anfasse.orgهناك مقطع من محاورة الجمهورية يتحدث عن "الأسرة الثلاثة"، حيث يميز أفلاطون بين ثلاثة أنواع من الأسرة: فكرة السرير التي خلقها الإله، والسرير المصنوع من قبل النجار، وأخيرا السرير الذي صوره الرسام. فكرة السرير هي الأكثر واقعية، إذ إليها يوجه النجار نظره لكي يصنع سريرا ملموسا  وخاصا. أما السرير الذي يصوره الرسام فما هو إلا محاكاة لسرير النجار، وبهذا فهو مبتعد عن "الواقع" الحقيقي بثلاث درجات، بما هو ليس سوى صورة الصورة. هذه اللاحقيقة المزدوجة لا تمثل" الشيء كما هو في الواقع"، وإنما "ما يظهر كما يظهر". وبالتالي فما الرسام غير أفاق، وما الصورة غير "سيمولاكر" أو نسخة خداعة. إلا أن رهان أفلاطون لم يكن فقط متعلقا بتبيان طبيعة الصورة وإنما كان أيضا رهانا أخلاقيا وسياسيا، إذ خطورة الصورة تكمن في كونها تدعي الواقعية بينما هي ليست سوى"سيمولاكر"(نسخة مشوهة للواقع). لذلك دعا أفلاطون إلى المراقبة الصارمة للفنانين داخل المدينة. هذه " الإكونوفوبيا"(رهاب الصورة) التي تزامنت مع لحظة التأسيس في تاريخ الفلسفة، والتي عبرت عن حيثيات فعل التأسيس ذاته، بما هو انتقال ثوري من الميتوس إلى اللوغوس، من نمط التفكير الأسطوري الذي كان على مستوى الشكل تقليدا شفهيا متوارثا يستعمل لغة التصوير والتشخيص وعلى مستوى الرسالة مستهدفا للتأثير الوجداني الحسي، إلى نمط التفكير العقلي، الذي تجلى في شكل أدب مكتوب يشتغل بالمفاهيم المجردة ومستهدفا التفكير النقدي للقارئ. هذا الرهاب، وتحت التأثير العميق لأفلاطون، ظل ملازما، بأشكال صريحة تارة ومضمرة تارة لتاريخ الفلسفة، وعلى الخصوص ما قبل المعاصرة. بيد أن ما يهمنا هنا هو أن هذا الرهاب انتقل إلى مدرس الفلسفة بما هو صديق للفيلسوف، وبالتالي صديق لنصه المكتوب، ونصير لمفهومه المجرد، إذ قلة هم الأساتذة الذين يقاومون الشعور بذنب الخيانة وبجريمة امتهان المفهوم المجرد، وهم يوظفون دعامة بصرية أو سمعية- بصرية في الدرس الفلسفي. هذا الخوف ليس صدى لتاريخ إيكونوفوبيا الميتافيزيقا فحسب، بل يجد ما يبرره في الواقع الثقافي المعاصر. فالإعلام السمعي البصري(التلفزة والأنترنيت) يستأثر بالحصة العظمى من وقت الأطفال والمراهقين، حتى أنه أصبح يبدو "مدرسة مضادة"، خاصة أنه يقدم دفقا من الصور و المعلومات التي تخلط بشكل خطير بين الصواب و الخطأ على المستوى القيمي ، وبين الواقع و الخيال . كما يقدم الكثير من العنف المجاني . و يقترح أحيانا نماذج من السلوك المنحرف.

أنفاسهناك اعتراف متزايد أن المناخ الاقتصادي للعالم يتجه نحو اقتصاد مبني على المعرفة knowledge-based economy ، حيث المعرفة ستكون عزيزة كالثروة الثمينة. بهذا الخصوص، التكنولوجيا يمكن أنْ تعزز كأداة مفيدة وبشكل فعّال، إدارة رأسمال معرفةَ المنظمات knowledge capital. وبالرغم من أن عدّة دراسات بحثية قدمت أطر إدارة معرفة تلبّي متطلبات المنظمات المتخصّصة في الحقول المتنوّعة للمعرفة،فان إدارة المعرفة الشاملة لم توجد كتكنولوجيا وسيطة وموجهة نحو الحاجات الظاهرة لمنظمات البحوث التربوية educational research. ومن هنا ضرورة استخدام مدخل تكنولوجيا إدارة المعرفة المشكّلة كبوابة مطورة لخلْق المخزون repository ولتسهيل الموارد المشتركة في المنظمات البحثية. يشمل هذا الإطار المبنيّ على التكنولوجيا، عمليات إدارة المعرفةَ التي تأسْر وتدمج موارد المعرفة الواضحة للمنظمات البحثية. الإطار أيضا يدعم الشبكات الاجتماعية social networks التي تُمكّن المساهمة وتشفير المعرفة الضمنية عن طريق تسهيل التبادلات والتغذية الراجعة feedback عبر الإنترنت.
و تُقدّم مجموعة من النظريات السائدة، سويّة مع الممارسات والتوصيات الحالية، التي تركز على الإدارة الفعّالة للمعرفة في المواقع التعليمية. تُزوّد مجموعة من التصاميم البسيطة لربط الناس، والعمليات، والتقنيات، وتناقش كيف ان المنظمات يمكن أن تروّج للسياسات والممارسات التي تساعد الناس على أن يساهموا ويديروا المعرفة. وتوصف إدارة المعرفة: " كمجموعة الممارسات التي تساعد على تحسين استخدام البيانات والمعلومات في اتخاذ القرارات و تحسين المحاسبية Accountability في التعليم، وتعزيز ثقافةَ التكنولوجيا وثقافة المعلومات؛ وتزود المداخل والسمات العملية لإدارة المعرفة".

أنفاسالمدرسة كما هو معروف هي تلك البيئة الصناعية التي أوجدها التطور الاجتماعي لكي تكمل الدور الذي مارسته الأسرة في تربية وإعداد أبنائها، ومدهم بالخبرات اللازمة لدخولهم معترك الحياة فيما بعد، فهي لذلك تعتبر الحلقة الوسطى والمهمة التي يمر بها الأطفال  خلال مراحل نموهم ونضوجهم لكي يكونوا جاهزين للقيام بمسؤولياتهم في المجتمع مستعينين بما اكتسبوه من المهارات المختلفة والضرورية لتكيفهم السليم مع البيئة الاجتماعية الكبرى، ذلك لأن المدرسة ليست سوى مجتمع مصغر، ومنزه، وخالي من جميع الشوائب التي تتعلق بالمجتمع الكبير ،لكي يتمرن فيها الأطفال على الحياة الفضلى، وعلى التعاون الاجتماعي ، والإخلاص للجماعة وللوطن .
ولقد أصاب المفكر والمربي الكبير [ جون ديوي ] كبد الحقيقة عندما عرّف المدرسة بأنها [ الحياة] أو أنها [ النمو ] أو أنها [ التوجيه الاجتماعي ] ورأى أن عملية التربية والتعليم ليست أعداد للمستقبل، بل إنها عملية الحياة نفسها، ودعا المربين إلى الاهتمام بثلاثة أمور هامة لتربية النشء حددها بما يلي:
1 ـ تعاون البيت والمدرسة على التربية والتوجيه .
2 ـ التوفيق بين أعمال الطفل الاجتماعية وبين أعمال المدرسة .
3 ـ وجوب إحكام الرابطة بين المدرسة والأعمال الإنتاجية في البيئة .
 
ولقد أكد [ديوي] وجوب دراسة الطفل وميوله ورغباته، وضرورة جعلها أساساً في التعليم، كما أكد على التوجيه غير المباشر وغير الشخصي عن طريق الوسط الاجتماعي، وشدد على أهمية التفكير والتحليل ، وفهم معنى الأشياء في حياة الطفل، وإتاحة الفرصة للأطفال لكي يجمعوا الحقائق ويرتبوها، ويستنبطون منها النتائج، ثم يمحصونها ويعرضونها على محك الاختبار حتى تنجلي وتظهر حقيقتها.
فالطفل لا يستطيع أن يكتسب عادات اجتماعية بغير الاشتغال في الأعمال الاجتماعية، والتربية في حقيقة الأمر هي عملية تكوين النزعات الأساسية الفكرية والعاطفية .

أنفاسفي سياق انهماكنا بموضوعات التربية، وأسئلة الثقافة والمجتمع، وفي أثناء محاولتنا الاطلاع على تجارب الآخرين ومساءلتهم الدائمة للمعرفة ومدارسها، نقدم هذه المواد الثلاث لخبراء وأساتذة في الجامعات الكندية، جمعها وترجمها الزميل محمد فاضل بحكم تواجده في كندا لغاية استكمال الدراسة، ما يمكّنه من الاطلاع على ما يجري فيها من بحوث ودراسات وتجارب تطبيقية، نرى معه أهمية ترجمتها للغتنا وتقديمها للتربويين الفلسطينيين والعرب، لنوفر أساسات معرفية نعيد على هديها مساءلة معرفتنا والتأمل في ممارساتنا التربوية.وبحكم انشغالنا بالمعرفة كمعرفة أولاً، إلا أننا نقدمها هنا في سياق أن نعرف أولاً، ولكن نعرف لنسأل ونختبر ونبحث، فما نقدمه في هذا السياق هو مساحة إضافية لتعميق الحوار وتنمية فضاء الممارسة، ولذلك كانت هذه الترجمات متداخلة ومتنامية تبدأ من النظرية البنائية كخلفية معرفية، تبحث في التعلم كنسق بنائي مشروط بمقولات المعايشة والاختبار والحوار بين ما نعرف وما نختبر، ما يؤسس لحوار آخر حول إشكاليات التعليم كبناء للمعنى ومفاوضة دائمة له، لجعل التعلم سيرورة من المحاججة والنماء، ومن هذا الربط بين بناء المعنى ونمو الشخص جاء البحث الأخير عن مكانة القيم ودورها الوظيفي في الفعل التربوي.
النظرية البنائية بمصطلحات بسيطة
دمينيكو ماسكيوترا1
إن الرؤية البنائية كوضعية إبستمولوجية تبين إمكانية أن يطور الشخص ذكاءه ويبني معارفه عن طريق الانخراط في الحركة ونتائجها.  في هذه الحالة سيدمج الشخص المعني ويفهم الوضعيات الجديدة من خلال ما كان يعرفه سابقاً، كما يقوم بتعديل معارفه الداخلية من أجل التكيف مع المعارف الجديدة.  هذا التكيف مع الوضعيات الجديدة من شأنه توسيع شبكة المعارف الداخلية التي يملكها الشخص وإثراؤها.  كما أن النمو المتواصل لشبكة معارفه سيمكنه من معالجة الوضعيات الأكثر تعقيداً.

أنفاستتضمن كل الثقافات معايير تقويم وإرشاد (prescription)، تتراوح تأثيراتها وتختلف باختلاف المجتمعات. والتقويم أيديولوجية أو مجموعة من المعتقدات التي تنص على أن الاستعمال اللغوي، على غرار سلوكات أخرى كالأكل واللباس، يجب أن تتم وفق طرق صحيحة. ومن هنا يصعب فصل طبيعته عن ظواهر التعيير (standardisation) والتطبيع (normalisation)، إذ إنه مثلهما تُفرض قوانينه عن طريق السلطة، وتُقرر "من فوق" وبدون اتفاق خاص، ويعتبر كل خروج عن معاييره، مهما كان طفيفاً انحرافاً أو طرقاً سيئة. وعادة ما تُقنن قواعده في كتب الاستعمال حتى يرجع الناس لها لتمييز الصواب عن الخطأ.1
نحاول في هذه المقالة تبيان إيجابيات وسلبيات التقويم، وحقيقة سوء التفاهم بينه وبين اللسانيات، متبنين، ضمنياً، ضرورته في حياة اللغة. نقف عند الموقف العام للحماة من اللغة الذي يتمثّل، خصوصاً في عدم الفصل بين النسق والاستعمال، ثم نناقش، على ضوء ذلك تضارب تحديد المُقوّمين العرب للخطأ والصواب في اللغة، نحواً ومعنى، ومعاناة سيرورات إدماج العامي في الفصيح من عدم التمييز بين النسقين، اللهجي والفصيح.

التقويم وآثاره:
إذا كان الناس يقبلون نتائج التقويم دون اعتراض، فإن ذلك لا يعني عدم إدراكهم لتأثيراتها وانعكاساتها. ومن المظاهر العامة لآثارها: أولاً استعمال المناسبة، وثانياً التنغيم، وثالثاً تقييم نتائج الاختبارات اللغوية، ورابعاً التمييز الطبقي.

أنفاس1.  تقديم
نحاول، في هذه المقالة، تبني التصور الذي يعتبر الازدواجية ظاهرة طبيعية لا تؤثر سلبا على تعلم الفصحى. بل إن تفاعل العامية والفصيحة يحتم البحث في التقارب، ونشره وتعميمه، واستغلاله في تعليم العربية وتبسيط تلقينها.
 2.   النسق الفصيح والعامي: خصائص  ومواقف
تعود الازدواجية العربية إلى ما قبل الإسلام1. شكّلت موضوع الدراسات الأدبية وفقه اللغة منذ القرن التاسع عشر.2 ولقد انبنت معظم التصوّرات حول هذه الظاهرة على اختلاف النسقين "الفصيح" و"العامي". اعتُبرت الفصحى نظاماً مقنّناً ومعقّداً نحوياً، تستعمل لأغراض الكتابة والشؤون الرسمية، وفي مجال الدين  والسياسة، توصف باللغة المعيار، وتعد اللغة المشتركة (lingua franca) بين كل بلدان العالم العربي، مما يجعلها تتجاوز الخصوصيات المحلية.
تتوفر على ثمان وعشرين صامتاً وثلاثة صوائت طويلة، وثلاثة أخرى قصيرة. أساسها نظام صرفي (inflectional) يقوم على الإعراب والنهايات الصرفية (models endings) التي تتجلى في نظام ثنائية الأفعال والأسماء والضمائر. وتتميّز بمعجم غنيّ يتضمن وحدات معجمية متعددة بالنسبة للمعنى الواحد. كما تتعدد فيها مصادر الأفعال وجموع الأسماء. ولها للمؤنث علامة وللمثنى أخرى وللصفات نهايات، مثل /an-/ وللموصولات أشكال مختلفة.
تُوظف، في المقابل، العاميات العربية في الحديث اليومي، وتستعمل في القطاعات غير الرسمية، تختلف من بلد إلى بلد، ومن منطقة إلى منطقة في البلد الواحد. تهيمن في أشكال الفن والثقافة الجديدة من نوع الأغنية والمسرح والسينما والرواية والقصة القصيرة. وتُستعمل، للأغراض الأيديولوجية في مخاطبة الكتلة بهدف التضامن. وهي، بخلاف الفصحى، لا تحظى بالاحترام، بل قد يُقرن استعمالها بالجهل والأميّة. و ليست مكسباً إضافياً، لأنها تكتسب، ولا تُتعلَّم.

أنفاسيأتي النمط التشاركي في الإدارة المدرسية على طرف النقيض من الأنماط السلطوية في الإدارة، فهذا النمط من الإدارة التشاركية ينظر إلى العاملين في المدرسة من خلال النظر إلى أعمالهم كافة، وليس مجرد منفذي للتعليمات التي تصدر من المستويات العليا في الهرم الإداري في المدرسة أو المؤسسة التعليمية، وإنما كأشخاص قادرين على تحمل المسؤوليات والمشاركة في التصدي إلى المشكلات ووضع الحلول المناسبة لها, والمساهمة في وضع الخطط والسياسات إذا منحوا الفرصة.  ويوفر هذا النمط التشاركي المناخ المؤسسي الإيجابي الذي يدفع في اتجاه تحفيز الطاقات الإبداعية لدى العاملين في المؤسسة التربوي .(Mcgreger,1960:51)
أولاً: مفهوم النمط التشاركي في الإدارة المدرسية
إن النمط التشاركي في الإدارة، كما يعرفه كيث وجيرلينج  (Keith & Girling, 1991:27)، هو ذلك "النمط الإداري الذي يقوم على المشاركة "النظامية" و"الملموسة" للعاملين في المؤسسة في عمليات صنع القرارات المتعلقة بسياسات المدرسة ومهامها ومشكلاتها".
لقد جاءت كلمة "نظامية" ترجمة لكلمة (Regular)، التي يقصد بها الكاتبان بأن المشاركة صفة ضرورية للنمط الإداري في المؤسسات، وكلمة "ملموس" ترجمة لكلمة  (Significant)، وذلك من أجل تمييز المشاركة التلقائية التي تحدث في المدرسة حتى ولو كانت تمارس بشكل سلطوي، كأن يفوض المدير مسؤولية الصف للمعلم (Vann,1992:30) لتتعدى إلى المشاركة على مستوى صناعة القرار المتعلق بالمناهج وصياغة الأهداف التعليمية والتصدي للمشكلات، ومناقشة السياسات ونقدها، واقتراح البدائل الملائمة.
ويرى (Vann,1992:30) أن الأخذ بالنمط التشاركي في الإدارة المدرسية يتطلب توافر شرطين ضروريين هما:
1. توفر درجة عالية من الثقة المتبادلة بين العاملين في المؤسسة التربوية، إضافة إلى الثقة بالنفس لدى المديرين أو العاملين.
2. توفر مستوى عالٍ من القناعة بمفهوم القيادة التشاركية، وصناعة القرار على أساس تعاوني.
ثانياً: مبررات استخدام النمط التشاركي في الإدارة المدرسية
لقد حدث الكثير من التغيرات في واقع المدرسة المعاصرة، وفي تصور المجتمع لها ولدورها، بحيث أصبح هذا التطور يجد في النمط التشاركي في الإدارة المدرسية اقتراباً أنسب لروح العصر ولواقع المدرسة نفسه، ويمكن إجمال هذه التطورات بما يلي:

أنفاستتداول أدبياتنا التربوية في الآونة الأخيرة مصطلحات رنانة من قبيل الجودة والحكامة والمر دودية أو الإنتاجية ، لكن اجتهاد منظرينا في تفسير معانيها واستعراض تعار يفها ، لم توازه الإرادة الصادقة في التطبيق ، حيث مازال سوقها غضا لم يشتد عوده بعد ، في المقابل ، توالت الإخفاقات وتفاقمت المعوقات على الساحة التعليمية والتي استحالت إلى عقبات مستعصية عن الحل .
هذا الوضع المتردي رفع أصوات هيئة التدريس بالتذمر والشكوى من تخلف السياسات التعليمية، وعدم ملاءمة البرامج من حيث الكم والكيف ، الأمر الذي انعكس سلبا حتى على المدرسين أنفسهم فقابلوا الإهمال بالإهمال ،مطبقين قاعدة السن بالسن ، وهذا أمر غير محبذ من فئة ألفناها مضحية على الدوام .
إن العديد من المدرسين يرجعون ضعف المردودية إلى رداءة المناخ التربوي بشكل عام ، ورغم صحة هذا الطرح بنسبة كبيرة ، إلا أن هناك أسبابا أخر من قبيل عتاقة طرائق التدريس ، التي لا زالت تحتفل بالتلقين وحشو المعارف ، بدل التربية على الإبداع وتنمية القدرات والمهارات، وبناء الكفايات التي تمكن المتعلمين من مواكبة التغيرات،  وتلبية الاحتياجات المتجددة في مستقبل يتغير بسرعة.
لابد من القول أنه لا يمكن أن ننتظر شيئا كثيرا من شخص يحس بأن هويته المهنية تهتز شيئا فشيئا،  مادامت مهنته مغبونة حتى من أقرب المقربين ، ...وظلم ذوي القربى أشد مضاضة ....هذا الغبن المفضوح ولد خوفا مرضيا لدى العاملين بالقطاع ، فأصبحوا يخافون من المستقبل والمسؤولين والمتعلمين والآباء....من كل شيء ومن لا شيء .  فهل نرجو بعد كل هذا إبداعا وخلقا ومردودية من شخص اجتمعت فيه هذه المواصفات ؟
من المحقق أن غياب التحفيز المادي والمعنوي ، يساهم بشكل فعال في تدني المردودية ، فما دام الوضع الاعتباري للمدرسين آخذا في التناقص بشكل مقصود ، وما دامت سياسة التجويع والتفقير هي الملازمة لأهل الدار ، ومادامت رغبة التمدرس لدى المتعلمين شبه منعدمة ، في ظل سيطرة وسائل الإعلام وثقل البرامج وانعدام التواصل ، فإن الحديث عن المر دودية هو العبث بعينه .

أنفاستوطئة:
إنّ العولمة، كفكرة، ليست جديدة، بل هي قديمة قدم المُثل اليونانيّة، مروراً بسيادة الفصحى لهجة قُريش، انتهاءً بالحداثة الغربيّة... أيضاً بما يتعلّق بالعلوم من اجتماعيّة وطبيعّية ودقيقة.
أدرك ضرورة التّوضيح.
بداية التّوضيح؛ إنّ العولمة لا تحمل من الوضوح، كفكرة يرغب من يرغب بتحقيقها في عالم الاقتصاد1، سوى خط واحد: دستور اقتصاديّ عالمي واحد (Constitution of a single global economy) كما صاغها (رينيت روجيرو) من كان المُدير العام لمُنظّمة التجارة العالمّية (WTO).
المُفرد الواحد هو الكلِمّة وهو المُمارَسَة.
الواحد، سُلطة وأشياء أخرى.
ما سأفعله في بضعة سطور مُقبلة، هو الإشارة إلى حدّة التّناقض بين العولمة، بوصفها لا تتميّز إلا بالواحد، وبين الفردانيّة والجمع... مُبيّناً إسقاطاتها على شخصنا وعلى حياتنا.
بين فردانية بين مفرد:
بينما الواحد، من حيث تعريفه، لا يقبل سوى نفسه وسُلطته، تحمل الفردانيّة داخلها، من حيث تعريفها، ضدّها.
أبدأ بتعريف الفردانيّة لأنتقل من بعدها إلى تعريف المُفرد، مُظهراً كيف أنّ الإنسان، في تاريخه المغرور به، على الرغم من أنّ الفردانية هي ما يولد معه الإنسان2، كان دائم المُحاولة لخلق الواحد والالتصاق بالمُفرد فكراً ومُمارسة 3. الفردانية، الهو الفاعل، لا نهائيّة الحدود من ناحية، وبشكل تناقضيّ، مُحدّدة، تنبع لا نهائيّة الفردانيّة من كونها أبداً غير تامّة التّبلور أبداً دائمة التغير تراكمياً، أي أنها أبداً في صيرورة تراكمّية مُتحوّلة 4. وبكونها مُتحوّلة, ثانياً، فهي تتضمّن المُمكن. والمُمكن، من حيثُ تعريفه، غير حتمي الحدوث غير مُحدّد المعالم، وبكونها تتضمّن المُمكن اللاحتمي الحدوث غير مُحدّد المعالم، ثالثاً، فهي تحمل بُعدي الحضور والغياب في آن: ما هو موجود في حيّز الواقع وقد يكون ظاهراً، وما هو موجود في حيّز المُمكن وقد يأخذ تجسّده وقد يظهر. وهنا، عليّ الإشارة إلى أنّ الغياب، في سياق الحديث عن المُمكن ضمن لا نهائية حدود الفردانيّة، يحمل من المعاني أكثر من واحد، يعنيني في هذه اللحظة:

أنفاسربما حان الحين لنميط اللثام عن أفكار ظلت تراودنا ردحا من الزمان ، كان هدفنا منها كشف النقاب عن بعض العلل التي لازمت جسمنا التعليمي، ولا زالت تنخر كيانه العليل ، طالبين خلالها من القائمين على الشأن التربوي ، والساهرين عليه تنظيرا وتنفيذا ، أن يأخذوا بها – رغم بساطتها – إن أرادوا أن يرضوا نفوسنا التواقة إلى وضع أفضل مما هو كائن، فنحن نريد تعليما حقيقيا، منتجا ، فعالا، مواكبا لروح العصر وتحديات العولمة المتوحشة.
إن مشكلتنا الأساس ، أننا درجنا – منذ أن تخلينا عن دورنا الريادي في الحضارة الإنسانية – على استيراد متطلباتنا في شتى المجالات من عوالم أخرى ، بعيدة كل البعد عن طبائعنا ومعتقداتنا وهويتنا ، والغريب في الأمر أن ذلك لا يرجع إلى نقص أو خصاص في الطاقات المحلية الخلاقة والمبدعة ، وإنما لولعنا المزمن بكل ما هو آت من الغرب ، فحق علينا قول ابن خلدون بأن المغلوب مولع دائما بتقليد الغالب.
إننا نفتقد الشجاعة اللازمة لمواجهة حقيقة تخلفنا التعليمي والاقتصادي والاجتماعي وهلم جرا، فنحن مستغرقون بوعي أو بدونه ، في قرار مكين يستحيل الخروج منه بشكل سريع.
إن التعليم هو الوقود الذي يحرك مجتمع المعرفة ، ولهذا يجب أن يسعى المجتمع بمكوناته كافة ، من أجل الحفاظ على بريقه وتوهجه . وتحقيقا لذلك يجب البدء بتغيير بعض المصطلحات التي لم يعد لها مكان في عصر التكنولوجيا، ونظم الاتصال المتطورة ، ومنها على سبيل المثال لا الحصر ، استبدال التعليم بالتعلم ، فهذا الأخير أكثر مواءمة ، وهو الأنسب في الظروف الراهنة لما يعرفه العالم من انفجار معرفي ، فقد أصبحت المعلومات مطروحة في الطريق يأخذها العربي والعجمي ، كما آن الأوان لتفعيل بعض الأقوال المأثورة التي طالما زينا بها إنشاءاتنا في صغرنا ، ومنها التعلم من المهد إلى اللحد ، فقد فرضت الضرورة هذا المبدأ ، وكل من حدد تعليمه أو وضع له سقفا زمنيا يتوقف عنده ، يصبح مهددا بالأمية والجهل ولو بعد حين..والأدبيات التربوية الحديثة فعلا ، غدت تنادي مؤخرا بالتعلم مدى الحياة ، ما دامت الشبكة العنكبوتية قد نسجت خيوطها في أغلب البيوت ، فما عاد هناك من عذر أمامنا للتعلم ثم التعلم ولا شيء غير التعلم.

أنفاسمن بين الدراسات الميدانية المغربية في موضوع التخلف الدراسي نجد دراستين إحداهما لعبد الكريم غريب تحت عنوان "التخلف الدراسي – دراسة نظرية وميدانية في المدينة والبادية " والثانية لمحمد الدريج بعنوان
"Le retard scolaire au Maroc –étude psychologique de certains de ses facteurs "
و سنقوم باستعراض هاتين الدراستين بشكل موجز من خلال الفرضيات التي انطلقت منها كل دراسة . و أداة البحث المعتمدة و كذا عينة البحث التي أجريت عليها الدراسة , إضافة إلى النتائج التي توصلت إليها كل من الدراستين . لننتهي بعد ذلك إلى مناقشة النتائج التي توصل إليها كل من الباحثين  في دراستيهما .
1- دراسة عبد الكريم غريب : (عبد الكريم غريب -1991)
تعتبر من الدراسات المغربية في هذا المجال , و هي دراسة نظرية و ميدانية في المدينــة و القرية .
يرى عبد الكريم غريب أن ظاهرة التخلف الدراسي ليست ظاهرة عابرة لحظية مؤقتة بل إشكالية تكاد تكون مزمنة , صاحبت المدرسة المغربية منذ تأسيسها إلى اليوم .
في الشق النظري للدراسة قام عبد الكريم غريب بتحديد مفهوم التخلف الدراسي وتمييزه عن مفاهيم أخرى ( الضعف العقلي والتسرب , الشذوذ النفسي ) .
ثم أعطى نبذة تاريخية عن هذه الظاهرة وتجلياتها في نسق التعليم المغربي , انطلاقا من فترة ما قبل الحماية ثم إبان الحماية وصولا إلى فترة الاستقلال .
أما في ما يخص الشق الميداني للدراسة , فلقد حاول حصر ظاهرة التخلـــف الدراسـي و التعرف عليها مع محاولة الوصول إلى تحديد وفهم أهم أسبابها , ليقوم بعد ذالك باقتراح بعض الحلول لمعالجتها .(عبد الكريم غريب - التخلف الدراسي- 1991)