benchaouiبعد الظهيرة، تغري الشمس الخريفية  بالاسترخاء اللذيذ، والسكون يخيم على حي النجد. الأحد يوم الكسل المقدس.. تتمدد فوق  الرمل، تحس بدفئها يتسرب إلى مسامك، والقطة الوديعة  تتمسح بساقك، كأنما تشاطرك  افتقاد أنيسكما العجوز. ترنو إلى كوخ عبد الله بآجره الرمادي، تستغرب تصميمه على  البقاء في "البرّاكّة" وسقف الطابق الثاني  قد قارب البناؤون على الانتهاء منه، بينما بقية العسس  اختاروا إحدى الغرف الدافئة بالورش، تفسر الأمر على أنه يفضل السكن في "البرّاكّات"، التي التهمت عمره.. تحدق في تجاويف  سدت بمزق أكياس الإسمنت وأوراق الجرائد اتقاء لشر برد ديسمبر. تتأمل السقف القصديري، الذي رميت فوقه أشياء كثيرة، أغلبها لا يصلح لأي شيء، بيد أن عبد الله يحب "القُـش" مثل الجرذ، كما يقولون عنه، ويقضي سحابة نهاراته في البحث عن سقط المتاع  في الجوار.

anf77777نزيهةٌ رفيقةُ دربي هي مشكلتي الآن هي تراثي الحميم الذي لا يفارقني أبدا والآن صارت نزيهة مشكلة بعد إن سرى بجسدها الغض المرض الخبيث، وطدت العزم على الصمود أمام هذا الواقع  الذي يناكدني و يريد كسري والسخرية من وفائي لنزيهة خصوصا وقد سلّط علي جارتي المطلقة اللعوب ميادة التي صارت تزورنا بعد العشاء بحجة الواجب الذي يحتم عليها تفقد نزيهة بعد مرضها العضال كما تقول هي ولطالما سدت علي الطريق غارزة عينيها في عيني تتكلم بلغة العيون الفصيحة  والواضحة محرضة نفسي على خيانة نزيهة ولطالما تمنت موتها أو الوقيعة بيني وبينها لكنها لم تفلح أبدا أما الآن بعد داء نزيهة العُضال فقد أمعنت في أحلامها بالاستحواذ علي بعد موت نزيهة المتوقع فارضة علي الأمر الواقع و لطالما ألمحت أثناء مزاحها المستمر معي عندما تنام نزيهة مخدرة في نوبات علاجها أن مصيري في أحضانها بعد نزيهة لا سمح الله .

anf1111وماذا بعد يا حبيبي؟... ماذا عن دمعة كحلَتها ضحكة رضى تبسَّمت عن كاهِل قَسا؟.. ماذا عن نور اغرورق حزناً كلما مني دنا؟.. ماذا عن القناديل الحمراء في ليلة غاب قمرها وتدثّــــَر بين شفاه فراشات صم تشهق صبحاً وتلملم بأجنحتها الندى؟!... ماذا عن حروف بثّت حزنها في قافية تسرب منها ضوءنا؟!..

ماذا عن أمس نهض كعطر انتشى وتجلّى نازفاً صمتاً صفا؟!.. ماذا عن أنوثة تبكي فقدان رجولة أشعلت ثورة كلمات ملأت رسائلي حباً طيباً؟..

حَــــــبيبي...

abs21ينفلت عبر الجدران العالية مغازلا العيون الراصدة ، يستقر في الركن الجانبي / ذاك الشعاع والممتد أرضا  تلفحه النسمة .
نسمة الصباحات البائدة :
كانت الترنيمة تسترسل زلالا مدى مدار اليوم رغم كونه نفاية ربطت أوردتها الحية بمضخة  الامتصاص .
حدثته الأمارة بالسوء ركوب القطيعة بين النفاية والمضخة ،واجتثاث الأوعية الموصلة،، ودارت  بقمامة دماغه فواصل متباينة:
فصم وريد لن يجعل الوثارة جحيما ،،ودخل معركة كانت كفته فيها ملامسة للقاعدة .
كيف تلامس القاعدة وأنت الخارج عنها !؟

anfasseكنا ننذر النذور وندعو ، وكنا نتضرع لكل شي ء مقدس أو غير مقدس  مما لدى الكبار ،  إنسانيّا كان أم  حيوانيا ، نباتيّا أم حجريا ، حياّ أم ميتا ، على عادة الأطفال غير المسؤولين عن شيء وغير الملتزمين بشيء . والذين هم على العموم لايؤمنون  بشيء أكيد سوى ما يلبي  حاجاتهم  . كل ذلك لأجل أن يأتي العيد ويمر دون منغصات تكبل يديه فلا يعطينا ما نأمل أن  يأتي به لنا ، وهو كثير جدا وكبير ، باعتقادنا كأطفال صغار .
في فترة طفولتنا ومراهقتنا الأولى كان يتزامن مجيء العيد مع غزارة المطر فكنا نتضرع مثلا أن لا يأتي العيد مع أيام المطر ، الذي كان يعبث بأراضينا الترابية فتضيع فرحتنا باللعب واللهو الذي كنا انتظرناه على مدار عام كامل . وندعو بأمل أن يمر العيد ليحمل معه سرطانات الحرمان ويمضي بها بعيدا في بلد لم يكن فيه غير الألم أرجوحة ، وغير الحزن حمارا  ،  نمتطيه أو ديلاب هواء نركب فيه ويدور بنا دورة الزمن ، وغير الفقر ، ملابسا ملونة أو مبلغا صغيرا من المال نرتاد فيه سينما الكرنك أو الرشيد أو سينما الحمراء  والأطلس .

anfasseجلس ليلة أخرى يلاعب قلمه بأصابعه على شفا ورق أبيض لا يعرف ماذا سيفعل أو من أين سيبدأ …؟
هذا هو حال "سعيد" الذي كلما خلا بنفسه حار في أمر حاله. لم يكن لديه أي تكوين عالي أو شواهد أدبية معتمدة إلا سنوات قليلة من براءة التعليم الأول. لكن هذا لم يمنع فكره من أن يطوف حول كتابة قصص وأشكال عن أشياء تجول بخاطره ، كان يفضل أن يخربش على أوراقه بدلا من أن يكتفي بهموم وأخبار الناس… يكتب أو يرسم أو يهندس أشكالا من عالمه…المهم عنده أن يلتقي القلم والليل في ساحة الورق يتمرد بهما على حاله .

ترك دراسته وهو في سن مبكرة لظروف عائلية فخرج إلى الشوارع يجوب زواياها قبل حلول وقتها، إذ كان يسعى للـُـقمة عيشه حين تركته أمه مع أبيه الذي كان مصابا بمرض السـل. لم يكن في اختياره غير أن يقتحم عالم الشغل بمناخه المتقلب. لكن السنوات القليلة بعد ذلك أبت إلا أن تـُـبـين عن قسوتها عليه حين خطفت والده وهو في ريعان أبوبته فزادت من حزنه، فلم يجد عماً يواسيه ولا خالا يعزيه سوى جار يقوم بالواجب.لا يعرف "سعيد" شيئا عن عائلته إلا ضبابا من نزاعها وما رسب من ذكريات طفولته. ما عساه أن يفعل وهو يعيش وحيدا في البيت الذي ماتت قلوب الذين سكنوه وأجسادهم…؟ ! حتى جاره قام بواجبه من أجل الواجب لأنه لا يعرف من قصتهم أمسـًا.

ANFASSEإلى (أ.د)
بطلائع الياسمين الأبيض
لطالما أتى طيفك الشريك، ناصح القلب شفيف آمن ، يعيدني لأتذكر إن للبوح طلائع .لطالما كان شجاعا لا يشق له غبار وكلما نبتت في نسيانه أعادها  من جديد، تضفر في رأسها إكليل أفكار الأثير وتمضي، وطلائع النهار تأبى من أبى جافيا في اطلاق الوصال فيسوق تحاياه سرا في معارج الطريق وسحبا تتقاطر من الماء الرفيف فيرف لها هدبا في خفق خبا على مياسم الرقيم ، حتى دُهش صبحها من مساء الوصال المختوم بالرحيق،
أيولد من جديد؟؟؟؟؟؟؟                                   
بطلائع الياسمين الأبيض

ANFASSEوضعت يدي الصغيرة على عيني تلافيا للطقوس الجنائزية التي تحيط بي من كل جانب،وانخرطت في بكاء مرير.ما حولي كله يزرع الخوف والحزن بسخاء. أجساد مترهلة ملفعة في ثياب بيضاء ،،،عيون محمرة من فرط البكاء،،،وصدور تصدر عنها آهات مكسورة.
محاولات أمي لثنيي عن البكاء باءت بالفشل.ربما أربكها سلوكي أمام ربة البيت فجاء سلوكها معي متشنجا،تعنفني طورا وتغريني آخر.

نشيجي يتطاول بطريقة منغمة...حرنت ،لا أحد يستطيع إيقافي عن البكاء...بكائي يزداد قوة بفعل سحائب بخور العود المنبعث من مبخرات فضية وضعت بعناية في زوايا متفرقة من الدار الفسيحة. كانت الحركة قليلة ،على غير العادة،نساء يتنقلن بين الغرف أو باتجاه ’’الروا’’حيث تعد كؤوس الشاي والقهوة للحاضرات.

مفضلات الشهر من القصص القصيرة