعشق هذا الساقط من السماء.رغم انه لم يعد يبعث الرائحة التي كنت اشتمها فيه .  كلما سقط مطر المدينة يأتي موحلا .كأحلامنا المتعبة ...
كأن السماء تبكي وحدتي وتحدث صمتي .أضواء الشوارع المعتمة تحاول كسر هذا الليل الجاثم على الصدور ..وكنت أرقب عجزها .. 
كنت كما كنت تعرفين أحرق الليل بسجائري المتسابقة إلى شفتي  ..المتسابق دخانها إلى صدري .لأتعلم لعبة القتل .
 طعم اليتم من الذات أكل أفراحنا ..الوقت هو الوحيد الذي استطيع قتله ..حتى هذه الكتابة تحولت مع الأيام وسيلة لقتل الوقت ولاشيء أكثر.
أيها الليل المتقارب على الانتهاء تمدد.. ففي صدري وقت لم تغشه..تمدد لأفك لغز القول, أمسك سري ,أكتشف ذاتي أتملى وجهي قليلا وجهتي المقبلة
كأن السماء تبكي , أذكر الرمل الذي طوق الخطى .وبقى غصة القدم المتعبة ..أذكر الرمل والمطر ..كان للمطر رائحة الكبريت ..كنت أجري خلف أسراب السنونوات .التي تمضي بخيوطنا المعطرة إلى الجنة , هي تحجز لنا مكانا في الجنة ..هكذا تقول أمي .. - هكذا كنت أقول –
كان للمطر رائحة سرقتها المدينة من أنفي ..المدينة عجزت عن سرقة سمرتي..لكنها غيرتني حين تكشفت أمامي , غلقت الأبواب ,  قميصي لم يقد من دبر فقط قلبي قد من كل الجهات...... 

anfasse.orgهكذا ينام وهكذا يستفيق على وقع مغزاها.لكن لماذا هي تضيع في كل لحظة ظانا أنه ممسك بتلابيبها؟أحقير هو وملعون لعنة الأبالسة؟ويا للأسف,كم تمنى أن يغدو وجبة,جيفة تنهشها الأكاسرة,لتلقي به بعد انتهاء حفلتها من تلك النافذة التي تتلاعب بأضواء العمود الكهربائي في الخارج,خالقة لذيه نوعا من الهذيان الطيفي داخل غرفته...                         &n bsp;                         &nb sp;                   
انه الغم الميتافيزيقي يهيم على روحه,مقتنعا بقواه الواهنة على أنها تستطيع أن تضع بعض الترتيب على فوضى عارمة تهز عوالمه..اضطرام أصوات صاخبة متداخلة,يثير فيه ألوانا من الوحدة القاسية,ضروبا من القسوة المتوحدة في عوالم الاضطراب الفظيع.غب هذا النضال المرير مع تجريد يقبع زواياه,ليس هناك شيء سوى اللامعنى يسيجه ,يخنقه...فعندما لا يستطيع الإنسان أن ينعم  بقسط ضئيل من الراحة الداخلية,فالأجدى به أن ينتحر في بواطن تناقضاته  ويتلاشى في التواءات دروبه الماحلة,ليبحث هناك عن طلقات رصاص تدوي في أعماقه...

anfasse.org- يحكي حميد: تختنق في الذهن ذكريات.وفي العينين غشاوة من فرط ضبابية الأشياء. في الصدر ألم يقوى ويشتد مع الأيام. وأحلم بفضاء جديد...لم أعد أطيق الإختناق...
- يتابع الحكاية :
أعبر كل المسافات، رغم ما في نفسي من ألم يسحق كل ما أريد،أعير الابتسامة لكل سيزيفات العالم،في صدري قنابل موقوتة تتوالد كل دقيقة،وكل ثانية.
يحولني الباطرون الى "روبو" أقول في كل وقت نعم أعيش في ذاكرتي وحلمي ،تقودني رجلاي إلى حيث تحدد المسير
  - قهوة عصير...
  - نعم-نعم
  أوزع بطاقات "اللوطو"و أستعطف القدر...لو نسيني بين الوجوه...مائة مليون ،مائتين،أربع مائة...على مدى الساعات أتمنى ، أحلم أشتهي ،أطلب/أطلب ،ولا ترحم أيها القدر...

مفضلات الشهر من القصص القصيرة