تمهيد:
أصبحت ظاهرة العنف تكتسي أهمية كبرى في السنوات الأخيرة، بحيث صارت موضوعا محوريا ومركزيا في النقاشات السوسيولوجية والسيكولوجية والأنتروبولوجية وكذلك عند مختلف الفاعلين والمختصين في العلوم الإنسانية والاجتماعية، أو حتى عند عامة الناس بمختلف مستوياتهم، سواء أكان العنف الممارس عنفا أسريا أو مجتمعيا أو مدرسيا أو مؤسساتيا أو غير ذلك من انواع العنف، وكذلك بشتى أشكاله وتلاوينه سواء أكان العنف عنفا نفسيا أو جسديا أو رمزيا أو لفظيا أو جنسيا أو غير ذلك. ومن هنا نطرح التساؤل التالي، لماذا أصبح العنف موضوعا مهيمنا في جل النقاشات التربوية والتعليمية والبيداغوجية والسوسيولوجية والأنثروبولوجية فالسنوات الاخيرة؟ أليست هناك مواضيع ومشاكل أخرى تعيشها المدرسة المغربية يتوجب علينا الإلتفات إليها من قبيل الاكتظاظ، وضعف التحصيل الدراسي، وعدم ملاءمة المناهج، وتغيير البرامج والمقررات في كل مرة، وقلة الموارد البشرية المؤهلة، إلى غير ذلك من الموضوعات العديدة والمتعددة، والتي لم تنل حظها من العناية والاهتمام بالدراسة والتحليل.
إن ظاهرة العنف تكتسي أهمية خاصة، نظرا للعلاقة المباشرة التي تربط بين ممارسة العنف وبين طريقة تشكل شخصية الإنسان بصفة عامة والطفل بصفة خاصة، سواء تم ذلك داخل المدرسة أو المجتمع أو الأسرة. إن البحث في موضوع العنف يجيب عن أسئلة عميقة شغلت بال العديد من المفكرين والباحثين التربويين والمحللين النفسانيين حول مفهوم الشخصية وطبيعة تشكلها لدى الأطفال، وبالخصوص في السنوات المبكرة، وبالضبط في المجتمعات العربية ذات البنية الذكورية المحافظة أو ما يسمى بالمجتمعات البطريكية، والتي في الغالب ترسخ سلوكات خاطئة ومدمرة عند الأطفال ذكورا كانوا أو إناثا، هذه المجتمعات التي تعلي من سلطة الذكر على حساب الأنثى، ومن سلطة الكبير على حساب الصغير، ومن سلطة الشيخ على حساب الشاب، ومن سلطة الرجل على حساب المرأة، إلى غير ذلك من التراتبيات المجتمعية، مما يولد مع هذا النوع من السلط تجاوزات وخروقات تتجلى في ممارسة أشكال من العنف المادي والرمزي.
وتعد هذه إحدى خصوصيات البيئة العربية، رغم ما تزخر به من قيم ومبادئ إسلامية تحث على تجنب ممارسة العنف بحق الأطفال وتؤكد على إعطاء قيمة كبرى لشخصية الطفل، لكي ينضج في بيئة سليمة، كما ورد ذلك في القران الكريم، يقول تعالى: (أرسله معنا غدا يرتع ويلعب وإنا له لحافظون)[1]، بمعنى أن حق اللعب لدى الأطفال مهم للغاية، ومقرر بنص قرآني صريح، إذ يسهم اللعب في تطوير شخصياتهم، ويمنحهم الاتزان النفسي الضروري، وذلك بعكس من حرموا منه، وهذا ما يقره مضمون الآية القرآنية منذ آلاف السنين، قبل أن تظهر المواثق الدولية التي تحث على احترام حقوق الأطفال وبالخصوص حق اللعب، وفي المقابل لم يلتزم إخوة يوسف بهذا الإقرار الصريح منهم بحق اللعب، وقاموا بإلقاء أخيهم في البئر، وهو نوع خطير من العنف الجسدي والنفسي ارتكب بحق أخيهم الطفل يوسف وهو ما يزال صغير.
1.تأثيرات التربية العنيفة على الأطفال.
إن ممارسة العنف على الأطفال تؤدي لا محالة إلى عواقب وخيمة على نبوغهم وعلى مستقبلهم وعلى تشكل شخصياتهم، من هنا يتبين لنا مدى أهمية دراسة العنف وتحليل عواقبه على الفرد ، ومدى الخطورة التي قد تسببها ممارسته على الأطفال بالخصوص، فالحصول على أطفال معنفين من قبل أسرهم أو مجتمعهم أو في مدارسهم ، يعيق تطور ونمو شخصياتهم بشكل سلس، ويعيق كذلك تحصيلهم الدراسي وتطوير مستواهم التعليمي، فرغم كم الأبحاث والدراسات العديدة التي أنجزت حول موضوع العنف عند الأطفال، مازال البحث في الموضوع يغري الباحثين والدارسين والمختصين، لأن مقاربته تتيح لنا فهم أبعاد أخرى للشخصية الإنسانية بصفة عامة وشخصية الطفل بصفة خاصة، إن جل الأطفال المعنفين أو الذين سبق وتعرضوا للعنف بأنواعه وأشكاله لا يتمتعون في الغالب بشخصية قوية وسوية، ويفتقدون في الغالب لعامل الثقة بالنفس، وجلهم لا يتمتعون بروح معنوية عالية وثقة تامة بالذات، تمكنهم من الاندماج السريع في مجتمعاتهم وفي أوساطهم الأسرية عن طريق الانخراط في مجموعة من الأنشطة الحياتية والمجتمعية سواء العادية أو التي تتطلب استخدام ذكاء معين.
إن ممارسة العنف بأنواعه المختلفة تقمع كيان الطفل و تحقر ذاتيته الخاصة وتشل تطوره الطبيعي والسلس في المجتمع وتكبح نبوغه، وتعيق تبلور وتشكل شخصية مبدعة ومنتجة ومنفتحة على المجتمع، فالطفل المعنف بهذا المعنى السالف الذكر يرفع من نسبة الحصول على أطفال مسالمين، اتكاليين ، خنوعين يتملكهم الخجل، وعدمي الثقة بأنفسهم، إنهم تجسيد لعلاقة القهر والرضوخ التي يعاني منها الانسان المقهور، الذي لا يجد له من مكانة في علاقة التسلط العنفي هذه، سوى الرضوخ والتبعية، سوى الوقوع في الدونية لقدر مفروض[2]، فلا مناص إذن من إعادة النظر في طرق تفكيرنا وأساليبنا التربوية والبيداغوجية للحد من انتشار هذه الآفة المجتمعية، لأن معظم الأدبيات التربوية تتفق على أن كسب رهان الجودة داخل المنظومة التربوية مرتبط بتوفر شروط بيداغوجية ملائمة وتبني مقاربة نسقية تستحضر مجمل العوامل الكفيلة بدعم نجاعة المنظومة التربوية والرفع من أدائها[3]، والتي من بينها التخلي عن الممارسات الغير تربوية في تدريس الأطفال.