anfasse22091يخرج من البيت بعد الساعة الحادية عشرة صباحا بعد أن يقضي كل حاجاته ومتطلباته البسيطة. لابسا سروال الجينز الأزرق وقميصه الصيفي المزركش بألوان متناسقة الأشكال كأنه لوحة تشكيلية، بظهر مقوس شيئا ما، متراخ بعض الشيء بفعل السنين التي يحمل عليه، ومدى الأشغال التي قام بها في المؤسسات التي اشتغل بها كمدرس لمادة التاريخ ثم كحارس عام ومدير لإحدى الثانويات. رأسه شبه فارغ من الشعر بفعل الصلع الذي هاجمه، وما تبقى منه فهو أبيض فوق الأذنين والقفا. يضع نظارة طبية سميكة الزجاج. يجلس في المقهى القريب من بيته ويجالس بعض زملائه أيام العمل، إن كانوا، يتبادل معهم الحديث حول ما تعج به الساحة الوطنية والدولية من أحداث وأخبار، يقرأ الجرائد ويطلع على جديد الأخبار.

anfasse10093رجت من الحانة، محافظا على جزءٍ من توازني، ركنت إلى جذع نخلة ونمت.
    استيقظت على وقع مداعبة خيوط شمس الصباح لوجهي.. أخذت طريقي إلى البيت؛ رأيت صديقي على الجهة المقابلة للرصيف، لوحتُ له، فلم يرد علي.
    استغربت! لكني تلمست له عذرا، فربّما لم ينتبه! لأنه كان منشغلا بصاحبه.. لكني كنت متأكدا من أنه رآني.. لم يَهمَّني الأمر كثيرا.
    مررت بمحل العم "منتصر" الذي يبيع فيه المرايا. بعد تجاوزي له ببضع خطوات، توقفت..! تراجعت خطوات حتى استقريت أمام المرآة التي في الواجهة.. صعقني ما رأيت! كيف يعقل ألا تنعكس صورتي عليها..!! نظرت حولي، ساورني شك في أنني لم أعد مرئيا..
    ركضت إلى المكان الذي صحوت فيه.. إنه جَمع من الناس ملتف هناك حول أمر ما!

anfasse10092حبّر الجُملة الأولى بتوترٍ وطوّح بقلمهِ بعيداً. "جُوليا، أيّتُها الوديعةُ اللئيمة، إنّك لا تستحقينَ ورقة، واحدة، ولو مسروقة...". كانتِ الصّورة، صُورتها الدّامغةُ تنثالُ، بصيّغٍ متعدّدة، على ذهنهِ المثلومِ. تذكّر، في هذه البُرهة المتشنّجة إلْمَاعَة الصُّوفيّ، الذي التقاهُ صُدفة في أعالي إيِفري. قالُ له، هذا الرجل الذي يشبهُ الأنبياءَ، إنّ الحقيقة مَثْوَاهَا الممالكُ العُليا. كلّ موجودٍ لا يستوطنُ هذه المرتفعاتِ الشّاهقة، منذورٌ، بحكمِ قانونِ الطّبيعة، للانتفاءِ. إنّ الوجود هو ما يهْرعُ إلينا وينامُ في الدّاخلِ، مُستكيناً لصمته الأزليّ. لم يفهم رحيم فَحْوى الإلماعة الماكرة، لكنّه أحسّ بها تَسْرِي في كيانه، مُبْهمةً كسديمٍ لا تكادُ تَبِينُ تجاعيدُ وجههِ. كانتْ إلماعة تَضَاءَل فَهْمُهُ عن دَرْكِ مجاهلها.

anfasse02092عادت الأحلامُ أدراجَها ..نسيت حقيبةَ الحكايا ،عند منعطف القلم كان النبض يلهث وهو يؤجل الرحيل.. على بريق الذكرى يومض الشوق، يمتد درب الكلمات نحو مجرة الوصول يهز رأسَه المتوّجةَ بالياسمين ... البياض ثلجٌ متجمّدٌ والعشبُ اخضرارٌ يَسيل على وجناتِ الصمت قطرةً..قطرة.ً.
في أوردة النوايا الحسنة،يسكن الصباحُ سفيرا تكْتحلُ جفونُه بتَرْنيمة ابتهالٍ يتمدّدُ في خاصرةِ الفجْر .. تفرح فطائرُ القمح المُحمَّصِ في مواسم الانبعاث ..يَنسَكبُ بُخارُها سبائكَ يقينٍ حاميةً تنْبضُ سرّا في قلب الشتاء .. عند مصافحة الضباب للإياب تجثُم دقاتُ الساعة على أجنحة الحروف .. تتوقف العجلة ُ عن الدّوَرانِ .. تتشابكُ عقاربُ الكيْنونةِ في "صراعٍ سِلْميٍّ " وبين ابتهالٍ وتهجْدٍ تنمو سنابلُ العطاءِ تنْعتِقُ جدائلُ الكلماتِ من شوْكِ الوَجَعِ ..

anfasse02091لِيكنْ الأَمْرُ كَذَلِكَ...
هَاجسَ نفسهُ بالعبارةِ اللاذعة وهمّ بالانصراف. كانتِ الشّمس، فوق سقفِ الكونِ، تتلوّع محتدّة. وكانَ قَلبُه أشدّ التيّاعاً من هذه الشّمس. لا يهمّ، فهذه الحياةِ مُشرعةٌ على كلّ احتمالاتِ الارتياب. مَا بالُ جوليا! ربّما تهيّأ لها، بُحكم الاعتيادِ واستشراءِ التّفاهة، أنّ خلفَ الإصرارِ قصداً مُريباً، لابدّ. كانَ رهاناً فاشلاً؛ فثالث الأثافي، كانت على النّحو السّائد. كلامٌ مَلصُوقٌ وقلبٌ تائهٌ لا يفقَه أسرار الحياةِ! الشّمس تَسُوطُ رأسهُ بأسياخٍ من نّار. السّؤالُ قاسٍ: لِمَ تُرسلُ وَحيَكَ، هذا المدموغ بقسوةِ الخيالِ، إلى البلادِ البعيدةِ؟ ضَعهُ تحت مؤخرتكِ يا هَذا. إنّها لن تفهمَك. سَتَذهبُ بها الظنون في كلّ المسارب. أي نعم، في كلّ المساربِ، حتى تلك القصيّة الأبيّة على الارتياد. هاهُنا نظر إلى هاتفه. كالعادة لا رسالة تفكّ شفرةَ الحرّ الطّاغي في الأرضِ وفي السّماء.

"أنا الغريب منذ ولدت في هذا الزحام"... محمود درويش
لملم أشياءه المتناثرة في أنحاء غرفته الصغيرة
كانت امتحانات نصف العام قد انتهت .. والقطار المتجه لبلدته الصغيرة قد أوشك على التحرك
كان أصدقاؤه في انتظاره على رصيف القطار لتوديعه
نظر في ساعته فأدرك أنه تأخر رغم أن مسكنه ليس ببعيد .. أسرع الخطى فتعثر في أشيائه
 ***
وصل إلى الرصيف.. صاح أصحابه:القطار يتحرك

فتحْتُ أدْراجَ الرّياحِ دُْرْجا.. دُرْجا أفتّشُ عنْ بذْرةِ سلامٍ منْسيّةٍ ،أزْرعُها في تُرْبةِ الغد.. قلّبْتُ جُيوبَها وهي تُولْوِلُ أتلمّسُ بقايا سكينةٍ أو ذكرى إنْسانٍ.
تُولْوِلُ بإصرارٍ .. هي .
تقهْقِهُ باستهتارٍ  هِيَ.. وأنا أتحسّسُ بأطْرافِ الرّجاء تضاريسَها عسايَ أقعُ على تلْك الأيْقونةِ السّحْريّةِ التي ستعيدُ للكوْنِ الوهَجَ والتّوازُنَ والاتزانَ وتزْرعَ الضياء ونسْغَ الإنْسانِ في الإنْسان.
زمْجرتْ ..
خبطتْ أجْنحَتَها كرخٍّ غاضبٍ .. أصرّتْ ..
تمسّكتْ بقوّةِ دَفْعِها الرُّباعيِّ...

anfasse13081بالأمس  كنا نتمشى على الشاطئ معا تغمر كفك كفي  بدون حواجز ولا فواصل تمنع وصول حرارة كفك إلى  دمي لا شيء سوانا ، صوت الموج و صوت أنفاسك لما تحتضنني بين الفينة والأخرى فأسمع نبضك وأنغمر في رائحة عطرك الذكوري ثم أنسل من حضنك لأجمع صدفا أزين به رفوف المنزل ونحلم  بطفلين نسميهما لؤي ورغد  بينما أنت تريني براعتك في قدف الحصيات في البحر، لم نكن نتحدث حول أي موضوع  ولكننا نتواصل أكثر من أي وقت .