دعوني أخبركم عن تجربتي الأولى ،عن اندهاشاتي، فقد كان العالم واسعاو المسافات شاسعة وما كان يجري كبيرا و متنوعا و كانت سرعة التقاطي للأفكار و الرؤى بطيئة و متمهلة، ذلك لأن سيلا من الدهشة و الإعجاب يسيل حولي كلما أطلقت عيني تجوسان المكان ، تتفحصان كل وجود جديد أعده صيدا و غنيمة لغرائزي التي تنطلق تباعا دون مقاصد، هذه هي تجربتي الأولى و هكذا كا ن وجودي منبسطا و محتفيا بإدراكات ملونة ، لا مثيل لها في تاريخي الماضي القصير ، هكذا أتممت تأسيس قواعد إدراكي و من ثم ضعت في التيه الممتد من بوابات الثغو الأولى حتى مصاريع أبواب الهرم المهترئة ، كائنا لا أشبه ما كنت عليه إبان وجودي المجازي في ذلك العالم العلوي، و ها أنا الآن بعد ذلك أجلس في مكان أوهمت نفسي و الآخرين على إنه المكان الملائم ، يمرون بي يرونني بسحنتي ذات الملامح العادية ، لكن ما بداخلي يزمجر كحيوان جريح ، لست أنا وحدي كذلك إذ إنني أكاد أرى حيواناتهم الداخلية التي تطل من أعماق نفوسهم تتحين الفرصة للأنطلاق في أدوارها بعضهم حيوانه مستخذ ككلب يضع ذيله الأعوج بين فخذيه القذرتين، يلبس تلك النظرات المنكسرة ،و بعض تلك الحيوانات الداخلية يعوي كالذئاب وبعضها الآخر يتلصص كابن آوى وأخرى تزمجر كأسود جائعة و آخر ينهق كحمار ، جميعنا نشترك بشكل عادل ببزوغ حقائقنا الحيوانية التي تنكر لها باضطراد زمني متتابع و طويل تكويننا المدعي بأنه ينتمي للسماء و حيث دربنا أنفسنا على إتقان الوهم ، ذلك الوهم الذي مفاده إننا عائدون إلى مكاننا الأصلي ، مكاننا الأول العالي هناك ، لكننا عندما ننسى دربتنا على السمو نسقط عاجزين إلى حضبض جذورنا المزمجرة و العاوية و الناهقة وأحيانا المغردة كالعنادل ، كدجاج يملك أجنحة لكنه لا يطير بيد أنه يصفق بجناحيه مذكرا نفسه بأنه لا زال ذلك الحيوان المنتمي إلى جذوره الطائرة.
لقطات....!!!! – نص : أيت حسومبارك السعداني
لقطة رقم1 :عناق
يمد البحر ذراعيه باتجاه المدينة الغارقة في بحرها ليعانقها ،كما عاشق يمحو عن حبيبته بقايا حزن أليم.يمتد البحر الى اللانهاية ...يلتحم مع السماء في عناق أبدي...
سرب طيور ناصعة البياض يرسم في كبد السماء سهما يسير بسرعة واتساق جهة الشرق.....
لقطة رقم 2:تواصل
المرأة التي تجلس بمحاذاة الشاطئ تروقني كثيرا.أراقبها عن بعد ،،أحاول ،بكثير من الخيال المجنح،أن أخلق تواصلا ما معها.أجتهد كي أجدعنصرا مشتركا بيننا.أتتبع حركة رأسها علني ألتقي معها في زاوية معينة للنظر لنتشابك في نظرة واحدة حول شيء واحد... لفترة بدت لي المرأ ة مثل تمثا ل شمعي سيذوب بين الفينة والأخرى تحت أشعة الشمس اللافحة.
فصلان من رواية :قيلولة أحد خريفي - هشام بن الشاوي
بعد الظهيرة، تغري الشمس الخريفية بالاسترخاء اللذيذ، والسكون يخيم على حي النجد. الأحد يوم الكسل المقدس.. تتمدد فوق الرمل، تحس بدفئها يتسرب إلى مسامك، والقطة الوديعة تتمسح بساقك، كأنما تشاطرك افتقاد أنيسكما العجوز. ترنو إلى كوخ عبد الله بآجره الرمادي، تستغرب تصميمه على البقاء في "البرّاكّة" وسقف الطابق الثاني قد قارب البناؤون على الانتهاء منه، بينما بقية العسس اختاروا إحدى الغرف الدافئة بالورش، تفسر الأمر على أنه يفضل السكن في "البرّاكّات"، التي التهمت عمره.. تحدق في تجاويف سدت بمزق أكياس الإسمنت وأوراق الجرائد اتقاء لشر برد ديسمبر. تتأمل السقف القصديري، الذي رميت فوقه أشياء كثيرة، أغلبها لا يصلح لأي شيء، بيد أن عبد الله يحب "القُـش" مثل الجرذ، كما يقولون عنه، ويقضي سحابة نهاراته في البحث عن سقط المتاع في الجوار.
نزيهة حبيبتي ـ قصة : عبد الفتاح المطلبي
نزيهةٌ رفيقةُ دربي هي مشكلتي الآن هي تراثي الحميم الذي لا يفارقني أبدا والآن صارت نزيهة مشكلة بعد إن سرى بجسدها الغض المرض الخبيث، وطدت العزم على الصمود أمام هذا الواقع الذي يناكدني و يريد كسري والسخرية من وفائي لنزيهة خصوصا وقد سلّط علي جارتي المطلقة اللعوب ميادة التي صارت تزورنا بعد العشاء بحجة الواجب الذي يحتم عليها تفقد نزيهة بعد مرضها العضال كما تقول هي ولطالما سدت علي الطريق غارزة عينيها في عيني تتكلم بلغة العيون الفصيحة والواضحة محرضة نفسي على خيانة نزيهة ولطالما تمنت موتها أو الوقيعة بيني وبينها لكنها لم تفلح أبدا أما الآن بعد داء نزيهة العُضال فقد أمعنت في أحلامها بالاستحواذ علي بعد موت نزيهة المتوقع فارضة علي الأمر الواقع و لطالما ألمحت أثناء مزاحها المستمر معي عندما تنام نزيهة مخدرة في نوبات علاجها أن مصيري في أحضانها بعد نزيهة لا سمح الله .
شُعلة حُبّ لا تُنسى... – نص : ضحى عبدالرؤوف المل
وماذا بعد يا حبيبي؟... ماذا عن دمعة كحلَتها ضحكة رضى تبسَّمت عن كاهِل قَسا؟.. ماذا عن نور اغرورق حزناً كلما مني دنا؟.. ماذا عن القناديل الحمراء في ليلة غاب قمرها وتدثّــــَر بين شفاه فراشات صم تشهق صبحاً وتلملم بأجنحتها الندى؟!... ماذا عن حروف بثّت حزنها في قافية تسرب منها ضوءنا؟!..
ماذا عن أمس نهض كعطر انتشى وتجلّى نازفاً صمتاً صفا؟!.. ماذا عن أنوثة تبكي فقدان رجولة أشعلت ثورة كلمات ملأت رسائلي حباً طيباً؟..
حَــــــبيبي...
اندحـــــــار – قصة : محمد كماشين
ينفلت عبر الجدران العالية مغازلا العيون الراصدة ، يستقر في الركن الجانبي / ذاك الشعاع والممتد أرضا تلفحه النسمة .
نسمة الصباحات البائدة :
كانت الترنيمة تسترسل زلالا مدى مدار اليوم رغم كونه نفاية ربطت أوردتها الحية بمضخة الامتصاص .
حدثته الأمارة بالسوء ركوب القطيعة بين النفاية والمضخة ،واجتثاث الأوعية الموصلة،، ودارت بقمامة دماغه فواصل متباينة:
فصم وريد لن يجعل الوثارة جحيما ،،ودخل معركة كانت كفته فيها ملامسة للقاعدة .
كيف تلامس القاعدة وأنت الخارج عنها !؟
شقشقة – قصة : مسلم السرداح
كنا ننذر النذور وندعو ، وكنا نتضرع لكل شي ء مقدس أو غير مقدس مما لدى الكبار ، إنسانيّا كان أم حيوانيا ، نباتيّا أم حجريا ، حياّ أم ميتا ، على عادة الأطفال غير المسؤولين عن شيء وغير الملتزمين بشيء . والذين هم على العموم لايؤمنون بشيء أكيد سوى ما يلبي حاجاتهم . كل ذلك لأجل أن يأتي العيد ويمر دون منغصات تكبل يديه فلا يعطينا ما نأمل أن يأتي به لنا ، وهو كثير جدا وكبير ، باعتقادنا كأطفال صغار .
في فترة طفولتنا ومراهقتنا الأولى كان يتزامن مجيء العيد مع غزارة المطر فكنا نتضرع مثلا أن لا يأتي العيد مع أيام المطر ، الذي كان يعبث بأراضينا الترابية فتضيع فرحتنا باللعب واللهو الذي كنا انتظرناه على مدار عام كامل . وندعو بأمل أن يمر العيد ليحمل معه سرطانات الحرمان ويمضي بها بعيدا في بلد لم يكن فيه غير الألم أرجوحة ، وغير الحزن حمارا ، نمتطيه أو ديلاب هواء نركب فيه ويدور بنا دورة الزمن ، وغير الفقر ، ملابسا ملونة أو مبلغا صغيرا من المال نرتاد فيه سينما الكرنك أو الرشيد أو سينما الحمراء والأطلس .
أيها السعداء...عذرا – قصة : غسان الكشوري
جلس ليلة أخرى يلاعب قلمه بأصابعه على شفا ورق أبيض لا يعرف ماذا سيفعل أو من أين سيبدأ …؟
هذا هو حال "سعيد" الذي كلما خلا بنفسه حار في أمر حاله. لم يكن لديه أي تكوين عالي أو شواهد أدبية معتمدة إلا سنوات قليلة من براءة التعليم الأول. لكن هذا لم يمنع فكره من أن يطوف حول كتابة قصص وأشكال عن أشياء تجول بخاطره ، كان يفضل أن يخربش على أوراقه بدلا من أن يكتفي بهموم وأخبار الناس… يكتب أو يرسم أو يهندس أشكالا من عالمه…المهم عنده أن يلتقي القلم والليل في ساحة الورق يتمرد بهما على حاله .
ترك دراسته وهو في سن مبكرة لظروف عائلية فخرج إلى الشوارع يجوب زواياها قبل حلول وقتها، إذ كان يسعى للـُـقمة عيشه حين تركته أمه مع أبيه الذي كان مصابا بمرض السـل. لم يكن في اختياره غير أن يقتحم عالم الشغل بمناخه المتقلب. لكن السنوات القليلة بعد ذلك أبت إلا أن تـُـبـين عن قسوتها عليه حين خطفت والده وهو في ريعان أبوبته فزادت من حزنه، فلم يجد عماً يواسيه ولا خالا يعزيه سوى جار يقوم بالواجب.لا يعرف "سعيد" شيئا عن عائلته إلا ضبابا من نزاعها وما رسب من ذكريات طفولته. ما عساه أن يفعل وهو يعيش وحيدا في البيت الذي ماتت قلوب الذين سكنوه وأجسادهم…؟ ! حتى جاره قام بواجبه من أجل الواجب لأنه لا يعرف من قصتهم أمسـًا.