
رغم الإهتمام الكبير الذي حظي به مصطلح العولمة ، والكتابات الكثيرة حوله والمقاربات التي حاولت الإحاطة به ،إلا أن الغموض لازال يكتنفه ،مما يجعله جديرا بالمناقشة .
تاريخيا ليست العولمة سوي مرحلة من مراحل تطور النظام الرأسمالي ورغبته في السيطرة على العالم وإزاحة منافسيه ،وبالتالي فرض قيمه وسلوكاته . فمنذ ظهور الرأسمالية التجارية بعد الإكتشافات الجغرافية الكبرى بدأت رغبة أوربا في السيطرة على العالم تتضح تدريجيا ،وإذا كانت هذه السيطرة قد إتخذت طابعا إقتصاديا في ظاهرها ، إلا أن تشجيع الكنيسة لها جعلها ذات طابع الديني وثقافي وذلك من خلال نشر قيم المسيحية ( كسلوك وتصورات ودين ) .إستمر مشروع السيطرة قائما يتمدد أحيانا وينكمش أحيانا أخرى ،وفي النصف الأخير من القرن التاسع عشر ظهرت الإمبريالية كشكل من أشكال العولمة ، إعتمدت القوة العسكرية لتركيز الهيمنة الإقتتصادية وفي القرن الماضي كان على الرأسمالية أن تواجه أزماتها ومنافسيها ( أزماتها الإقتصادية والسياسية والمعسكر الإشتراكي ).
وقد تمكنت الرأسمالية من الصمود أمام هذه الأزمات والتخلص من منافسها و وضع حد لنظام القطبية الثنائية ،والعودة إلى نظام القطبية الواحدة (العولمة ). إن منطق الرأسمالية يفرض – منذ وجوده – ضرورة وجود قيادة مركزية على الصعيد العالمي توجه حركيتها وتسعى إلى خلق بيئة إجتماعية وسياسية تسمح لها بالتطور وتجاوز الأزمات .
في هذه المقالة سنحاول التركيز على العولمة في جانبها الثقافي وتأثيرها على الهوية ،لأن هدف العولمة هو القضاء على الخصوصية بينما الهوية تبحث عن التمايز ،ونطرح سؤالا يبدو بسيطا :
هل تحترم العولمة الخصوصية الثقافية للأفراد والجماعات أم تسعى إلى عولمتها كما فعلت في عالم الإقتصاد والمال ؟