على رفوف الذاكرة، بين الأيام البالية طيف الطفولة يغازل الأحلام و في ثنايا الذاكرة أوراق الصبا تتبعثر و يضيع الحلم بين الاوهام،على رفوف الذاكرة ألسنة اللهيب تهدد أحلام الصبا ، تتوهج الاحاسيس و يغزو الأسى عالم البراءة .على اوراق الزمن الغابر حبر العذاب يداعب التذكار و تسيل دموع بلون الدم و آهات تمزق سكون الليل الصامت
ليل طويل زال كطيف إحترق بنور الشمس و دمرته أشعة وجنتيها. لا أدري لماذا خاصم النوم جفوني هذه الليلة مع أنني كنت متعبا بعد أسبوع من العمل الشاق في هذه المؤسسة التي تكتم انفاسي و تقتل الإنسان بداخلي لتحل محله آلة صقلها الروتين و النمطية القاتلة.
أيامي فقدت حرارتها و قدسيتها و أصبحت تتعاقب كوحدات السبحة في يد عجوز، بطيئة، خاضعة لنظام في التعاقب يجهز على كل أمل في بزوغ بصيص مفاجأة أو جديد.
ربما خاصمني النوم و صاحبني السهاد هذه الليلة لأنني في حاجة إلى كل ثانية تأخدني على بوارق الذكريات أدشن و أكتشف عوالم و مواطن طوتها رفوف الذاكرة و زرعتها في كل أحجار و اغوار هذه القرية - المنفى - المنبوذة في رحم النسيان.
الــرجــل الأفــقــي – قصة : محمد الفشتالي
مقلوب يومي
مبيانك منحناه كلما علا يتناوبه الانكسار، ومرمى نظرك إلى الأفق، إنك تفترض دوما أن هناك تلتقي كل المتوازيات. يطغى على روعك أن هذا الخط هو للقاء والتلاشي في آن. المستوى غير محدود أبدا في دروب فضائك، وأنت تمر صباحا مستقيما بين نقطتين وحيدتين، في الغدو كما في الرواح. نقطتاك لا تعينان سوى مستقيم واحد بين المستقيمات بأسرها هو أنت. تتلمس أطرافك، وتتحسس أدواتك، وترنو لأفقك الطافي بالأشكال والأجسام، دون أن تأبه للكلام المشحون من حولك. تهفو، وتهفو فقط إلى أين تنشد مسلماتك. ولو أنها مرستك كثيرا؛ لازلت تحاورها: أحلم هي أم حقيقة؟ منطق أم رياضة يومية؟.
ها أنت الآن في المفترق عند نقط الانحراف. قلبك معلق، والحق لا يؤخذ، والواجب لا يتوقف. في المفترق تراوح بين الخطوط كلها، إلا أنك تكتفي بقطعتك محددة الطرفين. وشغلك الشاغل أن تبحث عن نقطة ارتكازها لتعميد توازنك كل يوم. أنت من لا ينشد غير هذا التوازن، به قطعا تستطيع أن تفكك العمل اليومي إلى عوامله الأولية، فتوحد مقاماتك، وتغير ترتيب حدودك، وتسجل مقلوبك اليومي بسطه على مقامه. هذا السالب، وهذا الموجب. من وضع هذه الثنائية أصلا؟!. لماذا شغلوا الناس منذ البدء بهذه الثنائيات؟. تسأل، وتواصل. تواصل لعبة الإشارات.... ثنائيات ثنائيات. فكيف تقبل أن أي سالبين في هذا الكون يولدان الموجب؟ !.
جفاء – قصة : حمادي بلخشين
حالما عبرت بوابة فونتانا هيسا.. تعلقت بي الشابة روبيكا موريسن :
ــ هسن، هسن.. لقد اكتشفت مسكن والدتي!
كنت أحاول التقاط أنفاسي حين استمرّت تبلّغني:
ــ انها تسكن في " تاين"..
ــ ...
ــ في الطابق الأرضيّ للعمارة المجاورة لك.
رغم معرفتي بمقرّ سكنى العجوز كاري موريسن، فقد تصنّعت الدّهشة:
ـــ حقّا!!
ــ أجل هسن
شكرا لك أيها الألم – نص : هشام بن الشاوي
إلى : سعاد.. التي تركت في قلبي جرحا ربيعيا لا يندمل،، لأن فراقك كان في مثل هذا التوقيت، كل ربيع تندلع أشواق القلب، بعد أن تركته نهبًا للضياع والتشرد، وكنت أظنك مرفأه الأخير، وسيتوب بعدك عن الهوى.
وإلى : تلك التي تحملت "خياناتي" كل هذه السنوات بحبها الأمومي الغامر...
إلى العزيزين : إبراهيم الحجري، إبراهيم الحميد.
رنّ هاتفه المحمول.
إنه رئيس تحرير الجريدة. هذه أول مرة يفعلها، بيد أن المكالمة أنقذته من ورطته...
تمّ كل شيء بسرعة، وهو عائد من مدينة أزمور، التي اعتاد التسكع فيها بحريّة، لأن لا أحد يعرفه فيها، واصطدمت عيناه بتلك البدوية. شمّ الذئب القابع في دواخله رائحة الفريسة. راح يلتهم بنظراته شموخ صدرها النافر المتصلب، وأصابعه تحترق شوقا إلى عصر فاكهته.. كانت امرأة تفتقر إلى لمسة جمال وأناقة، تفتقد ما يسرق القلب ويخطف البصر.
عند مغادرتهما حافلة أزمور، سألها : "كم الساعة؟"، وهو يدسّ هاتفه المحمول في جيبه، تبادلا بضع كلمات، وفي انتظار الحافلة رقم 3، ضمّ ساعديه عند صدره، حاجبًا نهدها الأيمن، وتسللت أصابع يمناه، ممارسة طقس قرص نهدها خلسة.. وبعد دقائق غادرا الحافلة، وطلب منها أن تسبقه، وتدخل بيتا مهجورا...
إيلـيـسّـا - نص : المصطفى السهلي
كنتُ دوما ساردَك المطيع فيما سلف.. لكنني سأخرج عن المألوف هذه المرة، وسأشق عصا الطاعة وأعلن تمردي عليك أيها الكاتب.. سأثور على سلطتك وأتولى السرد من تلقاء نفسي دون تحكم أو توجيه منك.. لن أكون ذلك الوسيط بينك وبين قارئك.. تحَمِّلني أحيانا أكثر مما أحتمل وتمرر من خلالي أفكارا ومواقف قد لا أشاطرك الرأي فيها.. وتجعلني أحيانا أخرى، رغم أنفي، أتلصص على شخوصك وأبطالك لأعرف أسرارهم وخباياهم ودواخل نفوسهم.. ستكون أنت نفسك موضوع سردي وبطل حكايتي.. وسأمارس عليك ما كنتُ أمارسه، بتوجيه منك، من تلصص على شخوصك.. لقد قررتُ أن أجرب ذلك منذ اليوم الذي تلقيتَ فيه تلك الزيارة غير المنتظرة، والتي غيرتْ مجرى حياتك.. يومها قلتُ في نفسي إنك ربما عثرتَ على موضوع مناسب لروايتك الأولى التي ما زلتَ تحلم بكتابتها.. فأنا أعلم أنك جربتَ الكتابة عن موضوعات وشخوص اعتقدتَ أنها ستثير لدى القراء انطباعا جيدا سيشجعك على مواصلة كتاباتك.. لكنك لم تكن تتجاوز الصفحات الأولى.. كنتَ تمزق الأوراق في كل مرة، ثم تضرب صفحا عن التفكير فيها.. مَن كان يظن أن هذه الطرَقات على الباب هي التي ستحمل معها الفرج الذي انتظرتَه طويلا؟؟..
غاوية... – نص : ضحى عبدالرؤوف المل
أين البقية يا تُرى؟.. لا أرى سواك هنا!.. وحيدة أنت ستكونين بين أناملي.. لامَسَها بأصابعه التي امتدت اليها وهي صامتة تنتظر شعلة من نار كي تنطلق في الأجواء برقصة كونية لا خلل فيها إلاّ أنها صُنعت لتكون مومساً بين الشفاه..
يبدو كل شيء سهلاً، كي يبدأ ثورة جنونه التي لا تنتهي إلاّ حين ينتهي من إغوائها كي يربح الرهان ويستريح من توتر أعصابه، بفقدان رجولة لا يعي أنها رهان نفس أمّارة بالسوء، ولكنه يرافقها برغبة قوية واشتهاء، لكنه اشتهاء عابر مُتنقّل من طبيعة الانسان التي امتلكها بسلوكيات مشوّهة جعلته يطوف عكس خليقته..
على خوف وضعها أمامه تأمّلها!.. تساءل!.. لماذا تغار منها زوجتي؟.. لا أفهم غيرتها هذه، فقد أصبحت بعمر لا يقبل النصائح والجنون، ربما جنون النساء يتخطى حدود العقل..
نافذة - قصة : يسري الغول
الغرفة عتمة، والعتمة خوف.
.. وحدك في ذلك الفراغ، ساكناً. متيبساً. وقلبك ينبض بقوة. تهذي دون أن تدري. تحاصرك الريح التي تعوي. تحاصرك النافذة المواربة بصوتها الرخيم. تحاول استلاب الدفء من (بطانية الوكالة) ذات الرائحة النتنة دون فائدة. "لكنها خير من كل الطعام"، هكذا تواسي نفسك ككل مرة. فقد حصلت عليها بعد شجار مع أحد المسؤولين. وقفت في طابور طويل، تزاحم الواقفين. تتخبط بهم، تتعبق روائحهم المغمسة بالظمأ، الجوع. ثم تعود أدراجك، وأنت تصرخ. تسب كل موظفي (الوكالة). تلعنهم، والريح ما تزال حكاية في جوفك.
في البعيد، يواجهك المسئول ذاته (بالبطانية)، يعطيك إياها ثم يتوارى خلف الضباب.
***
الغرفة عتمة، والعتمة خوف.
سؤال يفرض نفسه عليك بقوة: "هل تُبقيِ النافذة مفتوحة أم...؟"
قد تأتي كالطيف – قصة : محمد الفشتالي
تبدو شيئا فشيئا ... تلوح يداها الرقيقتان لرفاق تاهوا في دروب تتشعب ... توغلوا في ضباب كثيف وغابوا ... تنادي ... تتحسس الرذاذ ... تلتمس مخرجا ... لكن لا أزيز ولو لباب، فكلها موصدة ... تستجمع شتات الضوء، تركز النظر في اتجاه الأفق ... تحاول أن تتبين ما انكتب بحروف نور تتلاحق على صفحة ضبابة ... تعالي نرتوي من ينبوع عذب، ونرقص على أنين الليالي... ابتسامتك وحدها وجه مشرق للعالم ... تعالي نتجرع الحياة حبا؛ إذ تعتصر فاكهة قلبينا في مطعم الجراح … هذه أعاصير عنيدة … افتحي بوابة معبدك… عساني أصير فيه ( … ) لأنثى أنهكتها تفاصيل المدرجات، ثم الدروب وسط مدينة محتشمة بألف عار. بجانبي أناملها الذهبية كانت تضغط على قطعة سكر، واللون البني مازال يتراقص بعد على الأبيض المكسر. كفت عن التحريك، وأوقدت النار بالقرب من الشفتين المعسلتين … تمص وتنفث الدخان صوب الواجهة الزجاجية؛ التي تكشف بؤس الشارع اليتيم … فراغ إلا من سيارات بيضاء تمر تعوي… يرقبها النادل من حين لآخر، وهو يمشي بين الطاولات يحسب، يوزع، يجامل زبونا، لا فرق. تنظر إليه … نعله المطاطي يطل منه إبهام مشقق بظفر نصفه بلون الحناء.