anfasse11021قال الثلج ضجِرا..
ـ سئمت لوني الأبيض..
رد الليل ناصحا..
ـ لن تجد لونا آخر يليق بك..
للبياض سيرة.. وللسواد سيرة.. وبينهما كل الحياة.. سر الحياة..
للضوء والعتمة سيرة وأسرار..
 وللأخرى وجوه تتقلب..
ضحكات صفراء..عيون من الغضب حمراء.. ووجوه تتخذ لكل يوم لونا.. نفاق..
كما الجوكندة.. نلبس الغموض والهدوء المصطنع ألوانا.. ونرسم على وجوهنا وملامحنا وحركاتنا ألوانا شتى.. لا معنى لها.. ألوان تصدر عن ذوات تصطبغ بكل لون.. لكل يوم.. لكل حالة..

anfasse05025النيران المشتعلة تحدَّثت إلَيَّ ، النيران تسألني وتستفزني ،تستعجلني الإجابة عن شيء ما  كان خاصًّا بي .
ارتفعت حرارة المكان الذي أتواجد به ، ألسنة اللهب تزحف نحوي تارة  ،و تارة أخرى تلزم مكانها ،تسترق  هواء المكان،تستنزفه ، آه!!  ذلك الشبح القابع وسط الحريق كشر عن أنيابه ، ينفخ على النار فتزداد اشتعالا ،اللهب كأنه كائن مُترنِّحٌ يمِيل جهة اليمين وجهة اليسار ،"ههه "،إنه  يرقص رقصة إفريقية ،الرِّياح تشتَد ،المكان خَالٍ على عُروشه إلا منِّي ،والأنوار تلوح باهتة من تلك الأبنية البعيدة ،الشبح يخرج ملتهبا من موقد النار متجها نحوها ،أو ربما يتجه نحوي .شيء ما بداخلي يدفعني للهرَب ، يدعُوني للفزع  ، يدعوني للبكاء.
خمدت نار الموقد ، بينما الشبح يسير بخطوات سريعة وأعضاؤه ملتهبة ، ظنِّي يُرَاودُني عن نفسي لأقول : ربما هو نيزك يسير محاذيا للأرض حينا، ويلامسها  حينا آخر، ولا يستقر في مكان، لا يَا أَنَا  ! إنه ليس نَيْزَكا بل شيئا آخر .
لم يتحدث العِلم عن نيزك كهذا،ولا عن حركته الغريبة،ولا عن رقصته الإفريقية  .

anfasse05023مرضت زوجته فجأة وذهب بها إلى المستشفى حيت خيروه بين الانتظار لشهرين أو الرحيل بها إلى مصحة خاصة، حدثهم عن فاقته وعن شح دراهم يومه التي بالكاد تسد لقمة عيشه رفقة أسرته، احتقروه وتفننوا في إذلاله، طالبوه بشهادة الفقر متناسين أنه هو الشهادة بعينها،  تم تركوه يطرق أبواب مكاتب عديدة ليخرج منها مهانا ذليلا.
بعد معاناة وبإصرار شديد أتى بالوثيقة المشؤومة، تم أدخلت زوجته إلى غرفة الفحص ودعاء الأمل لا يفارق لسانه، انتظر خلف الباب حتى خرج الطبيب فعلم أنها بحاجة إلى عملية جراحية عاجلة يعجز المستشفى عن القيام بها. قبل يده واستعطفه لعله يرأف بحاله، بلطف لم يعهده من قبل في مثل هذه الأمكنة، أجابه الطبيب ربما مشفقا عنه لبؤسه أو لجهله: العملية تحتاج إلى أجهزة متطورة لا تتوفر لدينا، تم نصحه بإحدى المصحات الخاصة.

anfasse29015حين تنطفئُ جذوة الكلام تشتعل مسافات الصمت..
قالوا قديما.. إذا كان الكلام من فضة.. فالسكوت من ذهب..
فهل فعلا ـ في زمن الرداءة والخيبات ـ السكوت من ذهب ؟
أين ذهب الكلام حين أغلقنا دونه الأبواب والنوافذ واسترقنا الهمس والدَّندنة والصراخ الأجوف ؟هل تمرَّدت علينا الحروف وغيَّر الكلام مواقعه وسكن الآذان وحكم على الألسن بالصمت والخرص والبوار ؟
رغم الكلام.. لا صوت يُسمع في المحافل هنا وهناك.. نتكلم ونتكلم ولا نقول شيئا.. تصفيق يتلوه كلام وكلام.. ولا شيء.. كأن الكلام صمت..

anfasse29014أحلم بكوخ ساهر تنام الصخور حوله، وأن يتحول الزمن إلى صدى تهدهده النغمات . أحلم أن أمضي بلا كتفين وبلا قدمين، وبملائكة الله تقطع هذا الخيط من حول عنقي، وأن أستعيد لوسادتي وقميصي رائحة وطني . أحلم أن أنتمي لحدود نفسي فقد مضيت بلا حدود، وبأن تعود أصابعي التي هجرت يدي، وبأن تتوقف أحلامي .
أحلم أن أخلع رأسي وقلبي وجلدي وإسمي، وأصعد نحو المساء الأخير طفلاً صغيراً ضاحكاً، وأغفو على حلم كأني لم أغادر . أحلم بعودة زهرة عبرت برقتها الحدود وبعينين خرجتا مع الفجر ولم تعودا . أحلم أن تتوقف اختلاجات الاسئلة في صدري، تدور كالعصافير تمرح في ذاكرة الوقت، وبأن لا يتآلف جرحي مع سوط السلطان .

anfasse29011صحوت من النوم اليوم حزينا جدا؛ فقد حلمت أن أحدهم قد أكل حمامتي البيضاء.. هذه ليست نكتة.. فأنا أقتني بالفعل حمامة بيضاء، أترك لها عادة "الحبل على الغارب" كما يقال لكي تذهب أينما تشاء وقتما تشاء فى فضاء الله الواسع، تطير كثيرا، وتبتعد كثيرا لكنها دائما ما تعود لعشها من جديد تهدل في بلكونتي أناشيد الهوى للذكر الذى تهوى، وترقد في سلام تحت ظل حمايتي..
في حلمي، قص أحدهم عليّ ما حدث.. كيف استغل الذابح براءتها.. اقترب دون أن يثير في قلبها القلق، داعبها في حنو أبوي.. حتى اعتقدت أنه مثلنا، فقط يهوى البراءة المرسومة على ريشها...  ثم تمكن من رقبتها.. جرها من ريش رأسها على الأرض وذهب بها..

anfasse22018عند المساء كان الحكم قد صدر، كنت أستطيع أن أرى طبيبي وهو يضع  على المكتب تقريره الطبي النهائي، زم شفتيه ونظر في وجهي نظرة فهمت معناها ثم قال- للاسف لم يتبق أمامك وقت طويل-  كم؟ نظرت في عينيه مباشرة وانا شبه محتارة-  ثلاثة أيام على الاغلب- ثم أضاف: يمكنك استغلال الوقت المتبقي في القيام بأشياء ذات أهمية. حملت الورقة المشؤومة بين يدي ونزلت الدرج شبه غائبة عن الوعي، ماذا يمكن للانسان أن يفعل في ثلاث أيام؟ لاشيء، لا بل أشياء كثيرة، المسيح نفسه قام بأشياء كثيرة في ثلاثة أيام، بم أبدأ؟  هل أزور بعض صديقاتي واخبرهن بالامر؟ لقد استفحل المرض في جسمي، رغم أنني أبدو واقفة صلبة وقوية، لكن صديقاتي سيزدن من تعقيد الوضع، أعرف ان بعضهن سيصدمن والبعض الاخر ستنخرطن معي في نوبة  بكاء مر وسأضعف، وأنا لا أريد أن أضعف، أريد أن أبقى قوية ومركزة، أحسست بخذر قوي في يدي، وصولا الى باب غرفتي كانت قواي قد خارت كليا، أدرت المفتاح وسرت زحفا على أرضية الغرفة، توقفت لالقي نظرة على أثاثها، صورة أبي ماتزال في مكانها، بدت ابتسامته ساحرة بالابيض والاسود وكأنني أراها للمرة الاولى، عقارب الساعة لا تزال تكمل دورتها الاعتيادية ولكن ببطء شديد، واتخذت قراري.

anfasse15014على شواطئ الغربة هدّمت خيامك الحزينة ، طويت القهر ورميته خلف الدهر، ورتبت أزمنة جديدة في حقيبتك ، لتعود قافلا إلى مضجعك الأول، تكمل بالنيابة مشروع الأب الذي التقمته في ليلة طائشة إحدى الطلقات غير نادمة ،لتلملم  شتات الأم والفراخ الزغب ….
توجهت إلى المطار، وفي يدك آخر مشرط لذبح الفاجعة ، من أقاصي عينيك تنط الفرحة ، ولهفة الوصول تضرب أوتار القلب، بك عزيمة تخطي المدن الفاجرة ، والأعاصير، وزرقة البحر، لتوقظ أقاليمك من نعاس الأنقاض، تزرع في صخرها حقول القرنفل ، تغتال على عتبته الإيقاعات الغبنة أتعابا فرخت بلا حدود. فبعد أن ملأت سلالك بنواضج التمور ، تحاول مَدّ سواقيها  إلى المدن الجائعة بالوطن….هكذا توقدت بنات الأفكار …