CHristian_VOGEL_abstraitبقيت تلك العبارة  ترن في أذني على الرغم من أنها لم تكن موجهة إليّ، بيد أن شكوى زميلي نكأت جراحًا لا تندمل :" يمكنك أن  تنتقل من هذا الحي إن لم يعجبك الحال !". حاولت تخيل ملامح ذلك الجار، وهو يتفوه بها غير مراعٍ أنه مربي أجيال. لم يكن يعنيني أن ابنه المراهق لا ينام إلا صباحًا، فذاك شأنه، وغمز بعينه حين مرقت سيارة كالبرق من أمام المقهى، وغمغم : "هذا ابنه". ومن جوفها، تتناهى موسيقى صاخبة...
-    الموسيقى هكذا أيضا في البيت.
لم أعقب، إذ تعطلت لغة الكلام، وتابع محدثي :
-    الضجيج يخترق الجدران، ويقض مضجعي..  هذا الصعلوك يقضي سحابة نهاره نائما، وبمجرد أن أضع رأسي على الوسادة تبدأ حفلة الفوضى... غير عابئ بأن هناك أطفال يستيقظون مبكرًا للذهاب إلى مدارسهم، وهناك آباء ليسوا مثله ومثل والده...

wallpaper-8نهضت ذلك الصباح كالعادة تحضر الإفطار..تقبله قبلة جافة قبل ذهابه إلى العمل ..يذهب هو فتبقى هي وحيدة
جلست كالعادة تقلب يومها بين أعمال البيت وشرود ذهنها مع لحظات الماضي الحلو..
أيام الحب الأولى ..تذكرت أشياء جميلة عاشتها معه..
تذكرت تلك القبل التي كانت تستغرق ساعة دون أن يحاول أحدهما أن ينزع فمه من فم الأخر ..
وتذكرت أشياء أخرى كالتي تجمع مجمل العشاق المهووسين بالحب

MESBAHتكتب سراب في يومياتها:  "أنا لا أكتب رواية بل أضع مخططا قابلا للتنفيذ؛ سواء نفذ أم لم ينفذ"
من رواية: " يوميات سراب عفان" ل    :جبرا إبراهيم جبرا

تقديم:
أقترح عليكم أن نفكر جميعا في هذا المخطط الروائي ؛الذي سيشتغل لا كما تشتغل الروايات :
سنمارس ما يسميه جرار مانتيه:"القص داخل القص".ويعبر عنه أيضا بالطريقة الاندماجية.
الهدف نبيل ,إذ العقدة هي رشيد نيني ؛ولن تنحل إلا بتحريره من سجنه الذي لم يعد مقبولا ,في
هذا الفجر المغربي الذي نعيشه ؛بكل تفاؤل.
ما دامت كل المقالات والمرافعات لم تحرره فلنجرب جميعا هذا العمل الروائي التشاركي:

petit_abstrait_15fكان الجوع قد برّح بي، حين عاينت على الحصباء آثار دماء.." لعلّها طريدة قد أفلتت من قانص" هكذا حدّثت نفسي.. حين أمعنت في تتبع آثار الدّماء، انتهيت إلى غار، ما إن توغلت فيه، حتى صعقني دوّي فزلزلة.. حين أستعدت وعيي، أبصرت مدخل الغار و قد سدّ دوني.. حين تمالكت نفسي، أستويت قائما ... كنت كلّما تقدّم بي المسير في الغار، تكاثرت الدّماء من حولي، حتى تحوّلت إلى نهر يجري من تحتي.. ظللت أخوض في الدّماء و بي من الرّعب و الهلع ما الله به عليم، حتى أدركت بوّابة خشبيّة متآكلة، كتب عليها، و بخطّ رديء: " سجنان".. حين دفعت البوّابة، ألفيت نفسي أمام بنايتين كئيبتين كتب على إحداهما " سجن1"، و على الأخرى" سجن 2"، و بين البنايتين، ممرّ إجباريّ ممتدّ ينتهي بستارة سوداء مسدلة.. كان الممرّ ضيّقا لا يكاد يتّسع لشخص، لأجل ذلك عبرته بشقّ الأنفس.. ما ان أدركت السّتارة ثم رفعتها، حتى طالعتني بيداء مترامية الأطراف، كثيرة الحصباء، ملتهبة الحرارة لا أثر فيها لحياة.. بعد مسير دقائق يائسة، هبّت عاصفة رمليّة، فعمدت الى قميصى فاتخذته لثاما ثم لجأت إلى ظلّ صخرة و قد أيقنت بالتهكلة.. بعد سويعة أو تزيد، و حين هدأت العاصفة، و فيما كنت في موضعي ذاك، مرّ بي راكب مقنّع، ما إن استوقفته بإشارة من يدي، حتى توقف ثم أناخ راحلته، كاشفا عن وجه شديد القبح رغم بياض بشرته و زرقة عينيه و شقرة لحيته القصيرة، ما ان كشفت له عن وجهي، حتى ظهرت على محيّاه علامات الغبطة و البشر.

an9are(( أكتب بنفس الجدية التي يلعب بها الأطفال))
خورخي لويس بورخس
كان علي أن أفعل شيئاً قبل ذلك اليوم الذي سأخبركم بما جرى فيه من أمور تبدو عادية ما كانت لتلفت انتباهي يوما لولا اطلالتي على ماحولي من وراء عين الدمية وكان ذلك بمحض الصدفة ، إذ أنني ما اعتدت أن أرى الأشياء أو أن أصفها  بهذا الوصف قبل هذا اليوم ، لم أستطع استيعاب تلك الأمور ولم أفهم ما جرى لفرط بساطة الحدث  فقد جرى كل شيءٍ دون توقع، كنت سائرا بقدمين أدمنتا الدرب حتى أنني لم أفكر بالنظر إلى تفاصيل الأشياء ،منشغلاً بما حولي من هلام لزج وصريرٍ مزعج ينتج عن مفاصل أخطائنا الفادحة،أعني نحن الذين تجاوزنا سنّ رشدنا، والعبث الذي يحيط بالحياة ويلوث النظرات ويربك الأرواح،ولم أتذكر يوما طفولة الحياة وجمالها الملفت كأنني من السحالي التي تبيض ولا يعنيها بيضها ، تتوهُ عنه و أحيانا تأكله هي دون أن يهمها إن كان بيضها أو بيض غيرها ، يالها من حياة تقضمني بشراهة، كنت أفكربما يحصل، بأولئك الذين يعبثون بالحياة وبي أنا الذي قبلت ذلك العبث دائما بروح أنهكها العجز و العمى، أفكاري مشوشة وموقفي من الحياة عصيب.

67071307وحده القلم الصامت بين أنامل تهتز، وحروف تتراكض كالفراش المبثوث هيبة ووقاراً، جعلني أفكر بصمت!.. وأتساءل مُربّ ام معلّم؟!.. وكل ما فيه ينساب بانسجام حديثاً وحركة وانفعالاً مدروساً لا يخلو من اتزان وحكمة تنطرح بهاء وسخاء من خلال كلماته التي تتأنّى وتترفّق بلطف وهي تخرج من بين شفاه لم تهدأ خلال عمر مثمر قطفت منه الثقافة جزءًا كبيراً، فأينعت سراجاً مستنيراً وفكراً فلسفياً جوهره العلم...
وحدها تلك اللمعة الشاردة في عينيه جعلتني أشعر بالذكريات المنطوية داخله، وذاك الغنى الروحي العميق الذي أورثه ذاك الهدوء والصبر وحسن الاستماع...
تركت القلم مغشيّاً عليه مُمدّداً على ورقتي وأمسكتُ برواية واحة الغروب لعلّني أهرب من التفكير في مسيرة حياة رجل لم أحدثه كثيراً لكنه طبع فيّ تساؤلاً زاد فضولي في معرفته أكثر وأنا مؤمنة أننا في عصر عولمة سريع التطور، فكيف استطاع ان يكون معجماً متنقلاً وهو في جهاد نفس وفكر مملوء بالحداثة...

danckaertعلى جانبي الطرقة المؤدية إلى المستشفى بعض الأزهار تتمايل على وقع هواء خفيف دافئ...الليل وأعباء الليل.. وروائح الأكل والأدوية والموت...البناية لا تتغير وحتى روائحها لا تتغير، ولكن الناس الدين يرتادونها يتغيرون باستمرار الم يكن في صورهم فعلى الأقل في سلوكياتهم وأفكارهم...
وحنان، هدا الاسم المتعب، لا يمكن أن تمر صاحبته من أمامك دون أن تنظر إليها نظرة متفحصة وتفكر فيها باحترام...سرعة في الحركة وابتسامة على الوجه وكلام كثير التأدب وجمال لا يكتشفه إلا الذي له نظرة خاصة ومتفردة في الجمال...ربما صدفة أن يكون اسمها حنان وربما كان مقدرا أن يكون الحنان الذي فيها اسما واستغاثة...
كل المرضى والأصحاء ينظرون إليها تلك النظرة المتصفحة ويفكرون فيها دلك التفكير المحترم أما هي فلا ترى في نفسها شيئا مميزا عن الآخرين اللهم حزنها العميق وقلقها المزمن ولا تظن أنها جميلة دلك الجمال الذي لا يكتشف بسهولة...
لا أحد يعرفها  كما هي أو كما تظن نفسها، كلهم ينظرون إليها من بعيد... ورغم نشاطها وانجذاب الناس إليها كانت تحس أنها وحيدة وأنها تعيش للناس كنوع من التضحية أو الانتحار...انقطعت للعمل وأدخلت نفسها في دوامة الناس فقط لتنسى أنها وحيدة ولا أحد ينظر إليها نظرة خاصة أو يفكر فيها بجرأة...هدا لا يهم الآن، فلا شيء يشغلها في العمل إلا العمل، إدخال المصاب أو المريض إلى غرفة الإنعاش.. تركيب علبة الأكسجين أو أنبوب الدم أو إعطاء حقنة أو تغطية وجه ميت...

PARأترجلُ من الباصِ الصغيرِ الذي يقلّني من الضواحي إلى الميدانِ وسطَ المدينةِ سائراً بتمهلٍ شديدٍ رغمَ برودةِ هذا الصباح ، المارةُ ينشطون في مسيرهم وحركاتِهم قتلاً للبردِ،وأنا أتجهُ إلى عملي متخذاً مساري على الأرصفةِ التي حفظتُ مواقعَ تكسراتها وحصاها ، أمسح بعينيَّ واجهاتِ المباني المحتشدة على الجانبين  كعمالقةٍ لا تشبع من فضولها بالطلول على المارة من علٍ متصنعاً تجاهلاً يكاد يفضحه وجود أصص نباتاتٍ  خُضرٍ على الشرفات التي تصادف أن تسقيها إحدى الساكنات الجميلات فأعمد لمشاغلة عينيّ  بتفقد ماحولي ، كنت أفعل ذلك حينَ رأيتهما معاً متلازمين كأنهما كائنٌ واحدٌ من تلك الكائنات التي انقرضتْ ولم يبقَ لنا منها غير ذلك الوصف،كلبٌ برأس رجل كما جاء في الملاحم و الأساطير، وقد تبين الأمرُ بعد ذلك أن رجلاً يلازمُ كلبَاً أو كلباً يلازمُ رجلاً،ساعد في توحد منظورهما بعيني وربما بعيون الجميع ذلك اللون  المتقارب بين شعر الكلب المائل للون الكاكي وما يلبس الرجل ولذلك كنت أكلم نفسي واضعا كفيّ الباردتين في جيب بنطالي مدركاً أن صوتي لا يصل إلى أبعد من أذنيّ قائلاً : أمرٌ غريبٌ حقاً  أن يلازم الرجلُ كلبَه ، محدثاً نفسي بهذه العبارة التي كانت عادية جدا ....

مفضلات الشهر من القصص القصيرة