قطرة دمع جاثمة على خد،تنظر إلى مستقبل غامض،يوم ربيعي يبسط بعضا من أيقوناته العالقة بصدى الطبيعة، في عالم آيل إلى الخسران ،وأنا أفكر فيك .
وسط صمت يعبث بكل ما حواليه من كائنات، لا شك أنها كانت ضياء في زمن حكى عنه الكثيرون .
قطرة دمع أخرى سبقت أيامها بقليل،رسمت لوحة بألوان الخريف اعتباطا على تجاعيد ا لفضاء. حين رحلت على وقع أغنية حزينة ،أذهلت العالم، ففضحهم بوحُهم بما يختفي خلف ستار المسرح الكبير .
يوم بامتداد السنوات الضوئية ، يأبى الرحيل تاركا ليلا يحكي تفاصيله، وتفاصيل شمسه التي تومض حين تنجلي سحابة ،وتختفي خلف أخرى ،دون أن تعلن ذلك .
صدى حقيقة غائبة ـ قصة : محسن العافي
أيقظ قريحته ليل هادئ،سكن فيه،تحدث إلى كائناته الليلية المختلفة عنا ،جمع بعض كلماته المتدفقة،تابع تصاعد الأنفاس من دفاتر الأيام الماضية ،لم يشأ أن يوقظ الذاكرة الحية في باقي مناحي الحياة،وعلى مقربة من هطل متعاظم،ناشد الغروب والشروق،وهما مجتمعين إلى ضفة نهر على غير عادتهما اجتماع حياة بلون آخر .
الأسئلة التي يلقيها النائم كرها،تقف عند المنحدر،و عند بقايا أوراق ممزقة من جرائد ملوثة، ترسم العهد الجديد .
وهو يتحسس الزمن،تنحبس كلمات شاردة ،عند معبر تلك الممنوعات والمنعطفات،ثم تهيم في أرجاء المجسم الزمكاني .
لم يكن من الكائنات الليلية ،إلا نعاس وتثاؤب،كلمات مرسلة بصوت خافت، تنادي الشروق ،وأخرى تنادي الغروب،وتسائِل الكواكب والنجوم،التي تختفي مكرهة ،وتذكر لبقايا الأحداث حكايات عاث أبطالها فسادا ،في مكان ما وعالم ما .
الصحاري القادمة ـ نص : محمد الفاهم
سأحارب هذه الليلة
الذبذبة السوداء الغامضة بأظافري
والكل مدعو للصراخ وسط المدينة
على الصحاري القادمة
الطقس المتقلب اليوم يجعل ذهني يتأرجح بين النور والظلام، كما السماء المترنحة بين الإشراق و زخات الأمطار المفاجئة التي لا أعرف من أين تأتي ولا إلى أين تذهب. روح الإنسان تتفاعل مع ضوء السماء ومع نور الطبيعة. حينما تعتم الشمس تعتم روحي كذلك. وحينما يكون هنالك إقمار في الليل، يحدث إقمار آخر داخلي.
هكذا هو الأمر إذن النظام هو حركة الفوضى، والفوضى هي مآل النظام. كل الأشياء تجري نحو الأمام وكأنها تبحث عن انتظامات ممكنة، أو انهيارات محتومة.
فرصة تضيع ـ قصة : رشيد تجان
كانت الريح شديدة ذلك المساء، والأشجار تتساقط أغصانها الغضة. أذيع على وسائل الإعلام المسموعة والمرئية أن إعصارا يتكون على مسافة قريبة من المدينة، والطقس ينبئ بأمطار طوفانية ستصيب المنطقة برمتها، لذلك على جميع السكان اتخاذ الحيطة والحذر مما هو آت، وقد يكون كارثيا. تحدثنا عن الأمر بأصوات خافتة، وفي مجموعات صغيرة جدا في المعامل والمدارس والأسواق والمصحات وحتى المقابر...، تكلمنا بحذر شديد كأننا نخاف من تقلب الجو أن يسمعنا وينتقم منا.
على الساعة السابعة مساء، وبعد عودتنا إلى منازلنا من المعامل والمدارس وحتى من المقاهي، بدأت الأمطار تتساقط على شكل رذاذ ما لبث أن تحول إلى أمطار شديدة كأنها الوابل. في بداية الأمر اعتبرنا المسألة سحابة صيف عابرة، غير أنها كانت أكبر مما تصورنا. تحركت الهواتف الذكية ترسل صورا لمناطق من المدينة غمرتها المياه واجتاحها الفيضان. تهدمت منازل حسب الأخبار الصادرة عن القناة التلفزية المحلية، عائلات تشردت وأخرى فقدت ما تملك.
إنذار حريق ـ قصة : ماهر طلبه
رنين الهاتف أيقظَه، حرَّكَ سماعة أذنِه لالتقاط صوتها البعيد، كانت تحدِّثه مِن منطقة بعيدة في قلبِه، أنصَت صامتًا بعد أن تحكّمتْ في لسانه، فلم يعُد يستطيع النطق أمام حبال كلماتها التي كبَّلَته والتي يبدو أنها قد أعدّتها وجهّزتها لِتُتم بها جريمتها التي تَحدث الآن.. هذا لا يمنع مِن أن عقله كان يعمل بمنتهى السرعة لينقِذ نفسه مِن ورطته تلك وحصارِه هذا، لذلك فقدْ أسرع في محاولة يَائسة لمنع إتمام الجريمة بإغلاق باب قلبه الداخلى – لمنع خروجها- بمفتاح حبِّه، ثم شَد الباب الحديدي الخارجي – لقلبها- والذي كان قد اشتراه ودَفع تكاليف تركيبه في مكانه بعد ملاحظته أن بعض العيون تتلصص عليها وتحاول التسلل إليه في الفترات الطويلة التي كان يضطر بسبب كلماتها الحارقة الحادة إلى الابتعاد عنه تارِكَه لها وحدَها..
سِيدِي خَايْ ـ قصة : محسن العافي
لا تجتمع في تفكيره أفكار غيره،سلوك ربما يحاذي الغريزة ،أو يلامس غاياتها ،لم أكن أجرؤ على اقتحام صمته ،لأنني كنت أعي جيدا أنه لن يجيبني ،أو قد يفاجئني بما لا أنتويه .
لم أكن أتصور أن في هذا العالم من لازال يفكر هكذا منفردا بعالمه،لا تؤطره جمعية حقوق الحيوانات،ولا جمعية مختصة في التنمية البشرية ،ولم يمس حركاته أو يغير منها جار و لا قريب .
بخطواته المتثاقلة ،عرفت سر هواه ،وتأملته كمن يتأمل صورة فيلسوف ينتظر من يصدقه،من يقتنع بنظرياته،وبحوثه الغريبة .
قلت :قد تجد من يجعل لها تفسيرا فيما بعد ،أما الآن ،فمنهم من يقول :
هذا الشخص لا يجد ما يفعله ،هرِم ،شاخ ، فوهن العظم منه ،وبدأت التخاريف تملأ حياته،وما تلك الأشياء التي يفعلها ،إلا مظاهر مما يفعله المشيب .
بنكهة التقاليد التي لا تتغير ،التي لا تغادر عالم الأشخاص،يتمسك بارتداء ذلك الجلباب الشتوي .
أغنية العيد- قصة : أحمد العكيدي
أرخت الشمس أشعتها على الشاطئ فاجتاحت جسده المتورم موجة من الدفء شعر بها تدغدغ جفنيه فاستفاق على مضض من غيبوبته. تجول ببصره في الأفق لعله يهتدي إلى هوية المكان والزمان، بحث في الأشياء المبعثرة هنا وهناك عن ذاكرته وماضيه، حاضره ومستقبله، فخدلته اللحظة.
بعينين متعبتين رمق، من بعيد، ثوب قميص أحمر يداعبه الريح جيئة وذهابا، تارة يدسه تحت الرمل وتارة أخرى يقذفه في السماء. زحف نحوه كالرضيع، يرسم أثار قدميه ويديه فوق الرمل، التقطه ثم ضمه إلى صدره للحظات واستنشق رائحته بعمق فاشتعلت في دواخله آهات وآهات. تأمله وتفحص طرفه المفقود فتسللت من إحدى عينيه دمعة في سكون واختلطت بحبات الرمل. تأبطه ثم استند إلى قطعة خشب لفظها البحر وبدأ يبحث عن حياة بين الأجساد المنتفخة والمبعثرة كأوراق الخريف حول القارب المحطم.
تَراءى له، من بعيد، جسم صغير خيل له من بؤسه أنه يتحرك، أسرع نحوه ولم تسعفه الخطوات فتعثر وسقط فوق جسد امرأة مغمور وجهها في الرمل. أدار رأسها بحركة سريعة فتطاير الماء من فمها في كل اتجاه. تصلب في مكانه للحظات بدون حراك كتمثال حجري قبل أن يدرك أنها جارته التي قُتل زوجها وجميع أبنائها في قصف جوي، كانت هي الوحيدة التي سلمت منه لتلقى حتفها في هذا المكان بدون هوية ولا عنوان.
قاصرات الطرف ـ نص : مريم بن بخثة
مازلت أذكر أني كنت أمشي ، حافية الحروف، يضيق صدري، تنتفخ أوردتي
و المعنى في زقاق الليل يغيب. ملثمة هي جروحي تتبرج كل غسق تشعل شموع الانتظار، الانتصار، تتعالى بصمتها ترسم امرأة تطرز أحلامها البكر على منديل الفرح، تعد بأصابعها أرقاما ، تغيب في بياض الحرير، تطل ابتسامة خجولة تبوح بكل ما لم تقله.
هكذا غردت بلابل العمر و حلقت تقطف ثمارا تبدو في غير نضوجها.
و تطل امرأة أخرى ملثمة بصروف الدهر، تحرك ذراعيها في الهواء.مرة تبدو هادئة و مرة تثور كبركان كان راكدا ثم استفاق. يجيء المساء، تلتف النسوة حول حناء الفرح تزغرد إحداهن لميلاد حياة.و يذرف البدر أولى زخاته ، رقص و غناء و فرح و حزن يتعانقن لحظتها في صورة سريالية تغيب فيها الوجوه و يحضر الفرح و الحزن.
أقبل الفجر متهاديا كسكير طوح به نبيذ الحانة الرخيص ، يعانق بياضها و يغيب وسط الحشود.