أنفاسلقد باتت المدرسة المغربية عملة مزيفة غير قابلة للتداول على أرض الواقع مهما بالغنا في عمليات التجميل والإغراء أمام غياب شروط التحفيز التي تشد إليها المتعلم وتجعله ينساق إليها بدون إكراه مادي أو معنوي، فكما يقال في حقل التربية : يمكن أن نجر الحصان إلى الماء ولكن لا يمكن أن نجبره على الشرب.
فالمتعلم خاصة والمجتمع عامة  ـ بحكم نسبة الأمية المرتفعة بين أفراده ـ يطرح السؤال حول الغاية من التعلم ،والقيمة المضافة التي سيستفيدها المتعلم من التعليم ، وتجعله يحقق الرفاهية الاجتماعية بين أقرانه الذين اختصروا الطريق وحققوا الثراء المادي رغم الفقر المعنوي  .
  فالمتعلم يلاحظ أفواج خريجي الثانويات والجامعات قد ضيعوا زهرة شبابهم في التحصيل والتكوين لينتهي بهم المطاف في الشارع وقد تقدم بهم العمر حيث لا يمكنهم تعلم حرفة جديدة تضمن لهم حياة كريمة ، فتنتابهم مشاعر الغبن والحيرة والضياع قد يصل إلى اليأس الذي يمهد الطريق نحو الانحراف .
وها نحن إذن أمام مدرسة تحولت إلى قاعة الانتظار يملأ بها التلميذ الفراغ ويتربص بأول فرصة تمكنه من الظفر بشغل أو هجرة نحو الخارج تجعله ينجو من شبح البطالة ، فتفشت مستويات الهدر بكل أشكاله :هدر تربوي ناتج عن غياب الاهتمام بالمواد المدرسة وبالتالي تدني المستوى الدراسي،وهدر مادي جعل المدرسة تستنفذ أمولا طائلة وتحقق نتائج مخيبة ،وهدر أخلاقي يشجع على الانحراف أمام فقدان الثقة في جدوى العملية التربوية، فباتت المدرسة عقيمة تغيب فيها الشروط المحفزة للرغبة في التعلم والإقبال عليه.
فكم من متعلم يشتغل في ميادين لا علاقة لها بتخصصه أو يقبل بوظيفة أو شغل متواضع دون مستواه الفكري والعلمي  لضمان لقمة العيش ، وكل ما تعلمه في سنواته الدراسية ألقاه في مزبلة التاريخ، بل منهم من أعاد التكوين والتعلم من جديد حتى يحصل على  الشغل  .
فما الذي يجذب المتعلم إلى المدرسة إذا كانت بهذه ألآفاق السوداوية ، حتى أصبح الانضمام إلى  الجامعة مخجلا ومحرجا للطلبة ،لا يلجها الطالب إلا عندما تغلق في وجهه كل الأبواب التي تحمل بصيصا من الأمل .ونحن الذين كنا نرى الطالب يتباهى بانضمامه للحرم الجامعي ، ويحظى بالاحترام والتقدير.

أنفاسلم تلاق التربية العلمية في تاريخ البشرية اهتماماً قدر ما تلاقيه في الوقت الراهن في المجتمعات المتقدمة والمجتمعات النامية، وقد تعددت مسارات هذه المجتمعات في معالجة وإدارة التربية العلمية. لذلك لا يمكن القول أن هناك مجتمعاً مهما كان تقدمه انه وصل للمستوى المطلوب من التربية العلمية لمواطنيه، وربما كان الدليل على ذلك ما ينشر بين الحين والحين من كتب لكبار المفكرين ورؤساء الدول ينبهون من خطورة تدنى مستويات المواطن في القدر اللازم له من التربية العلمية لكي يعيش هذا العصر بكل ما يحمله من تغيرات متسارعة ومتغيرات متعددة تفرض على المسئولين عن تربية المواطن وتربيته العلمية بصفة خاصة بذل ما في وسعهم لملاحقة المتغيرات والتطورات العلمية التي تتدخل في الحياة اليومية لكل مواطن.
ولربما كان تعليم العلوم في الماضي أمراً سهلاً نسبياً لا يتطلب مشقة فقد كان التركيز بالدرجة الأولي ينصب على إعطاء الطلاب قدراً من المعلومات والحقائق المحددة في مجالات العلوم مثل الكيمياء والفيزياء وعلوم الحياة وغيرها، لذلك فإن مستويات تعليم العلوم في ذلك الوقت كانت مسايرة إلي حد ملحوظ للمستويات العالمية وليست بينها فجوة كبيرة تحتم إعادة النظر فيها وتطويرها، ويرجع السبب الأكبر في ذلك إلي وجود بعض النظريات التربوية والنفسية التي كانت سائدة حينئذ، والتي كانت تنظر إلي العلوم في المدرسة على أنها مجرد قدر من الحقائق المحددة يجب على كل طالب أن يستوعبها بغض النظر عن قيمتها الوظيفية في حياته، لذلك كانت الفجوة سحيقة بين ما يتعلمه الطلاب في المدارس وتصرفاتهم في شتي نواحي الحياة اليومية، وهذا أمر لا يمكن أن يستمر في عصر العلم والتكنولوجيا الذي أصبح كل مواطن يعيش فيه في حاجة ماسه إلي قدر من العلم وطرق التفكير لكي يعايش المتغيرات السريعة التي تحدث كل يوم.
ولقد كشفت نتائج العديد من الدراسات التقويمية لواقع تعليم العلوم إلي أنه لا يزال يركز جل اهتمامه بإكساب الطلاب للمعرفة العلمية والتي تتسم في الغالب بصعوبة وجفاف محتواها، وغالباً ما لا ترتبط بحياتهم ومشكلاتهم الحقيقية حتى أصبحت هذه المعرفة هدفا أساسيا في حد ذاتها.
وقد ترتب على ذلك ظهور العديد من المشكلات التي تهدد تحقيق تعليم العلوم لأهدافه المنشودة، ولعل من أهم هذه المشكلات عزوف الطلاب عن دراسة العلوم حيث تتناقص أعداد الطلاب الدارسين للمواد العلمية وخاصة الفيزياء سنة بعد أخري، فقد أكدت نتائج عدد ليس قليل من هذه الدراسات أن كثيرا من الطلاب عازفون عن دراسة الفيزياء والرياضيات بدرجة تفوق عزوفهم عن دراسة الفروع الأخرى للعلم.

أنفاسالمتتبع للعملية التربوية بالمغرب يقف متعجبا أمام تركيبتها السريالية التي تجمع بين أرقى الطرق البيداغوجية في التدريس وأحدثها وبين التدني في الحصيلة التعليمية على مستوى المردودية والنتائج المخيبة والمحبطة، فأين الخلل إذن ؟
هل نحن في حاجة إلى المزيد من البرامج والمناهج ؟ فقد وصلنا حد التخمة بها، ومع ذلك لا نزال نشكو الضعف والهزال إلى حد الوهن والاحتضار. 
يكفي أن نلقي نظرة على عناوين المذكرات الوزارية التي تنهض بالعملية التعليمية التعلمية لنجدها في المضمون تصل إلى حد الانبهار والمثالية أحيانا ،وهذه حقيقة تؤكدها ترسانة من التوجيهات والتعليمات والمستجدات التربوية ويكذبها الواقع التعليمي التعلمي الذي وصل بنا التأسف عليه إلى حد الحنين إلى أيامه الخوالي التي عز فيها قلم الحبر الجاف وغاب فيها الدفتر والمقرر ولكن كان حاضرا المعلم والمربي القدوة الذي يتحدى النقص الحاد في التجهيزات والإكتظاظ الذي كان يصل إلى خمسين تلميذا في الفصل الواحد ويعطي ما لديه من معرفة بكل إخلاص وتفان ،وكلنا الآن يقف مستغربا أما تهافت الآباء والأجداد على اقتناء سلسلة "إقرأ" لأحمد بوكماخ كذكرى نسترجع بها أمجاد التعليم المغربي ،وهيبة المعلم الذي كان يتتبعنا حتى في الشارع والأزقة وما أن نصادفه حتى نهرع لتقبيل يده وفاء وتبجيلا ، فهو الأب وهو الأخ وكلنا كان يتمنى أن يكون معلما في المستقبل احتذاء بقيمه النبيلة وشرف رسالته السامية.فأين الخلل إذن؟ .
الأمور بدأت تتضح وتتضح أكثر عندما نتتبع مصير المذكرات الوزارية وما تتضمنه من توجيهات وتعليمات تذيل بوجوب التنفيذ والسهر على تطبيقها ولكن من ينفذها ومن يسهر على تطبيقها فكل من مركز مسؤوليته يتخلص من المذكرة ويكتب تقريرا يحصن به نفسه من المساءلة فأصبحت الاجتماعات واللقاءات التربوية تعقد بطريقة صورية مبتذلة وفقا للتوجيهات الرسمية ،وينتهي  مفعول المذكرة بانتهاء الاجتماع أو اللقاء. فمن يتتبع التنفيذ ويحاسب عليه ومن ينصت للآباء وهمومهم مع التعليم العمومي الذي أصبح كابوسا يقض مضجعهم وخاصة الذين لا حول ولا قوة لهم لتوجيه فلذاتهم إلى التعليم الخصوصي حتى ينعموا بتعليم مريح . فالتعليم الابتدائي العمومي الذي يعتبر أساس العملية التعليمية يعيش آخر أنفاسه وينقرض بالتدريج أمام اكتساح التعليم الخصوصي  وخاصة في الوسط الحضري ، فلننطلق من بيت الداء ونطرح السؤال لماذا التعليم الابتدائي الخصوصي يعطي نتائج طيبة وجيدة رغم انعدام التكوين التربوي عند أطره التعليمية وهزالة الأجور التي يتقاضونها مقارنة مع  المجهود المضني المبذول ؟ في حين نجد أطرا تربوية لها ما لها من الكفاءة التربوية والخبرة والتجربة بينما عطاءها لا يشرف أحدا ، وكم من المجهود الذي يبذله المعلم مع تلامذته في التعليم العمومي فتجده يشكو الإرهاق والإجهاد للتهرب من حصص الدعم  التطوعية.

أنفاس المقدمة
إلى زمن ليس بالبعيد، سيطرت على النشاط المدرسي نزعة الاختيار والانتقاء: فالمدرسون اقتنعوا بان عملهم لن يكون مثمرا إلا مع أقلية تكون منتقاة بدقة بواسطة مناخل مترادفة لبنى التعليم، على خلاف من ذلك كان شغلهم الأساسي هو تصنيف التلاميذ وترتيبهم داخل سلم متدرج( النقط المدرسية)ن وإقصاء الرديئين، والأغبياء، حتى يتمكن الموهوبون، والنبغاء والمتفوقون من التقدم ، والصعود إلى الهرم المدرسي.والحامل المفهومي لهذا الانتقاء، ومرجعيته ، منحنى الناقوس الشهير، والذي دخل مع بداية القرن من طرف ( غوص) Gauss في دراسة الفروق الفردية.
إن الأمر يتعلق بالفعل بتمثيل مبياني لقانون الصدفة، والذي من خلاله تجزأ خاصيات ما ساكنة تماثليا حول القيمة المركزية، حيث إنه ينتج دائما 70% من المتوسطين، و13% من الجيدين، و13% من الناقصين، بالإضافة إلى 2% من المتفوقين، و2%من المتأخرين.
حتى أدوات تشخيص القدرات الإنسانية كانت هي أيضا معيارية، خدمة لهذا النموذج التوزيعي، العادي. الشيء الذي يجعل تصنيف كل فرد ممكنا داخل صنف من الأصناف الخمسة التي حددها الجرس: المتفوقين- الجيدين- المتوسطين- الضعاف- المتأخرين( الضعاف جدا) .
هذا النموذج الإحصائي كان له تأثير مهم في جميع المجالات. ففي التربية كان هو مصدر ما أطلق عليه دولاندشير De landsheere( 1971) مقولة: << خطورة أسطورة منحنى غوص>>، والتي تضمن خلطا ما بين الأهداف الانتقائية لروائز المواقف، والأهداف التكوينية للتكوين والتعليم: << في قسمه المدرس يتبع هدفا مختلفا كليا، مثاله أليس أن يتعلم كل التلاميذ القراءة، والحساب، وبطريقة عامة، وان يتحكموا جيدا في كل المعارف التي تقرر بأنها أساسية، أو ضرورية من طرف المجتمع. فالتعليم ليس هو الانتقاء. بالعكس هو إجهاد النفس كي ينجح الكل. فهو إذن محاربة منحنى غوص الذي اتخذ كنموذج للانتقاء>>( دولاندشير، 1971، ص: 211).
صحيح أن الأبحاث التجريبية أكدت التوزيع والتجزيء القار للمواقف الإنسانية على شكل هذا المنحنى الذي يشبه الجرس.
هذه الثبوتات كان لها تأثير هام جدا. إلى حد أنها فرضت استراتيجية التعليم: فكل اهتمام المدرسين تركز على الثلث1/3 من القادرين، تاركين1/3 الضعاف يتدبرون أمرهم، وإقصاء 1/3 العاجزين.
وكما سطر ذلك بلومBloom (1971، ص:47) هذا الموقف هو الأصل في أهم << ضياع بيداغوجي للمدرسة المعاصرة>> : << المظهر الأكثر تضييعا، والأكثر تدميرا لنظامنا التربوي الحالي، هو موقف الانتظار المقابل لتطور التلاميذ. وهو موقف لكل مدرس في بداية موسم دراسي جديد أو دورة جديدة.

أنفاس المقدمة :
كان العرب الأوائل يتعلّمون اللغة على السليقة ، وكان منهم الخطباء والشعراء وأهل الأقوال المأثورة . وكان الشعراء منهم يقفون في سوق عكاظ ، يؤلفون في الحال ويلقون عشرات الأبيات من الشعر عن ظهر قلب ، وهم لا يعرفون القراءة والكتابة . وكانوا قد ألّفوا خير ما ألّفوا من قصائد شعرية في هذه الفترة العصيبة . ويكفيهم فخرا أن المعلّقات السبع ألّفت في هذه الفترة بالذات . فما احتاجوا إلى قواعد اللغة ، فالقواعد تضيّق النفوس والآفاق ، وهم أهل الصحراء الشاسعة . فلم يضيّقوا نفوسهم بهذه الشروط والقوانين والمحدّدات ، وما كان لهم أن يفعلوا ذلك ، وما وجدوا أنفسهم بحاجة إليها . وإذا ما أراد الحضّر منهم أن يعلّموا أولادهم فصيح اللغة أرسلوه إلى البادية ليتعلّم من أهلها أحسن الكلام وأفصحه وأبلغه . وكان نبيّنا محمّد (ص) بين من أرسل إلى البادية ، فتعلّم اللغة على خير وجه . وقد انعكس ذلك على أحاديثه وكانت قد سبكت خير سبك . وما هذه الأحاديث المسبوكة إلا خير دليل على فعّالية مثل هذه الطريقة من التعلّم .  
وبفضل نشر الإسلام إلى العالم احتكّ العرب بغيرهم من غير العرب . لقد دخل إلى الإسلام أول ما دخل من غير العرب العجم . ولأن العربيّة ليست لغة أمهات الأعاجم فقد لقوا صعوبة شديدة في تعلّمها . فأرادوا أن يحصروا كل ما يقال من فصيح اللغة بقوانين وقواعد محدّدة لأنهم أهل حضارة ساسانية سابقة . لم يكن للعرب عهد بهذه القوانين والقواعد التي ما فتأت تنتشر حتى أضحت لها مدارس مختلفة . وليس من غريب الأمور أن يكون فطاحل قواعد اللغة العربيّة من غير العرب .
لقد تغيّرت الأمور كثيرا نتيجة هذا الاختلاط بسبب الإسلام الذي ساوى بين العربي وغير العربي وجعلهم كأسنان المشط يشدّ بعضهم أزر البعض الآخر لقد اعتنقت الإسلام قوميات أخرى غير العجم . ولأن الإسلام دين المساواة فتزاوج المسلمون من قوميّات شتى ، وأضحى بمرور الأيام من غير العرب من هم أهل الحول والصول ونتيجة لهذا الاختلاط فقد لكن العرب كغير العرب . وهم يعيشون اللكنة اليوم كغيرهم من غير العرب . وظنّوا أنهم إنما يقوّمون ألسنتهم كغير العرب بقواعد اللغة . فخاب ظنّهم ، واصبح العرب كغير العرب ، وحتى أكثر لكنا من غيرهم في بعض الحالات . 
واليوم تعطي أهمية خاصة لتعلم قواعد اللغة في التربية والتعليم في كثير من الدول العربية . وفي واقع الحال إن تعلم قواعد اللغة صعب وخاصة بالنسبة للأطفال . والقواعد بحد ذاتها لا تعلم اللغة ، بل تعزف الأطفال عن التعلم . إنها تحدّد كل شئ بقوانين لا يجوز الخروج عليها البتّة . وأينما كانت القوانين كان الابتكار محدّدا إلى درجة كبيرة . كما يمكن تعلم اللغة بشكل صحيح بدون تعلم قواعد اللغة . ومثال ذلك أن الأطفال إنما يتعلّمون لغة الأم بدون أخذ دروس خاصّة في القواعد .

 أنفاسL’éducation Un trésor est caché dedans
قراءة وتلخيص العربي اسليماني مفتش التعليم الثانوي اسـا/الزاك
 مقـدمـة : يلعب التعليم دورا أساسيا في التنمية البشرية ؛ إنه ليس عصا سحرية لحل مشاكل الألفية الثالثة، ولكنه وسيلة فعالة للتفكير فيها بهدوء وحصافة .
ففي سياق العولمة وشدة المنافسة، و الزحف الكاسح للمعارف والتكنولوجيا ، تقدم اللجنة الدولية المعنية بالتربية للقرن الحادي والعشرين ، برئاسة جاك ديلور ، تقريراً ، ترى فيه أن التربية الوظيفية واللازمة ينبغي أن تقوم على أربع دعامات أساسية ، كما ينبغي أن تتخلى عن الجانب الكمي للمعرفة ، وأن تخلق أنظمة سلسة ، تتميز بتنوع المسالك التعليمية، والربط بين مختلف الأسلاك : من الأساسي إلى الجامعة . وكل ذلك مرهون بتوفير الوسائل الديداكتيكية الكافية ، وتحسين وضعية المدرسين ، وإشراك جميع الأطراف المعنية في صياغة السياسات التعليمية ، وتجاوز ثنائيات القرن المتعددة ، بما فيها التوتر بين المحلي والعالمي ، بين التقليد والحداثة ، وبين الاستبداد والديمقراطية . 
الفصل الأول  : من المجتمع المحلي إلى المجتمع العالمي
أثارت اللجنة إشكالية النمو الديمغرافي وما يترتب عنه من حاجيات، ثم تحدثت عن عولمة الأنشطة البشرية و إعادة رسم خريطة العالم الاقتصادية بالنظر إلى العولمة التي أفرزت تكون شبكات علمية وتكنولوجية وإعلامية تربط مختلف مراكز البحث والإنتاج. لقد كان للتكنولوجية الحديثة أثر كبير على الإنسانية التي وجدت نفسها مضطرة لمواكبة المعارف المتدفقة واتخاذ مواقف مشتركة إزاء الهجرة والمشكلات البيئية واللغوية والتعليمية .(ص 39-40 –43  و194-195).
إن عالم ما بعد 1989(انهيار الاتحاد السوفياتي) عالم متعدد المخاطر، رغم ما تحقق من مكاسب حداثية وديمقراطية. فلا يزال التوتر قائما بين المحلي والعالمي، كما أن تزايد الارتباطات العالمية زاد في تعميق الهوة بين البلدان الغنية والبلدان الفقيرة، وبين الفئات المحرومة والفئات الميسورة داخل المجتمع الواحد .
في خضم هذه التحولات وجدت المجتمعات النامية نفسها بين الانخراط في الحداثة والعولمة ، والارتكان إلى الجذور والهوية المحلية.
لذلك ، ترى اللجنة أن من مسؤوليات التربية أن تجعل الفرد والمجتمع قادرين على فهم العالم، وبالتالي فهم الآخرين ، وكذلك الفهم الحقيقي للأحداث والوقائع دون الانغماس في الذاتية .(ص85)
- فهم هذا العالم، من خلال فهم الروابط التي تجمع بين الكائن البشري ومحيطه:

  أنفاس لايمكن الحديث عن الطفرة النوعية التي تعرفها مناهج التعليم ببلادنا دون الحديث عن بيداغوجيا الكفايات التي تعد جوهر هذه الطفرة , و ملمحا أساسيا من ملامح إصلاح نظام التربية و التكوين . هذه البيداغوجيا التي شكلت قطيعة مع النزعة التقليدية السلطوية المهيمنة على الفعل التربوي منذ عقود , وتجاوزا ذكيا  لبيداغوجيا التدريس بالأهداف المغرقة في نزعتها السلوكية .
و مكمن الجدة و المغايرة في هذه البيداغوجيا هو تفعيلها لفلسفة و مضامين الميثاق الوطني للتربية و التكوين , و المتمثلة أساسا في :" جعل المتعلم بوجه عام , و الطفل على الأخص , في قلب الاهتمام و التفكير و الفعل خلال العملية التربوية التكوينية ..."(1) , و ذلك بتبني " نهج تربوي نشيط , يجاوز التلقي السلبي و العمل الفردي إلى التعلم الذاتي , و القدرة على الحوار و المشاركة في الاجتهاد الجماعي"(2) .
إلا أن ترسانة الصيغ و المقاربات البيداغوجية لا تكفي وحدها لتفعيل و أجرأة هذه المضامين ما لم تصاحبها قراءة رصينة لشخصية الطفل بكل أبعادها الحركية و النفسية و الاجتماعية , و القدرة على توجيه إمكاناته و قدراته و ميولاته التلقائية بشكل يخدم مسار تعلمه.               
المــحــــــــــــور الاول : اللـعــب
تقول الدكتورة سوزانا ميلر أخصائية علم نفس الطفل" لقد ظلت كلمة "لعب" زمنا طويلا تعبيرا يشبه سلة المهملات اللغوية التي نلقي فيها بكل سلوك اختياري , و لكن لا يبدو له أي استعمال واضح من الناحية البيولوجية أو الاجتماعية"(3) .
و بالفعل فإن العديد من الآباء و الأمهات بل حتى المربين يخفقون في فهم ماهية اللعب و ضرورته الحيوية بالنسبة للطفل, إذ يعدونه سلوكا فارغا من أي محتوى وظيفي , و عائقا أمام التحصيل الدراسي , و قد غاب عنهم أنه أول بوابة يلجها الطفل لاكتشاف نفسه أولا , ثم استكشاف العالم.
إنه موقف يبدو غريبا إذا قورن بلحظة الاعتراف بالقيمة العملية للعب, والتي ترجع إلى زمن أفلاطون و أرسطو, حيث نادى الأول في كتابه " القوانين" بتوزيع تفاحات على الأطفال لمساعدتهم على تعلم الحساب, و منح  أدوات بناء مصغرة لمن يتوقع أن يكونوا بنائين في المستقبل, بينما دعا الثاني إلى تشجيع الأطفال على اللعب بما سيكون عليهم أن يفعلوه بشكل جدي حين يصيرواراشدين  .

أنفاس 1 - تقديم :
تعتبر المدرسة الوسيلة التي اصطنعها المجتمع بجانب الأسرة  لنقل الحضارة ونشر الثقافة وتوجيه الأبناء الوجهة الاجتماعية الصحيحة كي يكتسبوا من العادات الفكرية والعاطفية والاجتماعية التي لا تساعدهم فحسب على التكيف الصحيح في المجتمع بل كذلك على التقدم بهذا المجتمع، فالمدرسة والأسرة هما إذن  المؤسستان التي اصطنعها المجتمع للإشراف على العملية الاجتماعية.ولهذا فهما الوسيلتان التي من خلالهما يمرر الإنسان لأجيال المستقبل تجربته الماضية ثم مخططاته ومشروعاته المستقبلية والتي تدخل بشكل عام ضمن ما يسمى بالبرامج التربوية ، بشكل ضمني كما هو الشأن في كل أسرة ، أو بشكل مهيكل ومنظم كما في المدرسة ... لكن استقلال المؤسستين واختلاف طبيعتهما على مستوى التركيبة وكذلك الإمكانات ثم التسيير والتدبير ، جعلهما ( وفي نظر الكثير) يختلفان ولا يتعاونان بشكل مستمر لتحقيق الهدف الفعلي لكل واحدة منهما والذي هو في الأصل هدف مشترك . ولأن المجتمعات تختلف في تراثها الاجتماعي ونظمها السياسية والاقتصادية تبعا لاختلاف مناهجها الفسلفية العامة ورؤيتها للإنسان والحياة بصفة عامة، ولكل أفراد المجتمع رغبة أكيدة في الحفاظ على كيان مجتمع بما فيه من قيم وأساليب معيشة وهي القيم المستمدة من خبرتهم عن الأجيال وحياتهم الاجتماعية لذلك فهو يرى بقاءها واستمرارها من أجل بقاءه.
  فالمدرسة والأسرة تعتبران المؤسستان التربويتان الأكثر أهمية بين بقية المؤسسات الأخرى، نظرا لدورهما الفعال في العمل الهادف والمنظم تبعا لأهداف المجتمع وفلسفته ككل. إذن فما هو هذا الدور ؟ وهل يمكن أن تكون هناك تربية صحيحة بدون مدارس ؟ وماهو دور الأسرة ؟ وما علاقة المدرسة بالأسرة ؟ وكيف تساهم كل من المدرسة والأسرة في تنمية المجتمع ؟ وفي التنشئة الاجتماعية للأفراد ؟ 
2 -   مفهوم المدرسة  :
يرجع أصل لفظ المدرسة école إلى الأصل اليوناني schole والذي يقصد به وقت الفراغ الذي يقضيه الناس مع زملائهم أو لتثقيف الذهن[1]. فتطور هذا اللفظ بعد ذلك ليشير إلى التكوين الذي يعطى في شكل جماعي مؤسسي ، أو إلى المكان الذي يتم فيه التعليم ، ليصبح لفظ المدرسة يفيد حاليا تلك المؤسسة الاجتماعية التي توكل إليها مهمة التربية الحسية والفكرية والأخلاقية للأطفال والمراهقين في شكل يطابق متطلبات المكان والزمان...

Hkthsيفيد علم النفس التربوي في بحوثه من التقاطع بين علم نفس النمو وعلم النفس العرفاني. ومبحث التعلم إذ ينصرف إلى الاهتمام بالمتعلم، إنما ينطلق من أمرين اثنين يعتبرهما حجر الزاوية ومدار الاهتمام، هما: النمو من جهة وسيرورة الإدراك من جهة ثانية.
إن النمو عبارة عن عملية تكامل في التغيرات الفيزيولوجية والنفسية، تهدف إلى تحسين قدرة الفرد على التحكم في البيئة، وهي عملية منظمة تسير وفق أسس، وتتقدم بناء على قواعد يمكن التعرف عليها ودراستها. والمعرفة بهذه المبادئ ضرورية من أجل أن يفهم المدرس المتعلمين. إذ عليه أن يدرك العملية التي تتفتح خلالها إمكانات الفرد الكامنة وتظهر في شكل قدرات ومهارات، وصفات وخصائص شخصية.
يعنى علم نفس النمو بمختلف المراحل التي يمر بها الإنسان من البداية إلى النهاية، وهذه المراحل المتتابعة إنما تمثل حلقات متصلة يمر فيها الإنسان من النقصان إلى الاكتمال، ثم ينحدر به العمر حتى لا يعلم من بعد علم شيئا. ودراستها إنما تساعد المربي في معرفة خصائص الأطفال والمراهقين و تَبَيُّـن العوامل التي تؤثر في نموهم و سلوكهم. فمتى عرف طريق توافقهم في الحياة توصل إلى بناء المناهج وطرق التدريس وتمكن من إعداد الوسائل المُعينة في العملية التربوية. وإذا فهم الوظائف والأنشطة المعرفية وجد ما يساعده على تعيين أفضل طرق التربية والتعليم التي تناسب المرحلة ومستوى النضج.
سنهتم من الأمر بمرحلة المراهقة وننظر في مستويين منها، هما: المستوى العرفاني والمستوى الوجداني، ونحاول أن نتبين دور كل مستوى منهما في تنمية المستوى الآخر وتأثيره عليه، على ما بين المستويين من تداخل قد يمتنع معه الفصل، إلا استجابة للاقتضاء المنهجي .
تستمد المراهقة قيمتها من كونها تمثل المرحلة الفاصلة الواصلة بين مرحلتي الطفولة والنضج. وتتميز هذه المرحلة بجملة من الخصائص المتعالقة، يعنينا منها الجانبان الوجداني والعرفاني.
لما كانت الأهداف مدخلا مناسبا للنظر في العملية التعليمية باعتبارها فعلا استراتيجيا يستهدف إعداد المتعلمين معرفيا ووجدانيا ونفسيا حركيا، فإننا سننظر في المسألة من جهة ما له صلــة بالأهداف التعليمية بقسميها العرفاني والوجداني.

اأنفاستدور الرواية التربوية حول شاب صغير السن يريد أن يستوضح نفسه، ويطلع على العالم، ويجمع خبرات أولية بالواقع. إنها تناقش جدال شخصية مع ميادين مختلفة للواقعة، وتؤكد التوتر بين الشخص والعالم، وبين المثال الأعلى والوجود الواقعي، وتظهر من هناك نقاط اتصال بالسيرة الذاتية ورواية المجتمع والعصر.‏
ويستخدم البحث إلى جانب مفهوم الرواية التربوية مفهوم رواية النمو. ويعد بعض الباحثين مصطلح رواية النمو على أنه مفهوم أعلى وأشمل، ويتبنون في الرواية التربوية الطابع المميز للقرن الثامن عشر، وبعضهم الآخر يستعمل المفهومين استعمالاً مترادفاً. ويتعلق الأمر في الرواية التربوية بتعليم البطل أو القارئ، وهي تصف التعليم سواء أكان هدفاً، أي نقطة نهاية التطور والنمو، أم كان طريقاً في هذا الاتجاه.‏
ويعود مفهوم الرواية التربوية إلى كارل مورغنشتيرن الذي عرضه في محاضراته في مدينة دوربات في الأعوام 1810 و1919 و1920 على النحو الآتي: تصف الرواية التربوية تعليم الأبطال حتى مستوى محدود من الكمال، إنها تشجع تعليم القارئ وتعرض تعليم مؤلفها وخبرته بالعالم. (انظر مارتيني) ويصف مورغنشتيرن رواية غوته (1) (فيلهلم مايستر) بأنها مثال بارز على هذا النوع الأدبي. إن صياغة مورغنشتيرن لهذا المفهوم لم تسترع إلا انتباهاً قليلاً في بداية الأمر فقد فرض تحديد ديلثي الجديد المصطلح أولاً. ذلك أن ديلثي أطلق في عمله (حياة صانع النقاب، المجلد الأول، 1870) على مثل هذه الروايات اسم الروايات التربوية التي تنتمي إلى موروث فيلهلم مايستر، ويفصّل الكلام في (مقالة هولدرلين) (2) في مجلد تحت عنوان (التجربة والشعر، 1910) بأن الروايات التربوية تصور إنساناً صغير السن يبدأ الحياة، ويلاقي الصداقة والحب، ويقع في نزاعات مع الوجود الواقعي، ويجمع تجارب الحياة، ويجد نفسه ومهمته في العالم. وتصوغ الروايات التربوية حسب رأيه الانعزالية لإحدى الثقافات التي تحددت في الحياة الخاصة، وهي تظهر صراع المثل العليا مع عالم قديم. إنها تصور التطور الحتمي لأحد الأفراد في تناقضات تبدو بمظهر مرحلة مرور للنضج والانسجام. وترى سعادة الناس في تفتح الشخصية وانطلاقها. لقد ردّت تأملات ديلثي خواص الرواية التربوية إلى إدراك علم الأدب، ثم ما لبثت أن ظهرت الرواية التربوية للنقاد على أنها الشكل الروائي الألماني المميز، ورواية الشعراء والمفكرين.‏<وp>ا/div>

أنفاسلتقديم فكرة عن التعدد الجهوي والاجتماعي الموجود في مغرب نهاية القرن XVII، يورد اليوسي، في محاضراته، قول قصاص شعبي يحاول وصف هذا التعدد انطلاقا من العادات الغذائية الخاصة بكل مجموعة، على النحو التالي: "ودخلت في أعوام الستين وألف مدينة مراكش عند رحلتي في طلب العلم وأنا إذ ذاك صغير السن، فخرجت يوما إلى الرحبة أنظر إلى المداحين، فوقفت على رجل مسن عليه حلقة عظيمة، وإذا هو مشتغل بحكاية الأمور المضحكة للناس. فكان أول ما قرع سمعي منه أن قال: اجتماع الفاسي والمراكشي والعربي والبربري والدراوي، فقالوا: تعالوا فليذكر كل منا ما يشتهي من الطعام، ثم ذكر ما تمناه كل واحد بلغة بلده، وما يناسب بلده، ولا أدري أكان ذلك في الوجود أم شيء قدره، وهو كذلك يكون، وحاصله أن الفاسي تمنى مرق الحمام، ولا يبغي الزحام، والمراكشي تمنى الخالص واللحم الغنمي، والعربي تمنى البركوكش بالحليب والزبد، والبربري تمنى عصيدة أنلي وهو صنف من الذرة بالزيت، والدراوي تمنى تمر الفقوس في تجمادرت وهو موضع بدرعة يكون فيه تمر فاخر، مع حريرة أمه زهراء، وحاصله تمر جيد وحريرة"(1).
قد يتساءل القارئ: أهي مجرد محاولة لتصنيف الأشخاص المذكورين؟ أم هي طريقة خاصة بعلامة القرن XVII الكبير في تقديم الشاهد على حكمة ثبات نظام على نحو ما أراده له الله؟ سيما وأنه يضيف: "ولو عرضت هذه الحريرة على العربي لم يشربها إلا من فاقة، إذ لا يعتادها مع الاختيار، ولو عرضت العصيدة على الفاسي لارتعدت فرائصه من رؤيتها، وهكذا"(2).
مضى وقت طويل على هذا الوصف، غير أن مسألة التراتب الاجتماعي والفروق الطبقية لا زالت قائمة. مع استثناء واحد تقريبا لم يعد مدار الأمر غذاء أرضيا فحسب، بل تجاوزه هذه المرة إلى طعان من نوع آخر، إنه غذاء الفكر(3)… بتعبير آخر، بعد مضي ثلاثة قرون على اليوسي، نحن اليوم إزاء إرادة لإعادة تأهيل بيداغوجي للتراتبات الاجتماعية والجهوية والثقافية. ذلك أن بعضهم ينادي اليوم، عن طيب خاطر، بإخضاع الطفل لتكييف بيداغوجي صارم مع محيطه المباشر. ومع أن الفكرة بالية ومهملة، سخيفة وسيئة النوايا، فهي تمرر باعتبارها صيغة بيداغوجية إعجازية جديدة اكتشفها أخيرا عبقري قلما تجود بمثله السنون. هكذا، تبشرنا النبوءة، مرفوقة بدقات الطبول، بأن هذه الصيغة وحدها هي ما سيتيح للمدرسة أن تخرج من المأزق الذي تقوقعت فيه منذ وقت طويل وتنطلق، بالتالي، كي تستجيب أخيرا لتطلعات سائر "المجموعات" المدرسية.