peintures-aquarelle2223ملمس الضباب كملمس جدار قاس....
قمته العالية تعوي بين صدغي.. ويقيم سرداقه مهترئا بين جفني.. حاشرا سكاكينه الحادة في وسادة دمع طافية تتسربل بحزنها حتى امتداد المدى المبتور الفضاء..
ظل النور يحتشد في بؤبؤين جزعين يصحوان على جلبة فقأ عيني اليمنى..
مستنقع مستوحش يغلي في المحجر المستلب لعطايا البصر.. يستحيل شيئا فشيئا لبركان يحصد حممه من قطيع أشلاء مجهولة الهوية..
بضع بحيرات في مستقر ما.. تفتقر لأرتعاش مويجات ماء.. قصور رمل تتهاوى تحت ضجيج الموج الدامي، وقدماي تشتهيانه أرضا تردي ارتعادهما القادم من حيث زُرع الطريق..
بصمات بنقوش مميزة تستقر على راحتيّ كفيّ وانا احاول التشبث بالجدار المهول الزلق..

peintures-aquarelleبعد رحيلك الأخير ، لم أتحرك من مكاني ، و لم أحاول غلق الباب الذي تـُرك يترصد إبتعادك..
أشجار إعتلت آثار أقدامك ، و أبطلت بإخضرارها كل لون لم تألفه..
و غيوم أمطرت سماوات سبع غير التي ذكرتها الأساطير..
أراض سبع ركعت تحت سلطان صمتي..
برمشة عين من جفني سقطت قطرات أحلامك.. دون موسيقى المطر..
و بحركة من سبابة يدي سقطت أغصانك المعتمة في فصل خامس لا مكان له في سنة البشر..
الموشور الذي ورثته قد أفلح في تحليل الضوء الصادر من شرارتك الأخيرة..
يقال انه أفلح..
لم ألحظه بداية على جدران الغرفة..
أحفادي الصغار لمحوه ، و رسموه بأقلام كنت أجدها دون لون ، لولا انها غرست في دفاترهم ، و آستظلت تحتها حياتي الموشومة بألوانك المستعارة من إنقراضك الحتمي..
ما كان أشقانا بألوان قوس قزح..

visage-femmeلا أعرف سرّكِ وربما لا أجيد كتمانه !
هكذا قال لنفسهِ قبل أن ينام، ولم ينم..
أصبح يرى وجهها في وجوهِ النّساء اللواتي لا يشبهنها، في وجهِ مذيعةِ التّلفاز، في وجهِ مقدمةِ الحفلِ الذي ذهبَ إليه ذلك المساء برفقةِ صديقه، في وجهِ امرأةٍ عابرةٍ في سوقِ الخضار.. يراها في كلّ الوجوهِ حينَ لا يستطيع أن يراها؛ ويبتسمُ!
يشتاقها ويشتاقُ مرور ابتسامتها كطيفٍ يشبهُ نسيمَ الخريفِ على بالهِ في لحظةٍ تشبهُ حالةَ نشوى تدومُ لثوانٍ: تلمعُ عيناه ويبتسمُ دون أن يريدَ ذلك.
هي تسلّلُ همسةٍ خفيفةِ الظلّ على روحهِ بأنها هنا، هي صوت هدل الحمام كما بداية الوجعِ اللذيذِ، هي انشغالاته المتكررة عن الأشياءِ المتراكمةِ عليه، هي تأخّر الوقت حين المجيء حيث يتوقف الزمن، وهي تأخرّه عن مواعيدهِ أيضاً.

autre33333إن مُصطلح الآخر نستعمله كمشجب لنُعَلق عليه إخفاقاتنا،انكساراتنا، ضَعْفنا، فكلما عجزنا عن شيء معين ألصقنه بالآخر ...هذا الآخر الذي أوجدناه لنتستر به على إحباطاتنا ،إنه الوهم الساكن   فينا..المقَوِّض لمطامحنا...المبرر لهفواتنا.
ولِماما ما نجسر على الاعتراف بهناتنا.
هذا " الآخر" نحن من أوجدناه لكوننا لا نستطيع البتة أن نجهر بأننا صورة ممسوخة مشوهة في أحايين كثيرة،إنه الغول الذي نخشاه،نحن في مجابهة الآخر لا نقوى أن نكون نحن إلا بوجود إلا بوجود آخر ننعكس من خلاله،فالآخر كشرارة نار متوهجة نحتاجها لتبرير تصرفاتنا ومواقفنا المتناقضة والمتباينة،هو مرآة انعكاس لذواتنا،حقيقتنا الثانية التي نأبى انكشافها أمام الجميع.

coll-1042-photo 1كونه يقبع فوق تلة عالية معزولا عن كل ما يمكن أن يحيط به من مظاهر الحياة  له دلالتان .. إما إن من بناه  كان يريد أن يعتزل المجتمع و يكوّن مملكته الخاصة و إما أنه أراد أن يشرف على كل ما يحيط به بنظرة بانورامية  سمائية ... أو أن ما يحيط به  لم يعد يطيق  أن يحتوي هذا الكيان بما يشمل بين جنباته.
الأصعب هو أن تزور هذا المكان ليلا .. و على غير المتوقع  تفتح لك سيدته ببشاشة و ترحيب لطيفين  تردك فورا إلى قصة لعلك سمعتها في طفولتك عن ساحرة في عمق الغابة تزين بيتها بالحلويات و تستهدف الأطفال تستضيفهم و تسمنهم ثم تأكلهم .. و لعلي كنت سأضحك من هذا الخاطر الطفولي لولا أننا قرأنا كثيرا في الآونة الأخيرة عمن لم تعد تستهويهم  أية لحوم حيوانية فقرروا أن يجربوا لحوم البشر ...
انتابتني رعشة  و أنا أضع قدمي في داخل البيت و أحاول أن أوازن بين الأفكار التي تعصف ببالي و بين ابتسامة  مجاملة أحاول أن أرسمها دون  أثر للتوجس في ثناياها.
كانت المرأة  لطيفة و لديها بنات ثلاث  في سن المراهقة و كان البيت يشي بنظافة مثالية  غير أن هناك رائحة واخزة جدا استجديت كل قوى ذاكرتي لتحديد كينونتها غير أنني فشلت ..

Wall-font-b-Art-b-fontالشاي الأخضر يصب ككل مرة بلا رغوة، والخبز يقطع إلى أجزاء ثم يدهن بالزبدة الرومية والعسل المغشوش، لم يلاحظ أحد أن حدوثة الإفطار هذه أصبحت مملة، والصمت الذي يطوف بالكؤوس فضح كل الأفكار السيئة التي تروج  في  الرؤوس، تمنيت ساعتها لو جرى الكلام بيننا و ستر سوء النيات و خبث التخيلات، لكنهم كانوا مصرّين على تكرار الحياة..لم أكن أستطيع أن أوقف مهزلة الأكل بلا شهية و العيش بلا أمل.. بعد قليل سيتفرقون في البيت و خارجه وسيلبسون نفس الملابس و سيقولون نفس الكلمات و يخطون نفس الخطوات و سأبقى أنا جالسا مكاني أراقب برّاد الشاي والكؤوس الفارغة بكره شديد وأنتظر إلى أن يتلاشى عني ألم المعدة الذي يجتاحني عادة بعد كل إفطار بالشاي والزبدة وسأقوم بعد ذلك وأنا أدندن بكل الأغاني التي أكرهها وأخرج من المنزل لأقف مع الأصدقاء وقفتنا المقدسة، و سيدور الكلام بيننا عن كل شيء غريب.. حتى الكلام عن عدل الملوك..

file 24اعلم ان الأمر لا يعنيك ، قدر ما يعني لصنم ما صنعت به الأصابع الملطخة بالطين..
أنا التي دونتك في كتبي ، و رسمتك ، و نحت تماثيلك كلها ، ثم ناديتك:
 هيت لك..
قد قالت أمي حقا ان هذا دأب أهل الطين و الماء ، فهم ينسون الشجر ،  و حلاوة الثمر ، و غرابة شروق الشمس ، و يبحثون عن عشق غير منظور ، فلا يمكثون ليلتهم حتى يكونوا قد قرروا صناعته من طين ، يسلمونه نبضهم ، و يضعونه أمانة بين أضلاع من صنعوا.. ثم يشتكون دموعهم الى صمته ، و ليالي السهد في انتظار أول همسة منه.
رأيت بأم عيني كل ما مرّ بأمي ، غير انني أستغفلت بصري و بصيرتي ، و وضعت إيمانها بعدمية وثني تحت باب خرافة امرأة عجوز قد قتل الزمان كل أمانيها ، فأصبحت تحذرني من أمل هو كل ما أمتلك من غدي..

banaf123هذا صباح آخر كما أشتهي..
كلّ يومٍ يطرقُ أبوابَ صباحاتِه بجملِ أملٍ كهذه لعلّها تسخر منه حين يقولها، ولعلّه يسخر بها من اجتياح اليأس لزمنٍ مشى به جسدهُ عبره، ولم يتبقّ له الكثير من الوقت.
يحمله دوماً هذا التناقض الغريبُ: بين ما هو فيه وبين ما هو عليه فعلاً ؛ الى الابتسام، واختراعِ ضحكاتٍ جديدة لا يُتقنُ حتّى اعادتها بذات النبرة وبذات الايقاع، وبعد كلّ ضحكةٍ أتساءلُ اذا ما كان يعيش داخلَ عالم خيالي ابتكره له وحده بكل ما يحمل من رؤاه؟ هروباً على ما يبدو من تحمّله لمسؤولياته تجاه واقع ربّما لا يستطيع مواجهته بما يملك من أدوات.. أو أنّه يرى ما يرى ويحس بالاشياء بما لا يستطيع  الاخرون احساسه، ولعلّه يرى ما لا يراه الاخرون.

مفضلات الشهر من القصص القصيرة