إلى الميلودي بنحليمة..ودردشات القراءة في "الزاوية".
في أحد أحياء دمشق، جلس بدرالدين بن جماعة ليخط حصيلة سنوات من التدريس والخطابة، في مدارس الشام، ومصر، وفلسطين. ويقدم بدوره ثمرة فكره التربوي في نسق موحد وكلي، تتآلف عناصره لتحدد تصورا تربويا، يهدف إلى بناء الإنسان السليم الذي تنهض على أكتافه أمة قوية.
لكن ما لفت الانتباه في كتابه" تذكرة السامع والمتكلم في أدب العالم والمتعلم" هو تخصيص فصل لما سماه ب " آلة تحصيل العلم"، أو "ما يؤنس من الجماد" كما وصفه أحد تلامذته. يحمل الفصل عنوان" في الأدب مع الكتب"، وهي إشارة دالة إلى أن الغاية ليست فقط وضع توجيهات وإرشادات، وإنما تنمية مشاعر وميول قرائية، بأسلوب يمزج الفكرة بالعاطفة، ويرتب لعلاقة إمتاع ومؤانسة بين الطرفين.
يضم الفصل أحد عشر توجيها، ما بين تحديد لأصول شراء الكتاب واستنساخه وإعارته؛ وصولا إلى ما يقتضيه متن الكتابة، من عناية بأدواتها، وتحسين الخط ليُنتفع به عند الكبَر؛ ثم تعظيم اسم الجلالة ولفظ النبوة جريا على عادة السلف. ويظل توجيهه بشأن حضور الكتاب والمكتبة في بيت المتعلم شاهدا على البعد الوجداني الذي يعد اليوم حلقة مفقودة في جل المبادرات الرامية إلى تحسين علاقة الطفل بالكتاب. يقول ابن جماعة:

    حينما تريد أن تستمع لحديث عن التربية "فلا ينبئك مثل خبير". فلحديث المربي عن التربية وقع خاص لا نلمسه عند " عالم التربية " مثلا. وانظر إذا ما كان المربّي فيلسوفا، فما عساه يكون الحديث، حينما يجتمع التأمّل الرصين بثقل التجربة؟ كثير من الفلاسفة امتهنوا التربية وكانوا فلاسفة- مدرّسين. أفلاطون ومن بعده أرسطو وغيرهما كثير كانط وهيجل وآلان... حتى بلغنا اليوم "عصر الفيلسوف الموظّف" بعبارة مارلوبنتي، الفيلسوف مدرّسا في الجامعة. وكثير من الفلاسفة أيضا من امتنع عن التدريس ( ديكارت وسبينوزا وآخرون). وإذا كان لبعض الفلاسفة، ممن اختار أن يقرن اشتغاله بالفلسفة بممارسة التدريس، شأنه العظيم كفيلسوف أكثر من شأنه مدرسا، مثل هيجل الذي لم يفهم تلاميذه دروسه جيدا فاضطر إلى كتابة "موسوعة العلوم الفلسفية" لييسّر على طلابه فهم أفكاره. وكان كانط المدرس أقلّ شأنا من كانط الفيسلوف، فإنّ لآخرين من هؤلاء الفلاسفة المدرسين من شاع صيته كمدرس وملأ الدنيا وشغل الناس بدروسه ربّما أكثر ممّا بلغته كتاباته الفلسفية على الرغم من كثرتها. ومن هؤلاء بالتأكيد الفيلسوف – المدرس أو المعلّم – الفيلسوف "إيميل شارتييه"، المعروف بكنية "آلان"، فيلسوف فرنسي ((1951-1868 تحدّث عن التربية والتعليم شأن غيره من الفلاسفة، غير أنّ لحديثه عنها مذاق خاص وأثر على النفس لا مثيل له. فبخلاف الفلاسفة الذين تحدثوا عن التربية وقدموا نظريات بشأنها، والذين قلما ربطوا هذه النظريات بتراكم خبري حصّلوه، نجد آلان لايفوّت فرصة الحديث عن مسائل التربية ومشكلاتها إلا وأحال إلى تجربته الخاصّة كمدرّس بل أحيانا كتلميذ لا رغبة في الإقناع فحسب، بل لقناعة خاصّة أدركها باشتغاله بالتدريس وانتباهه الحادّ إلى هذه الممارسة منذ كان تلميذا على مقاعد الدراسة كما يقول. نلمس هذا في أهمّ ما كتب  آلان عن التربية، أعني كتابه المميّز شكلا ومضمونا " أقوال في التربية"(1)، كتابا ربما لا يقرأ كثيرا ولا يذكر إلا لماما بيد أنّه من أهمّ ما كتب عن التربية . أقول كتابا مميزا شكلا، وأعني في طريقة كتابته، على طريقة أقوال، نصوص أو مقالات تبدو في ظاهرها منفصلة ولكنّها مترابطة تحكمها فكرة ناظمة؛ طريقة في كتابة النص الفلسفي ميزت "آلان" إلى جانب أسلوبه في الكتابة "أسلوب الإيجاز والصياغة الواضحة "، فضلا عن طرافة وفرادة في الأفكار جمعت بين العمق والوضوح.

 "إن غياب الخيال المبكر، وليس وجوده، هو الدال على المرض" د. شاكر عبد الحميد
حتى حدود القرن الثامن عشر، لم يكن الخيال يتمتع بسمعة جيدة، رغم أن أولى استخدامات المقابل اللاتيني imaginatio تعود إلى الفيلسوف أوغسطين، وكانت تشير إلى الصور المتوهمة للأشياء في العقل.
وفي القرن السابع عشر أبدى فلاسفة ك "هوبز" و"سبينوزا"، موقفا مرتابا إزاء الخيال، فتم ربطه بالهلاوس، وأحلام اليقظة. ومنهم من اعتبره نشاطا مراوغا، يسير في الاتجاه المضاد للتفكير المنطقي، أو في أحسن الأحوال وسيطا بين التفكير والإدراك الحسي. لكن كان هناك ما يشبه الإقرار بأهميته بالنسبة للبحث العلمي، من حيث صياغة الفرضيات، وتأسيس نماذج وبنى عقلية، تفتح آفاقا جديدة في مختلف فروع المعرفة الإنسانية.
يقول عالم النفس الروسي ليو فيجوتسكي: "إن الخيال هو الذي جعل منا بشرا". والمقولة تنطوي على رؤية متفائلة، تجعل من الخيال موجها لخبراتنا بالعالم وليس العكس. من هذا المنظور تصبح مظاهر وتجليات الخيال في الطفولة مدخلا لفهم وظائفه وإمكاناته، ورصد ما يعكسه العالم الخيالي للطفل من توترات، وإحباطات، ورغبات.
يربط فيجوتسكي ظهور الخيال بما يسميه الفجوة المثيرة بين رغبات الطفل والإشباعات المتحققة. لذا يلجأ إلى عالم الخيال للتنفيس عن إحباطاته. وتدريجيا يؤسس داخله بدائل تحرره من قيود الواقع. ويشكل اللعب الخيالي بموضوعاته وملحقاته، نموذجا حيا لقدرة الطفل التخيلية. وما نعنيه بالملحقات هي الأشياء التي يضفي عليها الطفل دلالة رمزية لا توجد في عالم الكبار، بحسب تعبير كاندال والتون، كالعصا التي تصبح فرسا، وقطع الأحجار الصغيرة التي يستخدمها الطفل بدائل للنقود في ألعاب البيع والشراء.

يرى العلامة ابن خلدون (1332-1406) أن الاجتماع الإنساني ضروري باعتبار الإنسان " كائناً اجتماعياً مدنياً بطبعه ". أي أنه يعيش ويقضي معظم وقته في تجمعات بشرية، يؤثر فيها ويتأثر بها، ويتحدد سلوكه الاجتماعي بناءً على الأنماط والمعايير والقيم التربوية، والثقافية، والاجتماعية، التي تلقاها في  مراحل حياته المختلفة بوصفه عضواً فاعلاً ومنفعلاً في التجمع الإنساني.

تعود الأبحاث الأولى حول علم الاجتماع التربوي إلى أواخر القرن التاسع عشر للميلاد، التي عمل على وضعها مجموعة من الفلاسفة، وعلماء الاجتماع من أشهرهم عالم الاجتماع الفرنسي اميل دوركايم (1858-1917) الذي قام بوضع مجموعة من المؤلفات حول علاقة علم الاجتماع بالتربية، حيث شكلت أعماله السوسيولوجية على مستوى المنهج والنظرية والممارسة الأكاديمية، المخاض الأول لولادة السوسيولوجية التربوية. وتعد المحاضرات الأولى التي ألقاها دوركايم في السوربون والتي بدأت عام 1902 بمثابة اللحظات الأولى التي بدأ فيها علم الاجتماع التربوي يأخذ صيغته ومنحاه. وفي سياق متصل ينظر النقاد  إلى عالم الاجتماع الألماني ماكس فيبر (1864-1920) بوصفه أحد رواد النظرية السوسيولوجية في مجال التربية، ومع أن فيبر لم يكرس لاجتماعيات التربية عملاً متخصصاً، إلا أنه يمكننا العثور على نسق من أفكاره التربوية في كتابه " الاقتصاد والمجتمع "، ولا سيما عندما يتعرض لمسألة العلاقة بين الأنماط المثالية للسلطة والأنماط المثالية للتربية. وفي عام 1962 صدر أول كتاب بعنوان "علم الاجتماع التربوي" للمؤلف بيير جاكارد   Pierre Jaccard يحتوي على أفكار علماء الاجتماع السابقين، وعلى مجموعة من الدراسات المستحدثة التي اعتمدت على تطوير الدراسات السابقة في مجال علم الاجتماع التربوي، والتي أدت إلى صدور العديد من الكتب والمؤلفات حول علم الاجتماع التربوي بين عامي 1971- 1974.

يعتمد التعليم بشكل شبه مطلق على اللغة من إشارات وأصوات وألفاظ، والتي يستعملها الإنسان كأداة للتواصل وإخراج ما يدور في صدره وعقله إلى الآخر. وهي مقترنة غالبا بصوت الإنسان المعبر عنه بالكلام. ولهذه الغاية ولتواصل مكتمل الأركان( المرسل، المرسل إليه، القناة) والشروط (الوضوح، الأسلوب والصياغة، الاستعداد..)، يجب أن يكون المرسل والمرسل إليه المشكلان طرفي الخطاب على دراية بها أي: محيطان برموزها وإيحاءاتها ودلالات منطوقها وبالمعاني التي تتحرك في تركيب كلماتها. وكلما اختل أحد الأركان أو نقص أحد الشروط كلما اختلت ونقصت فاعلية التواصل وفعاليته، وتذبذب المعنى، وتلقى المتلقي غير ما أرسل المرسل. وتختل بالتالي أهداف الوظيفة التواصلية الإعلامية التي تعد من بين أهم وظائف اللغة.
كما أن للغة وظائف خمسة أخرى زيادة على وظيفتها التواصلية الإعلامية السابق ذكرها، والتي حددها رومان جاكوبسون Jakobson .R. فمنها الوظيفة الكشفية التي تجعل من اللغة أداة للفهم والتحليل والتعلم والاستكشاف. ومنها أيضا الوظيفة الشعرية والجمالية. والوظيفة الرمزية والتمثلية التي تنفي الواقع القبلي وتجعله بناء شخصيا واجتماعيا، وبالتالي تجعل اللغة قادرة على صياغة التمثلات وبناء التصور وإدراك العالم. ونجد للغة دورا آخر لا يقل أهمية عما سبق، ويتجلى في وظيفتها الاجتماعية، الإدماجية والهوياتية، فاللغة تمكن من الاندماج في جماعة أو في مجموعة اجتماعية أو في مجتمع وأمة. أما الخامسة فهي الوظيفة الميتالغوية التي تتحدث فيها اللغة عن نفسها.

توجد فوارق في قدرات الأطفال على الحس بالمسؤولية اتجاه مراقبة المحيط وإدراكه ، أي القدرة على الانتباه إلى المحيط وفهمه والفعل فيه . وترتبط هذه الفوارق بداية بإدراك الأطفال وتقييماتهم لهذا المحيط، حيث إن من يعتبره قابلا للتغيير ليس كمن يعتبره ثابتا ولا يمكن تغييره. ويبدو أن الانتماء السوسيو- ثقافي للأسرة يقف ، في جانب هام منه ، وراء هذا التباين، ذلك أن الأطفال المنحدرين من أوساط اجتماعية ميسورة يفترضون إمكانية الفعل في المحيط وتغييره من خلال الجهد. غير أن الأطفال الفقراء عكس ذلك لا يضعون هذه الفرضية نظرا لإشاعة القدرية في أوساطهم.

جزء من مداخلة المفتش العام للشؤون التربوية بوزارة التربية الوطنية في الورشة التفاعلية، عبر تقنية التناظر المرئي، والتي نظمتها الهيئة الوطنية للتقييم لدى المجلس الأعلى للتربية والتكوين لعرض التقرير الوطني حول نتائج التلاميذ المغاربة بالبرنامج الدولي PISA 2018 .
«...بالنسبة لي، إن مشاركتنا في المباريات الدولية لتقييم التحصيل الدراسي ستكون مفيدة إذا ما وضعنا على ضوئها موجّهات تقودنا إلى الطريق الجيدة...
و مشاركتنا في المباراة الدولية لتقييم التحصيل الدراسي لدى التلاميذ PISA2022 لا نتوقع منها مفاجآت كبيرة، عدا أنها ستخبرنا بالخسارة التي عرفتها التعلمات بسبب التعليم في ظل الجائحة كوفيد-19.
أقترح لاحقا، بالنسبة للدورات المقبلة من المباراة، وكمطلب خاص، أن يتم نشر التقارير في الأشهر الموالية للإعلان عن النتائج حتى تتمكن الوزارة من التدخل.. وتصحيح سياستها في تدبير القطاع واختلالاته ( ...)
منذ 2018 وحتى اليوم لم تعرف برامج الإعدادي أي تغيير، بالتالي لا ننتظر جديدا يختلف عن النتائج التي سبق لنا الحصول عليها .
من ملاحظاتي على تقرير الهيأة، أذكر الآتي:
في المدخل الأول، ارتفاع نسبة التكرار في نظامنا التربوي (وصفه التقرير بكون نظامنا غير مدمج) مع ذلك فقد تحقق خفض النسبة من 90 في المائة إلى 60 في المائة. السبب الرئيسي للفشل في الابتدائي هو تنوع ملامح التلاميذ في السنة الأولى ابتدائي ومدى استفادتهم من التعليم الأولي. العنصر الثاني هو وضعية أساتذة الابتدائي خاصة حينما يكون فارق السن كبيرا جدا بينهم وبين تلاميذهم الصغار
( ...)وخفض التكرار ليس حلا (سحريا) لتجويد التحصيل .

يرفض الفرد منذ طفولته الوصاية والإكراه والتلجيم، ويتحفز للمشاركة فقط حينما يتم احترام حاجاته وأصالته وطموحاته ..ينخرط بفعالية فقط حينما تمنح له حرية اختيار أسلوبه في التعامل ، أي كيف يكون ويتصرف ويفعل ويتفاعل...يتفاوض الطفل إذن ويتواصل دائما انطلاقا من دوافع ذاتية سيكولوجية عميقة..ولا يمكن أن يتحفز للفعل دون تعبئة هذه البواعث. هذا الأمر يجعلنا نثير أسئلة جوهرية: كيف يمكن إذن جعل التلميذ(ة) بمدارسنا يتعب ء ويتحرك من أجل ذاته ومن خلالها في علاقة بالتعلم؟ و كيف يمكن إيقاظ إرادته في التوق إلى النجاح وينخرط في إجراءات ذاتية واستراتيجية لرسم ملامح مصير مفكر فيه؟ ما الذي سيجعله ينتقل إلى معني وفاعل ومسؤول؟ إن الأمر يتعلق في نهاية الأمر بفهم كيفية خلق موقف محفز لدى التلميذ(ة) .

يهتم المدرسون غالبا بالجوانب المعرفية لدى التلميذ ومواقفه تجاه الدراسة، وقلما يهتمون بالجوانب العاطفية والعلائقية. في حين يولي التلميذ اهتماما للقيم الإنسانية والعلائقية لدى المدرس أكثر مما يهتم بإمكانياته البيداغوجية. ويبدو أن هذا الاختلاف في الاهتمامات بين طرفين رئيسين في العملية التربوية يقف وراء تقويض العلاقة التربوية في ممارساتنا التربوية والتي تنعكس سلبا على عطاء تلامذتنا وأساتذتنا على السواء.
حينما يهتم التلميذ أكثر بالجوانب العلائقية والإنسانية للمدرس، فإنه يحتاج إلى إشباع حاجات سيكولوجية ووجدانية التي تبدو أساسية لنموه، فهو يحتاج حسب "ماسلو" Maslowإلى إشباع حاجته إلى الاطمئنان والأمان، وحاجته إلى العطف والحب والانتماء، وحاجته إلى الاهتمام والتقدير والاستقلالية، والحاجة إلى تقدير الذات وتحيينها وتحقيقها. ولا يمكن إشباع هذه الحاجات إلا في فضاء تربوي يوفره مدرس قادر على نسج علاقات مع تلامذته مبنية على التقدير المتبادل والتفاهم والتواصل والانفتاح والتفاوض والتقبل المتبادل.

في زمن عولمة الثقافات والأفكار والسلوكات وتعدد قنوات التربية والتواصل والإعلام، أصبح الرهان على البعد القيمي في التربية والتعليم ضرورة حضارية وتربوية. باعتبار أن المدرسة من أهم مؤسسات التنشئة الاجتماعية. فهي تساهم في تعزيز الانتماء للوطن والحفاظ على الهوية مع الانفتاح على المبادئ الإنسانية الكونية، وترسيخ قيم المواطنة الإيجابية والفعالة التي تتجاوز معرفة القيم إلى تبنيها كسلوكات واستدماجها في مواقف واتجاهات بالمحيطين الأسري والمدرسي والفضاءات العامة.  وهو ما تدعو إليه كل المرجعيات التربوية المختلفة بالمغرب ومنها:

  • الميثاق الوطني للتربية والتكوين الذي رسم بشكل جلي في المرتكزات الثابتة لنظام التربية والتكوين السمات المميزة لشخصية المواطن المرغوب تكوينه، والمتمثلة في الاستقامة والاعتدال والتسامح والتشبع بحب الوطن، المشاركة الإيجابية في الشأن العام والخاص، والوعي بالحقوق والواجبات والتفاعل مع مقومات الهوية الوطنية، مع الانفتاح على معطيات الحضارة الإنسانية العصرية.[1]

بعد صدور تقرير اللجنة الخاصة حول النموذج التنموي الجديد، الذي شكل إطارا مرجعيا سيعطي نفسا جديدا للإقلاع التنموي بالمغرب، ومساهمة في النقاش العمومي الدائر حاليا حول تحليل مضامينه ومناقشة سيناريوهات التنمية التي جاء بها، أود أن أتقدم بملاحظات وبتساؤلات أولية حول موقع التربية في هذا النموذج، والأدوار الموكلة إليها خدمة للإقلاع التنموي المنشود. ويبقى هاجسنا الأساسي هو التعاطي مع التقرير من زاوية الحيز الذي خصصه للتربية، مستعينين بمقاربة تُثمن المنجز، وتطمح للتطوير عبر ممارسة القراءة النقدية البناءة. وفي ما يلي مجمل الملاحظات:
- نسجل ونُثمِّن وعي التقرير بأهمية ومحورية التربية والتكوين والبحث بالنسبة لأية نقلة تنموية نوعية في المغرب، واعترافه بمركزية التربية في المشروع التنموي المنشود ؛ وارتباطا بذلك يشترط التقرير أن تشهد المنظومة التربوية بدورها تغييرا جذريا لكي يتأتى لها القيام بالأدوار المنتظرة منها بنجاعة وفعالية. وفي هذا الصدد يقول التقرير في ص. 93 " فبدون تحول عميق للنظام التربوي لا يمكن بلوغ أي هدف من الأهداف التنموية للمغرب، على مستوى ازدهار المواطنين والتماسك الاجتماعي والنمو الاقتصادي والإدماج الترابي". لكن خطة التغيير التي اقترحها التقرير قد لا تساير ، في نظرنا، النوايا المعبر عنها، فهي لا تتناول معالجة الأعطاب المرتبطة بالاختيارات الكبرى في التعليم( العوائق الصلبة والبنيوية)، بقدر ما تكتفي بمعالجة قضايا تعتبر في حد ذاتها مظاهر للأزمة، وليست من أسبابها الحقيقية، كمسألة الثقة في المدرسة وجودة التعلمات وتكوين المدرسين...الخ