evettes-anfasse"إليها وحيدة تغادر أصقاع المدينة،
لروح الشهيدة عبير يوسف سكافي، التي رحلت وفي قلبها شوق لحضن أبيها الدافئ"
***
"هــي"
جاءها المخاض عند جذع نخلة...
النخلة سامقة، الجذع طويل، والألم يفترش الوجه المغبر بالتراب. تتشبث المرأة بالهواء، تتأوه. آلام الطلق تفجعها. العينان تغوران في البعيد، وصورة الزوج خلف قضبان الفقد تراوحها، تلوح كطيف ملون. تواسي نفسها مع كل طلقة. تزفر الخوف، الجوع، الألم. تتمتم للريح: "ليته لم يخرج للبكاء على وجه القمر" ثم تذوب.
*****
"يوسـف"
أشرقت صورة أبيه في الحلم، وفي الحلم راوده حلم آخر. فقال مرتجفاً: "أهذا أنت يا أبي؟!"، سأل نفسه مرات عدة: "أبعثت من رقادك؟!" ابتسم له العجوز، ثم أشار بيده أن اتبعني فتبعه، وحين وصلا مقبرة المدينة، كان خيط النور يعانق جوف السماء.

anfaseيسوق شاحنته بهدوء تام عبر طريق رئيسية تربط بين مدينتين، كان في كل مرة يدخن سيجارة ليتخلص بها  من الشرود الذي كان ينتابه كل حين، تارة يستمع إلى صوت المحرك المزعج وتارة أخرى يثيره أمر ما في الطريق، كان يسير بسرعة معقولة وهادئة كعادته، وبينما عجلات الشاحنة تدور كالرحى، كان يتأمل جمال الطبيعة المحيطة به. فجأة تبدى أمام عينيه جسد طفلة في مقتبل العمر على حافة الطريق، تشير إليه بأصبعها طلبا في أن يقلها معه. ورغبة منه في أنيس يبدد معه وحشة الطريق، توقف وأركبها معه.
كانت وسيمة مبتسمة وهي تسلم عليه، ملتمسة منه أن يوصلها إلى المدينة القريبة المقبلة  في رحلته، ودون تردد يدوس على عجلة المحرك، وهو في سيره تجاذب أطراف الحديث مع الطفلة الصغيرة النحيلة ذات العينين الذابلتين وشعر أسود قصير ينسدل على كتفيها فوق كنزة زرقاء و تنورة  طويلة، بعدما قدمت نفسها باسم سهاد ابنة تلك المدينة، ساردة أنها خرجت منذ صباح ذلك اليوم لقضاء بعض حاجيات المنزل في إحدى الضواحي، لكنها ضلت الطريق وفقدت ما كان بحوزتها من نقود العودة إلى المنزل، لذلك اضطرت إلى " الأطوسطوب"، ثم أنهت حديثها بالثناء عليه وشكرته كثيرا على جميله، بعدما كادت أن تفقد الأمل في الرجوع، خاصة وأن العديد من السائقين لم يأبهوا بها وهي تشير بأصبعها لهم.

ombre_du_tempsيبدو أنّ ساكناً جديداً  حلّ في البيتِ المقابلِ لشرفتي ، كالعادة  فهو طالبٌ جامعي ، منذ  ثلاث  سنوات ، وفي  مثلِ هذه  الأيامِ  سكنَ  ذاك  الذي  عشقته ، و هزمَني ، أنا  التي  ما  خسرتُ حرباً ، أنا المدججة  بأقوى  الأسلحة ، أسلحة  كثيرة  و قوية ، هزمتُ  كثيرين  في  المدرسةِ ، في الشارع ، في الوظيفة ، في الباص ، هزمتُ  كلَ من  قابلتهم ، لاحقوني ، شحذوا  أسلحتَهم ، و أعلنوا  الحربَ ، لكني  هزمتهم ، أمّا  هو فقد هزمني  دون عراك و  مطاردة ، و قبل  أن يرفعَ  سلاحاً  ، عندما  رأيته  أول  مرة  كان  جالساً ، يقرأ كتاباً  بيده ، حاولت أن ألفت  انتباهه ،  تحركتُ  في  الشرفة  جيئة  وذهاباً  دون  جدوى  .
في  اليوم التالي راقبته ، و ما إن  خرج  إلى الشرفة حتى برزتُ  مستعدة  للمجابهة  و  التحرش ، التقت  نظراتنا ، حييته  بابتسامة ، ابتسم ، ثم  جلس  على  كرسيه ، و  بدأ  يقرأ ، مضت  الأيام  أحييه  بيدي  ، أشير  له ، فيكتفي  بإرسال  ابتسامةٍ  هادئة ، قذفته  بالحصى  و الرسائل لاستدراجه ، فحافظ على وقاره و اتزانه ، أوقفت القتال في الجبهات  الأخرى ، حشدت كل ما أملك  من قوة  وسلاح  لهزيمته ، أعلنتها حرباً  واحدة  وجبهةً  واحدة ، لكنني فشلتُ ، أطلقت  سهاماً  ورماحاً ، و امتشقت  سيوفاً ، ولكنه لم  يرمِ  سهماً ، ولم  يرفع  سيفاً .

mis-anfasseحين مات , شعر بارتياح كبير , وسعادة غامرة , فللمرة الاولى, ياخذ حقه كاملا في الموت , بعكس المرات السابقة , حين كان لايزال حيا . ذلك لانه عومل معاملة امثاله , مثل مواطن منسي , لاامل له في المكاسب التي يحصل عليها الآخرون . ولم يؤلمه للوهلة الأولى الا احساسه بان الآخرين  , لم يحزنوا لموته  , ولم يبك عليه احد , ولكن ذلك  االشعور , لم يدم طويلا , و بحكم العادة , فقد احس ان الآخرين سعداء لان الموت رحمة لمن اتعبتهم الحياة , كما تراءى له انه سمعهم , وكذلك لانه اصبح ذا حقوق كاملة مع جميع الميتين   .
فكر وهو في طريقه الى القبر , ان بامكانه الهروب , لو اراد , لان لااحد مكلف بحراسته , بل ولااحد يعنيه امره , ويمكنه ان يدفع غطاء تابوته ليهرب الى البعيد , ولكنه احس بالاستسلام الى الحالة النفسية السعيدة التي كان يشعر بها , فعاد مرة اخرى الى الاسترخاء , وهي الحالة التي لاتزال تسري في جسده , وكانها جرعة من مخدر قوي . ولكنه عاد الى قلقه السابق حين تذكر انه , وبعد قليل سوف يصل الى القبر ليودَع فيه الى الابد . وراح يصارع نفسه , بين ان يصرخ , لياتي احد ما لنجدته , وبين ان يركن نفسه الى الحالة السعيدة التي هو فيها . فوطن نفسه على الحل الاخير , ذلك لانه اراد ان لايضيع حالة التساوي التي منحت له , مساواة كاملة في الموت مع الآخرين .

filet-de-peche-20081103الغائــــــــــب

سقطت الملعقة من يده، كسّرت صمتا انسكب على المائدة، قام معتذرا، خرج إلى  الشرفة ليحلق بشروده  وييمّم  وجهه  شطر ضفاف الحنين..!
بحسِّ رفيقة العمر أدركتُ أن حلّ خيط العقدة متعلق بين أصابعي، كلمة الفصل مربوطة بلساني ،والخلاص من - الوجوم - الذي حلّ منذ بداية العام  ضيفا ثقيلا، دون سابق دعوة أحال دفء البيت صقيعا سيذوب بقراري..!
بقلب راجف، أمسكت كف تمثال، جسدا بلا روح :
سأختصر وأخفف من معاناة انشطار قلبك  إلى نصفين.. تقاسمنا معا لقمة الحياة في الغربة، ونعمنا بعافية اقتران عربي وأجنبية، تشاركنا، تبادلنا المعرفة، ذبتُ في عالم لغة الضاد، عقيدتك، ترابط العائلة، واندمجت أنتَ  في مجتمع الحقوق والقانون والديمقراطية، شكّلنا ثنائيا كان قدوة، واليوم قلبك تمرّد ويخشى البوح حرصا على مشاعري ..
اذهب. استعد حبك الأول فالواجب يناديك...

paint-anfasseحَــــبيبي.. علّم النوارس كيف تشدو وترسل أنينها أناشيد حياة تسمعها الكائنات، وهلمّ بنا بين عُروش القرنفل لتزدهي بنا وتزهر بالضوء المُنعش الغضّ، وابعث في دنياي لحناً قصائدياً يُــــلهمني الجنون ليحيا القلب بأشجى النغمات وقلْ حبيبتي.. أنتِ بين القلب والروح ومضة، فـــكيف لا أحضن شطآنك والروح تضمنا كزهرة ضوء تنير عتمة ليل عشناه؟!.. كبوح ناي مَـبحوح لهاثه ونغمه طيب أنفاس عطشى وصمت بوق أطلقناه..

حبيبي..

لن تراني غداً ما لم تكن لروحي منارة، فلا تعجب إن اخترقتُ سُحب الشمس لأراك، ولا إن التقيتك في موطن الأقمار، ولا إن بعثرتُ أحلامي لأرسم حولك خطوطي الحمراء، لأكون أسيرة في نقوش بابلية، في كهف قافية سومرية، في كلمات تجعلني ملكة تسكن كهوفاً طينية، في ضوء قناديل ديوجين في عبق عطرك، في شتاء يقربني منك، في نبض قلب يغنيك...

per-anfasseعلى رفوف الذاكرة، بين الأيام البالية طيف الطفولة يغازل الأحلام و في ثنايا الذاكرة أوراق الصبا تتبعثر و يضيع الحلم بين الاوهام،على رفوف الذاكرة ألسنة اللهيب تهدد أحلام الصبا ، تتوهج الاحاسيس و يغزو الأسى عالم البراءة .على اوراق الزمن الغابر حبر العذاب يداعب التذكار و تسيل دموع بلون الدم و آهات تمزق سكون الليل الصامت
ليل طويل زال كطيف إحترق بنور الشمس و دمرته أشعة وجنتيها. لا أدري لماذا خاصم النوم جفوني هذه الليلة مع أنني كنت متعبا بعد أسبوع من العمل الشاق في هذه المؤسسة التي تكتم انفاسي و تقتل الإنسان بداخلي لتحل محله آلة صقلها الروتين و النمطية القاتلة.
أيامي فقدت حرارتها و قدسيتها و أصبحت تتعاقب كوحدات السبحة في يد عجوز، بطيئة، خاضعة لنظام في التعاقب يجهز على كل أمل في بزوغ بصيص مفاجأة أو جديد.
ربما خاصمني النوم و صاحبني السهاد هذه الليلة لأنني في حاجة إلى كل ثانية تأخدني على بوارق الذكريات أدشن و أكتشف عوالم و مواطن طوتها رفوف الذاكرة و زرعتها في كل أحجار و اغوار هذه القرية - المنفى - المنبوذة في رحم النسيان.

horizontaleمقلوب يومي
مبيانك منحناه كلما علا يتناوبه الانكسار، ومرمى نظرك إلى الأفق، إنك تفترض دوما أن هناك تلتقي كل المتوازيات. يطغى على روعك أن هذا الخط هو للقاء والتلاشي في آن. المستوى غير محدود أبدا في دروب فضائك، وأنت تمر صباحا مستقيما بين نقطتين وحيدتين، في الغدو كما في الرواح. نقطتاك لا تعينان سوى مستقيم واحد بين المستقيمات بأسرها هو أنت. تتلمس أطرافك، وتتحسس أدواتك، وترنو لأفقك الطافي بالأشكال والأجسام، دون أن تأبه للكلام المشحون من حولك. تهفو، وتهفو فقط إلى أين تنشد مسلماتك. ولو أنها مرستك كثيرا؛ لازلت تحاورها: أحلم هي أم حقيقة؟ منطق أم رياضة يومية؟.
ها أنت الآن في المفترق عند نقط الانحراف. قلبك معلق، والحق لا يؤخذ، والواجب لا يتوقف. في المفترق تراوح بين الخطوط كلها، إلا أنك تكتفي بقطعتك محددة الطرفين. وشغلك الشاغل أن تبحث عن نقطة ارتكازها لتعميد توازنك كل يوم. أنت من لا ينشد غير هذا التوازن، به قطعا تستطيع أن تفكك العمل اليومي إلى عوامله الأولية، فتوحد مقاماتك، وتغير ترتيب حدودك، وتسجل مقلوبك اليومي بسطه على مقامه. هذا السالب، وهذا الموجب. من وضع هذه الثنائية أصلا؟!. لماذا شغلوا الناس منذ البدء بهذه الثنائيات؟. تسأل، وتواصل. تواصل لعبة الإشارات.... ثنائيات ثنائيات. فكيف تقبل أن أي سالبين في هذا الكون يولدان الموجب؟ !.

مفضلات الشهر من القصص القصيرة