سألني: قصيرٌ كشربة شهدٍ .. ثقيلٌ، مديدٌ بلا منتهى؟
فأسرعتُ: العمرُ.
فقال: أصبتَ وفزتَ، فلك أن تتمنى.
قلتُ: طِرْ بي، وحلّقْ.
فانحنى فاردا جناحينِ، وأصعدني؛ حتى صار سهما مُشعاً.
قلت: أين؟
ورأيته مع كلّ خَفقةِ طَرفٍ؛ يحطُّ على أجراسِ مُدنٍ؛ خمنتُها عواصمَ أوروبا، وقد شخصتُها، رغم جهلي المسبقِ.
سمفونية هائمة في الزمن الزئبقي ـ نص : محسن العافي
كشف سر ألوان الدنيا السبعة ،ثبت مجدافيه في الماء ، عادت السكينة لتخيم على المركب ، تمدّد فوق الغدير الخالي لما عاد إلى البرّ ثانية ، كانت كائنات الأمكنة ترتشف لها من الندى البليل ، حتى خال المساء بجمال امرأة اختلط على محياها الحزن بالجمـال ، نفَسا متجددا كانت ،بل كزرقة السماوات وقت الضحى ،أو كسمفونية هائمة في الزمن الزئبقي، تتراقص الأجسام وتتماوج برقة ورشاقة على موسيقـاها .
يكلم نفسه في صمت :
يا أنا :
أظن أن الرحلة تبدأ الآن من آخر نقطة ،على عكس ما اعتاده كل الناس ،يرمي بك ذلك الصحن الطائر في أنأى الأمكنة ،لتعود إلى نقطة البداية ، وفي عودتك ستدرك الفوز طبعا ،هي فعلا رحلة عبر زمن خرافي .
الليل يجعل من هذه اللحظات تجربة جديدة ومخيفة، ممتعة أحيانا ،قاسية هي رغما عن أنف كل متجبر .
عيد ميلاد سعيد لي ـ قصة : إريك ريشار ـ ترجمة : صابر مستور
خططت زوجتي "كلارا" لرحلة تخييم بمناسبة عيد ميلاد الثلاثين، لقد كانت تعرف أني أحب التخييم، لكنها لم تتحمس للفكرة، مع أنها أحبتها إلا أنها لم تتشوق للتطبيق الفعلي لها. تحب زوجتي "كلارا" أن تدلل في المنزل بمختلف وسائل الراحة المتاحة، ولا شك أن قضاء أسبوع في خيمة، بعيدا عن كل هذه الوسائل هو آخر شيء تريده؛ لا تلفاز ولا هاتف خلوي ولا حاسوب، فقط الطبيعة النقية. لقد أحببتها لأنها فعلت كل ذلك من أجلي.
كان صباحا خريفيا مشمسا في الغرب الأوسط،، نسمة برد خفيفة في الهواء ، إنه فعلا طقس مناسب لارتداء سترة أو قميصا خفيفين.
لقد كنت أترنح بسبب بقايا آثار الليلة التي قضيتها في الشرب مع أصدقائي من الندامى، لهذا تركتني كلارا أنام بالداخل. كانت الأمور ضبابية بالنسبة لي ، لا بد أني ثملت جدا وأن الليلة التي قضيتها كانت ليلة ليلاء .
خطوات ـ قصة : أحمد العكيدي
خطا خطواته الأولى خارج المقهى التي اعتاد التردد عليها، مند مدة، ولا يبرح كراسييها حتى حلول الظلام وأحيانا حتى بزوغ الفجر. زَرَّرَ معطفه الداكن ووضع فوق رأسه قبعة صوفية سوداء من صنع أمه، ثم أطرق عائدا إلى حيث لا يدري.
أخرج من جيب قميصه القطني أخر سيجارة متبقية لديه، تفحصها ببطء وأدفأها بلطف بين يديه، ثم أشعلها بعود ثقاب خشبي وبدأ يستنشق دخانها بنهم وهو يردد بصوت هادئ إحدى أغاني أم كلثوم: "..هل رأى الحب سكارى...". ثم بدا له في أخر لحظة، وهو يهم بفتح باب منزله، أن يتفقد أحد أصدقائه في الحي الجامعي القريب من محل سكناه.
سيارة ركنت في زاوية مظلمة بالقرب من مدخل الحي الجامعي تتقدم نحوها بحذر فتاة في ريعان شبابها، وردة ناطقة بالحياة، تفوح منها رائحة عطر رخيص، تلتحف رداء يحجب وجهها، يختلط سواد لونه بدجة الليل، تضع نظارة ملونة تخفي بها عينيها. لم يكترث كثيرا بما رأى، ربما تطبع مع المشهد أو هي ثقافة غير التي جبل عليها بدأت تنخر عقله وروحه ببطء من حيت لا يعي وجعلته يقبل الأشياء كما أصبحت عليه.
سوق ـ قصة : نهله أبوالعز
قال بهمس:
- أريد أن أُنجب منك طفلة.
خفق قلبي وغشاني الخجل، وقبل أن أرد استطرد:
- ولكني لا أحب الزواج ولا القيود.
مادت الأرض تحت قدميَّ، ولم أجد ما أقوله.
فكرت أن أصفعه على وجهه وأمضي، ولكني لم أفعل، وفضَّلت الذهاب بصمت. لماذا لم أفعل؟ هل لأنني كنتُ أرمي شباكي عليه بحثًا عن عريس؟
هذا ما نصحتني به أمي بعد أن تجاوزت الثلاثين، ولكن الشبك خرج بلا أسماك.
الجمعة الماضي كان فرح صُغرى فتيات العائلة، سمعت دعواتٍ صادقةً لي، وهناك نظرات شماتة لا أجهلها، قالت أم العروس بانتشاء:
لنبدع للأيام قصة من دون كلام ـ قصة : محسن العافي
الصمت وأنا في دهاليز بيت مهجور، أصمت ويصمت ظلي تحت عيني مصباح ذو شعاع باهت ، يتحدث إلي دون أن ينبس بكلمة، يقول لي : أنت شقي أخرسه الزمان، أنت ذلك الزاهد الذي لا تتعب شفتاه من ملامسة فناجين القهوة الساخنـــة ، ذلك الذي يضع سيجارته بين أصابعه فيتركها لتحترق في صمته،
أنت الذي تشتاق شفتيه لملامسة صمتك ،لتقبّله،طبعا لن يخرجك أحد من عالمك هذا كرها،أو دون إذن منك .
في الحب والباكتيريا وأشياء أخرى ـ قصة : ياسين المرزوكي
ولأعترف لكم، فقبلها لم أكن أعرف ماهي (الباكتيريا)، ومثل أي بوهيمي يتبنى نظريات غير مكلفة ماديا، كنت أعتبر ان بعض الميكروبات جيدة للجسم وتقوي مناعته، وأن الامراض الخطيرة مثل الرصاصات بالنسبة للسجين الهارب قد تصيب وقد لا تصيب. الى أن التقيتها. منذ اللقاء الاول وما أن مددت لها يدي مسلما حتى سألتني : في أي وسيلة نقل جئت؟ قلت لها: الاوتوبيس. كما لو أنه قد مسها تيار كهربائي، فتحت حقيبتها وبدت وكأنها تبحث عن شيئ ما محدد. أخرجت قنينة طبية بيضاء صغيرة ضغطت على بطنها حتى خرج منها سائل أبيض شفاف ثم بدأت تمسح على يديها الاثنتين، نظرت نحوها متسائلا: هل تعانين مرضا ما؟ قالت لي بهدوء زائد كما لو انها تريد ان تخفي شيئا ، انه "مضاد الباكتيريا" ثم نظرت هي نحو يدي، فعقبت أنا: وما هي الباكتيريا، وأخذت تشرح لي وهكذا بدأت قصة حبنا مع الباكتيريا ومضاداتها، والباكتيريا أيها السادة لاترى بالعين المجردة هكذا قالت لي، وهي توجد في كل مكان تقريبا وأضرارها خطيرة جدا، فهي تصيب بمرض التهاب السحايا وتفسد الاطعمة المكشوفة وتؤدي الى تسوس الاسنان.
كشفُ العارفين .. ـ قصة : عمر حَمَّش
من وسادةِ الغرفة المعتمة ذاتها، شرعَ ينطلق .. في عبابٍ يتفتحُ، يتداعى، ولا ينتهي .. يسرعُ كومضٍ، أو يبطئُ للتأمل، يدققُ بغرابةِ ساكنِ دنيا، يستدعي غسقا، وينيرُ شمسا صاخبة، يطوي الزمن، فيأتي بمن ذهب في لمحة بصر، وبضربة طَرفٍ يغيّر الأمكنة، يحادث راحلين ملأوا رأسَه بهم، من أبي النُواس بعمامتِه، يحدِّقُ، ويهامسُه، إلى الحجاج يأمرُ، فيقومُ سيفٌ، ومنجنيقٌ يلطم .. ويرى رابعةَ تمزجُ اللبن بالعسل، وتأتيه بقدح، وعمرا يغمزُ بعينيه، ثمَّ يقهقه، وهو يمضي في دربِ أرضٍ قاحلة ...