Save00082لا شك أن التجربة اليابانية تجربة متفردة بكل المقاييس , وعلى جميع الأصعدة .فالشعب الياباني الذي استفاق أوائل أغسطس على مأساة هيروشيما ونجازاكي المرعبة , لم تنثن عزيمته بل تمكن في ظرف وجيز من ردم الهوةالمعرفية و التكنولوجية التي تفصله عن الغرب , وأحدث نقلة حضارية فريدة من نوعها في التاريخ الحديث .
لقد أدرك اليابانيون أن الريادة في القرن العشرين تستند على الجهد المعرفي , وتأهيل المورد البشري فتبنت منذ أواخر 1946 برنامجا لإصلاح التعليم يهدف إلى توفير نظام تعليمي مرن وقابل لاستيعاب معطيات العلوم الحديثة وتطويرها , دون الوقوع في فخ التغريب و الانسلاخ عن مقومات الشخصية اليابانية .غير أن ما لا يجدر إغفاله هو السمات و الملامح الخاصة بالشعب الياباني و التي كان لها ثقلها الواضح في معادلة الإصلاح, ويمكن إيجاز هذه السمات كما يلي :
-   التماسك الاجتماعي , ومرده إلى الوضع الجغرافي للبلد , بالإضافة إلى سياسة العزلة  التي  نهجتها الحكومة اليابانية منذ 1635 , و التي نصت على منع اليابانيين من مغادرة البلاد , ورفض  دخول الأجانب .مما جعل منها دولة " شديدة التجانس واعية بدرجة أكبربشخصيتها وتميزها على ما سواها من جيرانها من شعوب المنطقة على الأقل. فلا يوجد في اليابان أقليات عرقية تُذكر , ولا جيوب    عقائدية مما يُشكل عائقا في طريق كثيرمن الدول الأخرى التي ابتغت تحديث نفسها " (1)

color028pالمقصود بالنسق التربوي ، كل السلوكات العاملة على تحقيق التربية ، كممارسات ، تنسجم و المعايير الأخلاقية المتعارف عليها من لدن المجتمع ، على اعتبار أنها سلطة أخلاقية يتعين احترامها و الامتثال لضوابطها و يعد فعل الأمر احد الأسس التي يقوم عليها النسق التربوي ، و لعله من باب الاقتناع الراسخ ، و القناعات الثابتة لدى السواد الأعظم من القائمين على تدبير الشأن التربوي ، أن بنية الأوامر هي الكفيلة بتحقيق التربية ، و ترسيخ قيمها في البنيات النفسية و الوجدانية و الفكرية للذوات الخاضعة للتنشئة التربوية و الاجتماعية .غير آبهين و لا مكترثين لحجم الأضرار التي تخلفها هذه الأوامر على الذات المتلقية لها ، التي تجد نفسها محاصرة بسهام الأوامر المشحونة بالتبرم و الامتعاض .الشيء الذي يجعل هذه السهام الحادة عاجزة عن إصابة الهدف المتمثل في التوجيه و التقويم . و يعزى ذلك إلى كون النفس البشرية قد فطرت على رفض الأوامر لا سيما العنيفة و الخشنة منها ، ما دامت تعارض رغباتها حينا ، و تخدش كرامتها أحيانا اخرى ، على نحو يجعل هذه النفوس أو الذوات المأمورة إبداء مقاومة شرسة تجاه فعل الأمر و ذلك للتخلص من سلطته المستبدة الباحثة عن التمكن و الإخضاع .

mondria2" أن يحيا، هذه هي المهنة التي أريد تعليمها له"
- جون جاك روسو – إميل-
مما لاشك فيه أن المرء لا يصيرا إنسانا إلا بالتربية وأن الفلسفة هي أحسن المسالك المعرفية الممكنة في سبيل تحصيل تربية ناجحة ومتكاملة ترتقي بالإنسان من دائرة التبعية والقصور والوصاية إلى حالة الاستقلالية والترشد والحرية وتجعله ينمي في ذاته ملكة قابلية الاكتمال.  وأن فلسفة التربية هي مركز الثقل في أي مشروع من هذا القبيل بحيث لا معنى للتربية ولا قيمة للفلسفة اذا لم يجتمعا عند هذه النقطة ويتقابلا عند تمفصل الطبيعة والثقافة والعتبة الفاصلة و الواصلة بين الايديولوجيا والعلم. على هذا النحو ارتبط التعليم بالتكوين والتأديب وتعلقت التربية البشرية بتعلم الفلسفة وتعليمها وحب الحكمة النظرية والالتزام بالحكمة العملية وظهرت فلسفة التربية كثمرة لهذا التواشج.
غير أن التربية على حب العلوم واحترام مدربيها ومتعلميها والتلهف على نظرياتها والرغبة في معانيها قد عرفتها البشرية منذ القدم  وشهدت عدة تحولات ومر بعدة رؤى وتصورات. وربما الصورة التقليدية للفلسفة وسطوة الفكر الديداكتيكي العلمي الذي احتل الرُّكح التربوي في الآونة الأخيرة قد حجب الرؤية عن التفلسف الإنساني ومنعه من النظر في طرق اكتساب الصناعة الفلسفية والتعامل مع فلسفة التربية بأسلوب فيه الكثير من الاستهزاء والتسرع.

color028pإذا كان انتظار مولود  حدثا تُجمع الإنسانية على روعته , فإن مراسيم استقباله تعكس إلى حد بعيد طبيعة الوعي الذي يحكم بيئته التربوية ونوعية السلوك و الاتجاهات التي ستحدد شخصيته !
ولعل ما يميز الأسرة العربية هو العناية المفرطة بالترتيبات المادية من تغذية و تطبيب مع تقصيرملحوظ في الترتيبات المعنوية التي تحقق للطفل تكيفا نفسيا سليما مع محيطه.
فالحاجة إلى الحب , و الأمن,  والشعور بالانتماء للدين ثم للجماعة هي حاجات فطرية لدى الطفل , و الاستجابة لها من لدن الأسرة و المدرسة ضرورة حيوية لاكتمال شخصيته والوصول بها إلى حالة من الثبات الانفعالي و السلوكي.غير أن شيوع المفاهيم الخاطئة حول الصحة النفسية ,وغياب استراتيجية واضحة لإدماج مباديء الرعاية النفسية في خطط التنمية الاجتماعية أسهم بشكل واضح في ازدياد الاضطرابات النفسية , وتراجع أدوار الأسرة و المدرسة في تحقيق تنشئة سليمة .
ينص إعلان " ألما آتا" الذي أصدرته منظمة الصحة العالمية سنة 1978 على أن الصحة النفسية هي "حالة من العافية تسمح للفرد باستخدام كافة طاقاته وقدراته ,و التكيف مع ضغوط الحياة و العمل المنتج و المثمر, و المساهمة البناءة في مجتمعه " وهذا التعريف ينطوي على تصور مغاير يتجاوز المقاربة العلاجية صوب الاهتمام باللياقة النفسية للفرد و تحسين نوعية الحياة . كما يُثبت أن المبرر الذي تسوقه السلطات التربوية و الصحية في بلداننا حول قلة عدد الأخصائيين النفسيين , وانصراف جهودهم للعناية بالحالات النفسية الحادة هو مبرر يُمكن تجاوزه باعتماد مقاربة تشاركية فاعلة ,تؤهل كلا من الأسرة  و المدرسة و المؤسسة الإعلامية للإسهام الجاد في توفير بيئة تربوية سليمة.

depoteduca" تشكل التربية النقطة التي يتقرر فيها ما اذا كنا نحب هذا العالم بما يكفي لنتحمل مسؤوليته"
استهلال:
شاع خلط كبير عند عامة الناس بين التربية والتعليم واعتبر التقريب بينهما معطى بديهي ومسألة متداولة وهذا صنيع غير مفهوم وأمر غريب نظرا للاختلاف التخصصي بينهما وانتماء الطرف الأول الى دائرة الأخلاق والطرف الثاني الى دائرة المهنة  وقد عززه وقوع غالبية العلماء والمفكرين في نفس الحكم المسبق وهو أن كل فعل تربوي يرتكز بالضرورة على تجربة تعليم معمق ومتدرج وكل مراحل تعليمية يمر بها الانسان تفضي الى امتلاك المرء لتربية متوازنة وعقلانية. لكن التعليم قد يعني التكوين والتبليغ والتلقين وتصنيع الذكاء واكتساب الخبرة في مجال معين والمهننة، أما التربية فقد تطلب الآداب والتنوير والاضاءة والتثقيف والصلاح وتعني السمو الروحي والارتقاء الأخلاقي والتحلي بالفضيلة وطلب الخير.
فما مرد هذا الخلط بين التربية والتعليم؟ وماهي الوسائل الكفيلة بالتمييز بينهما؟ وما المقصود بالتربية؟ وماهي مميزات التعليم؟ وماذا لو شخصنا المسالة التعليمية عند العرب ؟ وكيف نفسر الوضع التربوي اليوم؟ وهل يمكن الحديث عن أزمة حقيقية يمر بها هذا القطاع؟ وماهي أسباب هذه الأزمة؟ وهل يمكن تصور بدائل ومخرج منها تبعث على الأمل وتحفز نفوس الناشئة على الفعل وعلى الابداع؟ وماذا يمكن للتفكير الفلسفي المعاصر أن يقدم بهذا الصدد؟ وما العمل لكي تتفادى التربية السقوط في هاوية التقليد واعادة انتاج النظام القائم؟ وكيف نتفادى تحول سلطة التعليم الى نوع من الدكتاتورية والوصاية؟  ومتى تبدأ مرحلة التربية والتعليم بالنسبة للمرء؟ وفي أية زمانية يجب أن تتوقف؟ وماذا نحتاج بالضبط في الوقت الراهن؟ هل الأمر يتعلق بتطوير المناهج التربوية عن طريق علوم التربية أم ابداع نمط فلسفي مابعد حديث في التعليم؟ وماهو تأثير التغيرات التاريخية والتحولات السياسية على هذا المجال؟ والى أي مدى يتأثر الفعل التربوي بالتدافع الاجتماعي والمتطلبات الاقتصادية؟ وما السبيل الى احداث ثورة في قطاعي التربية والتعليم؟ وألا تقتضي المسألة التمييز بين التعليم بخبير والتعلم الذاتي؟ ومتى نشهد ميلاد طريقة جديدة للتعلم ويصبح الفضاء التربوي فرصة لتنمية المهارات ولانخراط المرء في عالم مختلف؟

ecoleاستهلال :الحادثة الأولى : وقعت في فرنسا سنة 2009 وتتلخص وقائعها في تقديم أستاذة تاريخ من أصل يهودي ، " كاترين فانتورا " ( Catherine Ventura ) مشروعا لإدارة معهد " هنري لوريتز " (lycée Henri – Loritz ) يهدف إلى تمكين 144 تلميذا من زيارة معسكرات إبادة اليهود(المحرقة ) ببولونيا ولكن المديرة لم توافق إلا على 80 تلميذا بعد أن اعتبرت العدد المقترح مشطا ويستدعي مصاريف باهظة ( السفر ، الإقامة التأمين ...). هذا القرار أثار حفيظة الأستاذة التي استغلت زيارة وزير التربية للمؤسسة وحرضت تلاميذها على تنظيم احتجاج ، مما استدعى فتح تحقيق في الغرض انتهى إلى إدانة الأستاذة وإيقافها عن العمل لمدة أربعة أشهر بسبب إخلالها بواجب الحيادية ( la neutralité)[1] وسعيها المتعمد لاستغلال التلاميذ وغسل أدمغتهم عبر تخصيص الجزء الأكبر من وقتها لتنظيم الرحلات على حساب مكونات ومضامين البرنامج الأخرى.[2]

khalidkelb"تمثل التربية أعظم و أعوص مشكل يمكن أن يطرح على الإنسان."إيمانوال كانط                                      
يعتبر البعض أن الاهتمام بقضية إصلاح التربية و التعليم لا ترقى في أهميتها إلى قضايا حيوية من قبيل التشغيل و تشكيل الحكومات و كتابة دساتير الدول,غير أن هكذا رأي يجهل أو يتجاهل أن التربية و التعليم هما اللذان يصنعان مواطن المستقبل.نعم قد يكون التشغيل مثلا مسألة ضاغطة تحتاج إلى إجراءات عاجلة و كذلك الشأن بالنسبة لكتابة دستور و تشكيل حكومة, لكن تعليم و تربية المتعلم على الديمقراطية مقوم أساسي في بناء دولة المستقبل.من هنا فإن اهتمامنا بمسألة إصلاح التربية و التعليم  باتجاه تكوين مواطن صالح  ليس ترفا فكريا إنما هو يستجيب لحاجة ملحة تتعلق بنحت ملامح المواطن الذي نريد,و الأمر يزداد أهمية عندما نضيف أن ربع السكان في تونس مثلا يذهب إلى المدارس و المعاهد و الجامعات.
و انطلاقا من الوعي بهذا الهدف نتساءل اليوم عن دور التعليم و التربية  في تحقيق هذا المطلب المنشود  حيث تصنع  العقول و يتشكل  مواطن المستقبل  .

maroceducationفـي المغرب لم يعد هناك مـا يُـضْـحِـكُ أو يُــفْـرحُ في مجـالِ التعليم، كما هـي الـحالُ طبعاً في قطاعات تُـنْـفَـقُ فيـهـا الـعديدُ من أمـوالِ الشعبِ.
كـلُّ الـقطاعـاتِ يـجـوز فيـهـا للـمرء أن يـمسـحَ بنـظرةٍ سريعـةٍ مـا يطالـها من اخـتراقاتٍ و تجـاوزاتٍ، و يكـشـفَ الـمستورَ سراعـاً دون تعـثر أو صعـوبة، ويـرد ذلك إلى جـهل هذا الباطرون أو ذاك وعدم وطنيته وجشعه وأنانيته العمياء.
أمـا أن يحصـلَ في قـطاع التعليم مـا يكشف كـلّ عـوْراتِ موظفيه، وهــو المعـوّل عليه تحقيقَ تـوازنـاتِ البلـد؛ إذْ أنه الـمصـدِّرُ لــــ(الكفـاءات) في كل الـمجالات، فـأمـر يبيـح استخدام كل الكلمـات حتى التي تخدش الـحياء في حـقّ هـذا النوع من المسؤوليـن / المحسوبين على التربية.
لم تعد الإدارةُ تُـمـارسُ حـيادَهـا، وتحـافظ على نـقائـها، وتُـبعـد كل مـا من شـأنه أن يـعـرّيـها، حتى بتنا نسـمع عن موظفٍ صغير يتحـكّــمُ في دواليب محكمةٍ عليا، وهو مجردُ كـاتبِ ضـبطٍ.
كذلك الأمـرُ يـحصـلُ مـــع الإدارة التربوية، فـعوض أن تُـحـتَـرمَ الـمسؤولياتُ، وكـل يلتزم سيـاقَ اشتغـاله، نـعايـنُ تبديـلَ الـــوِزْراتِ في شكل فـاضـحٍ وسـافـرٍ.

1456636_ecoleفي معرض مقاربته للسياسة التعليمية منذ الحماية الفرنسية حتى منتصف الثمانينات , يورد الدكتور محمد عابد الجابري في كتابه " التعليم في المغرب العربي " إشارة طريفة حول التدبير الحكومي للإقبال الهائل على التعليم غداة الاستقلال , فيقول " إنه الإقبال العارم على التعليم الذي اكتسى صورة ضغط شعبي هائل يهدد بالانفجار .فكيف عالجت الحكومات الوطنية هذا المشكل ؟ لم يكن هناك من خيار , لقد كان لا بد من قبول أكثر ما يمكن من التلاميذ في المدارس و استعمال جميع الوسائل الممكنة و أهمها نظام التناوب , ونصف الحصة مما مكن من استعمال الحجرات الدراسية القائمة و المستحدثة بصورة مضاعفة , وايضا اللجوء إلى توظيف كل من "يُحسن" القراءة بالعربية أو الفرنسية للعمل كمعلمين بعد دورة تكوينية مختصرة (التكوين السريع) ".
طبعا تجد هذه الصيغة التكوينية مبرراتها في الظرفية الاجتماعية  و السياسية لدولة حديثة العهد بالاستقلال , أما أن تظل هي الصيغة الوحيدة المعمول بها حتى الآن فهذا ما يدفعنا للتشكيك في جدية المبادرات الرامية إلى تحديث المنظومة التعليمية !
فمعلوم أن المجتمعات المعاصرة تشهد منذ سبعينات القرن الماضي ثورة تربوية غير مسبوقة , وسعيا دؤوبا نحو الرفع من جودة التحصيل الدراسي , وتأهيل الخريجين لمواكبة التطور الحاصل في شتى مظاهر النشاط الإنساني .غير أن هذه الثورة ما كانت لتؤتي ثمارها في العديد من بلدان العالم لولا الإقرار بضرورة الإعداد الجيد للمدرس , وبناء صورة اجتماعية جديدة تناسب المسؤولية الجسيمة الملقاة على عاتقه , مسؤولية تزداد ثقلا أمام تحديات ثورة المعلومات و الاتصال , واحتدام السباق نحو امتلاك المستقبل !

anfasseتعتبر المسألة التربوية رهانا حضاريا ومدخلا من مداخل التحول والحراك الاجتماعي، مما يجعلها بحق رافعة للتنمية المستدامة وأحد أهم معاييرها. وللوقوف على أهميتها لابد من تنويع المقاربات ومنها المقاربة التاريخية، ليس ذلك من باب حب الاستطلاع أو الترف الأكاديمي ولكن العارف بأهمية التاريخ ودوره المحوري يستشعر ما للمدخل التاريخي من أهمية لفهم مختلف أبعاد أي مجال، مما يجعل من المقاربة التاريخية وسيلة فعالة لإغناء النقاش العمومي حول تاريخ نجاحات النظام التربوي وإخفاقاته، وأسبابها وطرق تجاوزها.
إن الحديث عن النظم التربوية لما له من راهنية وقيمة معرفية ومنهجية، تفرض على الباحث في التاريخ والتربية اقتحام هكذا مواضيع وقضايا ذات الحساسية الاجتماعية وتجبره على تجديد اهتماماته ومناهجه وأدواته ومفاهيمه وآفاقه في ظل زمن "العولمة". في هذا المقام سأقوم بالتطرق إلى أهمية دراسة تاريخ النظم التربوية دون الخوض في باقي المداخل المفاهيمية والمنهجية وما يرتبط بها من خصوصيات وإكراهات و إمكانيات التجاوز. وهي مواضيع بحوث قادمة بإذن الله.

anfasseإن الاهتمام الذي توليه المقاربة التربوية الحديثة لبيداغوجيا الفروق الفردية كأحد الاختيارات الأساسية لتطوير الأداء التعليمي يدفعنا لإثارة التساؤل حول مدى حضور المعطى النظري المستمد من نتائج علم النفس الفارقي , و دلائل تمثله في الممارسة الصفية .
فالسعي إلى تحقيق مبدأ تكافؤ الفرص , والرفع من جودة و فاعلية النظام المدرسي , و تبني قاعدة علمية لمواجهة الهدر المدرسي ,  بالإضافة إلى ضمان مخرجات بشرية مؤهلة و قادرة على التكيف مع المتغير العالمي رهين باستثمار أفضل لحقيقة الفروق الفردية , كإحدى أهم حقائق الوجود الإنساني .
يُقصد بالفروق الفردية تلك السمات النفسية و الجسمية و العقلية التي تميز كل انسان عن غيره , و بلغة أهل القياس " هي الانحرافات الفردية عن المتوسط الجماعي في الصفات المختلفة " . و تتجلى أهمية الكشف عنها في التمكن من فهم أسلوب كل فرد في التعبير عن حاجاته و انفعالاته من جهة , وفي الإعداد الوظيفي و المهني الملائم لاستعداداته .