anfasse03071غادر رحبة المواشي ، وزع ما يملك من مال على جيوبه احتياطا و هو يدلف إلى بقية "الرحبات" بالسوق الأسبوعي الشهير .. لم تمض سوى هنيهات حتى اختلط  بأرتال الناس و هم يدرعون الممرات الضيقة ذهابا أو إيابا و في جميع الاتجاهات ، يتأبطون قففهم و يسيرون كل يبحث عن ضالته  بين الخيام الموزعة في صفوف خططت كما اتفق  ، عقيرة الباعة ترتفع هنا و هناك :
-    كوَالة مبادئ .. كوَالة مبادئ ..
قصد رحبة اللحوم ، بحث مطولا عن قلب يكون وجبته للعشاء القادم لكنه لم يعثر على قلوب تستحق الاقتناء فابتاع راسا أو رأسين مجوفين و رطلا من اللحم ..
-    كوالة علوم .. كوالة ثقافة ..

med-alfaheme ما أكتبه ليس إلا مجرد طيف لما أفكر فيه .
ما أفكر فيه انعكاس بعيد لحلم عميق يستحيل تذكر ه .
 التفكير الحقيقي لا بد أن يكون نوعا من البوح ، شيء ما تقوله بخجل وإذلال ميتافيزيقي في الشفق الداخلي للروح ، كأنه اعتراف من الذات اتجاه نفسها قبل أن يكون اتجاه  الآخرين . أفكر بطريقة لا منطقية لكنها مع ذلك ليست مضادة للمنطق ، أفكر فيما يوجد قبل الفكر . أحب كذلك بإحساس سابق على العاطفة في النقطة التي يختلط فيها  الشجن مع الحزن . دائما أدفع فيالق الكلمات كي تعبر فوق الجسور الخشبية المعلقة عاليا ، على امتداد جزيرتين غير منظورتين ، وأنا في كل هذا مثل من يعيش بين صرختين مشدود لما يوجد قبل البداية منجذب لما تخفيه النهاية .
  اليوم تحت الشجرة المباركة التي لم تطرح هذه السنة إلا بضع زيتونات معدودات ، نزل علي ذلك الإلهام المفاجئ كوحي بدون كلام فقط برغبة مأزومة في تجاوز حدود الذكاء الذي يفرضه علينا العقل . ذلك أن العقل على ما يبدو لي يمكن أن يصبح أحيانا حاجزا أمام الحقيقة.

anfasse2762أحس بخدر شديد يسري في جسده، فانفلت العود الصغير من بين أنامله بعد أن حفر في الأرض شقا يتسع لدفن ضفدع. تحسس بيده خده المتورم غير الحليق، ثم انساب بكفه نحو الخد الآخر الحليق، ليلمس نعومته العذبة، قال لنفسه: في الوجه خدان، في الرأس وجه، في الخد الأيمن أورام تتكوم، ألام تتكدس، شعر لا يحلق، في الخد الأيسر تنساب نعومة ظل تداعبه نسيمات ورديه.         
مد جسده للأمام، فظهر جلده شديد اللمعان تحت سياط الشمس اللاهبه. نفرت أوردته من تحت الجلد، امتزج سمار بشرته بخضرة عروقه، نفرت عروقه بشده، تصلب جلده، تحسس بكف يده بطنه بشكل دائري، ضغط قليلا مكان المعدة، جحظت عيناه، ضغط من جديد، تربد وجهه، بدت تقاسيم وجهه تأخذ شكلا أسطوريا، تليفت أعصابه، وبدا العرق يتفصد من جبهته ومن تحت أذنيه. أحتضن بطنه بشدة، اصبحت حاجته للتقيؤ ماسه. هم بالنهوض لكنه عاد واجل ذلك لمرة أخرى.

anfasse2761أخرجوا الطفل الذي بداخلكم حتى لا تسقط أسنانكم..
هناك.. لا تزال مساحات بداخلي يصعد منها النور صافيا وهاجا شفافا يدفعني لأن أشاكس.. أشاغب.. أطرح أسئلة لا ألقي لها ـ في كثير من الأحيان ـ بالا يعتبرها البعض غباوة.. وآخرون تخريفا.. وآخرون " بسالة " ..لكن حقيقة هذا التصرف عفوية وبراءة وطفولة.. لأن الطفل الذي بداخلي لا زال يشاكس ويشاغب..
أسأله فيهرب مبتسما.. في عينيه براءة ماكرة.. أجالسه أمام شاشة التلفزيون نتتبع في تلذذ صخب الرسوم المتحركة ونحن نمص رحيق حلوى نُصدر صوتا غريبا مُضحكا..

قصة قصيرةهذا الصباح استيقظت على غير العادة، بألام قوية في الرأس مع دوخة شديدة مفزعة، كانت غرفة نومي مظلمة، وعندما رفعت يدا ثقيلة لأزيح الغطاء علي لمست شيئا-ماهذا ؟ سألت نفسي باستغراب- هل هذا جسد؟ تحسست الجسم الغريب قربي، بدءا من الرأس حاولت البحث عن ملامح وجه ما . اما الشعر فكان قصيرا مربوطا بغير هدى، نزلت يدي بوجل الى الرقبة هذه سلسلة يجتمع طرفاها بخرص صغير. فركت عيني لارى ولكن بدون جدوى، لم أرد أن أستمر في مغامرة التحسس هاته، لكنني كنت مضطرا، من الظهر العريض وصولا الى ... لا يعقل هل هذا جسد امرأة؟ وماذا تفعل امرأة في غرفة نومي؟ لم تدخل امرأة غرفة نومي منذ اتفقنا انا و"العالية" على ان نكون لبعضنا البعض ودائما، و ماذا سيحصل لو علمت ''العالية'' ان بغرفة نومي امرأة أخرى سواها؟ ستقتلني.. أنا اتذكر كلامها يوم قالت لي بهدوء ونحن نجتمع حول طاولة في مقهى داخل هذا "الفيلاج" الصغير.

anfasse8888لوّح لي بيده ومضى في سبيله... غامت صورته خلف بلّور المترو الذي حملني وتركه... انتبهت بعد حين إلى أنّني قد أخطأت محطّتي... أربكني ما سمعت فغام بصري وتعطّلت مائزتي وأخذني الذهول بعيدا...
كان اللقاء وجيزا... حدث من تلك الأحداث النادرة التي تمضي وتترك خلفها فكرا حائرا وتساؤلا قائما... قصّة صادفتها لم تكتمل ككثير من الأحلام... مضت أيام فأسابيع وصورة الفتى لا تزال تلحّ عليّ كما لو كان ملازمي لا يفارقني... قصّة لا تريد أن يكتنفها النسيان...
لقيته مصادفة... في محطة من محطات المترو... كان وحيدا يبحث عن محاور يبثّه بعض همّه الذي أثقل كاهله سنيّ عمره... لفت انتباهي بلهجته الجريدية الأصيلة وبقدرته الخارقه... قدرته على اختراق محاوره والنفاذ إليه... فتى ضحوك ولكنك تكاد تبصر بعينك خلف الضحك أشياء... وأشياء... شخصية معدنها من البلّور... عينان خضراوان احتدّ نظرهما توسّطتا وجها لفحته شمس الجنوب القاهرة ولكنّها لم تذهب بألقه رغم الجراح العالقة والوجع المتّصل...

anfasse3447         الظلام يكلل كل شيء، لو مددت إصبعك أمام عينيك، فانك لن تراه، والجسد الملوح بالسياط والعصي والتعب منتصبا كشجرة حور عملاقة.
         التعذيب طوال الساعات الماضية لم ينل منه شيئا، والوقوف الإجباري بسبب الربط الخلفي في ماسورة مثبتة بالحائط، الجلوس الإجباري على كرسي أطفال من الخشب مع التقييد التام لليدين والقدمين معا، اجبر الجسد ان يكون مقوسا تقوسا يشبه الانحناء بالرأس نحو القدمين، كل هذا لم يزحزح الرجل عن موقفه قيد أنملة.
         عادت الذاكرة للعمل من جديد، هكذا يحصل دائما، حين لا تجد ما تفعله، فانك لا تستطيع ان تمنع عقلك من الانفلات على هواه ليعمل ما يشاء، ويصور ما يشاء. وفي عمله مع لحظات الهدوء القاتل، ولحظات التوقع القادمة من الظلام، تبدأ روعة العقل في الظهور لتطفو فوق كل الحدود والجدران، ترسم عبقرية فذة في صنع شيء ما للجسد المقهور والمغلول، هذا العقل هو الانتصار الأبدي على كل المعاقل العاتية، وسطوة القهر الطاغية. لا توقفه الجدران ولا تسيطر عليه القيود. هو حر داخل الزنزانة، وتحت السياط، حر برغم القيود الضارية التي تغل اليدين والقدمين في آن.

anfasse3446تنهدتُ بضيق بعد أن قضيتُ نهارا شاقا ومتعبا في تمثيل دور الأبله للأطفال، استدرتُ نحو النافذة الصغيرة المطلة على الحديقة الخلفية للبيت والجدار الإسمنتي الذي يحيط بها، تذكرتُ الغارة الكبرى والأقدام الهمجية التي وطئت بيوت أهلي بحثا عن الذهب الأسود والأصفر والرصاص الذي فَرَّقَ شمل أحبابي من على الأغصان كتساقط النبق الهشيش إثر حجارة صبي مشاغب يرمى الشجرة لان قامته الصغيرة لم تبلغ بعد حد الثمار الناضجة.
 تذكرتُ أنين الأشجار حين لامست مناشيرهم الكهربائية وهم يفترسون الغابات ويفرشون الأرض بالفحم ويغلقون منافذ الهواء والغناء.
تذكرتُ السهول الخضراء التي تتحول إلى بحيرات جميلة في الشتاء نشرب منها الماء ونواصل رحلاتنا السعيدة في البر والسماء، تذكرتُ البراري الواسعة ومساحات أصواتنا الدافئة التي تتفسّح في أحضانها وأتساءل وحدي كيف وصلنا إلى هنا؟
***

مفضلات الشهر من القصص القصيرة