انفاسترجمة: نور الدين البودلالي
خلال النصف الثاني من هذا القرن العشرين، تغيرت عقليات المدرسين والتلاميذ والآباء، وتغيرت آمال المجتمع وعلاقات المدرسة بعالم الشغل. ولم يعد بمقدور المدرسة أن تشتغل بنفس طريقة اشتغالها عند بداية القرن: لذلك أصبح من الضروري ابتكار مرامي جديدة، وأنماط فعل جديدة، وطرق جديدة في التربية دون أن يعني هذا إقصاء منهجيا للأشكال القديمة القابلة للاستعمال... ولا يمكننا اليوم، بأي حال من الأحوال، أن ننكر أو نتجاهل ما يقدمه كل من العلم المعاصر والتطبيقات التربوية والبحث العلمي في المجال التربوي من إسهامات.
مقدمة: الوضعية الخاصة للتربية  :
1 - للــ"معارف" في مجال (مجالات) التربية وضعية جد خاصة. إننا إزاء وضعيات لها، على الأقل، أربعة ينابيع معرفية:
المنبع الأول له صلة بشكل التفكير الفلسفي والتاريخي الخاص بالمرامي والأهداف التربوية. منبع ضروري وذو أهمية قصوى، ولهذا يعرف حاليا تجددا ملفتا للنظر ببعض الدول الناطقة باللغة الفرنسية.
بينما يتصل المنبع الثاني بالوضعية الحالية التي تولدت عن وجود مجموع وسائل الاتصال (صحف، مذياع، تلفاز، بنوك المعلومات وغيرها…) وعن وجود المنظمات العالمية الكبرى (اليونسكو على الخصوص)، التي قامت بتجميع ومراكمة عدد هائل من المعلومات المرتبطة بمجموع القضايا التربوية المطروحة على المستوى العالمي. وتشكل إمكانيات الطبع والنشر الحديثة عنصرا جديدا في بناء هذه المعرفة الوثائقية، التي سنعود إليها بالتحليل خلال هذه الدراسة.
أما المعرفة التي تتأسس انطلاقا من الـ"تجربة اليومية" للمربي أو، باصطلاح أكثر علمية (وأكثر حذلقة)، المعرفة ذات طابع النهج العلمي (praxéologique) فتشكل المنبع الثالث المتميز بغناه. لكن، وللأسف، غالبا ما تضيع "تجربة" المدرسين هذه دون الاستفادة منها، لكونها تظل مرتبطة بالشخص دون أن يطلع عليها أحد. وقد عملت الدول الشرقية على تصحيح هذه الوضعية عن طريق خلق الـ"أكاديميات البيداغوجية"، التي من بين مهامها تجميع، وبناء ونشر المعارف المتأتية عن التطبيق العملي للمدرسين.

انفاستطرق العديد من علماء النفس في نظرياتهم التي تبنوها الى جوانب النمو العقلي عند الطفل مهم سبيرمان وجيلفورد، واكثرهم شهرتا في ذلك العالم السويسري جان بياجيه، وهو عالم بايولوجيا في الاصل، اختبر جل الفرضيات والتجارب التي اجراها لدعم نظريته على طفلتيه، اذ انه كان يراقب سلوكهما ويسألهم ويحاورهما لمعرفة كيف ينمو ويتطور العقل لدى الاطفال. ومن خلال الكم الكبير من التجارب والبحوث التي اجراها هو وزملائه المؤيدين لنظريته ومن بعده تلامذته، يرى بياجيه ان النمو العقلي عند الطفل يمر باربع مراحل هي:
ا- المرحلة الحسية الحركية:
وهي المرحلة التي يستخدم فيه الطفل الاشياء المحسوسة التي يتلقاها من العلم الخارجي ويتعامل معها حركيا عن طريق يديه وعضلاته، فمثلا عندما يرى الطفل لعبة ما  يقوم بامساكها بيديه ويحاول معرفة مكوناتها واجزائها عن طريق محاولات تفكيكها او تركيبها، وهذا كثيرا ما يراه الآباء ويعانون منه، سيما اذا كانت اللعبة او الحاجة التي تصل اليها يدي الطفل غالية او ثمينة او عزيزة اذ معظم الاحيان نتيجة للعبث ومحاولة التعرف يودي الى كسرها او خرابها. يقسم بياجيه هذه المرحلة الى عدة جوانب تتضمن:
ا- جانب المرونة العضوية:
يتمثل هذه الجانب قيام الطفل بحركات عشوائية في البداية ثم تميل هذه الحركات الى الاستقرار هدفها الاتقان والدقة في ادآء العمل، تشمل الاجزاء التي تقوم بهذه الحركات العشوائية الرأس والعينين واليدين والقدمين، فمثلا امساك الطفل في البداية بالرضاعة يكون عن طريق الحركات العشوائية وغير المنظمة،ثم بعد ذلك تستقر عملية الامساك بها بشكل منظم ومتقن كلما تقدم الطفل بالعمر. هذه المرونة العضوية ترتبط بعلاقات ايجابية مع الجهاز العصبي من خلال تطور عمل هذا الجهاز مع نمو الطفل بشكل مستمر.

انفاسعندما يرتبط الرجل والمرأة بعلاقة زواج في المجتمعات الحديثة غالبا ما يتساءلان في بداية زواجهما: متى يجب أن ننجب طفلنا الأول؟ وتختلف الإجابة على هذا السؤال من أسرة لأخرى باختلاف ظروفهما الاجتماعية والاقتصادية والثقافية… ويمكن حصر هذه الإجابة في احتمالين رئيسيين: إما أن يقرر الزوجان تأخير الإنجاب بعض الوقت باللجوء إلى وسائل عديدة بانتظار أن يتمتعا أكثر بعلاقتهما الزوجية قبل تحمل مسؤولية الطفل، وبانتظار أن يوفرا للوافد الجديد الظروف الملائمة لمجيئه، وإما أن يقررا الإنجاب دون تأخير لرغبتهما في أن ينجبا طفلا في مرحلة مبكرة من زواجهما.

عندما يكون الطفل غير مرغوب فيه من طرف والديه أو أحدهما:
في بعض الحالات قد يأتي الطفل دون أن يكون مجيئه مرغوبا فيه من طرف والديه أو من طرف أحدهما على الأقل، كأن يكون مجيئه نتيجة عدم فاعلية الوسائل التي لجأ الزوجان إليها لتأخير الإنجاب، أو نتيجة خطأ في استعمال هذه الوسائل. وقد يكون الزوجان يرغبان في أن يرزقا بطفل ذكر إلا أنهما يرزقان بأنثى، أو قد يحدث العكس. وفي هذه الحالات يأتي الطفل دون أن يكون مرغوبا فيه من طرف والديه أو من طرف أحدهما، الأمر الذي ينعكس –بصفة شعورية أو لا شعورية- على تعاملهما مع الطفل حيث يرضخان على مضض للأمر الواقع مما يشعرهما بالذنب لإدراكهما أن الطفل ليس مسؤولا عن كل ذلك.

وفي مجتمعنا العربي باعتباره مجتمعا أبويا ذكوريا فإن الشعور بالذنب قد يبلغ درجة قصوى حيث يقدم الزوج، في بعض الحالات، على تطليق الزوجة لأنها لم تنجب طفلا ذكرا على الرغم من أن الرجل –من الناحية العلمية- هو المسؤول عن تحديد جنس المولود، أو قد يتزوج بامرأة أخرى على أمل أن تلد له طفلا ذكرا، أو قد يعرب صراحة عن عدم ارتياحه لمجيء الطفل مخالفا بذلك ما تدعو إليه القيم الروحية والأخلاقية والاجتماعية.

انفاسعلى سبيل التقديم:
على الرغم من أهمية الانكباب على موضوع «العنف» في شتى مجالاته(عنف الرجل ضد المرأة، عنف الآباء ضد الأطفال، عنف المشغل ضد العامل…)، فإن ما يمارس من عنف في مؤسساتنا التعليمية لم ينل الحظ الكافي من الدراسة والتحليل، وحتى ما أسهب فيه المحللون في هذا المجال يكاد يدور في نطاق مظاهر العنف التي يمارسها المربي على المتعلم، حيث يغدو المعلِّم/ المربِّي، من خلال هذا المنظور، رجلاً فضاً لا يرحم تلامذته، ويذيقهم أقسى العقوبات.
فقد كان هناك تركيز على ربط العنف بمرحلة معينة من التاريخ الدراسي وهو مرحلة التعليم الابتدائي مع المعلم أو ما قبله مع الفقيه، وقلما نجد تركيزاً على مرحلة المراهقة. رغم أهمية المرحلة العمرية التي يمر بها التلاميذ، بصفتها مرحلة انتقالية من الطفولة إلى الرشد، يرافقها كثير من التغييرات الجسدية والنفسية والتي تترك بصماتها العميقة في شخصية الفرد، وتكيفه مع المؤسسة والمجتمع والبيئة المحيطة به.
ذلك أن هناك حاجة ملحة للمربين وأولياء الأمور، ومن يتعاملون مع هؤلاء المراهقين إلى التعرف على خصائص شخصية المراهقين وما يرافقها من انفعالات مختلفة…بحيث يمكنهم التعامل معهم بوعي، ومساعدتهم لتجاوز مشكلاتهم النفسية، وانفعالاتهم الطارئة وردود فعلهم المختلفة… و على هذا الأساس، فإن الهدف الأساس من التعرض لقضية العنف المدرسي لدى المراهق، هو إثارة الانتباه لهذه الظاهرة التي لم تعد مجرد حديث عابر نسمعه في الشارع وكفى، بل وصلت عدواها إلى مؤسساتنا التعليمية.
وقد تمظهرت أشكال ممارسة هذا العنف المادي من خلال فعل الضرب والجرح وإساءة الآداب، والعنف الرمزي…(التحرشات المختلفة، استفحال ظاهرة الكلام النابي، تنامي السلوكات غير المتسامحة …). كل هذا وغيره هو الذي وجب التنبيه إليه، والتحذير من مغبته، وبالتالي قرع ناقوس الخطر على المنحى اللاتربوي الذي غدت تعرفه الكثير من مؤسساتنا التعليمية…

انفاس1 – المعرفي والمعنى:
في كتابه التربية الوظيفية كان إدوار كلاباريد قد أكد بأنه لا يكفي القول بأن مهمة المربي تتمثل في تنمية ذكاء مرباه، لأن السؤال الأساسي يبقى هو "إلى أي حد يمكن القول بأن اكتساب المعارف يستجيب لهذا الهدف؟" وفي نفس الاتجاه سار ديوي عندما اعتبر أن "كل درس ينبغي أن يكون جوابا"، والجواب لا يمكن أن يكون إلا نتيجة تحريك لحاجة معرفية سبق وأن طرحت بشكل صحيح وبدرجة كافية من الإدهاش والتساؤل. وتوالت النظريات والتجارب بين مغال في نزعته المعرفية (العقلية) المغرقة في شكليتها والمتقوقعة حول الطابع المنطقي/المجرد للأفكار وبين من ينظر إلى المعارف لا كوسائط شكلية، نهائية وجاهزة، بل كحياة متجددة تحرك الإنسان ويبدعها الإنسان في مغامرة لا تنقطع وتفاعل لا يفتر.
إن المقاربة المعرفية/العقلية (Le Cognitif) تعرف اليوم تجدرا وتحولا يسير نحو إعادة الاعتبار للبعد الثقافي لفعل التعلم. فحتى لدى أكثر البنائيين صرامة بدأنا نسمع عن شيء اسمه "سيكولوجيا ثقافية"، وعن أهمية أن يكون لما يتعلمه الفرد معنى يحرك الرغبة في الدخول إلى المعرفة وتمثلها انطلاقا من خلفية ثقافية موجودة سبقا. إن المعرفي (العقلي) بدأ يتجه اليوم إلى ما يصطلح عليه بما وراء المعرفي (العقلي) Le Metacognitif، أي التحليل الذي تقوم به الذات المتعلمة لوظيفتها الثقافية الخاصة قصد إيجاد نسق تفسيري Système Explicatif يتناسب مع المشكلة المطروحة أمامها، لأن اكتساب معارف جديدة يعني –كما يقول جيوردان Giordan- "إدماجها في بنية تفكير موجودة مسبقا ومكونة من معارف خاصة سابقة على الوضعية التربوية".
إن التعلم بهذا المعنى، يصبح عبارة عن تشغيل لقدرات محددة على معارف محددة ولا مجال للحديث عن قدرات عامة قابلة للتحويل (Transfert) أوتوماتيكيا. وبهذا تعد المعارف في اختلافها قابلة للرسوخ البنيوي La prégnance كإضافات حقيقية وليس كوسائط شكلية ترسخ قدرات متعالية على المعاني الحقيقية لوجودها وانتقالها وتطورها.

تكثر مواضيع الرغبة وتتعدد، وهي فريدة في حد ذاتها. كما أنها قوة وتأكيد وإثبات وحضور، قوة حاضرة وقوة محدودة. إنها أساسية لكونها تشكل ماهية الإنسان حتى تستمر كينونته. وتذكرنا  J.Beillerot أن الرغبة طموح أولي Aspiration première، وهذا ما يجعلها لا نهائية. كما يؤكد سارتر Sartre أن معناها هو تطلع الفرد إلى أن يصير إلها Dieu. وهكذا تثبت رغبة الإنسان نزوعه وتطلعه إلى تفعيل كينونته (Lacan, 1966).
وتضيف J.Beillerot: "إن الرغبة هي السبب، وليس الموضوع هو الذي يسبب الرغبة (Beillerot, 1996). وإذا كانت الرغبة هي المعطى الأساس، وإذا كانت تعرف باعتبارها كذلك وليس انطلاقا من موضوعها، فإنها لا يمكن أن توجد إلا في شكل رغبة في…، إذ ليست هناك رغبة بدون موضوعها. وفي نهاية التحليل، فإن الرغبة تكون في الآخر، إنها من منظور هيجل Hegel رغبة الذات في اعتراف الآخر بها ورغبته فيها. كما أنها من منظور روني جيرار René Girard رغبة في رغبة الآخر فينا، إذ لا يمكنني الاستيلاء على كينونة الآخر إلا من خلال استيلائي على رغبته. إن الغير هو هدف الرغبة، إنه دائما الآخر، ولا تقوم الرغبة إلا على رغبة أخرى، إذ أنها ترمي إلى ما يشكل رغبة لدى الآخر. وفي نهاية المطاف، فإن جوهر رغبتي هو رغبة في أن يتم الاعتراف بالقيمة التي أمثلها وممارستها من قبل الآخر. وهكذا تعني الرغبة أنه يجب أن يكون الغير آخر بالنسبة إلي وأكون نفس الشيء بالنسبة إليه. وبعبارة أخرى، يجب أن يكون الآخر ذاتا حرة حتى يكون لكلامه معنى أمام عيناي وفي مسمعي وذهني؛ وإلا فإنه لا يمكنني أبدا أن أكون آخر بالنسبة إليه، حيث إنه إذا لم يكن حرا سأصير أنا ذاتي موضوعا. فإذا لم يكن الغير حرا، وإذا كان مسيطرا عليه، فإنني لن أتأكد أبدا من حريتي الخاصة.  
ليست الرغبة تحويلا لنزوة بيولوجية. إنها في الآن نفسه غياب الذات عن نفسها وحضورها في الآخر. فالذات الباحثة عن نفسها والمتفتحة على الآخر والمنفتحة على العالم هي التي تدرك المعنى وتمتلكه. وكل علاقة للذات بذاتها هي علاقة بالعالم وبالآخر. وكل علاقة للذات بالآخر هي علاقة بذاتها. وهذه العلاقة المزدوجة –التي هي بالفعل علاقة واحدة- هي علاقة بين الأنا والآخر في عالم نشترك فيه، عالم أوسع من علاقتنا ومتجاوز لها. وتدخل هذه المسألة في إطار الأنثروبولوجيا، إذ تستمد، كل من الذات ورغبتها، معقوليتهما من خلال خصوصية الوضع البشري La condition humaine. فمن هنا يجب البدء، وهذا الوضع البشري هو ما يجعل من الإنسان الصغير ذاتا مرتبطة بالآخر وراغبة فيه ومشتركة في العالم مع ذوات أخرى، بل مغيرة له معها. إن هذا الوضع هو ما يفرض على الإنسان الصغير اكتساب العالم وبناء ذاته بنفسه ومن قبل الآخرين.
فمن خلال خصوصية الوضع البشري يكون الإنسان غائبا عن ذاته. إنه يحمل هذا الغياب في ذاته باعتباره رغبة في ما ينقصه. وهذه الرغبة التي هي دائما في العمق رغبة في الذات وفي ذلك الكائن الذي ينقصها، هي رغبة لا يمكن إشباعها، وذلك لأن الإشباع هو إعدام للإنسان باعتباره إنسانا.

انفاسفي سنة 1958 اقترح الدكتور جون أوري مصطلح "البيداغوجيا المؤسسية" La pédagogie institutionnelle معلنا بذلك إمكانية استفادة الحقل البيداغوجي من منجزات علم النفس العلاجي La psychothérapie(1). وفي سنة 1965 أصبح الاقتراح رسميا(2) ليعبر عن تيار ظل على امتداد الستينات وما بعدها توجها جديدا في مسار "التربية الجديدة" في فرنسا خاصة. وقد تحكمت الخلفيات المعرفية في تقسيم هذا التيار إلى توجهين: الأول تبنى المقاربة اللاتوجيهية Nondirective والسيكوسوسيولوجيا، وتزعمه لوبرو Lobrot ولا باساد Lapassad والثاني تبنى المقاربة الفرويدية ومساهمة علم النفس العلاجي المؤسسي "La psychothérapie institutionnelle" وتزعمه فرنوند أوري F.Oury وعايدة فاسكيز A.Vasques(3). في هذا المقال سنتوقف عند التوجه الثاني لمعرفة مكوناته البيداغوجية وخلفياته، المعرفية.

ما هي البيداغوجيا المؤسسية؟
تعني البيداغوجيا المؤسسية مجموعة التقنيات والطرائق، والمؤسسات الداخلية، المنبثقة من الممارسة داخل الأقسام التعاونية Classes coopératives(4) في أفق خلق نشاط تربوي حر وهادف ومشترك، يساهم في إنجازه جميع الأطفال. وبذلك تكون المؤسسة استجابة لحاجات الطفل النفسية والاجتماعية والحياتية، كما تقرب المسافة بين المدرسة والأسرة، المدرسة والمجتمع، بتعويد الطفل على الانخراط في العمل الجماعي المنظم. ولتحقيق هذه الأهداف قامت البيداغوجيا المؤسسية على مكونات ثلاثة هي: الأنشطة، التنظيم، المؤسسات.

1 - الأنشطة:
ويقصد بها مجموع البرامج المنجزة داخل المؤسسة أو خارجها لتحقيق التعلم وهي:

انفاسمن المؤكد أن ظهور العولمة لا يعود بالضبط إلى سقوط جدار برلين، وبداية ما يسمى بالنظام العالمي الجديد، بل إنها تعود إلى مرحلة أبعد، قد تصل إلى قرون خلت. غير أن الشكل الذي ظهرت به العولمة في العقد الأخير، وإيقاعها السريع في الانتشار وفي غزو كل الآفاق، بفضل اعتمادها على تقانة اتصالية جد متطورة، يعبر عن تحول نوعي في نظام العولمة وفي استراتيجيتها. ونظرا لأن العولمة كمشروع تاريخي هي عملية لم تنته بعد، فإنه يصعب الإلمام حاليا بكل خباياها، أو فهم القوانين المتحكمة فيها بدقة. لذلك فإنه من غير الممكن حاليا تقديم إطار مفهومي شامل للعولمة، بل يمكن فقط الاكتفاء برصد البعض من آثارها الدالة عليها ومنها:
ـ اقتصاد تتحكم فيه الشركات متعددة الجنسية، وتبادل تجاري غير متكافئ، في المجالين المادي والرمزي؛
ـ تقليص أدوار الدولة القومية، والسير في اتجاه إلغاء الحدود بين الدول؛
ـ ثورة عارمة في مجال الإعلام والتربية والاتصال، والتقانة المرتبطة بها؛
ـ شيوع ثقافة الاختراق التي تسعى لفرض قيم وفكر واتجاهات وأذواق استهلاكية منمطة؛
إن تشريح الظواهر السابقة ومساءلتها، سيؤدي بنا إلى تسجيل الملاحظات الأولية التالية:
1 ـ إن العولمة لا تعني بأي حال من الأحوال العالمية Universalité، وذلك رغم كل المظاهر الخادعة التي تحاول ارتداءها تمويها للحقائق. ففي الوقت الذي تطمح فيه العالمية للتفتح على ما هو عالمي وكوني، نجد أن العولمة تبقى سجينة نزوعها نحو إحتواء العالم. إن إرادة فرض نظام اقتصادي واجتماعي وثقافي وتربوي وحيد، لا يمكن أن يدخل إلا في باب إرادة الهيمنة واختراق الخصوصيات الوطنية. فما يميز العولمة عن الاستعمار هو اختلاف في أسلوب الهيمنة ووسائل فرضها. إن العولمة تلتجئ لخلق شروط تنطوي أحيانا على إغراءات لا تقاوم، تجعل الآخر يتقبل بسهولة ضغوط العولمة أو يطالب من تلقاء نفسه بإحدى منافعها الظاهرة.

انفاسقضية التعليم وقضية العدل قضيتان مطروحتان في المغرب منذ الثلاثينات من هذا القرن، أي منذ أن جعلتهما الحركة الوطنية المغربية على رأس مطالبها الإصلاحية التي واجهت بها الحماية الفرنسية، قبل أن تنتقل إلى مطلب الاستقلال. وموضوعنا هنا قضية التعليم وحدها، وقد خصصنا لها ملفا غنيا في هذا العدد.
وما يهمنا هنا في هذا الحديث هو التذكير بما ظل يشكل "الثابت" الرئيسي في السياسة التعليمية في المغرب منذ الاستقلال، والذي يبدو أن بعض الجهات تريد تجاوزه إن لم نقل "التخلص" منه، على الرغم من أنه ظل "ثابتا" على مستوى الشعارات فقط، أما على مستوى التطبيق فإن ما تحقق في ميدان التعليم على مدى الأربعين سنة الماضية على استقلال المغرب ما زال بعيدا عن ما يجب. والرتبة المخجلة التي أعطيت للمغرب في التقرير الذي نشره مؤخرا برنامج الأمم المتحدة لسنة 1998، والذي عين لدول العالم مراتبها على مستوى التنمية البشرية، تضع بلادنا في مكان يشعر المرء معه، إن كان فيه بقية من ضمير وطني وإنساني، بالخزي والعار. ومعلوم أن من أهم المقاييس التي يعتمدها هذا التقرير في ترتيب الدول: انتشار التعليم وتعميمه ومستوى التشغيل ونسبة البطالة.

وما نقصده هنا بـ"الثابت" في خطاب السياسة التعليمية بالمغرب هو ما عرف تاريخيا بـ"المبادئ الأربعة"، وهي المبادئ التي أقرتها "اللجنة الملكية لإصلاح التعليم" التي كونها الملك الراحل محمد الخامس والتي عقدت أول اجتماع لها يوم 28 سبتمبر 1957. وكان تكوين هذه اللجنة في هذا التاريخ، في الواقع، إحياء للجنة تحمل الاسم نفسه شكلت أثناء الحماية، عقب الحرب العالمية الثانية، ولكنها فشلت في مهمتها خاصة بعد أن عدل الفرنسيون عن سياسة "التفتح" التي كان قد سلكها آنذاك المقيم العام الفرنسي في المغرب إريك لابون، مما دفع بالأمور نحو الأزمة التي انتهت بالمقاومة وجيش التحرير واستقلال المغرب.

" لا تعلموا أولادكم القراءة فحسب بل علموهم أن يضعوا كل ما يقرؤونه موضع تساؤل وشك. علموهم أن يضعوا كل الأشياء موضع تساؤل واختبار " (جورج كارلين)

"يشكل التلقين منظومة أيديولوجية واستراتيجية مصممة لتدمير العقول، وتجهيل الأجيال وإخراجها من دائرة القدرة على التفكير والنقد والتأمل المنطقي أو النظر في أمور الحياة وحرمانها من القدرة على التأمل العقلاني المتنور لمظاهر الحياة والوجود. وهو بالتالي يمثل أنجع وسيلة لتدمير العقل والعقلانية عند الأطفال والشباب، وحرمانهم من القدرة على التبصر والتفكير والـتأمل في سياق استراتيجيّة أيديولوجية لا تخفى على كثير من الباحثين وأهل الاختصاص " (علي  أسعد وطفة )

1- مقدمة

 غالباً ما ينظر المفكرون النقديون إلى التلقين (Indoctrination) أو التطبيع على أنه من أكثر المظاهر خطورة وفتكا في المجتمعات المتخلفة، وهو الفعالية التربوية التي تؤسس لكل أشكال التخلف والعبودية والقهر في هذه المجتمعات، فالتلقين يشكل أحد الملامح الأساسية للعملية التربوية في مختلف المجتمعات المحكومة بالجهل والخرافات والأمية. ولا جدال في أنَّ التلقين يشكل أخطر الأدواء التي تداهم العقول والعقلانية، إذ يدمر معظم أشكال القدرة على التفكير والرؤية النقدية لدى أفراد المجتمع، ويضعهم في وهدة الجهل والأمية والتجهيل، وربما لا نبالغ إذا قلنا: إنَّ التلقين يشكل قوة أيديولوجية وممارسة تربوية مصممة لإنتاج مختلف أشكال الجهل والتجهيل والتخلف الذهني والعقلي في المجتمعات المتخلفة.

تتّخذ العلاقة بين التلقين والأمية صورة جوهرية من التكامل والتلازم حضورا وغيابا،، فحيثما يكون التلقين تكون الأميَّة والعكس صحيح، وفي غياب أحدهما يكون غياب الآخر بالضرورة، وهذا يعني أنَّ التلقين يشكل أحد العوامل الأساسية في نشأة الجهل المعرفي، وتوليد الأميَّة الأكاديمية، كما يمثل في الوقت نفسه إحدى نتائج الأميَّة الأكاديمية وأحد أبرز مظاهرها في الوقت ذاته، وهذا يعني أيضًا أنَّ العلاقة القائمة بين التلقين والأمية الأكاديمية علاقة جدلية فاعلة منفعلة ضمن سياق تكاملي يكون فيها السبب والنتيجة متواترين متعاقبين متفاعلين ومتكاملين كل منهما يعزز الآخر وينتهي إليه. فالتلقين بوصفه ممارسة تجهيل، يشكل أهم وأخطر عوامل الأميَّة الثقافية في المجتمع وأعظم منتج للأمية الأكاديمية في الجامعات العربية دون استثناء. فالوظيفة الأساسية لعملية التلقين والتطبيع والترويض هي العمل على وأد العقل وردم القدرة على التفكير في المجتمعات التي منيت بهذا الداء. والأخطر من ذلك، أنَّ التلقين - بوصفه منهج حياة وطريقة في التفكير والوجود - يحول المجتمعات المصابة بأدوائه إلى مجتمعات عبودية قطيعية مستلبة مغيبة عن كل أشكال الوعي السياسي والاجتماعي والأخلاقي.

مقدمة

باولو فريري (19 سبتمبر 1921-2 ماي 1997) كان فيلسوفًا ومربيًا برازيليًا، متأثرًا بالفكر الماركسي ورائدًا في "التعليم الشعبي". كان الهدف من عمله هو تمكين المستضعفين من خلال برامج محو الأمية لرفع الوعي الاجتماعي والسياسي. تم استخدام أفكار فريري على نطاق واسع في دول العالم الثالث كقاعدة نظرية لإصلاح أنظمتها التعليمية. نجحت أساليب فريري في رفع مستوى معرفة القراءة والكتابة، على الرغم من أن تركيزه على التنمية التشاركية قد نوقش كثيرًا. لقد دافع فريري عن التعليم التجريبي، وخاصة تعلم الخدمة، باعتباره أفضل طريقة للتعليم. وأعرب عن اعتقاده أنه من خلال هذه المشاركة النشطة، يدرك الناس حاجتهم إلى مزيد من المعرفة أو التدريب، وأن هذا الدافع هو مفتاح التعلم الناجح. بالإضافة إلى ذلك، على الرغم من ذلك، شدد فريري على الحوار باعتباره الطريقة التربوية الشرعية الوحيدة، مدعيا أنه يجب النظر إلى المعلم والطلاب على قدم المساواة. في حين أنه من الصحيح أن المعلمين يجب أن يتعلموا من طلابهم، وأن الطلاب لديهم الكثير ليعلموه معلميهم، فإن الهدف من العملية التعليمية هو نمو الطلاب وتطورهم. عندما يلتزم المعلمون والطلاب على حد سواء بهذا الهدف، ويحافظون على علاقة بناءة قائمة على متابعتهم، يكون للشباب أفضل فرصة لتحقيق إمكاناتهم، لتحقيق المنفعة المتبادلة لأنفسهم ومجتمعهم. كيف فهم التربية؟ ماهو تصوره للتعليم؟ وهل يمكن تعميم تجربته؟