anfasseتمنى " العوفير" لو لم تلده أمه , على الأقل بجوار ثكنة عسكرية ! , فحظه التعس ساقه إلى التجنيد , ولم يُفلح في خلق فرصة شغل بقريته المنهكة . ظن أن مثابرته و تحصيله لميزة "متفوق" في دراسته ستُمكنه من كسر القاعدة , لكن روحه هي التي انكسرت , وتوزعت شظاياها على التلال الرابضة بمحاذاة الثكنة  !
وقع في دفتر قبل أن يستلم أغراضه المكونة من مُلاءة , وبذلة عسكرية , وطِست بدا كأنه من مخلفات قذيفة !
- إنه إناء للطعام ..لكن إن داهمتك نوبة إسهال بإمكانه أن يفي بالغرض !
حدج الضابط بنظرة تتبين مقصوده , ثم قابل المزحة ببسمة جافة قبل أن يُلقي الأغراض في الشاحنة .

education-anfasseكانت أعينهم البريئة مشوبة باستفهام غريب ..لأول مرة تطرق هذه المفردة  أسماعهم .. تحاشى النظر إليهم وهو يصر على الوقوف بمحاذاة الباب غير آبه باصطفافهم المتعب في انتظار الدخول ..
- يا صغاري أنا أخوض إضرابا لذا سنؤجل حصة اليوم إلى أجل لاحق ..
تبادلوا نظرات الاستغراب ثم سرت همهمات طفولية تفكك العبارة لتحدد المبهم منها ! .. تماسك كي يخفي حرجه وتوتره ..ليتهم ينصرفون .. في الخلف صبيان يتدافعون ليُسندوا أكتافهم على الحائط .. حدجهم بنظرة قاسية  , وقبل أن ينبس بكلمة تذكر أنه مُضرب !
- تعبنا يا أستاذ..هل بإمكاننا الانصراف ؟

anfasseلفظ فورانه تماما. الفوران النهائي تم على يدين معروقتين. الهامد الآن أسلم ذروة فوراته، وبخاره تقطر عمودا نديا فوق صناديق متراكبة في المستودع. كانت ذات اليدين المعروقتين قد وصلت لغرفة التجميد تشع بقوة غامضة. بعد أن أفسح لها عساس الجثمان، اختفى، ولم يعد. لم أدرك ما القدر الذي طوح بي قريبا منها. تجعداتها اتسعت، و على الأصح مططتها لتفرج عن ابتسامة باردة، بل هي ميتة؛ بها أبلغت فحوى ما أرادت، ثم مصمصت شفتيها. هممت بالمبادرة، لكن ما لبثت أن تواريت إلى الخلف سادرا، وهرقات ماء تتوالى في تقطع . لم أعرف على وجه التدقيق إن انطلق العمل تدليكا، أم تشريحا في برنامج نشاطها السريري الذي ترعاه بمفردها...
- ما بك؟ لم أنت ساكت هكذا؟!.

Ros-e-011غادرت عالمي  الضيق على عجل؛ لأستمتع بطهر الفجر ونسيم  الصباح...
قادتني الجاذبية بين أوصال المدينة النائمة دون هدف معين...
حتى "مدينة العرفان"...
توكأت على جدار المدخل الواسع المزين بتعريف ضخم " للمدينة الفاضلة"...
بدأت الحافلات تصل متتابعة، وتقذف بعشرات الطلاب إلى الشارع، وهم يتزاحمون مسرعين  لمغادرتها في اتجاهات شتى...
انكسر إدراكي؛ ولم أعد أميز بين الإناث والذكور الشباب؛حاملين "عِلْمهم" في محافظهم المتدلية على خَوَاصِرِهم، متجهين نحو المستقبل أمامهم...
بعيدا...
في مدرجات المعاهد والكليات الكثيرة ....
" المتعددة التخصصات"...

ANFASSEتهالكت الأقدام رديئة الوزن تهضّ صمت الرّخام الحزين. والمعزّون، على أوْجعٍ من الفاجعة، يتبعثرون وقوفا جهما في انتظار أن يخرج صاحب الدّار، كان أُدخل غرفة أخليت من أثاثها الوثير يغتسل من بهجة الحياة ويلبس بياض الرّحيل المتداول.
كان ممشى الحديقة المنزليّة ممرّا طويلا مسقوفا بشبك الشّجر وأفياح الزّهور، يفرشه الخريف أوراقا صفراء تهسهس تحت الأقدام، وتتهشّم من جفاف وذبول موقِّعة هَمْل مدامع الحزانى والحزينات.
خبط عبد الكريم الأرض بقدميه. كان يسند عماه إلى كتفها بيد، ويمسك بالأخرى مِقْبَضًا مُعقّفا لقضيب معدنيّ صدئ يلزم سيره أنّى حلّ. يخربش به الأرض يمنة ويسرة فيقرأ مهاوي الطّريق التي يسلك، أو يلوّح به الفضاءَ الكفيف فيزجر مشاغبيه من المارّة.
مشت رفيقة إلى جانبه عُودا أخفج ناحلا، يكسره ثقل الحِمْل عند أعلى العجيزة، وتغمره فضفضة فستان طويل تهدّلت حواشيه السّفلى خِرقا متّسخة. كانت تجرّ نفسها مثقلٌ ظهرُها بما تحتقب، وتقبض بيديها على طرف كيس الخَيْش البنيّ يمتلئ حتّى بطنه صدقات منتبهة لسيره الأهوج أن يعثر فيزلق ويقع.

ANFASSEكما القطارات التي كتب لها طريق واحد لاتتعدى مساره ، كذلك يمضي العمر محملا برغباته المقهورة التي تموت اذ لاتلتقي ومحطات رسمها لها صاحبها ، وكذلك يسير كل شيء الا الانهار .
توهان في كل شيء يتحرك مثل ايد لم يكتمل قطعها وعيون ظلت وهي تراقب الحركات المحفورة للخوف .
تسير ساعات الياس صفيقة لادم فيها لتعيد حماقات الندم فيها قاتلا لاامل في رخائه .
هكذا تبدا القصة مثل سرطان يستفز العقل مع اناس ، تعلموا من سادتهم ، كيف ينتهك  الإنسان وهو في عبودية الإنسان .
يُسحب الوطن من حياته الهادئة المتلوية مثل افعى ساكنة تسير في صحرائها مطمئنة ان لاشيء يؤذيها في الغد لانها لم تؤذي احدا ، ليخرج لها فجاة من يقتلها . لقد كتب عليها انها افعى وكفى  ،  سحبا قسريا كما يسحب الملائكة الارواح لغاية معلنة وهي التردي في سوح  الوطن ، فإذا به يجد نفسه مهزوما في ساحة ارض اخرى . الوطن لا يستعبد أحدا ولكن الإنسان هو من يستعبد الإنسان . يسترقّون البشر أولا ويعذبوهم حتى إذا ما وجدوا نفوسا متراخية ، حولوها من خدمة الوطن لعبوديتهم هم .

3AYEDA33فِيْ مَشْهَدٍ ضَرَير وَحُمْرَة تُشْبِهُ الْكَرَزِ خَلْفَ قِنَاعِ الْرَّفْضِ، تَصْحُو ثَمةَ  أَشْيَاء عَلَيْنَا أَن نَبكِيها وَلَا نُبَادر إلى الْبَوْح بِهَا.
تَوَسَّدت يَدَيهَا فَوْق الْمِنْضَدَة فِي غُرْفَة تَبْدُو بِلَا أَبْوَاب وَلا نَوَافِذ صَمَّاء إِلَا مِن حَفِيْف الْأَوْرَاق
كَانَت قُبَالَتَه تَلُوْذ بِصَمْت مُسْتَغْرقَة فِي الْتَّأَمُّل وَكَأَن شَيْئا حَبِيْسَا فِي دَاخِلِهَا
كَيْفَ يَجُوْزُ لَهَا أَنْ تَقُوْلَ
وَأَنْ قَالَتْ،
كَيْفَ؟
تَرَددَ وَهُوَ الْغَارِقِ فِيْ كُنْهِهِ، بَعْدَ أَنْ ضَجَّ بِنَشِيدٍ مِثْلَ الْقَصِيْدَةِ، بِصَمْتٍ تَأَجَّجَ خَلَفْ رَغْبَتُهُ وَهُو يَرَاهَا بِكُل كَيَانِه،
كُوْنِيْ لِيَ، لِيَ وَحَسْبُ

abstrait_lavoixلكي تتم الشهرة العالية للاديب المبتدىء , في نشرنصوصه ,  ولكي يختصر طريق صعوده الى قمة مجده , فقد اتفق معه  الناقد الشهير , الذي لايكتب عن احد ما الا بصفقة .
طلب الناقد  من الاديب المبتديء المسكين ان يتفق هو الآخر مع مجموعة مناسبة من الادباء المبتدئين امثاله , لكي يصبح مبلغا له قيمة . وقال انه سيقوم  بتخفيض المبلغ الذي سياخذه من الكاتب لقاء العمولة طبعا . مبررا ذلك بقوله انه انما سيتعب كثيرا في البحث بين كواليس النقد لينتقي الكلمات  , والعبارات , التي تليق بالاديب  , ليجعل منه نجما .
كانت للاديب المبتدىء قصة طويلة مع الناقد الشهير , تتلخص بالتالي :
كانت للناقد صلة قرابة مع الاديب الهاوي . ولانه مبتدىء لم يحترف الكتابة فقد كان بحاجة الى من ياخذ بيده في الدروب الشائكة للادب .
راح الناقد الشهير يستخدم اسلوب الاستهانة والاحباط مع قريبه المبتدىء الشاب , حتى كاد مشروعه الادبي ان يفشل .

مفضلات الشهر من القصص القصيرة