anfasse27051صمت يجلله صمت، ورهبة تجلل برهبة، ووحشة تجلل بوحشة، ومجهول يغوص بالمجهول، وغموض يهوي إلى قعر أعماق الغموض.
الشمس هنا تختلف عن شمس الأرض ، هنا تغلي الأشياء على مرجل الهيبة المنبثقة من رعب المخفي تحت الثرى ، تلتهب الأشياء وتصفر الحشائش ، ترى الحزن الساكن بكل غصن من أغصان الشجر ، وترى الموت الموزع على الأشياء المحاطة بسور المقبرة ، تتدلى الشمس من مكانها ، تهبط نحو الرأس ، يغلي الدماغ ، تتسلل إلى توزيعاته وتشعباته رهبة القادم والماضي والحاضر ، تتناثر الأفكار وتصطرع ، تضغط الحرارة على مركز الوعي والسيطرة ، تنهار المسلمات واللذات ، تتلوى الأفكار كصل منزوع من حرارة الصحارى ، تهبط نحو القبر ، أو تحس بانزلاق القدمين نحو حفرة مفتوحة لغيب ما زال مطويا في حجب اللحظات والأيام القادمة.

ما هي المقابر ؟
ولماذا تسكننا الرهبة حين نداهمها أو تداهمنا ؟
ولماذا لا ينبت  "البصلون "إلا فيها ؟

anfasse15053البعض يدفعون بك قسرا كي لا تكون... حتى قطط الشوارع تفعل هذا ،تخدش وجوه بعضها  من أجل قمامة تافهة ، فيحتدم  بينها القتال ،  خرج جرذ صغير يتسلل حذرا من بالوعة مياه، يرتجف من الخوف و البلل ،قلت له ،لا تخف ، ، عليك الأمان  ، اذهب إلى حيث تريد ، أنا هنا ، لست  لأصادر حقك في الوجود ،أنت كائن وأنا كائن ؛ أولئك الذين يظنون أنهم يملكون الشارع ، وحدهم تافهون، تعجبني الشمس لأنها بعيدة ، أما القمر أكره فيه كثرة الغياب ؛ أوراق خفيفة ، ، يهزأ منها الريح الخافت مع همسات الليل يدفع بها على مهل من وسط الشارع  إلى الهامش ، قلت يا عجبا ..حتى الريح متآمرة ، أين تدفع بهذه الأوراق ، بين شجرة الزنبوع و الحائط ثَم  وكري، نسجته في الظل ،البعض يسميني المجذوب والبعض يسميني الأحمق ، ملائكة الليل عندي أحسن من شياطين النهار، هي الأقرب إلى قلبي ، ربما لأنها تقاسمني المَلَل والعِلل، وقفت إلى جانبي عاهرة قديمة أعرفها جيدا وأعرف تاريخها المهني المجيد ، تاريخ العاهرات كله هروب ، تسأل هي الأخرى ، عن عود ثقاب أو ولاعة ، وتنظر غير راضية إلى هندامها الأنيق بمقت.. ،قلت لها ، أنا لا أدخن ...التدخين يقتل ، قهقهت عاليا وبصقت بجانبي وانصرفت تاركة وراءها نسمة عطر رديئة ممزوجة برائحة نبيذ ، لا أتخيل شارعا جميلا بدون جرذان وقطط وعاهرات وريح و أوراق .

anfasse08055للمرة الثالثة الآن يرن جرس المنبه. يكاد يفقده صوابه كل مرة، لكنه لم يسكته هذه المرة، بل اكتفى فقط بالتحديق في سقف الغرفة ممددا على السرير. أراد أن ينفض عنه الغطاء لكن لا تسعفه أطرافه. اكتفى فقط بالتحديق. سكت المنبه لوحده. لم يستسغ صراخ المدير في وجهه ذلك الصباح، بقي صامتا وكأن المدير لا يعنيه بالكلام، بل حدق في عينيه مليا ثم انتقلت عيناه إلى شفتيه اللتان بدتا وكأنهما تغلقان وتفتحان دون إصدار صوت، يا للسان الأفعى هذه! ويا لعيني العقاب! فكر في نفسه. لم يتذكر قط كلمة مما قال. ها هو المنبه اللعين يرن مجددا ويوقظه من غفلته، وهذه المرة انقض عليه بعنف وكأنه يسكت فم المدير بقبضته، ثم انتفض من فراشه واقفا. كاد أن يسقط على الطاولة بجانب السرير من عنف حركة الوقوف تلك، فارتد إلى جانب السرير جالسا ورأسه بين يديه وعيناه مغلقتان. ظن لوهلة أن الغرفة وأن كل شيء من حوله يدور وكأنهم في فلك يسبحون، السرير والطاولة والكرسي والتلفاز والخزانة والنافذة والحائط والباب...

anfasse08051لماذا نغادر الأشياء؟ ولماذا تغادرنا الأشياء؟
         حقا أنا لا اعلم عن من ماذا أتحدث، لكنها الحيرة التي تداهم النفس أحيانا، دون معنى ودون سبب، تأتي هكذا لتضع العقل والنفس أمام تساؤلات غامضة مثيرة، مجهولة معلومة، تؤلم الذات، تستنهض الوجع، ترج الصدر، حتى يبدو وكأنها تود أن تجعل ضلوع الصدر تختلف وتتداخل، تشعر بانفجار يهز الهدوء ويمحق السكينة.
         تحاول أن تفرج عن نفسك قليلا، تخرج نحو الهواء المحمل بصفير الرياح وقسوة البرد النابع من الجليد والثلج، تمسك بك آلام الرقبة، ويأتي الغاز من حيث لا تعلم ليستقر في جبهتك، تقترب من الانفجار، تشعر بالرعب والهلع، تكتسحك كآبة مركزة.

anfasse01052... ثم جلست في المكان المتفق عليه، المطل على الشاطئ هناك، كانت كل الأشياء هادئة جدا بطعم الخلود الأبدي، ومعها ألفيتني ساهما، متأملا بدون عنوان، على العموم كانت هذه ولازالت عادتي عندما أجدني واقعا في فخ الصفحة البيضاء، حيث تنعدم اللغة أو بالأحرى تصبح عاجزة على ترجمة ما بدواخلي، ومنه فقد قررت أن أسافر وبدون وعي مني عبر تلك الأصوات البعيدة الممتزجة بهدير الأمواج الخفيف، كان المنظر بمثابة حافز على تنويم مغناطيسي طويل الأمد، لكنه كان أيضا فرصة لطرح تلك الأسئلة التي كنت قد نسيتها أو بالأحرى تناسيتها منذ عشرين سنة، صحيح أن هناك فصولا طويلة كان لها ما كان في هذا الفراق الذي حدث بدون سابق إنذار، لكن كان لا بد لإرادة الإنسان أيضا أن تلعب دورها لإصلاح ما أفسده الزمن، وهو الأمر الذي لم يتحقق أبدا، كأننا كنا على استعداد لهذا الذي حصل، منتظرين فقط ساعة تحققه...

anfasse01051القدر لا يعبث إلا بالجميلات !!!
صدفةً التقيْنا ، صدفةً افترقنا ، و ما بين الصدفة والصدفة ارتسمتْ حياتنا لوحةً باهتة من الفرص الضائعة ، رسَمها القدر الساخر فأمسينا نبحث عن ذكريات أفَلتْ قاتمةً مثل غيوم الخريف ، كاذبةً مثل أحمر الشفاه !!!!!!!
صدفة 1:
في بداية السنة الدراسية لم يكن لمدرّسة الرياضيات حلّ لتهدئة صفّنا المشاغب إلا بأن تضع كل شاب بجانب فتاة ، نظرا لكرهنا المزمن للرياضيات ، و في اليوم الذي وضعتْ  فيه الأستاذة كل طالب وطالبة في طاولتهما المحدَّدة ، و نتيجة لنزول المطر بغزارة في الليلة الماضية ، تأخرتْ الحافلة التي تُقلّني من قريتي إلى المدرسة الثانوية ،و حين دخلتُ متأخِّرا وجدتُ المدرّسة تخاطب إحدى زميلاتي الواقفة  و قد كانت الأخيرة و الوحيدة التي لم تجد لها رفيقا ، نظرتْ إليّ الأستاذة بامتعاض و هي تتأمل هيئتي عند الباب ، كنتُ أضع كتبي تحت إبطي و ألبس بنطال جينز شمّرتُه قليلا إلى فوق مُجاريًا موضة الشباب في تلك الأيام  ووضعتُ قميصا يكشف بشكل فاضح عن شُعيرات صدري ، ونعلاً من العظم القاسي قد تلوّث بالأوحال ، يُطلق صوتا مدوّيًا على أرضية الصف مع كل خطوة أخطوها ، هتفتْ المدرِّسة و هي تشير إليّ في سعادة:
-هذا زميلك....!!هذا يناسبك ....إنه على قياسك !!!

anfasse25042لماذا نغادر الأشياء؟ ولماذا تغادرنا الأشياء؟
         حقا أنا لا اعلم عن من ماذا أتحدث، لكنها الحيرة التي تداهم النفس أحيانا، دون معنى ودون سبب، تأتي هكذا لتضع العقل والنفس أمام تساؤلات غامضة مثيرة، مجهولة معلومة، تؤلم الذات، تستنهض الوجع، ترج الصدر، حتى يبدو وكأنها تود أن تجعل ضلوع الصدر تختلف وتتداخل، تشعر بانفجار يهز الهدوء ويمحق السكينة.

         تحاول أن تفرج عن نفسك قليلا، تخرج نحو الهواء المحمل بصفير الرياح وقسوة البرد النابع من الجليد والثلج، تمسك بك آلام الرقبة، ويأتي الغاز من حيث لا تعلم ليستقر في جبهتك، تقترب من الانفجار، تشعر بالرعب والهلع، تكتسحك كآبة مركزة.

anfasse15045على مرمى حجر ، لمحتُها ،تحدَّثْتُ في داخلي ،لا أعرف عنها شيئا ،لكنني خلتها هناك في سمائي صامتة كئيبة ، لا تعرف لها وجهة ، غير الإستقرار في أحضان مخيلتي ،التي ترتع في سوادها ،وتنتظر الخلاص ،من ذاكرة وسعتها واحتضنت كل أنحاء حياتها . كنت أمعن النظر في عبارة أنيقة عن المرأة ،وعندما مرت عابرة ذلك الجسر القريب ، لوّنْت تلك العبارة ،وكنت أنتظر أن تفي بمعناها ،فمحوت أثر الحزن عن هذه الصورة الحيّة ، التي تعبر الجسر .
مياه الوادي لا يسمع لها خرير ، القصب الذي يلامس ضباب المكان ، يجعل من صوت الريح أغنية لعاشق حزين ،رأيتها تجري وهي تلبس رداء أسودا ،كنت أناديها بما حملته تلك الأنيقة التي لونتُها ،فتعمدت أن أختار من الألوان غيْر السواد ،غير ما يميز العتْمة ،غير ما يرسم للكائنات عبوسها،شقاءها ، نهايتها.......
شدني الموقف أن أعرف المكنون المخبوء وراء سواد ردائها ،و عروج روحها في سراديب  الأحزان ،و وميض الأمنيات التي لا تتحقق ، فتتَبّعت خطواتها ....

مفضلات الشهر من القصص القصيرة