anfasse.org بعد المقالات الأربع السابقة حول التنمية الضائعة ( أين نحن من الحداثة )في مجالات الفكر ،السياسة والمجتمع ثم أخيرا الإقتصاد ،نخصص المقالة الخامسة والأخيرة للدين .
لقد بدأت أوربا في تحقيق حداثتها الدينية منذ عصر النهضة الذي شكل فيه الإصلاح الديني أحد أهم مظاهره إلى  جانب الحركة الإنسية والتطور الفني ،وبالتالي فتح المجال أمام العقل دون قيود وذلك بوضع حد لسيطرة الكنيسة ،بينما ظل الدين أداة إستخدمته القوى الحاكمة في العام الإسلامي للحفاظ على الوضع السائد وتبريره (خاصة بعد عهد الخلفاء الراشدين ) ومحاربة أي تحديث في البنيات التقليدية للمجتمع العربي بدعوى الخصوصية الدينية والهوية الإسلامية .
لقد كان تسلط الكنيسة كبيرا وإتخذ أشكالا ومستويات متعددة ،فقد كان تسلطا دينيا (فرض عقيدة الثأثليت ،ترويج صكوك الغفران ،الرهبانية ...)وكان تسلطا سياسيا (فرض الوصاية على الملوك والأمراء )وكان كذلك تسلطا ماديا ( فرض ضرائب ،أعمال السخرة ،إمتلاك عقارات ...).إلا أن التحولات الفكرية والإجتماعية والإقتصادية التي شهدتها أوربا مع بداية عصر النهضة كان لابد أن تؤدي تحول في المجال الديني .
فقد بدأت معالم الرغبة في الثورة على الكنيسة ووصايتها تنمو تدريجيا ،وتغديها مظاهر الفساد الأخلاقي والمادي لعدد كبير من رجال الدين .وحاولت الكنيسة بكل أساليبها وأدواتها قمع وإقبار هذه الرغبة في مهدها ،وإتهام دعاتها بالهرطقة ومحاكمتهم وإعدامهم لإثارتهم الفتنة . يقول مارتن لوثر:(   كيف تحملنا نحن الألمان هذه السرقة والنهب لأموالنا..وما هذا النظام البابوي ؟ إنه نظام شيطاني .. إنه يقود المسيحيين نحو الخراب الجسدي والنفسي ..فمن واجبنا مواجهته....ً

anfasse.orgتقديـــم إشكــالي:   
مرت الكتابة التاريخية بالمغرب من مراحل مختلفة، تميزت كل مرحلة منها بسمات وخصائص معينة سواء من حيث اختلاف المواضيع المعالجة، أو من حيث تعدد الاتجاهات والرؤى والمقاربات والأدوات المنهجية الموظفة.وقد عرف البحث التاريخي خلال العقود الأخيرة، ولاسيما خلال الفترة الممتدة من تاريخ حصول بلادنا على الاستقلال إلى الآن، تراكما مهما ،ورصيدا متنوعا لايستهان به شكلت فيه الدراسات الإفريقية إحدى الحقول المعرفية التي حظي فيها تاريخ المغرب الحديث باهتمام الباحثين سواء على المستوى الوطني أو الدولي ،لذلك ،وفي هذا السياق تأتي هذه المداخلة ، للإجابة على الإشكالية التالية :
ما مدى حضور تاريخ المغرب ضمن هذه الدراسات ؟ وما هي الخطابات التاريخية التي تتجاذب هذا التراكم المعرفي ؟ و ماهي الخصوصيات التي طبعت كل واحد منها ،والمواضيع التي عالجها كل خطاب وكذا الإشكاليات التي يطرحها على المستويين المعرفي والمنهجي ؟ وما هو تقويمنا لبعض النماذج من هذه الخطابات ؟.
أما الخلاصة، فسنقدم من خلالها بعض الاستنتاجات العامة التي توصلنا إليها، والآفاق المحتملة لحضور تاريخ المغرب في الدراسات الإفريقية.
    قبل الإجابة على هذه الإشكالية ،لابد من الإشارة إلى أن تقييم ما أنجز حول تاريخ المغرب الحديث من أعمال من طرف باحثين مهتمين أو متخصصين في مجال الدراسات الإفريقية أمر صعب وشائك ،لتعدد الرؤى والاتجاهات ،لذلك فإن هذه الورقة لا تروم القيام بتقييم وجرد شامل لهذا الإنتاج التاريخي المتمحور حول المغرب ،وإنما تسعى إلى القيام بقراءة أولية ،وتقديم بعض التوضيحات والملاحظات، وكذا الآفاق المحتملة لحضور تاريخ المغرب في الدراسات الإفريقية ،على أمل أن تتاح لنا الفرصة وكذا الوقت الكافي لتعميق البحث فيها لاحقا .
    كجواب على الإشكالية المطروحة ،ومن خلال اطلاعنا على ما أنجز وما جد في حقل الدراسات الإفريقية من أعمال و أبحاث ذات الصلة بتاريخ المغرب الحديث وعلاقته مع دول إفريقيا جنوب الصحراء،يمكن القول بأن هذا التراكم المعرفي المتوفر حاليا تتجاذبه ثلاثة خطابات تاريخية هي:

أنفاس نتمدخل:
شكلت الدراسات الدينية مجالا خاصا، تعززه الحاجة إلى تعميق المعرفة بالظاهرة الدينية في مستوياتها وأبعادها الاجتماعية والسياسية. فالأديان عامة تدعي بهذا القدر أو ذاك امتلاكها (كل دين على طريقته الخاصة توحيديا كان أو وضعيا) للحقيقة المطلقة التي لا تقبل الجدل، كما تدعي الأحقية في صدق دعواتها. إلا أن الدراسة العلمية (بالمعنى البنيوي لا الاختزالي) لا تقبل هذا الافتراض الأولي الذي يخدم أهدافا إيديولوجية قدر ما يخدم أهدافا معرفية. ويظل هذا الافتراض ـ مع ذلك ـ افتراضا نسبيا قابلا لكل تأويل، فما لم يتم يكشف عن جوهر الأديان وحقيقتها التاريخية، فإن كل محاولة لادعاء الحقيقة النهائية والمطلقة تصبح باطلة وغير علمية بل ومتعارضة مع منطق التاريخ، فالتداخل بين الأديان وارد في تطور كل دين، ولا دين يستطيع الجزم على أن تطوره مستقل تمام الاستقلال عن الأديان الأخرى.
وحسبنا، أننا لا نروم في هذا العرض دراسة الظاهرة الدينية (أي كان نوعها)، دراسة علمية بمنهج دقيق وإنما غرضنا أولا هو محاولة حصر مجال من المجالات التي يبحثها علم الأديان وتاريخ الأديان، ويتعلق الأمر بالمعتقدات الدينية لدى العرب قبل ظهور الإسلام، أي المعتقدات الدينية التي سادت في "جزيرة العرب". وإن كان الاهتمام بالتراث قد أغفل وهمش هذه المسألة بحيث لم تعطى لها الأهمية التي تستحقها، فإنه على الرغم من ذلك نجد بعض الدراسات هنا وهناك حول هذا الموضوع، وإننا لنسعى إلى الإحاطة بهذه الدراسات وتقديم أهم الأفكار التي خلصنا إليها من اطلاعنا عليها مع التركيز على عرض وجيز لأهم القضايا المتصلة بالموضوع.
كلمة العرب، والجاهلية:

anfasse.orgمنذ انعقاد مجمع الفاتيكان الثاني (1962-1965م) والكاثوليكيّة تلهث لكسبِ ودّ الذين هادوا، في وقت لازال فيه أتباع التوراة غير مبالين، وما فتئوا عند قرارات السنهدرين الصادرة مع مطلع القرن الميلادي الأوّل، التي أقرّت أن السيّد المسيح مجدّف. ففي حاضرنا تستجدي حاضرة الفاتيكان التقارب من اليهود بشتى الوسائل، وهم يمانعون ويشترطون، موظّفة في ذلك كافة الإغراءات اللاهوتية، كـ"وحدة التراث اليهودي المسيحي" و"الإخوة الكبار" و"المسيح وحواريوه يهود"، لعلّ آخرها تنقية عبارات القدّاس اللاّتيني، مما قد يخدش الضمير اليهودي.
كافة بابوات ما بعد الفاتيكان الثاني، من يوحنا الثالث والعشرين حتى الراهن راتسينغر، باستثناء في ذلك قصير البابوية يوحنا بولس الأول (1978-1978)، تناوبوا بنفس العزم على محو مقولة "الشعب قاتل الإله"، التي جرّمت اليهود على مدى قرون طويلة، وسعوا لتطهير تاريخ طويل حافل بالقوانين الكنسية الصادرة ضدّ اليهود، منذ مجمع إلفيرا سنة 306م، الذي حجّر الزّواج والعلاقات الجنسية بين أبناء الملّتين، مرورا بقرارات حرق أسفار التلمود في مجمع توليديو الثاني عشر سنة 681م، إلى إلزام اليهود بحمل علامات مميزة على ألبستهم في المجمع اللاتيراني الرابع 1215م، إلى إكراههم على السكنى داخل غيتوات منعزلة، مع مجمع بريسلافيا سنة 1267، إلى منع اليهود من الحصول على درجات أكاديمية في مجمع بازيليا 1434م. كل تلك القرارات الكنسية باتت لاغية، لكن رغم ذلك لازال الانفتاح الكنسي يواجه تحدّيات جمّة، في تغيير قناعات دينية تستند إلى نصوص إنجيلية صريحة الدّلالة، تُحمّل الوزرَ اليهودَ، فيما تعرض له المسيح، مثل: "ليكن دمه علينا وعلى أولادنا" (متى 27:26)، أو " فشقّ رئيس الكهنة ثيابه وصرخ: "قد جدّف! -أي المسيح- لا حاجة لنا بعد إلى شهود وها أنتم قد سمعتم تجديفه. فما رأيكم؟ أجابوا: "يستحقّ عقوبة الموت!" (متى 26: 66-67). أمام هذا الماضي الذي لا يودّ الرحيل، لا تستطيع الكنيسة أن تنكر أن من فتنوا المسيح وسعوا في قتله ليسوا يهودا، مهما بحثت عن تأويلات ومخارج لآي الإنجيل البيّنة لذلك. ولكن كان لها أن تؤصّل إلى أنّ لكلّ أمّة ما كسبت، وما كان لأمّة أن ترث إثم سلفها.
ولسائل أن يسأل، لماذا تصرّ الكنيسة على التقارب من اليهود، ولا تسعى بنفس الحزم للتقارب من العرب؟ ليست الإجابة خفية في هذا الشأن ولا تتطلب نباهة استراتيجية خارقة. وهو أن المتهوّدين الذين صاروا يهودا، القابضين على مقدرات الأراضي المقدسّة، هم أدنى وأقرب، مصلحة وولاء وارتباطا، بالكنيسة من العرب. والظرف الراهن يفرض التحالف معهم للسير قدما في إبعاد بني يعرب عن أرض فلسطين.

anfasse.orgتعيش المجتمعات العربية,  تخلفا حضاريا جد مركب, جعلها في وضع بين الأمم و الحضارات الأخرى لا تحسد عليه.  تخبطت فيه منذ قرون عديدة. وقد ظهر هذا التخلف بصور و أشكال مختلفة , بحسب طبيعة و خصوصية كل فترة تاريخية من فترات هذه الحقبة الطويلة المظلمة .كان أبرزها دخول هذه المجتمعات, منذ الاستقلال حتى الآن, في مسلسل " تحديث « للبنيات العتيقة, السياسية, والاقتصادية و الثقافية و الاجتماعية التي تتسم بها, حاولت فيه تطبيق نماذج حضارية غربية شملت مختلف مظاهر الحياة العصرية ( إدارة, عسكر, تعليم... ) بشكل تعسفي جعل, في النهاية, التعايش ما بين "العصري" و "التقليدي" العتيق يتسم بالمفارقة, و جعل, بالتالي, المشهد الحضاري العربي الآني يبدو قاتما يثير السخرية و الشفقة في نفس الوقت.
 فمنذ أن استفاق  العرب من " كومتهم العميقة " التي سببتها ضربات  " الغزو المغولي "  الموجعة وما أعقب ذلك من قضاء نهائي على الإمبراطورية العربية و الإسلامية , انتهجوا طرقا  و سياسات و استراتيجيات مختلفة بغية التقليص من هذه المسافات و التباعدات الحضارية  بينهم وبين المجتمعات المتحضرة . فمنهم من فتح شرفات الوطن لتهب نسمات الغرب بنكهة ليبرالية و رأسمالية , و منهم من أوصد كل المنافذ و سد جميع الثغرات و اكتفى بمغازلة الحاضر على إيقاعات نوستالجية  ماركسوية  , و منهم من توسد " عقائديات " خالدة و افترش أمجاد و بطولات الأجداد , و راح في نومة " دوغماتية " عميقة لم يستفيق بعد منها  إلى حد  هذه الساعة .
          كل هذه الأصناف , تمثلت لها صورة الغرب , على أنه ذلك"الآخر المزعج " الذي تغلغل في النسيج الثقافي و فجره تفجيرا , و استباح المعايير والنظم الأخلاقية والمقدسات المصونة . بعيدا عن كل التصورات الواقعية و الحقيقية التي  ستخرجها من مأزق تنمية  غير محسوبة النتائج و العواقب , لم  تقدها إلى السبل الحقيقية للتحديث الحقيقي المستدام . و لم تكلف نفسها عناء النظر إلى مختلف تمثلانها عن ذاتها ..
           وقد ازدادت حدة مفعولات هذه "الإستيهامات " الرافضة , لا شعوريا , للغرب و عصرنته , مع بداية هذه الألفية الثالثة ,  نتيجة ما  عرفته الحضارة الغربية الرأسمالية من طفرات و فجوات رقمية استجابة للتطورات التي شهدتها  الثورات العلمية في مجال الاتصالات و التكنولوجيات الرقمية . 

anfasse.orgالتطور الحضاري .. وإشكالية الفكر الديني
يمكن القول أن الكائن البشري لم يدخل دور الإنسانية إلاّ بعد إحساسه أنه كائن إجتماعي – أي ينتمي الى جماعة يحيى أفراحها ومسراتها ويتحمل ما تتحمله من أتراح وأوزار ويعاني ما تعانيه من مكاره وآلام - ، وكلما حصل خلل في هذه المعادلة .. أي إستبداد فرد أو فئة بالأمر ومصادرة حق الجماعة .. صار الإنسان يشق طريق الحرية من خلال رفضه وإنتفاضته وثورته .. وكان في كل مرة يدفع الثمن باهضاً من دمه ونفسه وجسمه وعائلته وماله ... الخ . وفي مرات قليلة كانت الحرية تنتصر ويتراجع الإستبداد ويتوارى الطغيان .. حتى إذا ما حلّ عصر النهضة وما تلاه من عصر الأنوار الذي يظن أنه إبتدأ بإنتصار الثورة الفرنسية الكبرى عام 1789 .. ، رفرفت راية الحرية على شمال الكرة الأرضية ، فيما إستمرت أكثر أقاليم الجزء الجنوبي فيها ترسف في أغلال الإستبداد . ولابد من الإقرار بأن الظاهرة الإجتماعية تمتاز بالتحول والتغير وأنها من نتاج الجماعة بيد أنها تفرض نفسها على الفرد والمجتمع كأعراف وعادات وتقاليد .. تلزمه بها لابل وتقهره عليها ، غير أن حتمية ذلك ليست بالمطلقة ، إذ أن ثمة مرونة ذات بعد نسبي في ذلك الإلزام .. وإلاّ لما ظهر الثائرون والمفكرون المتحررون وطلاب الحرية والعدالة .. وفي الوقت نفسه لما كان مكان لشذاذ الآفاق من المارقين والمستبدين واللصوص والمنحرفين والمنافقين . وعلى هذا الأساس يوصف الإنسان – والجماعة الإنسانية – بالمتغيرات الإجتماعية .. التي تحصر ضمن إطار الفكر الحضاري .
أما عن علاقة الإنسان بالدين .. فهي علاقة تأسست منذ وجد الإنسان الإجتماعي ، إذا لم نقل منذ خلق البشر .. والدين قد يكون إلهياً وهو ما يمتاز بالثبات والوحي ، وثباته قد يكون مؤقتاً وقد يكون دائمياً وحسب المعتقدات الإسلامية فإن الأديان قد نسخت خلا الإسلام فإنه باقِ الى يوم القيامة .. (( ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه )) – القرآن المجيد – لكن ربما هنا تثير النظريات الحديثة إشكالية ما ولاسيما نظرية اللامحدد في العلاقة بين النصوص :

265613212تمهيد:الدّين ضرورة حياتية يطبع الإنسان بل يسير حركة حياته ونمائه وفق قواعده، والتدين موقف أساسي من مواقف القيّم الإنسانية، بل من أعظمها والتي لا مندوحة له إلاّ به.
فنجد عبر الحقبة التاريخية للإنسان أنّه لا يوجد قوم عاشوا دون أن يتدينوا بديـن أو يناقدوا إلى رسوم وطقوس، لذلك فالفكرة الدينية منتشرة بين جميع الشعوب والأقوام البدائية أو المتحضرة، كالبابليين(بعل وعشتار) والسومريين(انـوو انليل) والفرس(امورامزدا) والهنود(برهما،سيفا،بودا...) ولهذا ذكر مؤرخو الحضارات وتاريخ الأديان كبنيامين كوستان: أنّ الدّين من العوامل التي سيطرت على البشر وأنّ التحسّس الدّيني من الخواص اللازمة لطبائعنا الرّاسخة، ومن المستحيل أن نتصوّر ماهية الإنسان دون أن تتبادر إلى ذهننا فكرة الدّين( ).
أمّا إذا رجعنا إلى نظرة الكتب السماوية(التوراة،الإنجيل،القرآن) فأنّها تؤكد على هذه الحقيقة السرمدية. فإنّ القرآن يؤكد أنّ الإنسان أو ما خلق خلق لدافع ديني(وما خلقت الجنّ والإنس إلاّ ليعبدون) ( ).
أمّا الشعوب البدائية المتوغلة في التوحش فلكل منها قوّة غيبية تتقرب إليها وكائن أعلى تتضرع إليه بالإضافة إلى الديانات السماوية الكبرى اليهودية، المسيحية، الإسلام.

من هذا تعيّن على الفكر الإنساني الاهتمام بظاهرة(الدّين) وجعله من المعارف الأساسية لدراسته في إطار العلوم حتى ظهر كعلم مستقبل بمنهج واهتماماته العلمية كباقي العلوم.
ظهور علم تاريخ الاديان:
إنّ بداية ظهور علم مقارنة الأديان تظهر من خلال اهتمام الإنسان بالآخرين ومعتقداتهم بدافع دينه أو دوافع أخرى، ذاتية معرفية لكن الملاحظ عند مؤرخي الأديان أنّهم تضاربوا حول البدايات الأولى والتي مهدت لظهور هذا العلم.
ويمكن القول أنّ تاريخ الدّيانات هو علم جديد، ونعني بعلم الدّيانات الدراسة الموضوعية لمختلف الأديان، أصلها، نموها في الزمان والمكان ونستخلص أنّه علم نسبي وجديد فقد سجل لنا علماء تاريخ الأديان بعض البدايات التي أفرزها الفكر اليوناني القديم.

فقد تعرض الفلاسفة اليونانيون بكل حرية للمشاكل الكبرى التي جلبت اهتماماتهم كأصل العالم، العلاقة الإلهية بالعدالة، مصير الأرواح بعد الموت وعليه كانت هذه هي بداية النقد الذي تطور أكثر عند الصوفيين ومختلف الفلاسفة ومن ثمّ ظهرت عدّة مناهج تفسيرية للأديان وكان منهج(l’évhénérisme) هو أوّل نظام تفسيري ويعتقد(Evhémére) بأنّ الألهة في الميثيولوجية التقليدية هم أشخاص مميّزين كانوا فلاسفة وأمراء قدسوا من قبل الشعب، ونجاح هذه النظرية تعزّزه العادات الدينية للملوك خاصة في القرن II وIII قبل الميلاد وكان لكتاب(Euhémeros) صدى كبيراً في اليونـان، وترجـم إلى اللاتينيـة من قبـل(Ennius) كما أنّ هبرت سبنسر(Herbert Spencer) أعاد(l’évhénérisme) ضمن نظرية(moniste) ( ).
ثمّ تلتها بعض التطوّرات حتى ظهر آخر الأديان السماوية(الإسلام) الذي أعطى هذا العلم حقه في الظهور واستشراف طرقه ومناهجه، فقد جاءت إشارات قرآنية ساعدت علماء الإسلام في العصور الزاهرة للحضارة الإسلامية أن يظهروا هذا العلم، فأوجبت احترام أي دين واحترام معتنقيه عكس مابدى عند المسيحيين، في القرنIVX و IIVX( ).
وقد أعطى الإسلام لليهود والنصارى وضعاً متميّزاً في التعامل والعلاقات(ولا تجادلوا أهل الكتاب إلاّ بالتي هي أحسن إلاّ الذين ظلموا منهم وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وألهكم واحد ونحن له مسلمون) ( ).
كما أنّه أباحمؤاكلة أهل الكتاب ومصاهرتهم والتزوج من نسائهم ويكون لهذه الزوجة الكتابية القيام بفروض عبادتها والذهاب إلى معبدها أو كنيستها لممارسة شعائر دينها(اليوم أحلت لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذيم أوتوا الكتاب من قبلكم) ( ).

لهذا ظهر علم تاريخ الأديان أو علم الملل والنحل والذي أصبح يعرف من بعد بعلم مقارنة الأديان بمنهجيته السمحاء وبعده الإنساني والعالمي على عكس الأديان الأخرى التي كانت تعتبر أي دين ضلالاً وبدعة، فإذا نظرنا إلى موقف اليهودية من المسيحية والمسيح فهي تعتبرها ضلالاً بل اعترت المسيح(عليه السلام) ضمن المسحاء الكاذبين....
فقد ذكر آدم ميتز(... أن تسامح المسلمين في حياتهم مع اليهود والنصارى وهو التسامح الذي لم يسمح مثله في العصور الوسطى سبباص في أنّ الحق بمباحث علم الكلام شيء لم يكن قط من مظاهر العصور الوسطى هو علم مقارنة الملل) ( ).
بل اهتم المسلمون أيضاً بدراسة الأديان غير السماوية(Les religions non biblique) والتي اعتنوا بها وبمعتقداتها وما أفرزته من أطر اجتماعية وثقافية، فكانت دراستهم من أهم ما أنتجه الفكر الإنساني وقتها، حتى أن كتب علم الكلام لا تخلوا من دراسة ومناقشة هذه الأديان(كالثانوية lA- ayiwanaht، المناوية ………المزدكية Al- Mazdakia، الهندوسية(البرهمية)L’hindouisme ، البوذية (أصحاب البوذ) boudhisme) ( ).
وهذا العلم كما يبدوا من المؤلفات التي تركها المسلمون الأوائل، علم قديم، وفي هذا يقول الشهرستاني أحد أساطين هذا العلم: (أعلم أنّ العرب في الجاهلية كانت على ثلاثة أنواع من العلوم: أحدهما، علم الأنساب والتواريخ والأديان).
كما ورد كذلك في رسائل إخوان الصفا: ( وأعلم ياأخي أنّ العلم علمان: علم الأبدان وعلم الأديان) ( ).
وفي هذا إشارة واضحة إلى أهمية هذا العلم وقدمه عند المسلمين.وأهميته تكمن في أنّ جلّ علماء المسلمين قد خصصوا له مبحثا خاصا حتى ولو لم يكونوا مختصين فيه.
كما أنّه برز فيه عدّة أساطين يستحقون تسمية لكل واحد منه(عالم الأديان)، فنذكر من هؤلاء، محمد بن عبد الكريم الشهرستاني(479 –548هـ) الذي يعد من أشهر علماء تاريخ الأديان عند المسلمين وأكثرهم موضوعيةن فهو صاحب الكتاب المعروف باسم (الملل والنحل)، الذي يعد بحق أهم عمل في تاريخ الأديان عند المسلمين بسبب التزام صاحبه بمنهج علمي وموضوعي في دراسة الأديان والفرق وبأسلوب وصفي تحليلين كما يتضح عليه أنّه سعى لوجود منهج علمي لدراسة الأديان والفرق بعيداً عن الأهداف الدفاعية والمؤثرات الخارجية.
ولعل أهم ما يميّز عمله في تاريخ الأديان تلك النظرة المنهجية الواضحة النتي بدأ بها دراسته وذكرها في الصفحات الأولى من الملل والنحل وتقوم هذه النظرة على خمس مقدمات رتبها على النحو التالي:
1- بيان تقسيم أهل العالم جملة.
2- بيان قانون يبني عليه تعداد الفرق الإسلامية
3- بيان أوّل شبهة وقعت في الخليقة.
4- بيان أوّل شبهة وقعت في الملّة الإسلامية وكيفية تشعبها ومصدرها ومظاهرها.
5- بيان السبب الرئيسي الذي أوجب ترتيب هذا الكتاب على طريق الحساب( ).
والمحلل لهذا المقدمات المنهجية الخمس يدرك أنّ هناك تصوراً منهجياً كاملاً لدى الشهرستاني جعله أساساً لدراسته الشهيرة ويتضح من خلال المقدمة الأولى إدراكه لاختلاف الأديان وانقسامها نظراً لاختلاف أهل العلم وانقسامهم إلى شعوب وجماعات.
كما يتضح لدارس الملل والنحل القيمة العلمية لهذا المؤلف في حقل علم تاريخ الأديان، فقد عالج فيه مشاكل منهجية، منها مشاكل تخص المقارنة بين الأديان والفرق ووسائل تفسير الظاهرة الدينية وكلّها من جوهر المنهج الحديث لعلم مقارنة الأديان.
كما أنّ القرآن الكريم يعتبر، أوّل من أعطى الإرهاص الحقيقي والإشارات الأولى في تناول الأديان الأخرى بمنهجية محكّمة وقد أعطى لدارس الأديان والناقد أشكالاً متعدّدة في النقد أعطى وسائل كثيرة لمعرفة ماهو صحيح ومتغير في الأديان.
فبيانه لموقفه من التوراة(الأسفار الموسوية الخمس) نرى أنّه استعمل وسائل لم تكن معروفة( ولا نعجب إذا عرفنا أنّ معظم المصطلحات النقدية القرآنية ووسائل التغيير النصي... أصبحت من مقومات المنهج النقدي للتوراة الذي تبناه علماء نقد الكتاب المقدس(العهدين القديم والجديد) منذ القرن التاسع عشر الميلادي) ( ).
فهذا العلم اجتمعت أسباب ظهوره من إشارات قرآنية وتوسع رقعة الأرض الإسلامية ودخول الأمم المختلفة في الدّين الإسلامي وببعده العالمي والإنساني فكان من العلوم الأساسية لدى المسلمين الأوائل في عصورهم الحضارية المزهرة، حيث كان ضمن مباحث علم الكلام والفلسفة حتى انفصل بمنهجه.
فعلم تاريخ الأديان أو علم مقارنة الأديان يعتبر من العلوم الأساسية في التراث الإسلامي وأن لم يلق العناية الكافية في عصورنا المتأخرة من الدارسين المسلمين.
فهذا العلم الذي عرفه الغرب في القرن التاسع عشر الميلادي(19م) هو من ابتكار البيئة الإسلامية في القرون الأولى للحضارة الإسلامية ويعد هذا العلم آخر ما وصلت إليه العقلية المنهجية الإسلامية في دراسة الدّين.
يظهر جلياً أنّ الفكر الإسلامي هو السبّاق لهذا العلم ولكن بعد ضعف المسلمين واستسلامهم لأدبيات التخلف اتّجه الفكر الغربي نحو هذا العلم مبرزه من جديد، فأصبحت كبريات الجامعات الغربية كجامعة شيغاغو(Chicago) التي فتح فيها قسم خاص سمي(الأديان المقارنة) سنة1893 م، وجامعة مانشستر(Manchester) سنة1904م ، وجامعة السربون(Sorbonne) فقد قرر البرلمان الفرنسي سنة 1885م فتح قسم سمي(علم الأديان)، كما فتح أوّل كرسي لعلم الأديان في ألماني(برلين) سنة 1910م.
وقد فتح كذلك بإيطاليا أوّل كرسي لعلم الأديان بجامعة ميلانو(Milano) سنة1912( ).
فأخذ، بذلك هذا العلم طابعاً معرفياً مميزاً عند الغرب، فظهرت عدّة تسميات لكن فضلت التسمية الألمانية عند علماء مقارنة الأديان بالغرب(Religions.Wissemschaft) بالمعنى العلمي الذي يريده علماء مقارنة الأديان لعلمهم، وضياع هذا المعنى في الكلمات المقابلة في اللّغات الأوربية الأخرى وخاصة كلمة(Science) الإنجليزية والفرنسية( ).
وقد تعرض علم مقارنة الأديان في الغرب لمقاومة شديدة من التيار اللاهوتي المسيحي ومن بعده الماركسي، لكن بالرغم من هذه المقاومة، فلم يمنعا نمو علم مقارنة الأديان نمواً واسعاً، ولاسيما منذ مطلع القرن العشرين، وبوجه أخص، منذ استخدام الطريقة الفنومنولوجيا كما جاء بها هوسرل(Husler) والتي استخدمت لأوّل مرّة في علم الأديان من طرف لهمان(Lehmann) ( ).
كما أظهرت بعض الدراسات في علم مقارنة الأديان أنّها لم تقتصر في تعاملها مع الفنومنولوجيا بل استخدم علم مقارنة الأديان علم الفيلولوجيا والأنتوغرافيا كما استفاد من نتائج الأنتروبولوجيا حتى أنّهم استعانوا بالعلوم الدقيقة مثل مافعل(لويس فريه)(Luis.Frey) في كتابه(تحليل ترتيبي للأناجيل المتشابهة)(Analyse Ordinaire des évangiles synoptiques) الصادر عن المدرسة التطبيقية للدراسات العليا بالسور بون قسم الرياضيان وعلم الإنسان، فقد استخدم فيه الرياضيات الحديثة لتحليل الأناجيل المتشابهة( الايزائية)(متى، مرقص، لوقا) ( ).
التصورات الحديثة لتاريخ الأديان:
عرف لالاند(la lande) طريقة المقارنة(بأنّها الطريقة التي تعتمد على المقارنات بين مختلف الأشكال المنتمية لفئة واحدة أو لنوع واحد من الظواهر ومن أصل واحد كذلك) ( ).
وهذا التعريف يسمح بطرح عدّة تساؤلات مفادها:
هل هناك فعلاً منهجية أو طريقة مقارنة؟ ومن يستعملها؟ من المؤكد أنّ هذه الطريقة كانت من قبل وهي الآن موجودة تحت عدّة أشكال مختلفة ضمن طرق العملية للمختصين في العلوم الإنسانية.
تستخدم عادة المقارنة في مجال التاريخ والمقارنة الأكثر دقّة للجامعيين نجد جذورها العميقة في علم النفس الإدراكي وفي علم النفس النمو(مراحل النمو عند الطفل).
والمقارنة تبدو أكثر قدماً من الإنسانية وأكثر هشاشة منها ولم تتمكن المقارنة أو التيار الفكري المنادي بها اكتساب مركز في عصرنا الحالي كطريقة فكرية إلاّ بصعوبة( ).
وكان آدم أول من استعمل المقارنة عندما رأى حواء ليقارب بينه وبينها.
ووردت طريقة المقارنة في عدة كتب سماوية كالقرآن مثلا ، حيث رفض إبليس السجود لآدم باعتباره مخلوقا من النار وآدم من الطين .
(وعليه ، فالمقارنة تسمح بتعريف أو بسمو جهة الآخر من خلال الفوارق الموجودة أو لشيء غير المفهوم وغير المشروح أو المبين) ( ).
على العموم ، طريقة المقارنة تهتم بدراسة مختلف أنواع الظواهر الدينية على الخصوص بتعيين وتحليل العوامل التي تؤدي إلى التشابه والفروق في الأنواع المعينة.
وتحتوي طريقة المقارنة على المنهج التاريخي(Méthode historique)ومنهج الثقافات المقارن(Méthode interculturelle).
ومنهج مقارنة الأديان يتطلب وسائل وطرق لتبيان أوجه التشابه والاختلاف بين الظواهر حتى تظهر العوامل التي تنتج وتنمي هذه الظواهر وأوجه التداخل ما بينها وبداخلها( ).
والارتكاز على التشابه والاختلاف يعتمد عليه كلّ فيلسوف، ملّ عالم دين، كلّ مؤرخ، كلّ سوسيولوجي وكلّ سيكولوجي وكلّ فقيه ومفسر وحتى كلّ فيزيائي.
لكن الباحث في مقارنة الأديان يتعرض لجملة من العوائق والصعاب، فينبغي عليه مواجه المقومات الدّينية عند مقارنته للأديان.
فمقارنة الأديان لا بد أن نعتمد على هذه الطريقة كمنهجية عملية لأنّها تتعرض للتاريخ، وإذا كانت الصوّر السيوسيو- ثقافية تعرض نفسها بقوّة في هذا الميدان فإنّ فهم الغامض يتم عبر مراحل كتقريب الشيء من شبيهه وإبراز الفوارق بعد ذلك( ).
التفكير الفلسفي حول المقارنة:
التساؤل هنا يتعلق بالدخول إلى عقلانية المقارنة فالمقارنة كطريقة خاصة ترتبط أكثر بالمعرفة التاريخية وهو ما يسمح لها كطريقة بصياغة فرضيات جديدة وتوسيع آفاق الفهم والمقارنة تكتسب أو تلتقي من المقارنة مسؤولية خصوصية.
فقد تُمكن العديد من الفلاسفة من إظهار أهمية المقارنة في معرفة الحقائق، وهناك قول مأثور مفاده، أنّ المقارنة لا تعني العقل أو المنطق، وعليه فالمقارنة لا تكفي للتأكيد و التبرير ولا تسمح بالاستنتاج لأنّها لاتقدم إلاّ معرفة غير مكتملة( ).
ولهذا طرحت إشكاليات وتساؤلات حول عدّة آليات قد تلعب دوراً في المقارنة كعملية الخيال، فقد عارض باروخ سبينوزا(B.Spinozah) كل حكم قيمي أو وهم خاص بالمعرفة في عملية المقارنة، فهناك مبدأ يتعلق بقدرة أو كمال شخص ما كمال شخص ما وما هو مرتبط بحقيقة الشخص نفسه وكل حقيقة تبقي فرضية وإذا تمّ مقارنتها مع حقيقة أخرى أو مع فكرة أخرى ستقود إلى اغتراب المعرفة وتضييعها في الخيلل، ولا يمكن التفريق بين المقارنة الإيجابية والمقارنة القيمية(المعيارية) أو العمودية، وكل مقارنة تكون معتبرة أو غير معتبر، وفي حالة مقارنة مالا يجب أن يقارن فإنّ في ذلك خطأ معرفي( ).
لهذه العوائق المعرفية قد طوّر علماء مقارنة الأديان البحث في منهجه حتى يتفادوا السقوط في اللاموضوعية فكان عمل(Dumézil) في تاريخ الأديان المقارن موظفاً المنهجية الوراثية.
فقد كان بحثه في الديانة الهندو-اوربية والتي بدأها قبله ماكس مولير(M.mûller) وجيمس فريزر(J.frazer)فتبع طريقة العلاقات بين الكلمات والتي بحث من قبل من طرف(Veudryes) وفهم أنّه لابد التخلي على مقارنة الأعلام والاتجاه لمقارنة التصوّرات الدّينية للكلمات( ).
كما أنّ هيلر(Hiller) وأوتو(Otto)، كانت مقارنتهما المصنفة تعني الظواهر الرمزية ككشف للشيء ذاته(الصلاةن التصوف) ( ).
كما أنّ الباحث الكبير مارسيا إلياد(Mercea. lliade) اهتم بدراسة الأديان مبرزاً عدّة مراحل في دراسته للأديان.
المرحلة الأولى: دراسة التاريخ الدّيني من طرف مختصين.
المرحلة الثانية: الدراسة بواسطة الفينومولوجيا، دراسة ظواهر الدّينية كما هي حسب سلّمها.
المرحلة الثالثة: تفسير النّصوص إذا كانت الظاهرة الدّينية عندها معنى تاريخي( ).
لكن رغم هذه المجهودات المبذولة من قبل علماء مقارنة الأديان في العصر الحالي، فإنّ المقارنة تضمنت أخطاراً نذكر منها اثنين:
1- تفريق الأحداث عن المحيط الذي حدثت فيه يعني إقصاء الجوانب التاريخية والجغرافية والثقافية.
2- عدم الاعتراف بخصوصيات الكلام، فمعطيات التجربة أو الواقعة الدينية يعبر عنها بالكلام الخاص لكلّ ثقافة والشخص الذي له رؤيا فوق طبيعية يتحدث عن تجربة أو ممارسة بالكلام خصوصي خاص بمجتمعه وما يرتبط بذلك من معتقدات وأفكار( ).
نخلص، أنّ علم مقارنة الأديان قد سار معرفيا زمنياً منذ بدايته في الفترة الإسلامية حتى عصرنا الحالي، متطوراً ضمنياً وفق المعطيات العلمية المستحدثة، كما أنّ المقارنة رغم تخطيها العقبات الإبستمولوجيا ورغم مجهودات علماء علم مقارنة الأديان أن تكون مبيّنة على أسس معرفية صحيحة لكن مازالت هناك عوائق كثيرة مثل السوسيو، ثقافية أو غيرها.
كما أنّ علم تاريخ الاديان قد بلغ شوطاً كبيراً في أخذ مكانته اللائقة به في مصاف المعارف الحديثة والذي تشكل فيه العقلانية وسمو الإنسان للوصول إلى الحقائق المجردة الهدف الأسمى.
د/ بشير كردوسي
جامعة الأمير عبد القادر -قسنطينة-الجزائر.

anfasse.org1. تقديم
سنحاول، في هذه المقالة، تبيان ، أن تضارب التقسيم للهجات العربية سببه عدم وجود دراسات كافية ترصد تشابه واختلاف اللهجات العربية، وأن التصنيف الجغرافي للهجات المغربية، بشقيها العربي والأمازيغي، عام وغير دقيق، بدوره، نظراً لغياب مقومات الرصد من قبيل الأطاليس ، وتحديد النقط وحصرها في محلات غير شاسعة. وندافع، في مستوى آخر، على " نسبية" قرب أو بعد اللهجات من الفصحى، كما نناقش بعض التصورات المغلوطة حول اللهجات ووظائفها وتفاضلها، ونخلص إلى أن مناهج دراسة اللهجات العربية منحصرة في الوصف والتأريخ لغياب آليات الرصد الدقيق.
1.1. اللهجة العربية المغربية: مسألة التسمية
يطعن باحثون مغاربة في مصطلح لهجة عربية مغربية المرتبط بالتقسيم الجغرافي الذي يُقابل بباقي اللهجات العربية وذلك اعتبارًا منهم للأساس اللغويّ في التقسيم. في هذا الاتجاه، يذهب عبد العزيز حليلي حين يُقسّم اللهجات العربية إلى بدوية وحضرية.و يستدل على تصوّره بالوقائع اللغويّة، حيث تتميّز اللهجات الحضرية بخصائص لا توجد في البدوية. ففي الأولى، مثلا، انقرض التمييز بين المفرد والمثنّى والجمع، بينما مازال مستمرّاً في الثانية، وتُحقّق لهجات المدن القاف قافاً، على غرار الفصحى، في حين، نجده كَافاً في لهجات البوادي، كما أن هذه تتضمن الفعل شاف، وتلك لا تتوفر عليه.1
ويُؤكد حليلي مذهبه باتفاق اللهجات العربية عبر كل أنحاء العالم العربي في السمات الحضرية والبدوية، بمعنى أن لهجات المغرب واليمن قد تلتقيان في سمات لغوية، في الوقت الذي قد لا تتطابق فيهما لهجات اليمن والسعودية أو العراق. أي إن التوافق غير ناتج عن الصدفة أو الاحتكاك أو التجاور، طالما أن القسمين منتشرين في كل المناطق العربية. بل إن اللهجات البدوية غير منحسرة في البوادي، فقد توجد في بعض المدن العتيقة كبغداد ومراكش، كما أن اللهجات الحضرية تتعدّى المدن إلى بعض البوادي مثل اجبالة غرب المغرب.2