anfasse.orgليس عندي ما أخفيهِ
ما أنا إلاّ فضيحةٌ مُتوارثةٌ
ولن تنفع حوّاءَ أو آدم ورقةُ توتٍ
حتى ولا غابةُ توت !
---------
كان مستغرقاً في الإصغاء لموسيقىً شرقية تراثية يتصادح فيها العود والطبلة عندما دخل شقته المُطلِّةَ على نهر دجلة الذابل الآمل ! صديقُهُ القديم الذي يسكن معه منذ إسبوع بعد أن قام بزيارة لبغداد مدينتهِ لأول مرة منذ ما يقرب من ثلاثة عقودٍ قادماً من منفاه البارد , واليوم يدخل شقة صديقه راجعاً من زحام بغداد وحزن شوارعها وهو يتأفف ثم جلس قبالته وفيما كان صديقُهُ الموظف العاطل منذ شهور يسكب من زجاجة العَرَق القوي على مهلٍ في كأسه وكان الوقت مساءً , سمع صاحبَهُ النحَّاتَ يقول : حقيقة أعجبُ من لامبالاتك وقدرتك على الإحتمال فها أنت سادرٌ في نعناعياتك وتتفاوحُ كحديقة !

anfasse.orgكان جالسا على أحد المقاعد الأماميّة للحافلة. لقد لاحظ وجودها على متنها.جلس قُبالتَها حتى لا يُفوّتَ على نفسه متعة النّظر لوجهها الصّبوح.كان يتأمّلها و يُفكّر. كانت تَنظرُ عبر النّافدة لكنّها لا ترى شيئا.كان يُفكّر في طريقة ما ليُكلّمها.
كانت مُنشغلة بما يَنتظرها في المكتب من عمل متراكم و ملفّات تستوجب التّرتيب.
لم يرفع عينيه من على وجهها. أطلق العنان للذّكريات و الأمنيات.فجأة وَقفتْ و َمشتْ بضع خطوات في اتّجاهه. إنّها تترنّح في الخطوات. جَلستْ على المقعد المحاذي لمقعده. خفقَ قلبُه و تتالتْ الخفقات. انّه لا يكاد يُصدّق. هذه إشارة منها على أنّها تُبادله الشّعور ذاته. غمره إحساس جارف من السّعادة و الغرور.
أغمضتْ عينيها و كأنها غرقت في حلم جميل. وضعتْ رأسها على كتفه في حركة انسيابيّة تنمّ عن قدر كبير من العفويّة. لم ينطق ببنت شفة. قّرّر الاستمتاع باللّحظة. اشرأبّتْ الأعناق نحوهما.  قال في نفسه "اللّهم لا حسد". كان متأكّدا أن الرّكاب كانوا يَحسدونه على ما هو فيه.

anfasse.orgالصورة على حالها لم تتغير. الشارع مليء بالحركة و الحياة . يلف صياح الصبية المكان فرحا بالبرودة والندى بينما الشمس كانت حينها قد غرقت وراء العمارات المتراصة . كنت أرى خيوط الليل المتسلل تتدافع في كل الاتجاهات تبحث عن ركن تتربص منتظرة الهجمة الكبرى للسواد . كانت كل المساحة في حركة لذيذة .كان الناس يركضون إسفلت الطريق، كانوا يسرعون بعد تعب النهار إلى البيوت المعلقة . ضلت العمارات تبتلع سكانها كأنها لا تشبع أو عطشى لا يرويها البشر.
كان يمشي الهوينى حين رايته أول مرة. كان يتجه نحو العمارة الصفراء . مد نظره إلى كل شيء . رايته يكنس الدكاكين و الكراسي المبثوثة أمام المقاهي و السيارات و الناس جميعا. مرت عيناه على شرفتي فالتهمها بسرعة ثم بصق بي خارج عينيه انقلبت الصورة فجأة . صار كل ما فيها ينبض بالغفلة والجمود. أصبح كل من فيها لا يلقي بالا لأحد كان وحده يتحرك دون غفلة. يكشف المكان و يرسم خطته. شعرت بالضيق فجأة .وانقلبت أنا أيضا للسؤال. لم تعد الصورة على حالها وما عدت أنا وحدي المتربص في شرفتي أراقب تغير الألوان و الضلال .

anfasse.orgزعقوا والشمسُ تُفتتُ بقايا غيومٍ سابحة:يا أهالي بلوك (r) أسعد الله صباحَكم!
يحظر التجول منذ الآن و إلى إشعارٍ آخر!
في صمتِ عبروا
في صمتٍ وصلوا
ثمَّ أخرجوه!
وعلى حائط بيتِه في صمتٍ أوقفوه
ثمَّ أردوه!
ومكبرُ الصوتِ زعق من فوق العربةِ المغادرة:
شكرا يا أهالي بلوك (r )
يُسمحُ الآن التجول!
على جسدِه الساخنِ زحفت خيوطُ الضوء

anfasse.orgارتمى على وجهه كأن عفريتا رفعه الى الأعلى ، ولوح به فوق الفراش .
وسمع صوت أمه تقول باستغراب :
-  لم أره على هذا التعب قط .
فيجيب الأب في أناة :
- ربما بذل مجهودا في اللعب .
كان جواب الأب مدعاة للراحة عند الطفل المسجى فوق الفراش ، فقد ظن أن جواب أبيه سيقنع أمه الملحة في الاستغراب .غير أنها لم تلبث  أن نادته :
- يابني... يابني .
فتمنى أن يخونه كل شئ لحظتئذ عدا أن يخونه اللسان ، فهذا قد تمكن منه المخدر وعقد لغالغه ، كانت خيبته مميتة  وفكر ماذا قد يحدث لو دخلت عليه أمه ووجدته على هذه الحالة ، بعينين غائرتين وجسد خار مترهل .. ولسان قادر على كل شيء سوى النطق السليم .
ومرت خاطرة خاطفة مريرة بلبه :

Anfasse.orgتبدأ القصة و طائر ارجواني غريب يحلق على الساحل الصخري و تنفض الموجة زبدها على الصخور الاصطناعية التي تحمي الساحل من الالتهام و التبدد  .تبدأ القصة و هو يقرران ينهي الحياة بصوت الارتطام الذي بلغ سمعه قبل أن يحدث.
هو مقامر لم يلعب يوما لعبة رند. ولم تستهوه لعبة الأوراق ولا سباق الخيل .مقامر بغير مقامرة .وضع كل حياته على أرجوحة أكلت الأرضة لوحها، و نخر الزمان حبالها و اقتلع الصدأ قاعدتها .تأرجح و هو يعرف انه الى سقوط لا محالة في سير حثيث ،لكنه عمي .استهواه الارتواز حتى سقط و كان في هذا السقوط رعد مطر يفيض في عين أمه بكا.
كان يقف أمام نفسه وهو مترع بالحزن و الكارثة .كان يلوك في فمه الحياة و هو يبكي النوازع .تتعاظم الكارثة وهو يجالس الوقوف و يترنح في السكون منذ زمن أصبح في العد الرياضي دهرا طويلا. كان يعجبه ان يقول لمن يلقاه إني أترنح .ترنح مرض لا ترنح سكر و نشوة .افقد طريقي .انغمس في العته السفه .ازداد في الحزن يوما بعد يوم و يزداد شقائي و التباسي و ازداد في الصمت مساحة ملك.
كان بحق بحق في يأس قاتل و انسداد. يتألم وهو يشاهد عائلته الصغيرة فيزداد في الحزن و يزداد في شقاء مقيت . لماذا يرتكب الحزن و كلام أطفاله ضحك وبراءة.

Anfasse.orgيقذف قلبي أرقام المسائل، أحس بهدوء صوتي الذي يملأ غرفة الفصل، ويخاصم الانتباه عقلي، أتأمل وجوه الطالبات، تلمع عيونهن بالحيرة، وترسل براءة الوجوه أسئلة صامتة: لماذا تغيرتي يا أستاذة شمس؟ أين كلمات التودد؟ أين ابتسامتك الناصعة؟
تحرجني الأسئلة الخفية وتمتلأ عيني بالضيق، أتهرب من أسئلة العيون، أشاغل الطالبات بأحدى المسائل، تتباطأ خطواتي بل لا تتجاوز طاولة الفصل لأسبح في رحلة تفكير أخرى، ها هي الساعات تعلن اقتراب عودة " زوجي" من شركة البترول الكائنة وسط الصحراء.
أغصب ذاكرتي على استحضار جملته الشهيرة التي رقص قلبي على نغماتها: " أنت أغلى أنسانه في حياتي"، لكن الكلمات الحلوة تبخرت، واللحظات الرائعة تلاشت، لأنها اصطدمت بكابوس خطير وهم طويل يرافقني في كل الأوقات، فقد مضت ثلاث سنوات ولم نرزق بطفل، بحثت عن العلاج في مختلف الأمكنة وفتشت عن الحلول في كل الوجوه.
 أصبحت في نظره شجرة يابسة بعدما كنت شجرته المثمرة التي تغذيه بالحنان، إنها الأبوة المفقودة التي سلبت الابتسامة من وجهه، وتسلق الوهن سفوح قلبه، أتذكر جيدا حرارة غضبه وسخريته من أمومتي المسلوبة، أحسست بعدها أن قلبي يتفتت..يتحطم..يتبعثر.

anfasse.orgالمرأة التي كانت جالسة قبالتي...لم تكن أمي!! كانت أي امرأة  أخرى إلا أمي.  بل حتى لم تكن تشبهها في شيء. ترى ما الذي جعلني أتخيل, ولو لجزء من الثانية, أنها أمي؟ أكنت أبحث عن وجه أمي في أي شيء؟ في أي وجه؟!
  لم أعد أذكر جيدا أين كنا جالسين؛ في مقهى, في غرفة مكتب ما, هي صاحبته وأنا أجلس أمامها. هل كنت أنا صاحبه وهي أمامي؟! شيء واحد أتذكره جيدا هو أننا كنا جالسين متقابلين, صامتين وهادئين. تلبس ثوبا أسود يظهر منه أعلى صدرها الممتلئ وينكشف عن ساعدين أبيضين. شعرها الكستنائي ممشوط إلى الوراء. كان قصيرا يصل بالكاد إلى كتفيها. كم أحب مثل هذا اللون في الشعر!. كثيرا ما طلبت من زوجتي أن  تصبغ شعرها ليصبح كستنائيا. فمها رقيق مدور كخاتم. هل كان كذلك حقا؟؟ وأنا أتذكر تخيلته كذلك. كانت تبتسم من عينيها تماما مثل أمي وهي تنظر إلي أو إلى أحد من إخوتي. لكني قلت بأنها لم تكن تشبه أمي في أي شيء. أغلب الظن أن جميع الناس يتشابهون في طريقة الابتسام خاصة من العيون.ربما!!