جلسَت على مائدة الإفطار تُناول زوجها كوب الشاي وتدردش معه عن جارتهما صفية التي بدأت تضايقها بكثرة الشكوى من زوجها كل يوم، وكيف أنها ملت من حكايات خصامهما المتكرر. وقبل أن يغادر "أبوعلي" البيت كانت صفية تهم بطرق الباب التفت مبتسما وقال مناديا "صديقتك صفية يا ليلى". خرجت ليلى من المطبخ متأففة تجفف يديها بمنشفة قرمزية اللون "خيرا إن شاء الله؟... صالحته؟" توجهت صفية بنظرها إلى الأسفل نحو الأريكة الموجودة عن يمينها وألصقت ظهرها بالجدار وقالت متمتمة "نعم صالحته" وصمتت لبرهة وعادت لتقول "ولكننا عدنا للجدال هذا الصباح، إنه يرفض السماح لي بزيارة أختي المريضة", ردت عليها ليلى بنبرة حادة "وماذا بعد؟"، أردفت صفية وهي لاتزال تشيح بعينيها عن صديقتها التي تحذق بها "وماذا عساي أفعل؟ سأكتفي بمكالمتها هذا المساء وأحاول اختلاق عذر مناسب لعدم زيارتي لها".
النارنج العجوز ـ عبد السلام عطاري
-لماذا نبحث عن منفى طواعية؟!
-كي نعيش الحنين، كي نكتب أكثر و نُبدع في فنِّ الرثاء، كي نبكي الوطن والفقراء والشهداء بما يليق، كي نَعدّ كم غرزةً في الساقِ المبتورةِ التي تسابق الريح، كي ندرك فجيعة الأمهات في الصباح وهي تعد حقيبة المدرسة، قبل أن تغرز في قلبها شظية الفقد والموت
-لماذا نبحث عن وطن لسطور النص البيضاء في منفى السواد؟!!
****
أنا وصديقي الموت ـ نص : أمجد جلوب محسن
يرقص أمامي يقرع على باب اضلعي فترتعش ضلوعي على صوت الخوف الكامن تحتها ويصيب القلق قلبي على نهاية نبضاته المتباطئه ,, ينظر الي و يسألني عما كنت احب فأساله الرحمة و العفو . فيمد بيده الى افق احمر دامٍ ويعطيني بعضا من ظلمته فاتوجس و انهار توجلا منه ،، فيهزأ بي ويرسم لي لوحة من بقايا احلامي وركام ذاكرتي ويشدني الحنين الى امنياتي التي لم تبصر النور وباتت معلقة بين السماء و الارض ,, وخيبة املي تخبرني بتقلص فضاءاتي و ابعاد الارحب ,, سألته أن يعطيني لونا ازرق لكفني لكنه عبس و اصر أن يعطيني لونا ابيض ليملأ عالمي المزدحم بفراغ عارم يحبس نفس الضياء فيمنعه من الولوج الى عيني المضطربة المودعة و يجثم على رئتي ككابوس اسود فيثقل انفاسي بعبرة مختنقة ،، يلوح لي بمخالبهِ يزمجر ضاحكاً.. ويتلو عَلي شيئاً من ترنيمة الوداع فأغلق اذاني بفزعي فتتغلغل صيحته الكبرى الى جوفي ..
ضوء مثل الماء ـ غابرييل جارسيا ماركيز ـ ترجمة: صلاح علماني
في عيد الميلاد، عاد الطفلان الى طلب زورق التجديف.
قال الأب:
حسن، سنشتريه حين نعود الى كارتاخينا.
لكن توتو، في التاسعة من عمره، وجويل في السادسة، كانا أشد تصميماً مما اعتقده أبواهما. فقد قالا معاً:
-لا. إننا نحتاجه الآن وهنا.
قالت الأم: أولاً لا يوجد ماء للإبحار سوى الماء الذي ينزل من الدش.
وقد كانت هي وزوجها على حق، ففي بيتهم في كارتاخينا دي اندياس يوجد فناء فيه رصيف على الخليج، ومكان يتسع ليختين كبيرين، أما هنا في مدريد فيعيشون محشورين في شقة في الطابق الخامس من المبنى رقم «47»
في شارع باسيودي لاكاستيانا. ولكنهما في النهاية لم يستطيعا هو أو هي، أن يرفضا، لأنهما كانا قد وعدا الطفلين بزورق تجديف مع آلة سدس وبوصلة، فإذا فازا بإكليل الغار في السنة الثالثة ابتدائية، وقد فازا به. وهكذا اشترى الأب كل شيء، دون أن يخبر زوجته، وهي الأكثر معارضة لتحمل ديون من أجل الألعاب، كان زورقاً بديعاً من الألمونيوم، مزين بخط ذهبي عند حد الغطاس. وقد كشف الأب السر عند الغداء.
ـ الزورق موجود في الكراج.
المشكلة أنه لا يمكن الصعود به في المصعد أو على السلم، وفي الكراج لا يوجد مكان كاف. ومع ذلك، دعا الطفلان أصدقاءهما يوم السبت التالي للصعود بالزورق على السلم، وتمكنوا من حمله الى غرفة المستودع في البيت.
قال لهم الأب: تهانينا.. ثم ماذا الآن؟
أيها المذكر ـ نص : كلثوم جنوح
علموني ... ّأيها المذكر
أن أقتل كلماتي حينما تتكلم ، فالكلام ما كان يوما من نصيب المؤنث....علموني أن أتحمل الإهانات حينما تصدر عن مذكر، سواء كانت من أب , أخ , عم , خال, جار, أو من غريب .....علموني أن أحمر خجلا حينما تنظر لجسدي ، أن أبحث عن خطئي وأن استر عورتي ....علموني أني المخطئة في كل الأوقات وبأنك دائما على حق
علموني .... أيها المذكر
أنه ليس من حقي أن اختار بل علي فقط أن أنفذ اختياراتك وان لا أحلم بحياة خارج مخططاتك، فأنت أيها المذكر المكلف بحمايتي ، بتوجيه خطواتي ، بتأنيبي و إهانتي ...
اه .. ما هذه المهمة الصعبة التي ألقيت على عاتقك أيها المذكر، بل أكثر من ذلك مكلف أنت بكسر كل حبة أمل بداخلي ، بقتل زهوري و بساتيني ، وبقمع كل إحساس لا يتوافق مع معتقداتك و أفكارك
علموني ...أيها المذكر
أني لكي انجح في حياتي المتواضعة يجب أن أكون البنت المطيعة التي لا تخرج عن أوامر أبيها ، و الأخت المطيعة التي لا تخرج عن أوامر أخيها ،و الزوجة المطيعة التي لا تخرج عن أوامر زوجها، و الأم الحنونة التي يجب أن تضحي دائما من اجل الأسرة الصغيرة ، وأوهموني أيها المذكر بأن دوري في الحياة مشرف وكبير جدا......
جيران! ـ قصة : عمر حمَّش
أمّ ربيحة التي لا يشقُّ لها في الحارةِ غبار، وقف شعرُ رأسِها، وقلبُها أصابه حريق، أمّ ربيحة التي تحلفُ في الشدائد بالطلاق؛ حملقت في مدخل الزقاق، لا تقدّم، ولا تؤخر، وعقلها صاح من فوق الرؤوس!
- ما الذي ... يحدثُ؟
تدافع المتجمهرون، وهوت أمّ ربيحة؛ لتدقَّ الأٌقدامُ غضاريفها .. ومن تحتهم تسمعَ فرقعة عظامها ..
- ملعون أبوكم!
.. غادرتها الأقدامُ؛ لكنها عاودتها في هرولة رجوع ...
وفي الضجيجِ وصلت أذنيها كلمات: أمسكوه .. بلطفٍ .. يا رجال .. لا تخيفوه .. من يقفل أنبوبة الغاز؟!
قامت، وقعت .. سبّت أبوهم .. وأبا الحارة .. وسبّت اليوم الذي سكنت فيه الزقاق .. غطاءُ شعرِ رأسِها صار في البعيد .. شعرُها الذي لم يره غريب؛ انكشف، بان طبق ليف ..!
عادت الأصوات: أخرجوا الصغار .. قبل كلّ شيءٍ الصغار ..!
من بين الأقدام ظهر لها ثوبُ زهيّة الممزق .. ورجفُ أخوتها جوارها!
يوميات عاشقة ـ قصة : أميمة أزرقان
جميلة هي، ذات شعر أسود طويل وعينين عسليتين تلمح بريقهما من بعيد. واقفة على حافة الرصيف طوال اليوم تنظر بشوق لنهاية الشارع.
توقف سائق سيارة الأجرة الصفراء ليسألها:
- أ ليس لديكِ نقود لتستقلِي سيارة أجرة وتغادري إلى وجهتكِ؟ هل أقلّكِ؟
بعزيمة وإصرار أجابته:
-ـ لا، شكرا لك. فأنا أنتظر حبيبي.
أردف السائق:
- لا أظنه سيأتي، منذ بداية دوامي قبل ساعات وأنتِ هنا.
قالت ونبرة الغضب ترافق صوتها:
-ـ لا، سيأتي. كان برفقتي إلى أن اتصلت والدته به لسبب ما وذهب، لكنه حتما سيعود. لن يتأخر أكثر. هو يحبني ويخاف عليّ، هذا دون أن أخبرك عن غيرته الشديدة عليّ. قد وعدني بأن لن يتركني يوماً.
حكاية ذرّة ـ قصة : محمد هللو
يوماً ما، قرر الأكسجين أن يشترك مع الهيدروجين في تكوين الماء. كان مشروعاً واعداً، وقصة نجاح تلمع في الأذهان، ستكون كل الكائنات الحية بحاجة إلى لمركّب الجديد. وسيصبحان معاً جزءًا من السائل الأهم في العالم. هذه أيضاً مغامرة رائعة، سيطيران معاً في غيوم عالية تجوب البلدان دون تأشيرات، سيهبطان كل مرة في بقعة مختلفة من العالم، سيجريان في الأنهار الطويلة والجداول الضيقة. سيتعرجان أودية بين حقول القطن في إفريقيا عاماً كاملاً، وسيرسمان قطرات الندى فوق أزهار التوليب ذات صباح في أوروبا. سيشاركان في تنظيم مسابقات المراكب الشراعية، وسيحملان فوق رؤوسهما عمالقة السفن البحرية يراقصانها دونما رهبة. سيشاهدان عن قرب أروع أسراب الأسماك الملونة وأكثرها غرابة. ما أروع أن تكون ماءً.