anfasse.orgحفظت الذاكرة تراثا إنسانيا هائلا في الأدب الذي كان في بداياته الأولى معبرا عن آمال ورؤى وتوجهات تتسم ببساطة التركيب الذي تسايره عبقرية المنحى والتصور ،لكن في العصر الآني مع توجه خارطة العالم نحو التوحد والانصهار ،واختفاء الحدود والهويات ظهر التساؤل حول أهمية الأدب الشعبي ودوره في تاْطير الرؤية الوجودية للإنسان ،وهنا يكون التساؤل:ما هو مستقبل الأدب الشعبي في ظل هذه الظروف الآنية والمتعاقبة؟.
تعامل العقل الإنساني بالإقصاء والإلغاء لأنماط تعبيرية مختلفة وفي طليعتها الأدب الشعبي،حيث همشت هذه الأشكال نظرا لوجود متعاليات مختلفة منها :المتعاليات النفسية أين كان العزوف وليد ضغط نفسي اطر رؤية الإنسان وفق ماتقتضيه الأهمية،إذ التهميش الذي وسم به الأدب الشعبي شكل هاجسا ومانعا نفسيا حال دون الاهتمام به،حيث نظر إليه في مقابل الأدب الرسمي نظرة دونية.
وأما المتعاليات الاجتماعية فقد تمثلت في ضغط المجتمع بفرض نظرة قيمية تخدم الأطر العامة وكل القيم والعادات التي رسخها منذ القدم ،وبالتالي ألغيت أشكال معينة وهمشت لأنها لا تخدم هذه القيم.بالنسبة للمتعاليات السياسية ففي طبيعته شكل الأدب الشعبي بديلا عن الأدب الرسمي وخضع لاهتمام الفئة البسيطة ،ولان كل سلطة تتسم بالجمود وتحاول الحفاظ على الثبات والنمطية أدى ذلك إلى محاربة هذه الأشكال التعبيرية.لكن يدعونا التساؤل إلى القول:هل شكلت هذه المتعاليات حاجزا أمام تطور الأدب الشعبي وموضعته في إطار من الحضور الفاعل ،أم لازال الحديث عن حضور الأدب الشعبي موجودا إلى الآن؟.

anfasse.org*  العولمة كضرورة:
تم الإتفاق على توحيد إستخدام مصطلح العولمة للدلالة على تحولات البنية العالمية في العقدين السابقين،خاصة في منطقة الشرق الأوسط عامة والعربية بشكل خاص،في المجالات السياسية والإقتصادية وربط كل ما هو محلي (داخلي)،بالعالمي (الخارجي).وما تم من خلق لمساحات إجتماعية إنسانية أكثر شمولية بواسطة العوالم السماوية المفتوحة أو العالم الإفتراضي المتجسد في شبكة المعلومات.
فالعولمة من حيث بنيتها الفكرية الأولى تعتمد على إزالة الحواجز الزمانية والمكانية،وتوحيد الهم الإنساني تحت المفهوم الكوني،مع تجاوز لكل العوائق القومية والعرقية والدينية والمذهبية بكل تجلياتها للوصول إلى أعلى مرحلة دمج ممكنة بين المجتمعات،في محاولة لتعديل المسار الإنساني الذي عانى قروناً طويلة تحت طائلة الصراعات الإختلافية.مما يُعطي للعولمة قيمة الضرورة لا مجرد حالة من الطرف الفكري.
ومن أهم المشكلات التي تصطدم بها العولمة الهوية بأشكالها المتعددة (القومي ـ  الديني)،فمن الناحية التاريخية فإن الهوية القومية من المشاريع السياسية والإقتصادية التي تكاملت مع المجتمعات الرأسمالية الحديثة في المجتمعات الغربية،وبداية المشروع الناصري والصراع مع الكيان الإسرائيلي في المجتمع العربي.فحاولت الحكومات إيجاد مساحات تعزز بها حالة الفصل بين (الأنا) و(الآخر)، وتوجيه الخطاب (المتجسد في إعلام وتعليم)،لإنتاج فكرة واحدة تهدف إلى الربط بين الفرد داخل إطار الهوية القومية .
ولكن مع ما وقع فيه الخطاب القومي من مشاكل سياسية (كحرب الستة أيام 1976)،وما استتبع ذلك من إنزلاقات إقتصادية،أدى في النهاية إلى إنهيار المشروع القومي ذاته.ومع ظهور الإتجاهات الإسلامية السياسية في المرحلة التالية ،وإنتشار ما يُسمى بالهوية الإسلامية،وأتى ذلك متزامناً مع مشكلة النفط والدور الإقتصادي الهام الذي قام به وتحوله إلى المصدر الأساسي والوحيد للطاقة،وتأثير كل ذلك على المجتمع الدولي بشكل عام والعربي خاصة.إنتقل الصراع إلى مرحلته التالية متجسداً في العلاقة بين النفطي(الإقتصادي)،والإسلامي (السياسي).وظهور ما تم تسميته بالإرهاب الديني وما شكّله من خطر حقيقي على المجتمعات الدولية،خاصة ما أنتجته الهوية الدينية من صراع بين القومي والديني.

anfasse.orgيتركز موضوع هذا البحث-الذي يقع في 820 صفحة (بجزءيه الأول والثاني)- حول ظاهرة الزوايا بالمجتمع المغربي، وهي ظاهرة لها أهميتها بالطبع وأصالتها التي تستمدها من عمق تجذرها في بنيات هذا المجتمع، وفي تاريخه الديني والسياسي. وانسجاما مع الإشكالية المطروحة للبحث، فإن أهمية الزوايا تتأكد بالنظر إلى ما اضطلع به هذا التنظيم الديني-السياسي من أدوار اجتماعية وسياسية حاسمة، في سياق مغرب ما قبل المرحلة الكولونيالية. هذه الفترة من تاريخ المغرب، التي ستعرف- وكما تطلعنا المصادر التاريخية- مجموعة من الأحداث والوقائع السياسية التي تشهد  بتأزم العلاقة، وعلى مستويات عدة، بين السلطة والمجتمع. وهنا بالذات ومن هذا المنطلق، سيرتبط تاريخ الزوايا وبشكل وثيق، بالتاريخ الاجتماعي والسياسي للمغرب الماقبل كولوينالي، بحيث شكلت في هذا الإطار قوة سياسية وازنة، استطاعت أن تفرض نفسها على المخزن (كسلطة محلية قائمة بذاتها) تسندها قاعدة قبلية عريضة. وقد استفادت الزوايا في ذلك-وعلاوة على تنظيماتها المتجذرة من ذلك الامتياز الإيديولوجي القوي الذي كانت تمنحه إياها فكرة الانتماء الشرفاوي، ولا يخفى في هذا الإطار ما كانت تشكله من خطورة حقيقية على المخزن،  باعتبارها القوة السياسية الوحيدة التي كانت تنافسه في إحدى أهم رموز مشروعيته السياسية؛ ونعني بالطبع  (الإيديولوجية الشرفاوية) القائمة على فكرة الانتساب إلى آل البيت : (فكل من السلطان وشيخ الزاوية يعتبر شريفا، تربطه قرابة دموية بنبي الأمة).
لعل هذا ما يمكن التأكد منه على ضوء التجربة التاريخية للزاوية الخمليشية (موضوع دراستنا)، والتي نرى فيها نموذجا لغيرها من الزوايا في هذا الإطار. فقد شكلت هذه الأخيرة، منذ تأسيسها على يد الشيخ "سيدي يحيى خمليش" أواخر القرن 17م وإلى حدود الربع الأول من القرن 20م أكبر قوة روحية وسياسية على مستوى المجتمع الريفي؛ ولا أدل على ذلك من كونها كانت تؤطر إحدى أوسع وأقوى التكتلات القبلية بالمنطقة، والأمر يتعلق بكونفدرالية قبائل "صنهاجة السراير" التي كانت تشغل بقبائلها معظم مجال الريف الأوسط. وفي هذا الإطار، فقد كان شيخ الزاوية الخمليشية، وعلاوة على وضعه الروحي المتميز، بمثابة القائد السياسي والعسكري لهذه الكونفدرالية، ولعل هذا ما أعطى للزاوية خصوصيتها وتميزها، ولنشاطاتها بعدا سياسيا قويا وواضح المعالم، وربما هذا ما شجعنا أكثر على دراسة هذه الزاوية، وكان الدافع الأكبر نحو اختيار إشكالية البحث.

anfasse.orgيمكن القول ان للعولمة اجندتها المنطلقة من المركز – اميركا – الى الاطراف – العالم بما بدأت به او تروم عمله من تغيير جوهري .. ترغيبا وترهيباً – في طبيعة علاقات الانسان بتاريخه وتراثه او بيئته الحياتية بما في ذلك قيمه وسلوكه وعلاقته مع مجتمعه ، بل وبعلاقته بالكون ونظرته اليه .
قد يرى بعض المهتمين بموضوعة العولمة بانها تعود بجذورها الى قرون خلت لكن المفكر الامريكي (( ناعوم تشومسكي )) يعزو نشوؤها الى بداية ظهور النظام الرأسمالي في اوربا حيث يقول  ( لاجديد في النظام الدولي فالقواعد الاساسية مازالت كما هي قواعد القانون للضعفاء وسطوة القوة للاقوياء ) بينما ترى منظمة الامم المتحدة للتجارة والتنمية – وهي احدى اهم ادوات العولمة – بان العولمة ظاهرة متعددة الوجوه .. من ابرز مظاهرها النمو السريع في التجارة الدولية وتدفقات رؤوس الاموال وازدياد اهمية الخدمات في كل من التجارة والاستثمار الاجنبي المباشر على السواء .. وتكامل عوامل وازدياد اهمية الخدمات في كل من التجارة والاستثمار المباشر على السواء .. وتكامل عوامل الانتاج على الصعيد العالمي والتواؤم المؤسسي بين البلدان على الصعيد العالمي .. فيما يرى آخر بان المقصود بالعولمة هو : ( امركة مظاهر الحياة كلها ، سواء في الاقتصاد او العلوم او القيم والتقاليد وحتى الالعاب والفنون والامراض والجوع ) .. وهناك من يعتقد بان ثمة فرقاً بين العولمة التي تأتي نتيجة طبيعة للتطور العلمي والتقني وحركة الاسواق وتقدم وسائل الاتصال واعتماد التبادل .. وهذه تعد مرحلة متقدمة سواء في الصناعة او في آليات النظام الرأسمالي .. وبذلك تعتبر بهذا الشكل حتمية الحدوث .. اما من يعتقد بان العولمة نظام ايديولوجي شامل فانه يرى بانها تقف بوجه الايديولوجيات الاخرى التي تعبر عن خصوصية الهوية الثقافية .. وفي أي حال فان صحيفة (( النيويوزك تايمز )) تتنبأ بان البلدان التي ستقف في وجه قطار العولمة سوف تمنى بالانسحاق والتراجع الى خلف سكة قطار العصر الجديد .
لعل ما يتبادر الى الذهن بعد هذه المقدمة هو : هل ان العولمة تعمل على كوكبة الاقتصاد العالمي ؟ - أي هل هذا التوحيد سيكون حياديا ؟ والامر لايقتصر على الجانب الاقتصادي بل يمتد الى الجوانب الاخرى الاجتماعية والثقافية والسياسية والتاريخية فاذا علمنا بان العولمة مستمدة من الفلسفة النفعية / البراغماتية .. فهل يصح ما اشار له المفكر الفرنسي روجيه غارودي بان العولمة هي وجه آخر للاستعمار .. وان مايفعله الاميركان هو تذويب لثقافات الشعوب الاخرى . ؟

anfasse.orgI - إطلالة على النّقد القديم
1 ـ مقدّمة
يمتدّ تاريخ تطبيق مبادئ كلّ من النّقد الأدبي والنّقد التاريخي، في دراسة محتويات العهد الجديد وفي تناوله كوثيقة تاريخية، من القرن الثاني إلى أيّامنا.
أ ـ مرحلة ماقبل النّقد:
برغم أنّ نقد الكتاب المقدّس عمل تميّز به العصر الحديث، فقد خطا بعض الدّارسين في العصور الأولى للكنيسة خطى، باتجاه الدّراسة العلمية للعهد الجديد. والشّخصية البارزة في ذلك مرقيون (حوالي 150م)، الذّي تجاوز العهد القديم واليهودية وصاغ قانونا مستخلصا من العهد الجديد لدعم ما ذهب إليه في تعاليمه، ممّا دفع الكنيسة إلى معارضة مذهبه وصياغة قانون أرثوذكسي. رائد آخر من رواد نقد العهد الجديد، كان المهتدي السّوري طاسيانو (حوالي 175م)، يعدّ مؤلّفه ـ Diatessaron ـ أوّل ملخّص يقدّم الأناجيل الأربعة ضمن رواية موحّدة غير مجزّأة. وكانت لأوريجين (حوالي 185 ـ 254م) ـ الدّارس الكبير للكنيسة في الفترة السّابقة لانعقاد مجمع نيقية، وأحد رواد مدرسة الإسكندرية الشهيرة ـ مساهمتين هامتين في دراسات الكتاب المقدّس: تمثّلت الأولى في الهيكسبلا Hexapla، وهي المحاولة المسيحية الأقدم في النّقد النصّي للعهد القديم، والثانية في إيلائه الهرمنوطيقيا اهتماما، فقد خلّفت محاولاته التأويلية للنّصوص أثرا بالغا بين معاصريه بما أضفاه من دلالات مستجدّة(1).
ومن مؤلَّف "التّاريخ الكنسي" (324) لأوسيبيو (حوالي 260 ـ 340م)، مؤرّخ الكنيسة الأوّل، يمكن استخلاص عديد المعلومات الهامة عن العهد الجديد. حيث يقسّم الأناجيل إلى وحدات موجزة مرقّمة، تظهر في العهد الجديد الإغريقي لنيستلي، ووضع بينها مجموعة من التقسيمات لإبراز مظاهر التوازي الموجود بين مختلف الأناجيل.

أنفاسيعدّ بول تلّيش (1886-1965م) إحدى اللحظات المتوتّرة في التاريخ المسيحي الحديث. ذلك أن التشكّل الديني لهذا اللاّهوتي، فضلاً عن التحولات الفكرية العالمية التي كان وقعها مؤثرا عليه، طرحت أمامه عديد الأسئلة الحرجة بشأن علاقة اللاهوت بالثقافة وبالتحوّلات الاجتماعية والتاريخية. فضمن أي تأويلية يمكن للدين أن يجاري بنى التفكير الحديثة، خاصّة وأن التأقلم مع أنظمة الوعي المستجدّة مشروط بطروحات تأويلية مستجدة للنصّ المرجعي المأطلق قراءةً وفهمًا؟
بول تلّيش واحد من تلك الثلّة التي استشعرت مسؤولية التجديد في التاريخ، من خلال السعي لإعادة تشكيل نسق الحقائق الوجودية وصياغتها، بصفتها عملية مستجدة مع كل جماعة بشرية، تأتي ضمن الوفاء للمنطلق، للمرجع، والالتزام بالواقع وتحوّلاته، داخل توازن رؤيوي.
فليس خافيا أن مقاومة شرسة لقيها الدين في أوروبا خلال القرون الأخيرة، أخرجته من بنى التفكير الغربي، لتلقي به بعيدا داخل كهف المشاعر الخاصة، والحنين للفضاء الأسطوري المتخلّد في اللاوعي البشري. ومعاودة تأسيس خطاب الدين في العقل والوجدان الأوروبيين، هي إحدى المغامرات الشائكة، إن لم نقل الميؤوسة في ظلّ حملات الاجتثاث والمطاردة، الممتدّة من الظاهري إلى الباطني، أو بشكل أوضح من الاجتماعي إلى النفسي. ذلك أن الإبعاد المتواصل للدّيني من الحقل الثقافي، والمتأتي من افتقاد أواصر الثقة المعرفية والوجودية من الناطق والمنطوق الدينيين، خلّف اندحارا لكل ما هو روحي في الغرب، وولّد حصرا له داخل أقبية الأديرة والكنائس. وانطلاقا من واقع الهشيم الكارثي الذي بلغه الدين، حاول بول تليش بعثه مجددا داخل المنظومة الثقافية، بحسب ما يسمّيه لاهوت الثقافة. فهل من السهل بعد غياب تجربة الله، وحلول تجربة العدم، أن يحيي الميت من جديد؟
ضمن هذا الواقع الذي عاشه الدّين تشكّل المشروع التلّيشي، الذي بقدر إيمان صاحبه بالرسالة الدينية كان على التزام بالانخراط الواعي في قضايا عصره وتطلّعاته. حيث أن التساكن بين جوهر المسيحية ومنطق العصر الحديث، دون تضارب أو تقابل بينهما، مثّل أحد الزوايا الأساسية في العمارة التلّيشية. ولا يعني أن الوعي التليشي بالمسيحية كان وعيا براغماتيا باحثا عن تجاوز حال الفصام مع العصر، جراء الاستنكاف عن الدنيوي طيلة قرون خلت، ولكن الأمر نابع من إيمان بحدوث تشوّه في الجوهر الرسالي، تشوّه مسّ النص وتشوه مسّ الوعي بالنص، بفعل التحوير الكريغمي المتستّر عليه، الذي حدث في المسيحية ولم يلتفت فيه لنتائج مدرسة نقد الأناجيل.

انفاسليس من الشّطط أن نقول إنّ عاملا أساسيا في أزمة الوعي بالقضية الفلسطينية والتقدير الصائب لتداعياتها في العقل الغربي، يعود لنمطية التصوّرات الدينية القوية والمتجذّرة. فلطالما ردّد العرب خطأ ولازالوا، بأن الغربي يحتكم في تصوّره للوقائع إلى منطق عَلماني يخلو من تأثيرات الدين، وواقع الحال غير ذلك. فلازالت الرؤية والحكم بشأن الفلسطيني على ارتباط بآليات دينية يتشارك فيها المتديّن مع غير المتديّن في الغرب. ذلك أن جانبا من أزمة الوعي بفلسطين والفلسطيني، مرهونة بقناة فهم تراثية دينية واحدية، تعشي عن متابعة الفلسطيني من منظور أوسع، حتى ولو كان هذا الفلسطيني مسيحيا وشريك إيمان في الاعتقاد الديني للغربي.
كانت دراستي الثانية بعد مغادرة جامعة الزيتونة، بجامعتين كاثوليكيتين بروما، الجامعة الغريغورية وجامعة القدّيس توما الأكويني، وكان اقترابي من الطلاّب والرهبان والراهبات والمدرّسين، دراسة ومعايشة حيث كان سكناي في دير، مدعى لتنبّهي لتمثّل آخر لفلسطين والفلسطيني، لم تكشفه لي دراستي السالفة في الزيتونة وعيشي في مجتمع عربي مسلم. ففي البدء هالني عدد الكتب والدراسات التي تتناول "الأرض المقدّسة" لا فلسطين، وعن العبران لا أهالي كنعان، والتي كتبت لا لشيء إلا لإثبات أحقّية ورثة العهدين القديم والجديد في تلك الأرض. ومن هنا بدأ يتبلور الوعي لديّ لِم الفلسطيني يعبر في كلام عابر في المخيال الكاثوليكي، برغم مأساته اليومية، ولا يخلّف ذلك الجرح النازف إلتزاما بهمّه غاية المساهمة معه في تفريجه.
فالمعروف أن الكنيسة الكاثوليكية تسيطر على الأغلبية من أتباع المسيحية، حتى أنها تنعت ذاتها بخيلاء بالديانة لا المذهب، بصفتها تفرّعا عن خط عام. فهذه الكنيسة، تلتقي بالتمام مع القراءة الأرثوذكسية اليهودية للتوراة، سواء في تقسيماتها العرقية أو في مدلولاتها التاريخية أو الجغرافية، ولا تحيد عنها إلا لماما بإنتاج بعض التأويلات الباحثة عن مشروعية البشارة بالسيّد المسيح (ع) من العهد القديم. ولذلك الكاثوليكي هو من جانب ما يهودي تقليدي اتباعي، ما شهد نقلة تحوّل فهْمية في وعيه بالتوراة.

انفاس"كبدى خذوه..
يا ناهشي الأكباد
هاكم فانهشوه!"
         نجيب سرور 
تقول الأسطورة: إن القندس قطع خصيته ليُنقذ حياته من صائديه الذين يطاردونه، لأنهم يريدون خصيته التى تُستخلص منها العقاقير! وبدوري أتساءل: ألمثل هذا التصرف اليائس يُدفع عالمنا العربي؟! خاصة، وأن الآخر الغربي ونظيره العربي، لا يتورعان عن الترويج لكل ما يعضد مخاوفي ومخاوف غيري!
 فها هى نسخ الآخر العربي تُروج لكون الحضور الغربي، لا غنى عنه، وأنه إنما يُسمح به لاغاثة الذات العربية، وانتشالها من تخلفها! حتى أننا كـ"ذات" ألفنا مباهاة الآخر العربي بنجاحه فى جلب العون الغربي، وكذا ألفنا اعتباره ذلك انجازاً! المدهش هو حدوث المباهاة، رغم أن ثمة أمارات تؤكد ما يجلبه الحضور الغربي من فساد وخراب! من هنا يعمد هذا المقال لابراز هذا التواطؤ المُخزي..
من هو "الآخر" فى الفكر الأنسني؟
ما المعاني المختلفة والعديدة التي ارتبطت بـالفكر الأنسني إلا انعكاسات لتفكير حقب مختلفة من تاريخ الإنسانية ولمضامين شخصية واجتماعية متنوعة!
البعض، ولست منهم، يرى أنه لكي تكون عبارة "الفكر الأنسني" ذات بريق ودلالة يُعتد بها فلابد لها أن تظل دوماً فضفاضة وضبابية كمدلول لاتجاه أو لتأكيد يعكس غموض الطبيعة البشرية! فإنها لخاصية عميقة فى الإنسان، انه كلا الأمرين معاً، فهو ابن الطبيعة المادية ووارث لطاقات تحرره من قيود منشأه الأصلي!..