ميشيل فوكو

"تبدأ الامتحانات الدراسية في المراحل التعليمية المختلفة؛ حتى تعلن حالة الطوارئ القصوى في البيوت، وكأن إعصارا عاتيا سيضربها، وتدق أجراس الإنذار معلنة توقف الزيارات الاجتماعية وانقطاع التواصل المرئي والمسموع وإغلاق كل قنوات الربط الخارجي مع العالم.  يغلق التلفاز نهائيا، أو يسحب إلى غرفة الأم، وتُصادر الجوّالات وتقنيات التواصل التي بأيدي الأبناء، وتمنع الزيارات وتصبح الأحاديث همسا منعا للإزعاج، وترابط الأم في المنزل كالليث الهصور الذي يحمي عرينه من غارة المعتدين، ويتحول المنزل إلى ساحة حرب". (1)
وبهذا تتحول الامتحانات من أداة لقياس مدى معرفة الإنسان لمعلومة في مُقرّر، أو معالجة مفردة في موضوع، إلى اعتبارها مسألة تمس هوية الفرد، "تهدد الوجود والكيان الإنساني وتؤثر في شخصية المرء حتى أعماقها وجذورها".(2) ولتغدو الامتحانات ليست منحصرة في إطار استدعاء للمعلومات فقط، بل "سبرا للمعلومات وغير المعلومات، حتى لكأن الامتحان وُجد لتقييم ذات الإنسان وليس لمعلوماته، يقيّم شخصه ومُثله وأخلاقه، إلخ".  

"الحلقة الأولى"
إيمانا منا بالقيمة المضافة الديداكتيكية والإبستمولوجية لأطروحة "امحمد زكور"، وباستمرارية بريقها الفكري، وبثرائها الجغرافي، ولمحدودية تصورات العرض التربوي التي قدمته غالبية الأبحاث المنشورة إلكترونيا والتي ركزت أساسا على خطوات النهج الجغرافي (الوصف/التفسير/التعميم)، ارتأينا وتعميما للفائدة التربوية تقديم تلخيص شامل لمضمون هذه الرسالة التربوية وعلى حلقات مسترسلة، نظرا لطول وكثافة العرض التربوي.  

إن تناول بعض المفاهيم الإبستيمولجية  في ثقافتنا ( العربية والأمازيغية الإسلامية)  بالدراسة أو استعمال معناها في تداولاتنا الكلامية في الشارع أو في الحجرات المدرسية ، لا يستوفي حقيقتها الكاملة ، بحيث إنه يبقي على شيء من الغموض  و الإبهام فيها ، والسبب خلف ذلك ، هو تلك القطيعة اللاشعورية التي ترسخت في ثقافتنا عن العلم الخالص ،  وذلك الملل الذي ينتابنا ويدفع بنا إلى النفور من التعلم لسد الفضول المعرفي . من بين أهم هذه المفاهيم  ، اخترت لكم مفهوم التجربة والتحقق التجريبي ، هذا المفهوم ، الذي يعتبر أهم  مفاهيم  الممارسة العلمية . إنه لا يحظى بالاهتمام الكافي من طرف الباحثين ، وحتى إذا تدارسوه ، فإنهم لا يضعونه في سياقه الصحيح ، فما أوفر الأدلة التي يمكن سياقتها على مشروعية هذا الحكم ؛ لننظر فقط الى بنية ومعدات مختبراتنا العلمية في مؤسساتنا التعليمية  وجامعاتنا ، لن تجد سوى أدوات منسوخة عن ألعاب أطفال رديئة ، لا تختلف عن الصور الوثائقية في شيء . سترى مستوطنات العناكب في الفراغات الكثيرة  ، في ظل هذه الحال المزرية ، أصبح طلب العلم لذاته تخلفا مهولا في اعتقاد عامة الناس  ، وبات فعل الكشف العلمي تفاهة .

تقديم:
لا يمكن الحديث عن تدريس الفلسفة في المغرب دون استحضار هذا التدريس في النظام التعليمي الفرنسي، إذ أنهما يشتركان في عدد لا يستهان به من المنطلقات والمبادئ؛ بل إن الكثير من الإشكالات والصعوبات، بالنظر لتماثل السياق، تكون فيهما على قدر كبير من التشابه. انطلاقا من هذا التصور، فإن ما يتوخاه هذا الموضوع هو الوقوف على مجموعة من الاقتراحات التي يقدمها المفكر والفيلسوف ووزير التربية الوطنية الفرنسي السابق لوك فيري في سياق أزمة التدريس الفلسفي بفرنسا، وفي سياق النقاش حول المداخل الكفيلة بتجاوز هذه الأزمة.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن درس الفلسفة في فرنسا، كما هو الحال في المغرب، يقوم على برنامج مفاهيم Notions، يتم من خلالها مساءلة مجموعة من التيمات التي يعتبرها الحس المشترك بديهيات وحقائق جاهزة. ويمكن إرجاع أصول هذا الدرس إلى النموذج الذي بلوره البيداغوجي فيكتور كوزان V.Cousin في القرن التاسع عشر[1]، وهو النموذج الذي جرى تقعيده بتوجيهات 1925؛ التي تحدد روح تدريس الفلسفة بالثانوي، وذلك من خلال ما تعلنه من غايات لهذا التدريس من قبيل "تكوين مواطنين قادرين على ممارسة الحكم الواضح والمستقل الذي يتطلع إليه المجتمع الديموقراطي"، وتعليم التلاميذ ممارسة "حرية الرأي".

للمضي قدما، يجب علينا أن ندرك، أنه في خضم التنوع الكبير من الثقافات وأشكال الحياة الإنسانية، بأننا نشكل عائلة بشرية واحدة، تعيش على أرض واحدة، ويحكمها مصير واحد مشترك. وعلينا أن ننضم معا لنعمل من أجل قامة مجتمع عالمي مستدام، يقوم على احترام الطبيعة، وحقوق الإنسان العالمية، والعدالة الاقتصادية، وثقافة السلام ( "ميثاق الأرض، الديباجة) (The Earth Charter, Preamble).

مقدمة:
تواجه المجتمعات الإنسانية اليوم تحديات طبيعية واجتماعية هائلة بالغة التأثير في مختلف مجالات الوجود الإنساني ولاسيما في مجالات التنمية الاجتماعية والاقتصادية. فموارد الأرض المحدودة تستهلك بطريقة تدميرية وبوتائر متسارعة جدا، وآثار الاحترار الجوي العالمي المدمر لأيكولوجيا التوازن البيئي والتنوع الحيوي بصورة مخيفة. ويأتي ارتفاع مستويات سطح البحر نتيجة الاحترار ليهدد ملايين البشر في مختلف أرجاء المعمورة، ولا سيما في البلدان الفقيرة التي تعاني من ضعف في وتائر نموها. فالهجرة عبر القارات، وارتفاع مستويات الفقر، وندرة الغذاء، وتضاعف الأمراض، وتراجع الأمن الإنساني، تشكل حميعها نسقا من التحديات والمخاطر التي تواجه المجتمعات الإنسانية في مختلف أصقاع الأرض وتهدد الحياة الإنسانية.
وقد عرّفت التنمية المستدامة لأول مرة في عام 1987 من قبل لجنة برونتلاند (the Bruntland World Commission) وهي اللجنة العالمية المعنية بوضع استراتيجية أممية للتنمية (WCED)، وجاء في تعريف هذه اللجنة للتنمية المستدامة بأنها: "... تلبية احتياجات الأجيال الحاضرة دون المساس بقدرة الأجيال القادمة على تلبية احتياجاتها "(WCED, 1987, p. 43).[i] وقد أصبح هذا التعريف أكثر شيوعا وأهمية بين مختلف التعريفات التي وضعت لتعريف التنمية المستدامة، ويعد هذا التعريف اليوم ركيزة أساسية في كل فهم لاحق للتربية المستدامة. ويتضمن هذا التعريف مفهومين رئيسيين:

مدخل تمهيدي وإشكالي :
    تشكل التربية على قيم المواطنة مكونا أساسيا ضمن البنية المهيكلة للمناهج التعليمية، حيث تراهن عليه جل المنظومات التربوية العالمية في أفق العمل على بناء مواطن الغد المشبع بمنظومة القيم المواطناتية المحلية والكونية (المواطنة النشيطة/المواطنة الفاعلة). إنجاح هذا المكون التربوي يتطلب استحضار الفاعلية العملية لتقاطع وتكامل النشاط التربوي لعمل المؤسسات المجتمعية (المدرسة – الأسرة – الإعلام – مؤسسات المجتمع المدني...) بهدف المساهمة الإيجابية في ترسيخ ونشر المنظومة القيمية المواطناتية بين الناشئة المتعلمة من جهة ، كما يتطلب من جهة أخرى استشراف دور الهيئة التدريسية في إدراك وضبط المقومات الأساس المشكلة لمنهاج مادة التربية على قيم المواطنة/المرجعية الديداكتيكية للمادة، بهدف تمكين هذه الناشئة من اكتساب منظومة القيم المواطناتية، والتشبع بها، وممارستها، والمساهمة في التأثيث لترسيخ ثقافة قيم المواطنة بين أجيال المتعلمات والمتعلمين في أفق تكوين مواطنين واعون بأدوارهم المجتمعية، عبر إكسابهم منظومة الكفايات والقيم الإنسانية السامية التي ترقى بهم إلى مستوى المواطنين الفاعلين والأناس النبلاء...
     ما المقومات العامة المؤطرة لمنهاج مادة التربية على قيم المواطنة؟ وإلى أي حد يمكن للتربية على قيم المواطنة من بناء مواطن الغد المشبع بقيم المواطنة والمنفتح على القيم الكونية في أفق المساهمة في بناء «المواطنة النشيطة/الفعالة» والمدرسة المواطنة وتنمية المجتمع الحداثي الديمقراطي؟
المحور الأول : في الحديث عن منظومة التربية على القيم من في بعديها البيداغوجي والديداكتيكي

تهدف عملية التدريس إلى إحداث تغييرات في سلوك المتعلم، وإكسابه المعلومات والمهارات والمعارف والاتجاهات والقيم المرغوبة فيها، ومن أجل تحقيق هذه الأهداف، يجب على المعلم أن ينقل له هذه المعارف والمعلومات بطريقة مشوقة تثير اهتمامه ورغباته إلى التعلم. والمعلم الناجح هو الذي يعرف جيدا كيف يجعل حصته حصة مشوقة بعيدة عن الملل، من خلال اعتماد طرق تعليمية ملائمة لمادة الدرس، قد تكون متنوعة بحسب الظروف والمتطلبات الصفية، لأن إتباع المعلم طريقة واحدة معينة، أو التعصب لأسلوب معين، يحكم عليه في أحيان كثيرة بالجمود، يؤدي به إلى تجميد المادة الدراسية، لذلك وجب على المعلم الإلمام بطرائق التدريس المتنوعة، وامتلاك القدرة على استخدامها بالشكل الصحيح، لجعل الدرس مفيدا وممتعا في آن واحد، ومناسبا في الوقت نفسه لقدرات طلابه وميولهم.
وعليه فواقع التدريس، وتدريس مادة الفلسفة بمدارسنا خير دليل على ما سبقت الإشارة إليه أعلاه، فمن الملاحظ مثلا على مستوى تدريس مادة الفلسفة بالباكالوريا، أنها باتت تشكل عائقا معرفيا لدى المتعلمين، وذلك راجع بالأساس إلى الكيفية التي يقدم بها المعلم درسه، فلا ريب إن كانت تتسم بالجمود والتكرار القائم على طريقة التدريس التقليدية أن تجعل المتعلم ينفر من هذه المادة، فهي بالنسبة له كإشكال بحث رجل أعمى عن قط أسود داخل بيت مظلم، والحال أن المتعلم المستقبل يبني مهاراته التعليمية التعلمية من المرسل الذي يمده بالمعرفة عن طريق القناة، فإن لم تكن هذه القناة جيدة أصبح الحديث عن النخبة حديثا فارغا من كل مضمون علمي، ومما لا شك فيه وحسب واقع تدريس الفلسفة، أن هناك هوة تزداد عمقا يوما بعد يوم ما بين المطلوب والمنتظر، أي بين المعلم والمتعلم، حيث أصبحت المسافة بين المرسل والمستقبل تقاس بالسنين الضوئية، على اعتبار أن الدرس يخلو تماما من أي تمييز بين المتعلمين من جهة إيصال المعلومة، في حين نجد المتعلمين فارغين تماما من أي كفاءة تجعلهم قادرين على مواكبة درس المعلم، والذي سبق وقلنا أنه يفتقر لطرق إيصال تتناغم والمتعلم، مما يجعل الدرس الفلسفي يتميز بالرتابة والدغمائية والبؤس، إذ يصبح المتعلم بين جحيم الحصول على معدل يخول له الانتقال للمرحلة الجامعية، وبين عائق فهم المادة التي هي الجحيم بعينه بالنسبة له.

من الأسئلة البديهية التي قد تتبادر إلى أذهاننا، والمتعلقة بتدريس الفلسفة للأطفال، هي من قبيل: لماذا يجب على الأطفال دراسة الفلسفة؟ وحينما نقول تدريس الفلسفة للأطفال، فهل يعني هذا تدريس الفلسفة بشتى مواضيعها كما هو الحال في المستويات التعليمية الأخرى، أم أنّ الأمر يتعلق بتدريس موضوع من موضوعات الفلسفة والتمثل بالخصوص في التفكير النقدي؟ وهل يمكن للطفل أن يتفلسف؟ وما هي الطرق والسبل الممكنة لتدريس الفلسفة للأطفال؟ وما هي النتائج المترتبة عن تدريس الفلسفة للأطفال؟
إذا تأملنا جيداً في الحياة المعيشية للأطفال، فإنّنا نجد أنّ الأطفال فلاسفة عفويون، لأنّهم في الثلاث سنوات الأولى من عمرهم يسألون باستمرار سؤال لماذا؟ إلا أنّنا غالباً لا نشجّع الأطفال على طرح أسئلة من هذا القبيل ومواصلة النقاش حول أشياء لا يعرفونها، بل الأكثر من ذلك نقوم بردع الأطفال، حتى لا يقوموا بطرح تلك الأسئلة التي تشغل أذهانهم.
إنّ عقل الطفل الذي يتساءل ويطلب تبريراً للمعايير المقبولة، يشير إلى البحث الغريزي عن المعنى، أي معنى الأشياء. ويمكن تشجيع هذا المسعى وتوجيهه في اتجاه بناء شخصية متكاملة وقوية للطفل، وهذا هو الجانب الذي يمكن أن تساعد دراسة الفلسفة على تحقيقه. وقد أظهرت الدراسات أنّ الأطفال الذين يدرسون الفلسفة هم الأكثر تحقيقاً لنتائج أكاديمية أفضل، كما يتمتعون بمزايا اجتماعية مثل تحسين احترام الذات وإظهار التعاطف مع الآخرين.

 بِيجماليون نحات أسطوري إغريقي فاقت شهرته الآفاق، نحت تمثالا لامرأة فائقة الجمال تدعى غالاتيا، فوجد نفسه أمام آية فنية رائعة الجمال، فصعق بجمالها ووقع في حبها وهام بها عشقا، ولما أضناه الحب ونال منه جنون العشق، أشفقت عليه إفروديت Aphrodite إلهة الحب والجمال فوهبت محبوبته الحجرية نسغ الحياة، ليتزوجها وينهل من حبها إلى الأبد.
 لقد شكلت هذه الأسطورة السحرية موضوعا أثار اهتمام المفكرين وعلماء الاجتماع، وقد تفتق هذا الاهتمام عن تساؤل جوهري حول القيمة الواقعية لما يعتقده الإنسان ولما يفترضه، وعن إمكانية تحويل الطموحات والأحلام والتوقعات الإنسانية إلى وقائع وحوادث وفعاليات ترتسم في نسق الحياة وتستقيم على دروبها.
وقد اثارت هذه الفكرة الأسطورية اهتمام المفكر وعالم الاجتماع المعروف روبيرت ميلتون Robert MERTON الذي أطلق على هذه الظاهرة النبؤة المتحققة ذاتيا (prophétie auto-réalisatrice) واستحضر حدثا واقعيا يتعلق بإفلاس أحد البنوك في عام 1932 على اثر إشاعة مغرضة ليس لها أساس من الصحة.
وتتمثل الدلالة التربوية لمعادلة بيغاميليون Pygmalion في تحقيق نتائج تربوية تستند إلى مجرد توقعات وتكهنات تتعلق بالمستقبل التربوي للتلاميذ حيث يتحول الافتراض إلى حقيقة تفرض نفسها في مجال الواقع التربوي. فالإنسان يحاول دائما أن يتجلى على منوال الصورة التي يرسمها الآخرون حوله، وتصورات الآخرين قد تفعل فعلها المكين في نفوسنا وعقولنا، فآراء الآخرين حولنا يمكن أن تدمي قلوبنا ويمكن أن تحيينا، وإذا كان الأمر على هذه الدرجة من الأهمية فكيف يمكن أن يكون الأمر بالنسبة لأطفال على مقاعد الدراسة في مواجهة أحكام المعلمين وتقديراتهم التي قد تكون مفرغة من حكمة الصواب. فأحكام المعلم ونواهيه حول المتعلم تمتلك قدرة سحرية تؤثر في شخصية التلميذ وقد تدفعه إلى تحقيق النجاح أو إلى كارثة العدم التربوي إذا كانت مجحفة وقاسية. وما تأثير بيغاميليون إلا صورة لهذه العلاقة التربوية المتشبعة بالأحكام التي يطلقها المعلم على تلامذته وطلابه في داخل الفصل وفي خارجه.

يرتبط التنمر أو (الاستقواء) بالبيئة المدرسية ارتباطا وثيقا، لكونها الحاضنة الأساسية لهذا السلوك العدواني، و الفضاء الأنسب للمُتنمر كي يوقع الأذى النفسي أو الجسدي، أو الإلكتروني في ظل فورة الاتصال، على طلاب ضعاف من حيث القدرة البدنية و العقلية.
ورغم أن الظاهرة تزداد خطورة بالنظر إلى المتغيرات الاقتصادية و الاجتماعية التي ألمت بالأسرة العربية، من حيث تراجع الرقابة الأسرية، وهيمنة وسائل الاتصال الحديثة على وجدان الطفل وخياله، وانفرادها بتشكيل مواقفه و تمثلاته، إلا أن المكتبة العربية تشكو من عجز واضح في الدراسات و البحوث الكفيلة برصدها وبحث سبل العلاج. بالمقابل، يكشف المجتمع الغربي عن تراث سيكولوجي مهم في رصد التنمر، وتجميع الإحصاءات وتنويع المقاربات وأدوات التشخيص، لا سيما بعد أن استفحلت المشكلة على نحو مرعب، إذا يؤكد الخبراء أن %20 من مجمل الأطفال الذين يتعرضون للتنمر في الولايات المتحدة، و البالغ عددهم 3،7 ملايين طفل، يعانون من تأثيرات نفسية ودوافع انتحارية متزايدة.
يختلف التنمر عن باقي أشكال العنف في كونه سلوكا هادفا ومتعلَّما، بمعنى أن المتنمر يستحضر نية الاعتداء مسبقا لإظهار سلوك محكوم بتوابع اجتماعية معينة. وبحسب نظرية التعلم الاجتماعي فإن أي طفل يمكنه أن يصبح متنمرا، عن طريق محاكاة نماذج يتسم سلوكها بالعنف، كالأب داخل الأسرة، أو أبطال الرسوم المتحركة والأفلام السينمائية. أما الاتجاه العقلاني فيرى أن مبعث هذا السلوك مرتبط بأفكار منحرفة، وقناعات خاطئة تستلزم مواجهتها عن طريق تغيير ما يسمى بحديث الذات السلبي(1).

« Si vous ne savez où  vous allez, vous arriverez  probablement ailleurs »
R.Mager.

درسنا اليوم!  بهذه العبارة المثيرة كنّا نحرص على التمهيد لدروسنا،ونرجو منها خلق الفضول العلمي لدى تلاميذنا وتلميذاتنا ،وإثارة الشغف السيكولوجي والمعرفي لديهم،وغالبا ما لا يمكننا أن نتصور مدرسا جيدا وهو مفتقد للاهتمام بمادته الدراسية مع اللاّمبالاة بها وبتلاميذه((L’art d’enseigner, J.Banner et Au.2013.
يستطيع الفرد التعلّم لوحده،ولا يمكننا التعلّم بدلا عنه. بداهة يتفق حولها الجميع، ولكن الممارسة تقول أمرا آخر: ليس من شيء مطلوب سوى  إعداد،وتقديم،ثم عرض درسٍ حتى يتمكن التلميذ من التعلّم ومرافقته في ذلك((Apprendre, A.Giordan,1998 .
وبقدر ما تغرقنا أدبيات التربية وعلوم التربية بكثير من التصورات،والنظريات،والمقترحات التجريبية حول التدريس وفق مقاربة الكفايات،مع ما تتسم به من تعددية في التعريف،والدلالة،والتأويل، والتنزيل،وكذا حول التقويم المتلائم معها،فإن الممارسات السائدة تثبت أن  السؤال حول مشروعية الحديث عن تجاوز التدريس الموجّه على ضوء الأهداف ما يزال مشروعا،فهل صار  فعلا اختيار وتحديد ثم بناء وبلوغ الهدف  البيداغوجي(التعلمي) ضمن دائرة المكتسبات النهائية ؟
عقلنة التدريس،والاهتمام بالتحفيز،وبالتعزيز،ثم توفير شروط انبثاق الرغبة في التعلم،هي موضوعات كان التفكير فيها ملازما لتاريخ الفكر التربوي،وانخرط فيه –أكثر من المربين أنفسهم- فلاسفة،وأطباء،ومحللون نفسانيون،وعلماء فيزيزيولوجيا،وبيولوجيا،ولِسنيون،لتعلو في العقد الراهن مساهمة المتخصصين في علوم الأعصاب حاملة وعودا  وآمالا جديدة معها،ولأن الإلمام بالجديد يفترض استيعاب السابق (القديم !) والقدرة على الملاءَمة بينهما،نجد مشروعية الحاجة للعودة بين الفينة والأخرى إلى ينابيع التفكير التربوي والبيداغوجيات المؤسِّسة،فاكتساب،وترسيخ،وتقويم الكفايات،يمكن مقارنته بتلك الطريق المترامية والممتدة أمام الفرد،يَسلكُها،ويسير عبرها،وما يعيشه من تجارب تكون فرصا لتطوير كفاياته،كما يمكنه خلالها تعبئة ما يراكمه من موارد في  خضم تلك التجارب لمواصلة السير نحو الهدف.