anfasse222224445تنهدت وقد ارتسمت على شفتيها الزرقاوين بنور القمر ابتسامة شاردة، تحرك قلبها واشتعلت عروقها وجداً، وآثرت أن تتعامى وتتجاهل سكرته ولهيبه.. طاف بها خيالها إلى عالمها: أنوثة كجُحر فأر كثيف السبل، يختلط فيها الضعف بالكبرياء والذوبان والجنون والذكاء والخوف والرغبة في التهام الأشياء وأضراب عديدة من الرجال كأحمد البائس الفقير، الذي يحبها بجنون فظيع .. فظيع جدا .. فما تفعل مع امرئ يحبها حبا لا يسمح فيه لقوانين العقل أن تعمل أو أن تقول كلمتها؟
ثم عادت إليه .. إلى مداعبة قلبه، وهي تفرك أصابعها خجلا وتضحك في دلال، فقالت تستقطر ما في صدره لتعرف نفسها من خلاله:
ما تقول في جمالي؟
بحيرة صافية لا يستحق أن يراها إلا العيون النقية.
والعيون غير النقية؟

souffles_anfasseنهض عيسى من فراشه لما ملأت زقزقة طيور الخطاف باحة المنزل وغرفه الثلاث . اطفأ التلفاز الذي يبث النشيد الرسمي وصورة السيد الرئيس  بشيء من الضيق ، وابتعد عنه خطوة  . كانت  الساعة تقارب السادسة والنصف صباحا ، وكانت موجة الحر قد بدات في الاشتداد ، رغم هطول زخات قوية وطويلة نسبيا من المطر اواسط الليل ... تثاءب فاتحا فمه الى حده الاقصى . ثم توقف لحظة ينضر في الطيور السوداء البيضاء ، وهي في طيران عشوائي داخل المنزل . لم يدر بذهنه اي سؤال ، ولكن مشهد الفوضى لم يرق له تماما ... رفع تبٌانه الى اعلى ،، وفتح ذراعيه يتكسٌل ... احس بالرغبة في العودة الى النوم ،،، التفت الى فراشه المسجى على الارض وسط قاعة الغرفة ، ثم الى الطيور الصاخبة ، ومطط  شفتيه في حركة رياضية ... "سيبدا الان يوم جديد" ،، حدث نفسه فانفجرت الكلمات متراخية من عينيه . مضى الى الحنفية في المطبخ غسل وجهه وتفقد ملامحه في المرآة ... فتح ساقيه اكثر من مرة ، وحكك خصيتيه .. حاول تذكر تاريخ اليوم :السادس عشرة من جوان ... تاريخ عادي الى حد الساعة ... وليس بمقدوره ان ...

anfassea*الثلاثاء:
أيقظه رنين جرس الباب المزعج. الطارق  على عجلة من أمره، لم يجد غير ساعي البريد  يمتطي صهوة دراجته النارية، ويغادر. لم يسأله إن كان الطارق، التفت ناحية البيت المجاور، ظنّ أنه أخطأ في العنوان.  أحصى ذهنيّا  من ينتظر مراسلاتهم.. مجلة وعدت بإرسال ثلاثة نسخ لعدد نشرت فيه قصته، صديق طلب منه عنوانه البريدي دون ذكر السبب، لعلّه يوّد مفاجأته بكتابه الجديد، فعادة، يهدي الكتـّـاب زملاءهم إصداراتهم.

تناهي إلى مسامعه صوت أذان الظهر، أحسّ بالتعب،  وبقايا نوم يداعبه، بعد سهرة إبحارٍ عنكبوتيّ.

sens_de_la_vieيبدو السؤال غريبا بعد كل ما حصل من التنظير الفلسفي و الأدبي و الثقافي    , لكن في واقع الأمر كل فرد منا نحن البشر في حاجة لطرح السؤال في مراحل مختلفة من حياته , كلنا في حاجة لمراجعة  تصوراتنا عن المعيش و عن ما نمارسه يوميا بشكل روتيني لأننا لا نطرح السؤال حوله و كأنه  بديهي أو كأن معرفتنا  به  من قبيل المسلم ت، وربما يعزى ذلك لكون الظاهرة "الحياة" تحتوينا لذلك تنعدم المسافة بين الموضوع  و بين الذات العارفة "الإنسان" , و السؤال عن الحياة يكتسي أهمية قصوى قد لا يدركها المرء ,  لأن الفرد  لا يقدر  الأسئلة  التي تشغل باله  بوعي أو  بدون وعي بقدر ما يقدر  الأشياء الملموسة و يطرح الأسئلة  حول ماهو ملموس فقط ، و يبقى السؤال بذلك مضمرا و مقلقا إلى أن  يجده الواحد منا كامنا في تلافيف دماغه , يؤرقه و لا يعرف السبب بل و حتى لا يعرف حلا لأرقه  إن لطرح الأسئلة التي قد لا تبدو  ذات نفع مادي  دورا هاما في تحقيق الراحة النفسية التي تعتبر رأسمال غير مادي هي الأخرى , و قد قال البشر كثيرا عن الحياة , قالوا عنها كل من موقعه و من مرجعياته المعرفية و الحياتية الواقعية و لو أنك  تسألهم واحدا واحدا هؤلاء الذين انشغلوا بالسؤال ستدرك التباين الحاصل في إجاباتهم ما يؤكد  لك أن الموضوع   يستحق التركيز  و أن مسألة تصورنا عن الحياة نحن البشر تكتسي أهمية قصوى باعتبارها سؤالا مؤسسا لمنظورنا الكلي للوجود  و للذات أيضا التي يتضمنها الوجود  أو  التي تخلق الوجود  وكلا الوجهين ممكنين ,  و لنفترض جدلا أننا  سألنا هؤلاء الذين قالوا  عن الحياة و نظروا لها من زوايا مختلفة   فما كانت  ستكون الإجابات.....

anfasse2345رن هاتفي بقوة، خاطبني صوت جهوري آمر...ضاحك... يسألني عن الأولاد والحال...والدنيا...آنست من حرارة الصوت وذبذباته شخصا  كنت  أعرفه...وخلصت في لحظة وجيزة إلى التأكد من الوجه الذي تصورته،  والصديق الذي عرفته يوما ما...ربما...
في شبه خجل وحياء من سؤال الصديق عن هويته والتأكد مما أتصور في ذهني...أحجمت عن سؤاله ...تاركا اليقين إلى حين...
بعد دردشة غير قصيرة ممزوجة ببعض المستملحات، فاجأني الصديق سائلا :
- "هل تتذكر 48؟".
- تلعثمت للسؤال المفاجئ الذي لم أستطع أن أتبين ظروفه أو أربطه بحدث من الأحداث...أو واقعة ما، وخصوصا أنني ما زلت لم أتبين هوية صديقي جيدا...

agri_anfasseلم تكن "هنية" على علم بما يجري ..
بدا الزفاف عاديا , ونزولا طيعا عند رغبة أب عاشت هنية دوما طوع بنانه . أما الأب الذي  لازمه لقب "البيدق" حتى خفي عن القرية اسمه الحقيقي , فكانت تعلو محياه ابتسامات ذابلة.. يوزعها يمنة و يسرة على  حضور تنضح أساريرهم بعطر الشماتة !
لم يجرؤ أحد من الأهالي أن يحتال على البيدق يوما أو يغنم منه خُطام بعير ! فالرجل رغم قصر قامته , و ضمور بنيته إلا أنه يتصدر أخبار القرية و أسمارها . فالضحايا كـُثــُر , و المقالب تُنبيك عن دهاء غير عادي .
كان اليـُتم شفيعه لدى أهل القرية ليتولى رعي قُطعانهم لقاء دراهم معدودة , لكنه سُرعان ما كشف عن مواهبه ليُصبح تاجرا للمواشي ثم مسؤولا عن تموين الثكنة العسكرية المجاورة بالزاد والأفرشة .وكعادة أثرياء الطفرة الكاذبة, سُرعان ما اجتـالته شياطين المدينة ونادته مفاتنها : هيت لك  !

jasmin-anfasse11سافِر بي كي ينطق الياسمين، كي يجُنّ القلب ويكسر المرايا الصامتة ويُعلن الانبهار، كي يفتح كفّيه امتداداً لنيسان، لزهر البنفسج، لشقائق النعمان، لورود كالشمس تزهو، كماء يترقرق بين شفتين، كالفُرات العذب، كرشعين الهادئ تألّقاً يثغو مع تأملاتي، لـــــيضمّخ الندى عطراً طيباً عابراً كل الجهات، كصحراء ارتعَشت فيها حبّات الرمال المُلتهبات، كلفحة
ريح تذوي ودمعها تخنقه الظلمات النيِّرات....

حبيبي...
زودتّني بنور من قلب مُحبّ ألا يا قلبي ابتهج ودندن فصول غروب يئن!.. يوشوش الدُّجى ويسمو بين الأفلاك وحَرف سجَد من حُبّ أضنى الفؤاد، ومَحا الكرى بالتنهّدات واتكأ عـــلى زهر الأقحوان، وسماء تبكي لدموع أسرجناها، فأغوت الثغر ولوّنت بالحُمرة الشفتين، ويراع تعرَّى بين الأنامل من شغف، فكتب شعراً ونثراً في رسائل من جُمان...

{ إن كل كلمات الكون غير قادرة على تحرير سجين واحد }
على هذه الأرض الممتدة إلى ما لانهاية، كانت الصرخات والآهات القادمة من أعماق الدهاليز والمنبعثة من عمق السراديب المظلمة تمزق أحشاء هذا الكون . و الanfasseعالم بأكمله يغرق في طوفان من الصمت اللانهائي… وكان الإنسان كتلة من التحدي و الإرادة
و كان الجلادون يستلقون على ظهورهم من الضحك في "حفلات" التعذيب، وكان الضحايا تحت الكرابيج يتلوون من الألم.. الأجساد تلتهب تحت السياط، أما الإرادة فكانت تتصلب و تتقوى.. تتصلب و تتقوى إلى أن تصير قوة لا تقهر.

مفضلات الشهر من القصص القصيرة