Bourgneتشكل التربية أهم الركائز التي تعتمدها الشعوب لبلورة وتحديد مشروعها المستقبلي الذي يحدد مكانتها وموقعها بين الأمم. ويقتضي ذلك أن يقوم هذا المشروع بالضرورة على منظور للإنسان وعلى رؤية للعالم وعلى مفهوم للحياة وتأويل للواقع، بمعنى أن يقوم على فلسفة. ما علاقة الفلسفة إذن كمجال للتنظير بالتربية كمجال للفعل؟
تلعب الفلسفة والتربية أدوارا مصيرية بل فاصلة في تحديد ثقافة المجتمع وقيمه وأسلوب عيشه، وتوضيح علاقة الإنسان بذاته وبمحيطه، حيث تحدد الفلسفة الاعتقادات والقناعات الأساسية سواء على مستوى منظورها للواقع، أو على مستوى كيفية إدراك معرفة عنه تكون قريبة من حقيقته، أو على مستوى الاعتقادات المتعلقة بالقيم والأخلاق. وتتمثل مهمة التربية في ترجمة ذلك إلى أسلوب عيش ونمط تفكير وتحيين كل ذلك في أفعال. لذلك يرى جون ديوي(1) أن الفلسفة هي ‹‹ النظرية العامة للتربية›› وأن التربية هي ‹‹المعمل الذي تختبر فيه الأفكار الفلسفية››.

kline3مقدمة:

يحسب للمدرسة التونسية أنها كانت عاملا رئيسيا من عوامل التغير الاجتماعي الكبير الذي عرفه المجتمع التونسي منذ الاستقلال وتحديدا منذ 4 نوفمبر 1958 تاريخ أول إصلاح تربوي عرفته البلاد التونسية المستقلة والذي أثمر حراكا اجتماعيا أعطى – بمشاركة عوامل أخرى مثل العوامل السياسية، القانونية...الخ لتونس طابعها الحداثي. ويحسب للثورة التونسية أنها أتاحت لنا فرصة التفكير في مختلف المنظومات التي بنى عليها المجتمع توازنه الظاهر خلال فترة لا يستهان بها ومنا بطبيعة الحال مؤسسة التربية. والتفكير هذه المرة أملته استحقاقات الثورة على المؤسسات المختلفة الإعلامية والأمنية والعدلية والتربوية. فمما لاشك فيه أن هذه المنظومة الأخيرة التي كان لها دور ما في الثورة في حاجة اليوم إلى البحث في التحديات المطروحة عليها والتي برزت بشكل جلي وواضح خلال الثورة وما بعدها. ومن المؤكد أيضا أن البحث في هذه الاستحقاقات والكلام عنها وفيها أمران عصيان اعتبارا لكون المسألة التربوية مسألة معقدة، لا يمكن النظر إليها إلا من زوايا مختلفة وهو أمر قد لا يكون المجال على ما هو عليه الآن مناسبا لذلك وكافيا للإلمام به. وعليه سيكون الأمر مقتصرا على ما يمكن أن نسميه بعلاقة الثورة بالمدرسة، أو بعلاقة المدرسة بالثورة. ليكون ذلك هو مدار البحث ففي تلك العلاقة تكمن بعض التحديات المطروحة على المؤسسة التربوية التونسية في هذه المرحلة. وعلى هذا الأساس سيتم التطرق إلى الاستحقاقات التربوية.

ArtsPlastiquesإن الغرض من العودة لقراءة التاريخ التربوي لتدريس مادة الفنون التشكيلية بفرنسا، هو محاولة للإحالة على التطور البارز والهام الذي مس طرق تعليمها وأهدافها داخل النسق المدرسي أو النظام التعليمي عموما، وكذلك التعريف بالتحول الذي كان يشمل اختيار المعارف والمهارات التي كان يراد تعليمها للأطفال، وعلاقة ذلك بالتطور الثقافي للمجتمع الفرنسي ولطرق التفكير السائدة فيه، فرغبة مؤسسة المدرسة الفرنسية في مواكبة الاكتشافات المعرفية والعلمية الجديدة ألقت بظلالها في تلك الفترة على أساليبها وتوجهاتها وبرامجها التعليمية بما في ذلك مادة الرسم، وكانت تدفعها من محطة تاريخية لأخرى نحو إقرار مضامين مدرسية وأهداف تعليمية أكثر مسايرة للتقدم الإنساني واستجابة لحاجاته المتجددة. حيث أن المستجدات المعرفية كمعطيات علم النفس التربوي[1] والنظريات الاقتصادية وتكنولوجيا التصنيع، كانت دوما توجه رؤية المؤسسات التعليمية للشأن التربوي [2]، وتعيد تشكيل انتظاراتها من المدرسة، وتحيين تمثلاتها وتصوراتها حول تنشئة الأطفال وتكوينهم ، وفي ضوء هذه المتغيرات تحددت تدخلاتها التربوية والتعليمية في حاضرهم، و بالمحصلة في التخطيط والإعداد لمستقبلهم.

education-mediationمجتمعنا التقليدي يمارس ضبطا لمراقبة سلوك أفراده، لتأكيد خضوعهم لمعاييره ونظمه المتوارثة وعاداته وتقاليده، وبواسطة عملية الضبط يفرض المجتمع قيوده على السلوك الفردي والجماعي لجعله مسايرا لهذه التقاليد.

فالمجتمع يتوسل بالضبط في مراقبة أفراده ووظائف مؤسساته والتحكم فيها، ويعتمد الضبط الاجتماعي على التفاعلات الاجتماعية والتقاليد التي تقنع المرء بالتزام قيم المجتمع وقوانينه؛ وذلك بناءً على الانتماء إلى الجماعة، إلى جانب دور عمليات التطبيع الاجتماعي منذ الصغر، وتعوُّد قِيم الطاعة، وعادة ما يكون الجزاء الاجتماعي على هذا النوع من الضبط الاجتماعي جزاءً معنوياً، بمعنى أن الانحراف عن قِيم المجتمع، يقابله بنوه بالنبذ والاستهجان، أو البعد عن غير الملتزمين.

HS3376يخلص المتتبع للمشهد الإعلامي المغربي إلى حضور الجنس كهاجس مركزي في أغلب المواضيع المطروقة , إما في صيغة خبر / فضيحة , أو ضمن الرصد المتجدد للظواهر الوافدة على المجتمع المغربي , وما ينشأ عنها من اختلالات تربوية و اجتماعية بل و إشكالات قانونية كذلك !
ولعل أسوأ ما رافق الانفجار الجنسي الحاصل هو الزج بالطفولة فيما بات يُعرف ب" اقتصاد البغاء " , و تنامي ظاهرة الاستغلال الجنسي للقاصرين , لا كاعتداءات متفرقة فحسب , بل كاستهلاك منظم توجهه شبكات دعارة متخصصة !
من المسؤول إذن عن إقحام القاصرين في التسويق المروع للمتعة الجنسية ؟
وهل يتعلق الأمر دوما بالإكراه أم أن هناك احتياجات معرفية و نفسية يخطيء القاصر في السعي لتحقيقها ؟

Peinture-abstraite referenceإن كل متتبع للوضعية الراهنة لمادة التربية التشكيلية بالمنظومة التعليمية المغربية، سيلاحظ لا محالة أنها لم تأخذ بعد مكانتها الحقيقية داخل النسق الفلسفي والتربوي للمدرسة، ولازالت تفتقر لكثير من المقومات البيداغوجية والديداكتيكية اللازمة لتدريسها ولتقوية حضورها ضمن الأنشطة الدراسية، والتي تسمح لها بتفعيل أدوارها الكاملة للمساهمة في بناء شخصية المتعلم وتحقيق حاجياته الحسية والجمالية والثقافية. فعلى الرغم من المحاولات المبذولة من لدن وزارة التربية الوطنية لتعميم تدريسها بسلك التعليم الثانوي الإعدادي من خلال الاستمرار في تكوين وتخريج الأساتذة/ات لحدود موسم 2011/2012، وكذا الاهتمام بتحيين مقرراتها الدراسية على مراحل، وذلك منذ صدور أول برنامج دراسي رسمي لها سنة 1976، لغاية إقرار منهاج سنة 2004 في إطار عمليات تجديد ومراجعة البرامج والمناهج الدراسية والوسائط التعليمية ضمن مشاريع المخطط الاستعجالي 2009/2012. زيادة على تأطيرها تنظيميا ببعض الوثائق التربوية والمذكرات الوزارية. إلا إن ذلك يبقى في نظر الكثير من المتتبعين والفاعلين التربويين عملا محدودا جدا، وغير خاضع لرؤية استراتيجية متكاملة وواضحة، تقارب وضعيتها التربوية بشمولية، وتنطلق من تشخيص دقيق وواقعي لحاجياتها وأولوياتها، بالشكل الذي يعزز ما راكمته من مكتسبات واستثماره نحو آفاق تجعلها على الأقل منفتحة على مستجدات التعليم الفني والتشكيلي ومواكبة له.

3L00052" الثورة السياسية نفسها محكوم عليها بالفشل اذا لم يصاحبها الغاء الأخلاقيات القمعية"[1]
الجدير بالملاحظة أن قطاع التعليم والتربية في الدائرة الوطنية يعاني من أزمة بنيوية مست العمق المادي والرمزي الذي يرتكز عليه وأثرت سلبيا و بشكل أساسي على الرأسمال البشري ومنتوجه المعرفي والقيمي. ولعل الأمر لا يتطلب القيام بإصلاحات شكلية وجراحات تجميلية تركز على المظهر وتحرص على الترقيع وسد الثغرات بقدر ما يستلزم القيام بمراجعات جذرية وإحداث قطائع فعلية مع الطرق البيداغوجية القديمة والمستنفذة والبرامج التعليمية المفرغة والمملاة من الدوائر الرأسمالية المعولمة والتخلي عن ذهنية التسيير الاداري الفوقي  وتفكيك العلاقة التي كانت قائمة بين الممارسات البيروقراطية والسياسة الشمولية والتي سعت الى تأبيد الوضع وتبرير السائد، ويجب كذلك التوجه على التو نحو محاربة ظاهرة الفساد والكف عن الهدر للطاقات وإضاعة الوقت ومقاومة العنف المستفحل ومعالجة مظاهر الانفلات والتسيب والقمع المُمَنهج للإبداع والحريات والتصدي لظواهر الوأد المبرمج للنقد والتفكير المختلف وتعميم الجهل والتشجيع على الكسل، والشروع في ترسيخ تقاليد مؤسساتية داخل الفضاء التربوي تقوم على صقل المواهب وتنمية روح الخلق والارتقاء.

112كل الدروس مهددة بالمزالق. لا بل تحاصرها المهالك، فيتحول درس اللغات الأجنبية ( المقدمة في الغالب باعتبارها لغات حية !) إلى أداة فتاكة لخلق تشوهات في أرواح المتعلمين ما لم يتملك أستاذ اللغة الأجنبية المؤهلات الضرورية التي تمكنه من جعل المتعلمين يلامسون روح تلك اللغة لا قشورها كما الحال عند الببغاء. ويمسخ درس التاريخ إلى مجرد أحداث وتواريخ أو تاريخ سلالات وسلاطين. كما قد يتحول درس التراث إلى مجرد حصص قاتلة للتغني به والنفخ في إنجازاته بدل جعله مختلفا، جديدا......و حداثيا .ودرس الجغرافيا إلى مجرد جرد لأسماء الجبال والسهول والهضاب والوديان وأنواع المحاصيل ومقاديرها حسب البلدان دون أدنى ذكر و تفكيك لأنماط السيطرة عليها ولمنطق توزيعها و الرهانات و الصراعات حولها ... .و يتحول درس الأدب الذي يفترض فيه تنمية الحس الجمالي و تهذيب الأذواق و الأخلاق إلى النقيض من ذلك تماما قي العديد من الحالات (1).

68-neige" كل ما تبنيه التربية مع ضعفها يهدمه الاستبداد بقوته"[1]
ترتقي التربية بالانسان الى المراتب المعرفية والأنطولوجية العليا وتنمي استعداده الى الصلاح فتدفعه للابتعاد عن الشر والرذيلة واتيان العمل الخير والفضيلة، وتفلح التربية الجسم والنفس على السواء وتظهر ثمرتها في تحرير العقول من الجهل وتحمل الانسان مسؤولية الائتمان وتحتاج التربية الى التعليم والتمرن والاحتذاء والأسوة والقدوة والمحاكاة والاقتباس. وتتكون التربية من أصول وفروع ومن وسائل ومضامين ومقاصد ويلعب المربون دورا مركزيا في التربية وذلك لأنهم من يقود السفينة ومن يقدر على اخراج المتعلمين من بحر الظلمات الى شاطئ النور ومن موجات الشك والحيرة الى الأرض الصلبة للمعرفة واليقين.

" إن الأنوارتتوقف على التربية، كما أن التربية تتوقف بدورها على الأنوار" (كانط، محاضرات في التربية 1776)Kant

تجدر الاشارة في البداية إلى كون النص موضوع الاشتغال" تأملات في التربية" لكانط، ليس بعمل اعده صاحبه على وجه متسق و متكامل، كما هو الشان بالنسبة لمجمل اعماله المنشورة في حياته، بل إن هذه التأملات هي جماع محاضرات ألقاها كانط في جامعة كونسبرغ الألمانية مابين 1776-1787 في فترات متقطعة، و قد سلمها لتلميذه رينك RINK في نهاية مشواره المهني، موصيا إياه بنشر ما يناسب الجمهور منها آنداك. لينشرها رينك سنة 1803 ،أي قبيل وفاة كانط بسنة تقريبا. وهو ما قد يدل على أن كانط لم يقف على نشر هذه النصوص شخصيا، إذ يبدوا واضحا للقارئ مدى عدم انسجام فقراتها و كذلك التكرار الذي يرد فيها للكثير من الأفكار و الفقرات.

ac-abstr

مقدمة :
اعتبر بول فاليري التاريخ، أخطر منتوج أعدته كيمياء العقل، فعلى حد قوله يدفع للحلم يسكر الشعوب، يبرر ما نريد، ولا يعلم بصرامة أي شيء لأنه يحتوي كل شيء ويعطي أمثلة عن كل شيء، هي مقولة بدلالات وحمولة جد ثقيلة. تحيل على أهمية التاريخ في حياة الأمم والشعوب، فهي تشكل وسيلة من أهم وسائل الثثقيف في المؤسسات التعليمية. بيد أنه ليس علما سهلا، فهو أكثر المواد تجرديا إذ يتطلب وجود آثار – خلفها الانسان في الماضي- ينكب عليها المؤرخ في الحاضر للمعالجة. وهذا العمل يتطلب كثيرا من الخيال والتجريد وكذلك كثيرا من النضح والحكمة والتجربة.
بيد أن العلاقة بين هذه المعرفة على المستوى الأكاديمي/ التاريخ العالم وعلاقتها بالتاريخ المدرسي تبعث على التساؤل، سيما وأن الأخير في الوقت الحاضر يطرح العديد من الإشكاليات، ويصدم بإكراهات عديدة، رغم مكانته الهامة في صرح التكوين الفكري والاجتماعي والتربوي للمتعلم. حيث يعتبر مادة أساسية في التكوين الفكري والمعرفي للمتعلم، وذلك بتنمية ذكائه الاجتماعي وحسه النقدي، وتزويده بالأدوات المعرفية والمنهجية لإدراكه أهمية الماضي في فهم الحاضر والتطلع إلى المستقبل، وتأهيله لحل مشاكله التي تواجهه "[1].
الأكيد أن مقاربة هذه العلاقة تفرض واقعيا جملة من الإجراءات التحليلية ونسق من التفكيكات . مثلما تفرض ملامسة جملة من المفاهيم والتصورات.
في هذه المداخلة سنحاول تتبع أوجه هذه العلاقة عبر أربعة محاور رئيسية، علها تعطينا صورة عن حدود التقاطع والتباعد بينهما (التاريخ العالم / التاريخ المدرسي)، في البداية سنقف على المادة المعتمدة، الوثيقة التاريخية/ النص التاريخي، المفاهيم، الإشكاليات، ثم المواضيع. وقبل ذلك نتوقف في مدخل مفاهيمي لتوضيح الفرق بين كل منهما.