anfasse08042جاءتها برقية من عاشقها عزيز الملعون بكذبة الأمل، فتحتها متلهفة وحبها له يحرك أناملها لتمزق فوهة الظرف...، وأخيرا جاء ما تمنته منذ أول لقاء لها به.
 -"عفاف حبك زكاة عَشَاء أنتظرها لتجمعني بك على مائدةٍ وجها لوجه لأتمعن وأرتوي بنظراتي من جمالك المدفون بداخلي في عمق أعماق ذاتي، حبك يلحقني كاللعنة"
 ارتعش جسدها وابتسمت وحنين الشوق يدفعها، لتكتب له في برقية عاجلة، حمراء تفوح منها رائحة الورد، عاجلة جدا..
-"متى؟ وأين يا نبض الفؤاد؟؟"
واضعة له بين عارضتين -أحبك عزيزي على الدوام-...
 وبعد يومين وصل الظرف إلى بيته، اخترقت رائحتها الوردية قلبه دونما استئذان، وضع الجريدة على الكرسي وقام ذاهبا ليقرأ ما قالته له، أنهد الظرف الوردي وفتحه...، ابتسم ضاحكا وانفتح قلبه لحبها الذي اكتساه...، عاد لكرسيه حمل الجريدة ورشف القهوة ببطء ثم قال:
 -"أنت مكان ما بداخلي لكني أجهله، أحس بأنك تقيمين في عمق أعماق ذاتي لايستطيع أحد الوصول إليك، مكانك فيَ محصن أهرب إليه كلما شنت الحياة حربها علي ولفّتني بالضياع المضاجع"

نحن بنات آوى
الأصيلات من السلالة
العاويات كما الريح على الاكام المسننة
والشاخصات إلى القمر المحمر  من الخوف
والوالدات  في مطلع كل ثلج
اللاعقات دم الخلاص حتى لا يدنسه العابرون
نحن العريقات العتيقات المنبجسات من عمق الكهوف والوديان والغابات الندية الكثة
والعاتبات على المطر إذ يعبر دون أن ينث  ربانا
أعلنا :

anfasse02043كعادته كان منبهرا بكل مختلف،ولو كان يحمل في سجلاته ما تحمله المستنقعات مما لا تأنس له النفس .
نظر الى الخلف ،رأى شبح اسمه بعيدا هناك .
حاول أن يسطر بقلمه بضع كلمات ،تبوح بما خفي حينا، وبما أعلن حينا آخر .
كان ما استجد مثيرا باختلافه ،بعناده ، يقرر ولو كان للحقيقة منحى آخر في علم العلماء .
بدا الاختلاف والخلاف بسيطا، ثم زادت الجرأة بطشها بذلك العالم ،انشغل بالتفاهات من الأمور، وكثرت الحركات العابثة ،استراق سمع ،استراق نظر ،حب استطلاع يرمي  بالأفكار و التهيؤات إلى حيث المتاهات ،التي يحتار فيها المرء، وتغيب عنه الحواجز والموانع ،ولا يبقى إلا أن يفعل القدر فعلته الدنيئة، في أن يجمع ويفرق، بلا منطق و لا شريعة .
كان يحاول أن يعرف ما يفعل ذلك السيد في مكتب الخرائط المنسية ،فراح يختلق قصة لذهابه إلى هناك .
بين الماضي والحاضر ،ماض ينصت إليه ،وحاضر جعله يتناهى في الصغر ويؤول إلى العبث .

anfasse02042أتخونني ...!؟ رأيتها بعيونك ذلك المساء، عدت بها داخل جفونك ولم تنزلها، كانت بيننا ليلتها، كان الحاجز بين جسدي وجسدك واضحا. أفرغت زجاجتي عطر في شهر واحد، واستعددت للخروج أحسن استعداد. تأنقت، أخرجت الفارس المدفون تحت الغبار، التصقت بهاتفك النقال كظله تقرأ رسائلها وتبتسم. لم تعد تسمع ما أقول، لم تعد تتشاجر معي، عقدت معي صلح الأحباء، بقلب طري، كعصفور نقي. من تكون هذه يا ترى التي أعادتك للحياة؟ أتراها التي قابلناها سويا حين ابتسمت لك؟ أوقعت ما اشتريناه من أغراض، ابتسمت وتلعثمت وظللت محلقا وراء ما تلبس من رداء.  أهي اذن من أعادتك للحياة؟ أعادت تعميدك في نار الحب: في طفولته، ورعه، وروعته.

LAGHRISSIكانت أم الجــبــل حية،قبل أن تموت اشترت لي حــمامــة تشبه ذاكرتي.ربيتها فوق سطح منزلنا القديم ،شيدت لها عشا بحجم ساعة يدوية..
أما أبي فرأيته يحدق من بعيد في طقسنا،انبجست من وجهه الشريف ابتسامة غامضة،دنا بتعب نحـوي،حدثني:
في يوم ما ستهرب الحمامة من عمرنا،/
في يوم ما سنبحث عن حبة زمن،/
فيعـــز الطلـب..
في يـــوم ستبحث عني،/
أو أبحث عنك فوق الأرض/
أو تحت الارض،/
فلا يعثر الرائي منا /
إلا عــلى غــبار.
رسمت لهذه الألغاز منطقا آخر،،تناسيت ما سمعت..

anfasse02041   عندما علم الجنيرال دين بيي أوكو بأن عدوه الجنيرال باي بُّو أون قد وقع في الأسر فرح أيما فرح. الحقيقة هي أنه لم يكن ليستطيع أيُّ شيء إرضاءه كثيرا. لم يلتقط أحد هذه الملاحظة. و هكذا تم الاحتفاظ بهذا الأمر، جاعلا عضلات وجهه من ناحية أخرى لا تنم عن أي إحساس.
   أمر بسجنه في آخر زنزانة تحت أرضية في حصن كْسِيِينْ خِيكْ. كان يعرفها منذ زمن إلى الوراء عندما أجبره الإنجليزيون على الخبز و الماء هنالك لمدة أربع سنوات. مضى على ذلك زمن يسير: عندها كان باي بُّو أون بمثابة أخيه. ثمانية قضبان قريبة من مستوى سطح الأرض، تقريبا علوها عشرون سنتيمترا، مكان كافٍ كي تجري فيه الفئران الضخمة التي تعيش في حقول الأرز في التل المنحدر.

anfasse26034تجلى له طيفها ،حدثه دون أن تتحرك شفتاه ،اشتكى بؤسه وحيرته ،غضبه وفرحه ،ثم صمت صمتا تفضحه كل الكلمات التي غابت بغتة.
في ذا المكان الذي اتخذ له فيه متنفسا يأوي إليه كلما أحس بالضياع، يتربع جبل يغرق في خضرة يانعة ،وسط غبش من ضباب يخفي شمس النهار،جبل يشي بحالة بؤس شديد.
الشمس تغرق هي الأخرى بين الظلال التي ينشرها ذلك الضباب الكثيف ،تراه يزف للحياة سمفونيات الصمت التي تجعل جمال الدنيا الخرافي، يرقص على إيقاع هدوء هذه الأمكنة .
ابتعد الطيف شيئا فشيئا واختفى ،نظر إلى نفسه ،تساءل ،نظر من حوله ،لم يجد شيئا ،حاول أن يتذكر ما حدث ،لكنه لم يستطع .
وهو فوق ربوة قريبة إلى جانب شجرة ذات فيء ،اختلطت الظلال ومنابعها ،فشكل المنظر شبح شخص مبعثر المعالم ،يتغير شكله بتغير الزاوية التي ينظر منها محمود ،بعض شعاع الشمس يخترق ذلك الشيء الذي تمزق تفاصيله ظلال الأغصان والنباتات دون تكلف.

anfasse26033بَعْدَ صلاةِ العشاء، تَقَاطَرَ شُيوخُ القَريّة ومَعَهُم جدّيَ "سي عبد السّلام" برفقة مساعده، على منزلِ "سّي قاسم ولد الزّرواليّة". كان المَوعِدُ كقافيّة مقيّدة في نهاية مُعلّقةٍ جَاهِليَّة. دَخَلَ الجَمْعُ إلى "الدّكانةِ" فَوجَدُوا ضُيوفاً قادمين من قرية "البُرُومِيّين" جاءوا ليشتروا جَلابيبَ الحبَّةِ، أو يَقْتَنِصُوا بَعضَ الخَرِيدَاتِ المصُونات والكَواعِب النّاهداتِ زوجاتٍ لهم أو لِكِبارِ أبنائهم، الذينَ بَدَأت تَصْدُرُ عنهم فَواحِشُ الفِعل. بدخولِ "سّي عبد السّلام" وقف الجَمْعُ يُبَادِلُونَهُ السّلامَ والعِناقَ، فقد كانَ محبوباً عند الجميع، ومَعروفاً بخفّة روحه وكرمهِ وقوّته أيضاً. عندها جاء "سّي قاسم" مرحباً بكلّ الضيوفِ، داعياً إياهم للجلوسِ على فراءِ "الوعولِ" المدبوغة بالملحِ الحرّ والمنظفة والمفروشةِ فوق زرابي "الدُّوم". جَلَسُوا جَمِيعاً بِشَكلٍ دَائِريٍّ مَركَزُ قُطْرِهِ "سّي عبد السّلام اليحياوي" حفيد"سيدي يحيى الآزمي الإدريسي". وحينها جاء "سّي قاسم" حاملاً صينية كبيرة تضمُ ثلاثة أباريق من الشّاي ترافقه ابنتاه "خديجة" و"عزيزة" تحملان صحون زيت الزيتونِ والعسل الحرّ والسمن البلديَّ. بينما تكلّف ابنه الصغير بإحضار صحون الجوزِ واللّوز البلديّ. كانت عيون الضيوف تتركز على هاتين الجبليتين الموشومتين بجمال غجريّ يضجّ بالأنوثة. كانت خديجة أنضج وأكثر أنوثة، تكشفُ قامتها الفارعةُ عن قوامٍ خوطيٍّ ميّادٍ، وعلى صَدْرِهَا يَنطُّ نَهدانِ نافرانِ كأنهما أرنبين مشاغبين في غابة سعيدة.

مفضلات الشهر من القصص القصيرة