philippe-Meirieu لم تفِ البيداغوجيات البديلة دائما بوعودها،غير أنه  بتأكيدها على دور التحفيز واللذة في فعل التعلم،قد أثارت،واستبقت عددا مهما من الأبحاث الحالية.                             
     وعلى الرغم من أننا نستطيع تمييز البدايات الأولى لحركة التربية الجديدة منذ القرن الثامن عشر، فإنها لم تتهيكل سوى مع المراحل المبكرة في القرن العشرين .
إننا نرى فعلا في سنوات التسعينات، تطورا لمبادرات بيداغوجية أصيلة على هوامش الأنظمة التربوية،والتي انتظمت حول بعض المبادئ الأساس: “يتعلم الطفل بالممارسة” ، “ينبغي تعبئة التلاميذ حول مشاريع حقيقية تماثل ما هو موجود في الحياة” ،”تُكتسب المعارف بطريقة طبيعية-عفوية وليس عبر سلطة البرامج”،” ينبغي للقواعد والمادة نفسها أن تنبع من الجمعي ذاته بهدف تكوين مواطنين حقيقيين” ...إلخ.هكذا تكون نوع من المذاهب ، وترسخت خلال مؤتمرCalais   سنة 1921 ، مع الإعلان الرسمي عن العصبة الدولية للتربية الجديدة .
برزت التربية الجديدة- داخل قارة أوربا التي أنهكتها الحرب العالمية الاولى، وصارت تطمح إلى بناء مجتمع الأخوة- كترياق ضد كل أشكال “الترويض” المنتجِة للعدوانية والعنف،وازداد الاتفاق حول التربية الجديدة قصد انتقاد “البيداغوجيات التقليدية”،ورغم ذلك فإن تلك التربية الجديدة بعيدة عن أن تكون منسجمة:

music-108916 640"لَوْلاَ الموسيقى ، لَغَدَتِ الحياةُ خطأ" نتشه
"إني لا أعرف إلا معارضة واحدة وحقيقية، هي معارضة مؤسسات بؤس الحياة للمؤسسات الثقافية" نتشه
لا مراء أن المغرب، هُوَّ مَنْ يُعاني مؤخرا، أكثر من أي وقت مضى، أزمة كبيرة على مستوى التعليم ومحاربة الأمية، ولا أدل على ذلك، من تلك المراتب المتأخرة التي صار يحتلُّها ضمن قوائم العديد من التقارير الدولية، حيث تقهقر حسب المؤشر العالمي للتنمية البشرية من الرتبة 126 سنة 1999، إلى الرتبة 129 سنة 2014. أما فيما يخص تَمَوْقُعه في التصنيفات العالمية لأنظمة التربية و التكوين و البحث العلمي، وبخاصة منها، التصنيف العالمي للجامعات المعروف بـ“تصنيف شنغاي” والذي يعتمد أساسا على المنشورات العلمية ، فالمعلوم أن أول جامعة مغربية و هي القاضي عياض، قد جاءت في المرتبة 3962 من ضمن 5000 جامعة.وأمام هذا الوضع الكارثي ، يمكننا التوكيد على أن ما يثير الاستغراب بالرغم من ذلك، إنما هو أننا كلما تساءلنا عن السبب، الكامن وراء هذا التقهقر، والتخلف الذي أصاب البلد إلا وجاءنا الجواب مُطَمْئِنا، على لسان أصحاب الحال، ومدبري الأحوال، سواء كانوا سياسيين أو اقتصاديين، رجال تربية أو فرسان بيداغوجيا، بدعوى أن الأزمة هي مجرد هفوات تقنية و خلل في التدبير، يقتضيان فقط، التدخل على نحو سريع تعديلا للبرامج المُقرَّرَة أحيانا(على نحو سطحي، من قبيل إضافة مواد تافهة لأخرى أكثر تفاهة) و استبدالا شكليا لمنهج بآخر أحيانا أخرى. هكذا، وعلى إثر هذه المواقف الهجينة و المتذبذبة ، تم اللجوء إلى إجراء إصلاحات فوقية لا تمس جوهر المشكل، بحيث تقرر الانتقال من بيداغوجيا الأهداف إلى بيداغوجيا الإدماج، مثلما جرى بعدئذ العمل بالبرنامج الإستعجالي(بل هو بالأحرى مجرد إصلاح تقني بطيء الوتيرة) الذي رُصِدت له أموال طائلة(بدل أن ترصد بالأحرى، للبنية التحتية المتدهورة، والوضع الاجتماعي الفقير لرجال التعليم) لينتهي الأمر بالتخلي عنه فيما بعد.
وأمام هذه العشوائية في اتخاذ القرارات ، طبعا لا يمكن للأوضاع إلا أن تزداد سوءا، سيما لما تقرر مرة أخرى، إدراج اللغة الأمازيغية كمادة أساسية ضمن المنهاج التربوي، وذلك دونما التوفر حتى على ما يكفي من المدرسين . وفي هذا الإطار، فنحن اليوم ، لا نملك بكل صراحة إلا أن نتأسف على نظامنا التعليمي المفلس، الذي بسببه بتنا نتخلف حتى عن بعض الدول الموجودة في حالة حرب.

mokhtar-cheaaliينحصر دور مدرستنا في اكتساب مجموعة من المعارف في مجالات متعددة انطلاقا من الاعتقاد أن امتلاك هذه المعرفة المجردة يمكن الأفراد من النجاح في الحياة. غير أن هذا المنظور قد تعرض منذ مدة لانتقادات متعددة ... وتتمثل أهم هذه الانتقادات في كون التلاميذ لا يدركون العلاقة بين ما يتعلمونه في المدرسة وما سيقومون به في الحياة بعد تخرجهم من النظام التعليمي. كما لا يجدون مغزى لوجودهم في المدرسة، ولا معنى للدروس التي تعطى لهم، كونها غير مرتبطة بحاجاتهم إلى فهم ذواتهم ومحيطهم والمآل، وبالتالي فإنها غير جديرة بالاهتمام وغير محفزة على التعلم.
     ذلك  أن التفكير في النجاح في الحياة المدرسية والتفكير في النجاح في الحياة المهنية في المستقبل يحدثان في أوقات منفصلة، حيث لا يتم التفكير في المستقبل إلا أثناء عتبات التوجيه أو بعد نهاية التمدرس، إذ يجد الفرد نفسه أمام نقص كبير في معرفة ذاته وحاجاته واهتماماته ومعرفة الإمكانات المتوفرة في محيطه والتطورات الحاصلة فيه، ونقص في تراكم تجارب وقدرات وخبرة في بلورة مشروع في التوجيه وفي الحياة.

Mondrian4يقترح الباحثون مجموعة من المفاهيم  نستطيع من خلالها  الربط بين تعاريف المصطلحات والمجال البيداغوجي الذي تتأسس عليه كل مقاربة للتقويم التكويني تستهدف إشراك المتعلم بجعله فاعلا في سيرورة التقويم . "فالمعارف الموجودة بمجال معطى تنتظم وتصطف انطلاقا من رصيد اصطلاحي يغطي مجموع المفاهيم المرتبطة" (1) . لذلك كان الوعي بهذه المقاربة يقتضي التحكم بالرصيد الاصطلاحي والفهم الجيد له والتوظيف المفاهيمي الخاص بالمقاربة . من هنا ركزنا على أهم المصطلحات التي بدت لنا ضرورية لتعميق فهمنا ووعينا بهذه المقاربة:

1ـ التقويم الذاتي (L’Auto-évaluation):

يراد به تقويم العمل الذي أنجزه المتعلم و الذي يقوم بمراقبة نفسه -  طيلة مراحل الفعل - وإلى أي حد يتوافق إنتاجه مع مواصفات الإنتاج ، انطلاقا من نظام داخلي يقوده المتعلم نفسه أثناء فعله . حيث يقارن "التصميم المتبع بالتصميم المقترح ، المنتوج المحصل عليه بالصورة الأولية (L’image Intiale) للمنتوج ، العمليات المنجزة بالأفكار التي ترسم طريقة الفعل بكل عملية . إنه نشاط تعديلي ذاتي يتوقف نجاحه على مدى تماسك النموذج الداخلي للمقوّم والجهاز التقويمي الموظف"(2).

119389هي  القمة التي  يلتقي  فيها  كل  شيء  لصالح الحضارة  الأخلاقية  ، حيث  يزدهر  التعليم  في  معناه  الأعمق  للكلمة  ، وهي أيضا  المدينة  العلمية ، و  مصير  المعرفة  داخل المجتمع  مرتبط  بمصيرها  ،  كونها  مكرسة  لحضارة  العقل  ، إنها  الجامعة  التي لم  تكن  فكرة  إنشائها  رديئة .
فالجامعة  و منذ نشأتها  و  حتى  اليوم  مرت  بمتغيرات   عدة  على  مستوى  البنيات   و الوظائف  ، فبالرغم  من  أن  إرث  الأكاديمية  الأفلاطونية  ، و كذا  الجامعة   القروسطية  ظهر بشكل  جلي  في ملامح  الجامعة  الحديثة  ،  إلا أن  جامعة  ما  بعد الحداثة ستعرف  تطورا منقطع النظير  مع  مرور الزمن  ،  هذا التطور الذي  شهدته الجامعة  سيكسبها  خصائص  معينة  ،  بحيث  ستصبح  مكانا  للامتياز  العقلي، و المعرفة الموضوعية  ،  و  فضاء  متميزا  لجميع و مختلف  التيارات   الفكرية  ،  حيث  يسود  النقاش  و الاختلاف . هذه الخصائص  و السمات   ستصير  من  محددات  هوية  الجامعة  الجديدة  ،  التي  ستشكل  المنطق  الخاص المتحكم  في  بنياتها  و  صيرورة  تطورها  .
-  إذا كانت  الجامعة في  الدول  المتقدمة  تضطلع  بمهام  متعددة  ،  في  مقدمتها  صناعة  الإنسان  و  تغيير الواقع  ،  إلى جانب  المهام  الكلاسيكية  المتمثلة في   التكوين  و البحث العلمي ،  فإن الجامعة  عندنا  فشلت  تقريبا  في  الكثير  من  الوظائف   المنوطة  بها  ، فهي  تختزل جميع العناصر  المكونة  لازمة  النظام  التعليمي  .

660التربية مشغل مجتمعيّ حسّاس ودقيق ،وحساسيته مردّها انتظارات المجموعة الوطنيّة منه في كلّ قطر، ولذلك فالاستثمار في المعرفة اليوم رهانٌ تتنافس من أجله الأمم والشعوب ،ويُباهي بإنجازاته بعضُها البعضَ، فضلا على أنّ مقياس رقيّ المجتمعات أضحى تربويّا ومعرفيّا. فالتربية مدرسيّة مثلما هو معلوم ،والمدرسة هي المؤسّسة المُناط بعهدتها وظائف ثلاث :الوظيفة التربويّة والوظيفة التعليميّة  والوظيفة التأهيليّة  ،أمّا عن الوظيفة الأولى  فتتمثل في "تربية الناشئة على الأخلاق الحميدة والسّلوك القويم وروح المسؤوليّة والمبادرة ،وهي تضطلع على هذا الأساس :
-    بتنمية الحسّ المدنيّ لدى الناشئة وتربيتهم على قيم المواطنة...
-    بتنمية شخصيّة الفرد بكلّ أبعادها الخلقيّة والوجدانيّة والعقليّة والبدنيّة..
-    بتنشئة التلميذ على احترام القيم الجماعيّة وقواعد العيش معا.."   

viol-scolaتقديم.
تعد ظاهرة العنف ضد الأطفال إحدى أبرز سمات الحياة المدرسية المغربية. وإذا كانت هذه الظاهرة قد شغلت في الآونة الأخيرة حيزا كبيرا من اهتمام وسائل الإعلام التي توقفت عند عدد من الحوادث المشينة في هذا الإطار فإنها رغم ذلك لم تنل، في نظرنا، ما يكفي من البحث والدراسة سيكولوجيا وسوسيولوجيا.
إن هذه الحقيقة تجعل من تسليط الضوء على هذه الظاهرة ودراستها ميدانيا مسألة في غاية الأهمية؛ وذلك من أجل التنبيه لخطورتها ومساهمة في الحد منها لما لها من آثار وخيمة نفسيا واجتماعيا، ولما تشكله من مساس بإنسانية الإنسان وكرامته الواردة في قوله عز من قائل: "ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا." (سورة الإسراء، الآية 70)
ولا يفوتنا أن ننوه إلى أن هدف هذه الدراسة يتحدد أساسا في رصد واقع العنف ضد الأطفال في المدرسة المغربية وأسبابه، وكذا الوقوف على درجة التقدم الحاصل في جهود احتواء الظاهرة خاصة في مجال الدراسة.

Bianco-Neroلابد أن نميز بداية،بين التعليم وباقي أشكال التربية؛فهو مختلف تماما عن التربية الأسرية التي تكون بشكل تلقائي،ومختلف أيضا عن التكوين الذي يهيئ شخصا لوظيفة معينة. إن التعليم يتميز عن التربية في الأسرة على اعتبار أنه يكون بشكل قصدي،وفق برامج،وبمعية مهنيين يسهرون عليه،كما أنه يمارس داخل مؤسسة. و يختلف عن التكوين على اعتبار أنه غاية في حد ذاته؛إذ يتم تعليم شيء  لشخص ما،بينما يتم تكوين شخص لوظيفة ما؛معنى ذلك أن غاية التعليم أو على الأقل موضوعه هو التلميذ،بينما موضوع التكوين هو الوظيفة الاجتماعية،حيث المهم هو عامل المستقبل أو طبيب المستقبل.

إن المعارف المدرسية هي لأجل المتعلم وليست لأجل هدف خارجي،إنها غاية في حد ذاتها،فالنجار المتعلم أو الجراح المتعلم هو دائما وسيلة؛لا يتم تكوينه لأجل ذاته،بل لأجل شيء آخر.في حين أن التلميذ يعمل،كما يقول أفلاطون"من أجل تنميته،من أجل تربيته الخاصة"[1]؛يتعلق الأمر بمعارف نزيهة،بدون مصلحة أو غاية مهنية على الأقل في اللحظة الفورية؛فالعمل المدرسي سواء كان عقليا أو يدويا فهو يختلف بماهيته عن العمل الإنتاجي الذي يكون فيه العامل دائما وسيلة لغاية تحدد له من الخارج. في المدرسة،التلميذ يعامل كغاية،إنه يعمل لأجله ويتعلم استقلاله الخاص. أما التكوين فلا يمكن أن يكون إلا خارج المدرسة،أو بعدها،وسيكون أكثر فاعلية إذا كان مسبوقا بتعليم شخصي،يكون الشخص قادرا من خلاله على بنينة الذاكرة وتكوين الحكم،ويمكننا في هذا الجانب أن نفكر فيما يميز الرياضة المدرسية عن الرياضة المهنية لنفهم فيما يتميز العمل المدرسي عن العمل الإنتاجي.

evaluationلعل مختلف إجراءات التقويم التكويني الخاصة بالمدرس، ينبغي أن تكون في خدمة التقويم والتصحيح الذاتيين لدى المتعلم ، ما دام الأساسي هو تحكمه في مختلف الإجراءات ، وتمكنه من التساؤل بصدد ما هو مقدم على فعله أثناء التقويم من أجل تحقيق فعل أفضل: "فالمراقبة الذاتية هي موضوع الدراسة لدى المعرفيين تحت مصطلح: إجراءات تدبير الإجراءات Procédures de gestion des procédures"(1).

وينبغي أن لا ننسى أن التقويم الذاتي ليس فقط المراقبة الذاتية، بل هو أيضا التساؤل الذاتي L’auto-questionnement . وبتعبير أدق ، الملكة التي تدفع الذات إلى طرح أسئلة بصدد ما هي مقدمة عليه وعلى فعله : " ما الذي أنا بصدد فعله ؟ وما المعنى الذي يحمله الفعل ؟ أو ما المعنى الذي أنا بصدد بنائه ؟...الخ"(2).

toile-img"فكما أن ماهية المادة الثقل، فإننا من ناحية أخرى نؤكد أن ماهية الروح هي الحرية"    هيغل
لا يزال نظامنا البيداغوجي يعاني أزمة تحديد المحور الذي يجب أن يدور في فلكه بعد أن فقدت واستبعدت نقطة الإسناد المركزية لهذا النظام, وأخذ يسبح في فضاء اللاجاذبية, بعيداً عن الأهداف المتغيا تحقيقها, وبخاصة بعد أن أصبح المعلم والمنهاج هما محور العملية التربوية، والطالب في وضعية المتلقي الخاضع لسلطته التنفيذية. هذا كله راجع لضبابية الموقف التعليمي والفهم الخاطئ لطبيعة المرحلة, حيث لا يزال المعلم يعتقد أنه المصدر الوحيد للمعلومة، في الوقت الذي أصبحت فيه الأخيرة مشاعاً يستطيع المريد الحصول عليها متى شاء في ظل الانتشار الواسع للوسائط المعلوماتية.

ليس هذا إنكاراً للدور الحيوي الذي يلعبه المعلم في الحياة التعليمية, ولم تأتِ التكنولوجيا يوماً لتقوض دور المعلم، بل أعطته دفعة قوية للأمام, وإنما للطريقة التعليمية التي تسير باتجاه واحد، من المعلم الذي يقوم بالدور الحيوي الفاعل والنشط، إلى المريد المراقب والمحاصر في جميع حركاته, والذي لا يعدو عقله إلا مركزاً للودائع الجاهزة سلفاً, بالتالي يفرض عليه دور المستهلك السلبي لتلك الودائع؛ بمعنى أن الطالب لا يهتم بالمعلومة؛ سواء أكانت مفاهيم أم قوانين أم حقائق، بقدر ما يهتم باستنساخها وحفظها وتذكرها كما هي، لحين موعد اختبار التذكر.

ursulines-mons-art-fem-004نسعـى في هذا المقال إلـى تقديم قراءة تفكّك جانبًا من جوانب أزمة  المدرسة التونسية من منظور سوسيولوجي  نقدي وضمن المقاربة البنيوية التكوينية لبيير بورديو . و منطلقنا فرضيّة عقم الثقافة التربويّة للمدرسة الرّسميّة إزاء عدم استقلالية حقلها و افتقار الفضاء الاجتماعيّ لشروط تجاوز ذلك العقم.  لا تتناقض هذه الفرضية مبدئيّا مع  الإقرار بأثر المدرسة التّونسيّة في التّغيّر الاجتماعيّ، إذْ  لا يُمكن أن نتغافل عن دورها في " التنمية " بوجه ما،مع أنّ القراءات في ذلك تتعدّد و تختلفُ ، و لا يمكن أن نتجاهل بالغ أثرها في توزيع الهيمنة في الفضاء الاجتماعي ،غير أنّ الإقرار بذلك لهذه المدرسة  لا يمنعُ تأكيد عمق أزمة ثقافتها التربويّة . و لا نتناول في مقالنا هذا التربية المدرسية النظام التربوي بالنقد على محك المعايير الرسمية المعتمدة ، و لا يعنينا البعد الرّسميّ إلا باعتباره خطابًا،وهو خطابٌ  يستدعي القراءة و النّقد. أيْ لا نتعاطى من الداخل مع " حقيقة المدرسة " كما يسعى الخطاب الرسمي إلى  تشكيلها بل مع خطابات المجتمع ، طالما أنّ " لكلّ مجتمع نظامه الخاصّ المربط بالحقيقة و" سياسته العامّة " حوْل الحقيقة : أي أنماط الخطاب الّتي يستقبلُها هذا المُجتمعُ ويدفعُها إلى تأدية وظيفتها كخطابات صحيحة[1]  ".  و إذْ نفترض وجود أزمة عميقة للثقافة التربويّة فإننا لا نقصد بذلك جاهزية أيّ تقييم معياري قيميّ  بقدرما  نعني الأزمة البنيويّة –التكوينيّة لتلك الثقافـة ، و أساسًا نفترض أنّ المسار التاريخي الاجتماعيّ للمدرسة الرسميّة التونسيّة شهد انكسارات متتابعة أثّرت في ثقافتها التربويّة وأربكت طبيعة تفاعلها مع الفضاء الاجتماعيّ .