اعلم ان الأمر لا يعنيك ، قدر ما يعني لصنم ما صنعت به الأصابع الملطخة بالطين..
أنا التي دونتك في كتبي ، و رسمتك ، و نحت تماثيلك كلها ، ثم ناديتك:
هيت لك..
قد قالت أمي حقا ان هذا دأب أهل الطين و الماء ، فهم ينسون الشجر ، و حلاوة الثمر ، و غرابة شروق الشمس ، و يبحثون عن عشق غير منظور ، فلا يمكثون ليلتهم حتى يكونوا قد قرروا صناعته من طين ، يسلمونه نبضهم ، و يضعونه أمانة بين أضلاع من صنعوا.. ثم يشتكون دموعهم الى صمته ، و ليالي السهد في انتظار أول همسة منه.
رأيت بأم عيني كل ما مرّ بأمي ، غير انني أستغفلت بصري و بصيرتي ، و وضعت إيمانها بعدمية وثني تحت باب خرافة امرأة عجوز قد قتل الزمان كل أمانيها ، فأصبحت تحذرني من أمل هو كل ما أمتلك من غدي..
"ليه يا بنفسج" ـ نص : رامي ياسين
هذا صباح آخر كما أشتهي..
كلّ يومٍ يطرقُ أبوابَ صباحاتِه بجملِ أملٍ كهذه لعلّها تسخر منه حين يقولها، ولعلّه يسخر بها من اجتياح اليأس لزمنٍ مشى به جسدهُ عبره، ولم يتبقّ له الكثير من الوقت.
يحمله دوماً هذا التناقض الغريبُ: بين ما هو فيه وبين ما هو عليه فعلاً ؛ الى الابتسام، واختراعِ ضحكاتٍ جديدة لا يُتقنُ حتّى اعادتها بذات النبرة وبذات الايقاع، وبعد كلّ ضحكةٍ أتساءلُ اذا ما كان يعيش داخلَ عالم خيالي ابتكره له وحده بكل ما يحمل من رؤاه؟ هروباً على ما يبدو من تحمّله لمسؤولياته تجاه واقع ربّما لا يستطيع مواجهته بما يملك من أدوات.. أو أنّه يرى ما يرى ويحس بالاشياء بما لا يستطيع الاخرون احساسه، ولعلّه يرى ما لا يراه الاخرون.
أُغْرُومْ * ، نص : أحمد الوكيلي
عند الغبش , وجدت نفسها ممتدة قرب جثة لحمية ضخمة بشوارب ستالينية , تحاملت على نفسها وغادرت الفراش , غسلت وجهها ولبست جلبابها وانصرفت بهدوء .. حتى لا يستيقظ ستالين !! ضاغطة على اوراق النقود التى كسبتها من ليلتها وكأنها تخنقها .. تنتقم منها ..
في طريق عودتها الى منزلها مرت بعدد هائل من "الشماكرية" ذكرانا و اناثا مثلهم مثل النفايات المرمية على جنبات الطرقات. تسلل خيالها وخرج من جسدها المهلك والمتعب و ارتمى في احضان الماضي , بدأ ينبش في الذاكرة المتعبة بقلة النوم والسهر الدائم .. جراح مثخنة .. العمل بالبدن لتوفير الخبز .. الخبز علة وجودها !! تمنت لو كان الوأد عرفا ساريا في هذا الزمن الجاهلي الذي تموت كل يوم مرات ومرات .. تموت للحصول على الخبز. ابوها قتله البحث عن الخبز , أمها الخبز قوس ظهرها وشيب رأسها وكمش جلدها .. وها هي تكمل لعبة البحث عن الخبز ..!!
الرماد ـ قصة : عبد الفتاح المطلبي
لمْ يكنْ بدّ مِنَ التململِ اوتحريكِ ساقيّ لجرّ قدميَ فقد شعرتُ كأني والمدينةَ في جوفِ كائنٍ خرافي من ذلك النوع الذي ينفث النارَ ، الأرضُ تحت قدميَّ محروقةٌ وبصيصٌ من غبشٍ مقهورٍ يُغلفُ المنظورَ بسلطة ظلامٍ مُعتق لم يغادرأمكنته منذ زمن بعيد فلا شيء غير الرماد، الرماد وحده المهيمن مشبعا برائحة الحرائق ، ذاكرتي قد مُحيَتْ تماما إلا من شعور ساحق بالخوف والترقب محاذرا من التمادي والإفراط في الحركة أشعر بثقل عيون كثيرة تراقبني وتتحين فرصة للإمساك بي ، لا شيء في كياني بهذه الآونة غير انتفاض غريزة البقاء، أمد نظري نحو الإتجاهات فلا أجد غير الرماد ، حتى السماء كانت تمور بها من فوقي سحبٌ رمادية والظلام لا زال يكتنف الأبعاد مخلوطا مع بقايا ضوء محتضر مغلفا كل ما حولي بالأسرار والغموض وبينما كنت أختلس نظراتي اختلاسا انبثق ليس بعيدا عني عمود من دخان رمادي أعقبه على مسافات متباعدة أعمدةُ دخان أخرى .
ما لا تستطيعه الشفتان ـ نص : سيف الدّين العلوي
رجفتُ.. رجفتْ دون ارتعاشٍ..قالتْ في غيرِ خطابٍ، لأفهمَ.. فهمتُ... استنجدتْ عيناها حكايا جفْـنيّ.. حالمٌ منْ قال تعطلتْ لغة الكلامِ.. كلُّ أشياءِ الكائن ناطقةٌ.. الفمُ ..الشفتان..الأنفُ والسمعُ.. الأصابعُ.. وقفةُ القوامِ ناطقةٌ.. للشعر، جدائلَ،أو جداولَ، لَغوٌ..وكذلك العينان نابِستَان..
نحن نتراءى. كلانا يرى الآخرَ. والمسألة هنا أمتع..بيننا مسافةٌ تملؤها قِصّةٌ ..عُمقُها عُمقُ المسافةِ ..هي لا بالطّول..قصّتنا لا ..أروعُ ما في القِصصِ أنّها تملأ الكُوى والفراغات،تلك التي تحفرُها الكائناتُ في الأحيزة بمجرّد حلولِها.. ثمّة مسافةٌ قِصّةٍ .ولو قلنا قصّةَ مسافةٍ ،جاز لنا كذلك الأمرُ.لكنْ ، أيّتهما تملأ الأخرى يا ترى؟..
هل سأرى العالم ؟ - قصة : حميد بن خيبش
أنا الموظف ع.س
أحلم منذ صباي بالسفر و التجوال و ارتياد مجاهل الدنيا . بلدتي لا تغري أحدا بالبقاء فيها . مَن الأبله الذي يتعلق فؤاده بكومة أحجار ووجوه لا تشرق ابتسامتها إلا على مضض ؟ .
لي إخوة توزعوا في أنحاء البلد , بين منخرط في سلك الجندية , و بائع متجول , و لص محترف لا يكف عن الشكوى من حظه التعس . كنت الوحيد الذي أتم دراسته , لا لشغف بالعلم طبعا , وإنما لئلا أكون أضحوكة في البلاد التي سأطوف أرجاءها .
لم تفلح كل مساعي الأقارب في ولوجي معهدا للسياحة . ربت العم على كتفي مواسيا :
وَرَأْ العنب ـ نص : خيرالدين جمعة
ما أجمل أن تكون ظلاًّ شفافا كالملائكة !!
" طفلٌ بلا بيت رجلٌ بلا ذاكرة " عبارة أصبح أبي يردّدها كثيرا هذه الأيام و لكني لم أستطع فهمها ...كانت تدور و تدور و تدور... في ذهني الصغير كحُلم نائمٍ في ليلة شتاء ، و تغمرني كما أمواج شاطئ قريتي حين كنت أركض على طول الساحل النديّ الصامت .....ظلّت تلك العبارة تطاردني بل تُغرقني ، حين كنتُ أجلس وحيدة في أقصى حافلة المدرسة ، لا أحد إلى جانبي ، غارقة في التردد، أمسك حقيبتي المدرسية الصغيرة و كأنني أبحث عن رفيقة ، منذ أسبوع انتقلنا للعيش في مدينة العين ، هي مدينة بلا شاطئ و لذلك بدتْ لي عجيبة مختلفة عن تلك التي كنت أعيش فيها ....
يوسف ـ نص : خالد غميرو
كان حبا من نوع خاص، لايشبه القصص التي نسمعها و نقرأها عادة عن الحب، هنا لم يكن يوسف يعرف عن حبيبته سوى تلك الدقائق المعدودة، التي تمر فيها من أمامه كل يوم، وتلك الإبتسامة التي تعني له اللحظة الجميلة الوحيدة التي من أجلها يستمر في العيش...
ككل يوم بعد أن ينتهي من جولته المعتادة بين مقاهي وسط المدينة، في البحث عن ما يجعله يعيش ليوم إضافي آخر ليرى حبيبته، يعود مسرعا دائما قبل نصف ساعة من الموعد الذي تمر فيه، يحرص دائما على أن لا يتأخر، وحتى إن تعرض له المتشردون الأكبر سنا، و الذين غالبا ما يأخذون منه ما قضى اليوم بطوله في جمعه، يتركه لهم لكي لا يؤخروه عن الموعد.