immeu-norحالما عبرت بوابة فونتانا هيسا.. تعلقت بي الشابة روبيكا موريسن :
ــ هسن، هسن.. لقد اكتشفت مسكن والدتي!
كنت أحاول التقاط أنفاسي حين استمرّت تبلّغني:
ــ انها تسكن في " تاين"..
ــ ...
ــ  في الطابق الأرضيّ للعمارة المجاورة لك.
رغم معرفتي بمقرّ سكنى العجوز كاري موريسن، فقد تصنّعت الدّهشة:
ـــ حقّا!!
ــ أجل هسن

SOUFFRANCE-anfasseإلى : سعاد.. التي تركت في قلبي جرحا ربيعيا لا يندمل،، لأن فراقك كان في  مثل هذا التوقيت، كل ربيع تندلع أشواق القلب، بعد أن تركته نهبًا للضياع والتشرد، وكنت أظنك مرفأه الأخير، وسيتوب بعدك عن الهوى.
وإلى : تلك التي تحملت "خياناتي" كل هذه السنوات بحبها الأمومي الغامر...
إلى العزيزين : إبراهيم الحجري، إبراهيم الحميد.
رنّ هاتفه المحمول.
إنه رئيس تحرير الجريدة. هذه أول مرة يفعلها، بيد أن المكالمة أنقذته من ورطته...
تمّ كل شيء بسرعة، وهو عائد من مدينة أزمور، التي  اعتاد التسكع فيها بحريّة، لأن لا أحد يعرفه فيها، واصطدمت عيناه بتلك البدوية. شمّ الذئب القابع في دواخله رائحة الفريسة. راح يلتهم بنظراته شموخ صدرها النافر المتصلب، وأصابعه تحترق شوقا إلى عصر فاكهته.. كانت امرأة تفتقر إلى لمسة  جمال وأناقة، تفتقد  ما يسرق القلب ويخطف البصر.
عند مغادرتهما حافلة أزمور، سألها : "كم الساعة؟"، وهو يدسّ هاتفه المحمول في جيبه، تبادلا بضع كلمات،  وفي انتظار الحافلة رقم 3، ضمّ ساعديه عند صدره، حاجبًا نهدها الأيمن، وتسللت أصابع يمناه، ممارسة طقس قرص نهدها خلسة.. وبعد دقائق غادرا الحافلة، وطلب منها أن تسبقه، وتدخل بيتا مهجورا... 

anfasseكنتُ دوما ساردَك المطيع فيما سلف.. لكنني سأخرج عن المألوف هذه المرة، وسأشق عصا الطاعة وأعلن تمردي عليك أيها الكاتب.. سأثور على سلطتك وأتولى السرد من تلقاء نفسي دون تحكم أو توجيه منك.. لن أكون ذلك الوسيط بينك وبين قارئك.. تحَمِّلني أحيانا أكثر مما أحتمل وتمرر من خلالي أفكارا ومواقف قد لا أشاطرك الرأي فيها.. وتجعلني أحيانا أخرى، رغم أنفي،  أتلصص على شخوصك وأبطالك لأعرف أسرارهم وخباياهم ودواخل نفوسهم.. ستكون أنت نفسك موضوع سردي وبطل حكايتي.. وسأمارس عليك ما كنتُ أمارسه، بتوجيه منك، من تلصص على شخوصك.. لقد قررتُ أن أجرب ذلك منذ اليوم الذي تلقيتَ فيه تلك الزيارة غير المنتظرة، والتي غيرتْ مجرى حياتك.. يومها قلتُ في نفسي إنك ربما عثرتَ على موضوع مناسب لروايتك الأولى التي ما زلتَ تحلم بكتابتها.. فأنا أعلم أنك جربتَ الكتابة عن موضوعات وشخوص اعتقدتَ أنها ستثير لدى القراء انطباعا جيدا سيشجعك على مواصلة كتاباتك.. لكنك لم تكن تتجاوز الصفحات الأولى.. كنتَ تمزق الأوراق في كل مرة، ثم تضرب صفحا عن التفكير فيها.. مَن كان يظن أن هذه الطرَقات على الباب هي التي ستحمل معها الفرج الذي انتظرتَه طويلا؟؟..

لأنفاس نتأين البقية يا تُرى؟.. لا أرى سواك هنا!.. وحيدة أنت ستكونين بين أناملي.. لامَسَها بأصابعه التي امتدت اليها وهي صامتة تنتظر شعلة من نار كي تنطلق في الأجواء برقصة كونية لا خلل فيها إلاّ أنها صُنعت لتكون مومساً بين الشفاه..

يبدو كل شيء سهلاً، كي يبدأ ثورة جنونه التي لا تنتهي إلاّ حين ينتهي من إغوائها كي يربح الرهان ويستريح من توتر أعصابه، بفقدان رجولة لا يعي أنها رهان نفس أمّارة بالسوء، ولكنه يرافقها برغبة قوية واشتهاء، لكنه اشتهاء عابر مُتنقّل من طبيعة الانسان التي امتلكها بسلوكيات مشوّهة جعلته يطوف عكس خليقته..

على خوف وضعها أمامه تأمّلها!.. تساءل!.. لماذا تغار منها زوجتي؟.. لا أفهم غيرتها هذه، فقد أصبحت بعمر لا يقبل النصائح والجنون، ربما جنون النساء يتخطى حدود العقل..

أنفاس نتالغرفة عتمة، والعتمة خوف.
.. وحدك في ذلك الفراغ، ساكناً. متيبساً. وقلبك ينبض بقوة. تهذي دون أن تدري. تحاصرك الريح التي تعوي. تحاصرك النافذة المواربة بصوتها الرخيم. تحاول استلاب الدفء من (بطانية الوكالة) ذات الرائحة النتنة دون فائدة. "لكنها خير من كل الطعام"، هكذا تواسي نفسك ككل مرة. فقد حصلت عليها بعد شجار مع أحد المسؤولين. وقفت في طابور طويل، تزاحم الواقفين. تتخبط بهم، تتعبق روائحهم المغمسة بالظمأ، الجوع. ثم تعود أدراجك، وأنت تصرخ. تسب كل موظفي (الوكالة). تلعنهم، والريح ما تزال حكاية في جوفك.
في البعيد، يواجهك المسئول ذاته (بالبطانية)، يعطيك إياها ثم يتوارى خلف الضباب.
***
الغرفة عتمة، والعتمة خوف.
سؤال يفرض نفسه عليك بقوة: "هل تُبقيِ النافذة مفتوحة أم...؟"

انفاستبدو شيئا فشيئا ... تلوح يداها الرقيقتان لرفاق تاهوا في دروب تتشعب ... توغلوا في ضباب كثيف وغابوا ... تنادي ... تتحسس الرذاذ ... تلتمس مخرجا ... لكن لا أزيز ولو لباب، فكلها موصدة ... تستجمع شتات الضوء، تركز النظر في اتجاه الأفق ... تحاول أن تتبين ما انكتب بحروف نور تتلاحق على صفحة ضبابة ... تعالي نرتوي من ينبوع عذب، ونرقص على أنين الليالي... ابتسامتك وحدها وجه مشرق للعالم ... تعالي نتجرع الحياة حبا؛ إذ تعتصر فاكهة قلبينا في مطعم الجراح … هذه أعاصير عنيدة … افتحي بوابة معبدك… عساني أصير فيه ( … ) لأنثى أنهكتها تفاصيل المدرجات، ثم الدروب وسط مدينة محتشمة بألف عار. بجانبي أناملها الذهبية كانت تضغط على قطعة سكر، واللون البني مازال يتراقص بعد على الأبيض المكسر. كفت عن التحريك، وأوقدت النار بالقرب من الشفتين المعسلتين … تمص وتنفث الدخان صوب الواجهة الزجاجية؛ التي تكشف بؤس الشارع اليتيم … فراغ إلا من سيارات بيضاء تمر تعوي… يرقبها النادل من حين لآخر، وهو يمشي بين الطاولات يحسب، يوزع،  يجامل زبونا، لا فرق. تنظر إليه … نعله المطاطي يطل منه إبهام مشقق بظفر نصفه بلون الحناء.

dessin-abstrait-4السكونُ يهجمُ على العجوزِكهجومِ ليلٍ لا قمرله, أوجاء قبل موعده, راحت أناملُ (تيتة الحاجة) تعبثُ فى خصلاتِ شعرٍ لطفلٍ يغطُّ فى سباتٍ, انتبهتْ.. نظرتْ إلى أناملها ...إن فيها قسوة َحياةٍ, حفر العمرُأخاديدَ كالتى على وجهها, مرهونة هى فى جسدها, تحمل سنواتِ احتلالٍ على ظهرها, يلفُّ وسطها قيدٌ قماشٍ لن ينفكَّ الا إذا وقفتْ أنفاسها, فهو بمثابة إرادة من خارج نفسها, تستمد منه القوةَ وتَحملَ آلام الحياة حين ضعفها.
أه ٍ...وتنفست بعمقٍ... لامستْ يدها الأخرى حباتِ خرزٍمتدليةإلى الذى كانت تسميه خصرها, قالت: لماذا هى هكذا كبيرة؟ متورمة....منتفخة...تحمل ألواناً عدة؟ أجابتْ بهزة رأس ٍ....ربما هى متورمةٌ من صديد الحياة الساكن فى النفس ينهش فيها, وألوانها تعبرعن خيوط اللأمان, منسوجة بعذاباتِ قهروعتْ عليه, ينخر فى عظامها, وفى أنفها تجد قطعة ذهبية اللون, ربما تذكرها بذهبية تراب أرضها, أوهى نوعٌ من الانقياد للأعراف والتقاليد وحكم الرجل المتجبر, لا تفهم ماذا تعنى؟ لا يهم وراحتْ تنظر إلى الصغير, ملائكى الوجة والملامح, لم تعبثْ به بعد قسوةُ الأيام....ولا همجية القرود, ثم تساءلت: أى قدرٍ سيواجه هذا الصغير؟ وأسندتْ جانبَ السرير إلى رأسها....

abstrait-anfasse111مع دخول ليلةٍ من ليالى الشتاءسالتْ الأجواءُ برداً وقرّاً, أرادتْ السماءُ أن تعاقبَ قريتنا المسكينة وأهلها الذين يسكنون بيوتاً من الطين, فصبتْ جام غضبها مطراً واصل ليله نهاره, فكست ثوباً منقوشاً بالوحل, وكان هم الجميع موضعاً لجسده ولو واقفاً يقضى فيه سواد ليله.
قطع صوت أمى طرقاتِ المطر فى أوانى قديمة نجمعها لنقذفَ بها من طين إلى طين, وراحتْ تستجدى ولدا بارا ...أتستطع أن تسير إلى المدينة لتحضرعقد قران ابن فلان الغنى؟ إن له علينا يداً, فأشفقتُ على نفسى الذهاب وأومأتُ إليها موافقا, فبيتُ الفقير تحت المطرليس بأحسن حالٍ من الشارع.
ارتديت ُ أحسن ما عندى من ثياب رثة تفضح قلة ذات اليد لمن لا يعرفنى, لففت أكياس بلاستيك حول أقدامى حتى لا يدخل الطين من ثقوبٍ على أرجاء حذائى, ظلام الشارع يوحى بأن السماءَ أطبقتْ على الارض, فلا أمل لشعاع نورتسيرعلى هديه, أغلقتْ معظم الحوانيت أبوابها, القليل منها مفتوح نصف فتحة لمن يبتاع شمعة أو كبريتاً أو لتراً من الجاز.

مفضلات الشهر من القصص القصيرة