AMOUجار سلطان الهوى، فهوى فؤادي في كأس الحياة المُعذّب، فانعِ ذاتكَ التي بيني وبيني..
الصمتُ يُزيدكَ حُسناً في كلمات تتهادى، تحمل عبقاً من قلق راحل يرسمُ بالندى على شفاهي، فيا عجباً من وجدِ عاشقٍ أزهرَ في ذاتي...
إلى متى أهواك؟!.. أأسطورة أنت؟.. أم حقيقة أحياها؟.. أم جُنّت الحياة بتهاليل صباها!..
حبيبي...
كتبتُ حرفاً ذا رؤيا تحتجب عنّا، لنكون في الأمداء كواكب تُسافر بين دموع الشمس، وبين كلمات فِعلها رغبة، ومَفعولها في الروح كمال في سطور بين أقلام أمسكتها يُمناي، وكتبت من وحْي عَشتار وأليسار ما هو في قلبي...
ألم أنسكِبْ بين يديك حَرفاً؟!.. فتجاهلتَ لحظة حُبّ كفكَفت دمعاً اختبأ تحت أجفاني!.. مرّت بي مرّ عطر دثّرني!.. لثم فؤادي!.. وأنتَ كالطيف يمضي سريعاً، كحبيب ما إن أراه حتى أغمض عيني..
حبيبي...

mariagemarصكت خالتي وجهها بحدة ،وصاحت بصوت جاف خرج من بين أسنانها:
ـ بنت الحرام!! 
خالتي وأمي منزويتان في غرفة "بالدويرية" بعيدا عن أنظار المدعوات،الأولى مطرقة  ودموعها على خديها بينما رفعت الثانية من صوت جهاز التلفازمخافة أن يسمع كلامهما.ظهر على الشاشة مذيع نشرة منتصف الليل وقد ارتسمت على وجهه المستطيل ابتسامة لامعنى لها:
ـ مازالت قوة التحالف تدك بغداد بأنواع مختلفة من القنابل والصواريخ تأتيها من كل الجهات...
رفعت العريفة العجوزصوتها الأجش ،وعيناها الضيقتان على الباب محاذرة أن يتسرب شيء من كلامها إلى الخارج:
ـ الرجل حاول كثيرا... لكنه لم يجد شيئا!!

chaiseتعودت كلما سنحت الفرصة لزيارة تاونات احتساء قهوتي الصباحية بإحدى المقاهي المعروفة وسط المدينة الصغيرة , والسفر بمخيلتي نحو الكائنات البشرية والأشياء الأخرى التي تؤثث المكان المحيط لعلي أجد ما يلفت الانتباه , ويكسر بالتالي الخط المستقيم لنمط عيش معتاد . ظننت أن هذا الصباح لن يكون سوى كغيره مما ألفت وتعودت, لكن ظني وتوقعي لم يصب , فما استرعى انتباهي وجعل هذا المقطع من اليوم استثنائيا بعض الشيء هي تلك الموسيقى المنبعثة من مكبرات صوت منظمة في الساحة العمومية أمام مقر البلدية . رحت أتساءل مع نفسي عن سبب القذف بكل هذه الأناشيد الوطنية على مسامع المارة والجالسين , وبما أنني أنتمي إلى تلك الفئة التي تحسن القراءة, فلم أجهد  نفسي بالتفكير كثيرا, جل ما فعلته أني رفعت عيني وقرأت على اللافتة المعلقة هناك أن الحزب المغربي الليبرالي سينظم مهرجانا خطابيا تحت شعار *عيوننا على التغيير * .

ANFASSEينزل الدرجات ببطء. باليد اليمنى  الحذاء الذي اشتراه للتو و باليسرى يتحسس الجدار البارد للممر الضيق المؤدي مباشرة إلى القبو الذي يكتريه  منذ أسابيع  بمونتمارت. باريس مدينة الفن و الإلهام.  يشعر ببرودة الأرض تحت قدميه الحافيتين. يبتسم و هو يتذكر النظرة في عيني جارته   ترقبه باستغراب يقطع المسافة التي تفصل باب البيت الآيل للسقوط عن الجحر الذي يسكنه.
صحيح أنه حذاء بني قديم مهترئ لكنه مع ذلك أحسن من المشي حافي القدمين. هزت  الجارة رأسها أسفا و هي تتبعه بنظراتها إلى أن توارى داخل قبوه.
فاطنة: قفطان، بلغة، مشط عريض، أسورتين ذهبيتين، كحل و رائحة الخزامى فاحت في الغرفة بعدما فتحت الصندوق الخشببي.
أخرجت فاطنة برفق شديد قفطانها الجديد من الصندوق الخشبي و وضعت حليها، مشطت شعرها، مررت مرود الكحل في عينيها و هي تدندن بأغنية. اشتاقت إلى سماع الموسيقى. سترقص على نغمات الشيخات كما لم ترقص من قبل.
سنتأخر عن العرس يا فاطنة، اسرعي!

ab1في غمرة الغضب رمى سلة الأسماك بعيدا، تمازجت السمكات الصغيرة برمل الشاطئ، اتسعت حدقات عينيه و تحولت  إلى جمرات متقدة، نظرات أشبه ما تكون بقذائف من اللهب، تسارعت دقات القلب و اتسعت فتحات الأنف المفلطح ، امتد البحر أمامه جحيما أزرقا ، بحرا من الدم و المخاط، لم يعد يسمع سوى هدير الموج الصاخب يدندن في أذنيه الحمراوتين...
اللعينة،القحبة سأذبحها ذبح الشاة...
سار على طول الشاطئ بخطى متسارعة  تكاد تكون هرولة ، تتناثر حبات الرمل عند قدميه، يتطاير الشرر من عينيه و قبضتاه مطبقتان على صنارة الصيد، الطريق ظلام، تعتمل في ذهنه آلاف الأفكار القاتلة، سيناريوهات مختلفة لجريمة القتل التي سيرتكبها بعد قليل..
" سيشدها من عنقها و يطبق عليه الخناق حتى تتخبط كسمكة أخرجت من الماء فتموت، سيضربها بقبضة الصنارة على رأسها حتى يفور الدم متجلطا من فمها ، قد يقتادها إلى الأكمة الصغيرة خلف البيت ثم يذبحها و يرميها في النهر جثة هامدة ككلبة نافقة ، أو ربما كان سيضربها بقبضة يده على رأسها حتى تنزف كنافورة ماء في ضريح هادئ، سيخنقها إلى أن يصبح لونها أزرقا كالبحر، حتى تطفو رغوة الموت على شدقيها الملطخين بأصباغ الفضيحة و العار..."
كل ما فكر فيه ساعتها هو إنقاذ شرفه الذي لطخته ابنته العاقة، هي و أمها مسئولتان، سيذبحهما معا ...و تكاد أوداجه تنفجر ، يتلاعب شيطان أزرق بخلاياه الدماغية، مارد من عهد سليمان يتلو آيات الغضب و النار داخل جمجمته الساخنة، يحس بموج المحيط كاملا يصطخب داخل هذه الجمجمة المتهرئة بملح البحر ...

cercles-lumiere-abstraitعلى سطح المقهى تطفو الكثير من التضاربات، الشعور بالأسر رغم الحرية، وبالنقص رغم الامتلاك، وبالضيق رغم السماء..
"أنتَ الآن تنظر إلى السماء، تستطيع أن تمتلكها بعينيك، تنظر إليها لكن هيهات أن تنظر إليك..!" هكذا خاطب نفسه. نظر إلى كوب قهوته الفارغ وإلى المقاعد التي من حوله واسترسل: "فارغة هي كأصحابها، هامدة كالأموات، فهل تكون مرتاحة وهي تشعر بكل هذا الجمود والفراغ؟ قد تكون مرتاحة لكن لا قيمة لها هكذا منفردة، فهي لا توجد لذاتها ولكن لغيرها أو مع غيرها على الأقل.. قد تبدو جميلة لكن الجميل لحظي، النافع وحده يبقى، تبقيه حاجتنا الدائمة إليه".
أربكه النظر إلى كل هذا الفراغ الذي يحوم حوله، ليتساءل إلى متى سيستمر هذا الفراغ؟ فحمل عينيه المثقلتين إلى السماء، عله يرى ما يفرج عنه كربه.. "لكن لماذا تتجهم السماء في وجهي كلما حاولت الخروج من "أناي" المظلمة لألامس زرقة السماء ولو مرة واحدة في هذه الحياة؟"
"ومن قال إن السماء زرقاء؟" تجيبه..

277h...التقت عينانا، فلم أقو على رفع عيني الى عينيها ثانية، فجعلت أتسلى بمداعبة ولاعتي حينا، و برشف القهوة حينا آخر، و لم أسطع البقاء على تلك الحال طويلا....ضايقني المر كثيرا حتى خلت نفسي في زنزانة انفرادية...كانت هي الأخرى لمحة من حين لآخر كما كانت تخشى أن تتعانق عينانا، وتتسلى بمداعبة زجاجة المشروب الغازي....
أخرجت سيجارة من علبتي، و أضرمت فيها النار و نفثت الدخان حلقات.. حلقات في الهواء المريض للمقهى، تسكعت بعيني في زوايا المقهى و كأني أراه للمرة الأولى....خيوط العنكبوت تصل سقف المقهى بأرضها....كراسي مكومة في زاوية ... أعقاب السجائر و اللفافات تزين أرض المقهى مشكلة لوحة يعجز أمهر الرسامين عن تشكيلها....

66447935تراوح الأزمان في مكانها كل حين... فجر!.. غروب!.. شرق!.. غرب!.. عوالم.. أكوان.. ونحن مَنْ نُغادر الأمكنة دائماً، ربما سأغادر زماناً ليس بزماني!.. او ربما سأغادر مكاناً ليس بمكاني!.. فأكتشف إشراقاً يُزيدني حضوراً وسحراً كي أزرع عطراً يجعلني سراً!.. يلوّن زهراً!.. يُشعل جمراً!.. ونرفع تلك الأكف التي نفتحها ونتأمل سيرة حياتنا فيها، لنزداد طُهراً وإيماناً وخيالاً، فما نحياه!.. إنما حلم استفاق وماجت به خيالاتنا، نداعبه ويداعبنا!.. نلامس فيه جزءًا من حقيقة حبّ نحياه بتفاصيل طفولية لا زالت فينا، وقصائدنا التي ستحيا دهراً!.. وربما دهوراً!.. ما هي إلاّ قرابين روحية نقدّمها لأنفسنا، لنكمل طريق الحياة بصفاء وإشراق وتأملات نرى بعضنا فيها عبر المسافات أطيافاً، والضوء يلملمنا بغنى روحي يجعلنا مُتصلين من خلال صميم حرف نجعله مضيئاً!.. نكتبه كمرآة عين مصقولة نرى فيها ذواتنا بقوة الايمان، إيمان حُبّ موجود فينا، فلا نكتفي بزمان ولا نتقيّد بمكان، فكيف نصغي يا حبيبي لأنفسنا؟.. ما لم نُمسك بحقيقة كونية مُركبة فينا؟.. وكيف لا نسمع لأصواتنا التي تنادينا رغماً عنا؟.. فجوهر كلمة أحبّك هي أنا!.. هي أنت!.. هي هؤلاء!.. هي نحن!.. هي كل نفس قرأت واستمعت، وشعرت بنبضها وبوجودها فينا..

مفضلات الشهر من القصص القصيرة