لماذا يستمر هذا العبث بالمدرسة؟ هل نسير إلى الهاوية بتعبير الفيلسوف الفرنسي إدغار موران؟ ما الحل؟ وكيف؟ ومتى؟ وكم؟ ولماذا يجب التدارك الآن وليس غدا؟ أليس من حق المغاربة أن يعيشوا في وطن حر حداثي قوي جميل مبدع يتساوى فيه الجميع، ويسعد فيه الجميع حقيقة لا مجازا؟ أما آن للوطن أن يتأصل ويتكلم لغته؟

 معلوم أن الأزمة التعليمية في المغرب لم تعد مجرد أزمة عادية عابرة، لقد استفحلت وتورمت لتصير طاعونا قاتلا. يشهد بذلك الجميع، الخبير العليم والجاهل الأمي، في الداخل والخارج، بالدراسات والتقارير والأرقام . الكل يندب حال المغرب في هذا القطاع الحيوي. لقد بلغ السيل الزبى، ونسير إلى الهاوية بخطى راسخة فيما يبدو. هذا ما يفصح عنه واقع الحال بدون مجاملة تحاول تغطية الشمس بالغربال. فلا تعويذات وتمائم السياسة قادرة على إشفاء بأوصاله الأسقام، ولا أراجيف التوهيم قادر على تسكين آلام شعب وإسكات أنينه، ولا مساحيق البلاغة تُواري إفلاس المنظومة بالتلطيف والمدح والمجاز والتورية، فقد نزع الغطاء عن سوءاتنا في القطاع، وأسفرت عن مجتمع يخبط خبط عشواء.

تقديم وإشكال
أصبح التدريس بالوضعيات – المشكلات أكثر انتشارا ضمن المنظومات التربوية العالمية، لا سيما وأن هذا النهج قد تم تبيه من طرف بعض المؤسسات الأكاديمية (كلية ماك ماستر للطب بكندا 1969/التكوين المهني...)، واستحسنه العديد من البيداغوجيين في إطار الأجرأة التدبيرية لمدخل المقاربة بالكفايات (البيداغوجيا النشيطة)، بهدف الارتقاء بتدريسية منهاج المواد الدراسية ومنها مادة الجغرافيا، وانتشالها من الرتابة الطولية والشكلانية الخطية نحو طرح الإشكالات المركبة والبحث عن الحلول الناجعة لها (الوظيفية)، انسجاما مع تكامل الوظيفيتين الأساس لمنهاج المادة (الوظيفتين التربوية والمجتمعية)، وتقاطعهما مع تكوين الناشئة المتعلمة (المواطنة الفاعلة)، مقدما العديد من الإيجابيات والمزايا التعلمية للمتعلمين...

ومن هنا أصبح من الضروري وضع المتعلِّم أمام وضعيات – مشاكل، فليس من الجائز تقديم الخلاصات والمعلومات الجاهزة عن القضايا الجغرافيَّة المدروسة للمتعلمين (بيداغوجيا الحلول الجاهزة)، ولكن عليهم البحث عن دلالات المعطيات والقضايا الجغرافية وفهمها، والتدرب على طرح التساؤلات وصياغة الفرضيات وتعزيز التعلُّم الذاتيِّ، وتطوير مهارات التفكير الإبداعي والاستقصاء، ومعالجة المشكلات باقتراح الحلول المناسبة لها، وتبني المواقف والقيم المجالية الإيجابية، والتفاعل المرن معها (بيداغوجيا حل المشكلات)...

تقديم
تعد منظومة القيم بمحتوياتها واتجاهاتها وميولها ركيزة من الركائز التي يقوم عليها العمل التربوي كهدف ووظيفة، وهي مكون رئيسي للبناء الثقافي للمجتمع، يعتبر نموذجا منظما للقيم في هذا المجتمع أو ذاك.
تؤدي منظومة القيم مجموعة من الوظائف على المستوى الاجتماعي، حيث تربط أجزاء الثقافة وتزود المتعلمين والمتعلمات بمعنى الحياة والهدف الذي يجمعهم ببعضهم البعض، كما أنها تمكنهم من القدرات الضرورية لأداء الالتزامات المختلفة لأدوارهم.

وقد أصبح لموضوع القيم راهنيته في المجتمع المغربي، وفي مناهج التربية والتكوين نتيجة للثورة التكنولوجية للإعلام والتواصل وما احدثته من تغيرات اقتصادية واجتماعية عالمية ومحلية وكذا عوامل التغيير الثقافي وما ترتب عنها من إعادة تشكيل كثير من معارفنا ومفاهيمنا عن الحياة، وإعادة النظر في معظم تصورات الإنسان عن ذاته، علاقاته وعالمه.

هل بإمكان المدرسة أن تصلح ما أفسده الفقر؟ إنه السؤال الملح الذي قاد الخبير التربوي إيريك جنسن إلى تسليط الضوء على إشكالية الفقر والتعليم من منظور علم النفس العصبي المعرفي، لرصد الآثار والتغييرات السلبية التي تطرأ على وظائف المخ في البيئات المحرومة.
يركز مضمون عمل جنسن على العلاقة بين التحصيل الأكاديمي و الضغوط الاجتماعية التي يتعرض لها الطفل في بيئة فقيرة؛ وذلك من خلال أطروحات ثلاث:
تنبني الأطروحة الأولى على حقيقة مفادها أن التعرض المستمر للفقر يُحدث تغييرات مدمرة في المخ، حيث تُسبب الخبرات المؤلمة في الطفولة خللا في الوظائف الاجتماعية و المعرفية، واضطرابا في السلوك، ناهيك عن التعرض للأمراض وخطر الموت المبكر في بعض الحالات.

ساد الاعتقاد منذ القرن التاسع عشر بأن السلوك الإنساني نتاج العوامل البيئية، فانحصر الأداء التعليمي في مكافأة التحصيل الجيد، ومعاقبة كل خمول أو تراخ أو انحراف، دون الاهتمام بدور الاستثارة الداخلية في تعزيز وتيرة التعلم.
غير أن نموذج الثواب والعقاب كشف عن تناقضات تهز المبدأ الجوهري للتربية. إذ لم يعد الإنجاز قيمة في حد ذاته، بل ارتبط بنظام المكافأة، أو ما يسميه إيريك جنسن: الرشوة التي نقدمها للتلاميذ!

خلال ستينيات القرن الماضي وجه الباحث والطبيب النفسي الأمريكي وليام غلاسر أنظار التربويين إلى دور الحاجات السيكولوجية الداخلية في تفعيل الرغبة للتعلم، من منطلق إيمانه بأن السلوك البشري هادف، وينبع من أعماق الفرد لا من قوى خارجية. إننا مدفوعون من الداخل إلى الخارج، يقول غلاسر، وليس العكس. وهكذا شكلت نظريته في العلاج الواقعي تحديا للمنظور الحتمي حول الطبيعة البشرية، بمعنى: مادام الفرد قادرا على بذل مجهود ذاتي فسيتمكن من إحداث التغيير، وإعادة تشكيل بيئته بما يتناسب مع تصوراته.

" لا ريب في أن أي تواصل لغوي لا يتحقق بين الناس إلا بالمفاهيم، إذ هي جوهر اللغة الطبيعية العادية، ولب اللغة العلمية الاصطناعية، المفاهيم هي ما يجعل الإنسان يفرق بين شيء وشيء وكائن وكائن وكيان وكيان. "
 
- محمد مفتاح : المفاهيم معالم، المركز الثقافي العربي، بيروت، الدار البيضاء، ط1 ، ص 6.
على سبيل التقديم :

يعد الكتاب المدرسي من أهم الظواهر السوسيو تربوية التي أفرزتها الأنظمة التربوية الحديثة ، فقد اكتسب خلال مراحل تطوره سلطات اختلفت باختلاف أهدافه ووظائفه ، وبالنسبة للنظام التعليمي ببلادنا ، وفي ظل الظروف الحالية التي تعيشها المدرسة المغربية، يعتبر الكـــتاب المــدرسي العمود الفقري للمنهاج التربوي ، إذ يشكل المصدر الوحيد الذي يعكس مضامين المنهاج التعليمي ، ويترجم مستويات البنية التعليمية وتمفصلاتها ، لذلك يظل على المستوى التربوي الأداة التي تكتسب أكبر سلطة محركة للفعل التعليمي التعلمي ، كما يضطلع بوظائف مركزية هامة أمكن إجمالها فيما يلي[i]:

مـــدخــل:
 مفهوم " الثقافة " مفهوم إشكالي بامتياز، متعدد التعاريف حسب الحقول المعرفية و  الاستعمالات، موضوع رهانات وصراعات و حروب أيضا، ضارية وإن كانت غير مرئية، تشهد عليها أحوال المنهزمين فيها الذين يخرجون ب " مديونيات" حضارية ووجودية.
و لا يقل مفهوم " اللغة " استشكالا عن مفهوم " الثقافة " لارتباطه الوثيق به أولا، و لتعدد تعريفاته هو الآخر ثانيا، و لتعقد العلاقات و تشابكها بين اللغات ثالثا.
أما مفهوم " السياق التعليمي "، فبالرغم مما يوحي من" وضوح " و " بداهة "و " امتلاء "، فإنه قد يكون أكثر تعقيدا واستشكالا من المفهومين السابقين، ما دام يشير إلى المدرسة ك"مؤسسة" حائزة على "شرعية " محددة، و إلى الفعل "البيداغوجي " كفعل مقنّن بضوابط " المؤسسة"، و إلى " المعلم " كمالك لسلطة " الكلام " التي تضمنها تلك " المؤسسة " بل وتغلّفها وتحيطها بالكثير من الهالة لضمان إخفاء " تعسفها " و ضمان مفعولها.

 بكاء أم تباكي؟
أمسى كل من "هب ودب " يتكلم عن مشاكل التعليم العمومي بالمغرب، بالخصوص عند كل حادثة عرضية هنا أو هناك تنتشر في وسائل التواصل الاجتماعي. إن أهل الدراية يعلمون أن مشاكل التعليم العمومي أعمق وأعقد من مجرد أن تُختزل في واحدة أو أكثر من هذه الحوادث المصورة المنتشرة في وسائط التواصل الاجتماعي. إن ما وراء الأسوار والأبواب المغلقة لا يحتاج إلى بيان، لأن مأسي تعليمنا معروفة حتى لدى "كلاب" حراسة هذه المؤسسات. والحال أن العامة البسطاء من المواطنين هم بين نارين: نار الفقر الذي يمنعهم من تعليم أبنائهم تعليما جيدا على غرار أبناء "الأرستقراطية" ونار رداءة منتوج المدرسة العمومية كما يزعمون. أليس هذا ما يدفعهم إلى جعل  كل حادثة من هذه الحوادث، حائطا للمبكى على مآل التعليم العمومي؟ ألا يخفي البعض – حتى أولئك الذين يدعون أنهم من النخب – والمسؤولين، شماتتهم وحقدهم وغضبهم على هؤلاء الذين يتحملون لوحدهم الريح النتنة "لجيفة" موءودة  تسمى ظلما وتعسفا تعليما عموميا.

بعدما تناولنا ضمن ثنايا الحلقتين الأولى والثانية من هذا الملخص الشامل تقديما عاما لأطروحة الدكتور "امحمد زكور"، والفصول الأربعة من القسم الأول من محتوى هذه الرسالة العلمية، سنخصص هذه الحلقة الثالثة والأخيرة لبقية فصول القسم الأول، بجانب فصول القسم الثاني من هذه متن هذه الرسالة الأكاديمية (الفصل الثاني والثالث والرابع من القسم الأول).

الفصل الخامس : وسائل التعبير الجغرافي  (ص ص : 122 – 138)
يميز الدكتور "امحمد زكور" بين ثلاثة أشكال من الآليات المعتمدة في التعبير الجغرافي :
1 – التعبير الأدبي : تستخدم فيه الكلمة للتعبير عن الظاهرة الجغرافية وهو أقدم شكل تعبيري بالنسبة للجغرافيا (النصوص الجغرافية)...         
2- التعبير الإحصائي/الكمي (الرقم) :  يستخدم الرقم للتعبير عن الظاهرة الجغرافية بهدف تدقيق محتواها، والذي اتسع استخدامه منذ القرن 19 ،  مساهما في نشأة تيار الجغرافية الكمية...

"مع أن الذّاكرة والتفكير المنطقي مَلَكَتَان متمايزتان، فإن كُلاّ  منهما لا ينمو سوى في ارتباطٍ بالآخر"
ج.ج.روسو،إميل أو التربية،الكتاب2،ص193.
يجزم كثيرون بأن البناء الذاتي للمعرفة هو،ولوحده،الوصفة السّحرية لسؤال التعلّم،دليلهم في ذلك ما قدمته نظريات التربية الحديثة من تصورات ونتائج،ويزداد رفضهم لأساليب النقل والتلقي المباشرين للمعارف من طرف الذات المتعلمة. مفارقة النقلtransmettre  والبناء construction  ما تزال مصدرا لتجاذبات في صفوف المختصين والمعنيين بالتربية والتكوين،وإذا كان التعلّم لا يتم ولا يُنجَز بموجب قرار رسمي[1] فقط ، وحيث أن تُخوم التداخل والترابط بين فعل النقل وآليات البناء ليست قطعية،ألم يحن الوقت،إذن،لِ"إقامة سلام دائم على قاعدة تقدير عادل لعلاقة القوة بين الحقلين معا"[2]؟ خاصة وأن المسافة بين خلاصات العلوم وتطبيقاتها العملية تظل نسبية، والبحث العلمي لا يصنع واقع الفصل الدراسي la recherche scientifique ne fait pas la classe [3] !

بعدما تناولنا ضمن ثنايا الحلقة الأولى من هذا الملخص الشامل تقديما عاما لأطروحة الدكتور "امحمد زكور"، بجانب الفصل الأول من القسم الأول من محتوى هذه الرسالة العلمية، سنخصص هذه الحلقة الثانية لخطوات النهج الجغرافي، وهي خطوات الوصف، والتفسير، ثم التعميم. هذه الخطوات المنهجية تمثل الفصول الثلاثة التالية من هذه متن هذه الرسالة الأكاديمية (الفصل الثاني والثالث والرابع من القسم الأول).