abstrait1122..... ليس غريبا  أن ينزعج مني فقد كنت بالنسبة له عنصر قلق يختزن طاقة جبارة من الإزعاج حتى أنه كان يحاول دائما تجنب لقائي أو مقاسمتي فضاءات تواجدي.
ولشدة  ما كنت أسبب له القلق الشديد فإن عواطفه اتجاهي  كانت واضحة لا يتوانى في الإعراب عنها علنا.
لا أدري  لما لم أستسغه بدوري يوما؟  فقد كنت  أمقت  طباعه  زئبقية مواقفه  تلك الخفة  التي تكتسي  حركته  و سرعة  انتقاله من جهة إلى أخرى  .
لا رأي له  يحترف فقط  النط  بين مواقف الآخرين  يستطيع  أن يتفق معك  ومع خصمك  في الوقت ذاته. له قدرة  غريبة  على الجمع  بين  أكثر ألأشياء  تناقضا  دون  أن يستشعر  أي إحراج.
إنه  حرباء مشوهة  ممسوخة  على  شاكلة إنسان  لا لون له  إلا ما انعكس عليه
حتى عندما  كان  وسط المعزين  الدين  حجوا  إلى بيتي  يوم انتقلت إلى عالمي  الحالي لم يتورع للحظة في إبداء انزعاجه من طريقة  عيشي السابق.

abstraite-peintureكنت أراه في مقهى الكندي بالمدينة القديمة. وحده يجلس، يدخن دون احتباس. يتصفح جريدة تلو أخرى، ولما يشدّه موضوع يغرق فيه. أحيانا يكـلّم نفسه، لكن أغلب الوقت يتأمل المارة في سهوم.
جسده الفارع، احديداب ظهره، معطفه الأزرق الحائل، شعره المجعد المنكوش، وجهه الأسمر الكالح بأنفه الكبير وعينيه المظلمتين، أصابعه المعقوفة المسودة بسيجارتها الأبدية.. صمته العدمي... يوحي لي بالردم، بخرائب الطفولة بعد موت الوالد.
في "الكندي" اعتدت اللقاء بصلاح قبل رحيله إلى أمريكا بسبعة أعوام كافرا بالوطن والحب والسياسة. كنت أسبقه بساعة حتى أمتلىء بأشياء المكان، وأتملى في وجوه العابرين. مرة تأخرت فوجدته جالسا مع الرجل الأزرق. تركتهما وقعدت وحدي. صلاح يتكلم كأنه يشرح أما هو فينصت ووجهه ينضح بالمرارة. وحين يهم بالحديث يحرك يديه في الهواء كأنه يشير إلى أشباح تتخايل له ثم يكتفي بكلمة أو اثنتين.
قال لي صلاح : صاحبك حكاية.

anfasseإلى طابور المنتظرين خلف أبواب ألامتيازات ,........, محطات ألأزمنة ... ؟
......,داخل الحانة,للضجيج أيضا,جدواه,إنه,محاولة ارتواء,من نوع خاص,تعويض,عن حالة,الصمت السلبي,خارج الحانة,مناطحة دونكشوتية , لحالة الخرس , الجماعي , المزمن , المتفشي بأزمنتنا ,الموبوءة.
وحيد,كبسملة الرجى,ألهث مهووسا,بتحقيق ألأماني,وعلى امتداد,مساحة ألإجتفافة , و ألإرتواء , كنت , أتقيأ الخيبات , موسيقى جاز, تتعالى , من الخيبات.
الآن  , فحسب,يمكن للإجابات, اكتشاف,أسئلتها البكر.
-هل حقا, أنا سكران ’؟........-
ليس تماما , فذهني,لازال خفيفا, يلتقط,أجواء الحانة,بكامل تفاصيلها,و لا يهمل ,سوى,تلك التي,لم تستأثر,باهتمامي.
الكل يزن , الكل يطن , أصوات ترتفع , من هنا , و هناك , المكان , بدوره , الكل يتواطأ , لإذكاء,أطوار,لعبة الضجيج, داخل الحانة.

انفاسردد في نفسه: إنه ويكيليكس.. يا للفضيحة.. ربنا يستر.. لقد فضحت بلدنا ونشرت أوساخا كثيرة، بالفعل قلة قيمة.. وصارت سمعتها في الطين. ثم راح يبحث في كل نشرات الأخبار، والمواقع الالكترونية عن فضيحة تخص شخصه الكريم.. لكنه لم يجد.. فتنفس الصعداء.. وحمد الله كثيرا.
ثم أمسك بالورقة والقلم وكتب رسالة سريعة..
عزيزتي سميرة.. أجمل وأرق راقصة عرفتها في حياتي.. لا بد أن نلتقي في هذه الليلة.. في نفس الفيلا التي نلتقي فيها منذ ست سنوات. سوف احضر كل أنواع الخمور.. ستكون ليلة حمراء.. أكثر حمرة من شفتيك المكتنزتين بشهوة تقتلني، بل تستنهضان همتي في كل ساعة تمر وأنا بعيد عن جسدك المرمري. في الواقع أنه لا تمر ليلة دون أن احلم بك.. فأتعذب.
عزيزتي سميرة..
لا تستغربي.. حين تصلك هذه الرسالة بواسطة الحمام الزاجل. وهذا لضمان السرية.. إنه اضمن وسيلة في هذه الأيام، وأنا بصراحة أقول لك أنني ملصت بألف غصب. الفضائح كثيرة.. اسمي كما تعرفين يلمع في البلد مثل الذهب.. وسمعتي طيبة مثل العطر الفرنسي.

أنفاسرسائل من قلبي إليك....
ثق أنني أسرجتُ أهدابي على الأوراق كَي تتبعك !.. ثق أنك أدمَيت قلبي ببعدك وأنا وحيدة أقِف بين كَـــفيك
وحلمك.  ثق أنني ما عشت دهري إن لم أكُن يوماً حَبيبة تعيش أمسها مع يومها ومستقبلها مع حاضرك!... ثق
أنني ما عشت يومي إن لم أر محياك مثل شمس الضّحى في مُقلتي وعلى يَدي يستريحُ ظلّك!..  فكيف أطوي
دروب الخيال إن لم تكُن حبيبي وأنا حبيبتك؟!....
حبيبي
تحكمُنا مَشيئة القدر!...تحكمُنا الحياة ونحن في حَركة نحياها ونحيا الحرف المرمي في كتابك... سأغنيك!.. سأنقشك
سننسج من الحنين الموؤود قصائدنا فيشتعل ألمي وألمك، فأدركني  من شك هــــو يقين بوجودك ،وتلمس جــراحي
تلمس روحاً أنت منها نبي كالندى وقلبي يتحسسك....

أنفاس بعد أن لهثت أفواه، وتقطّعت أنفاسها، حتى كادت أن تخبوا في صدور استفحل فيها الأسى واستبد.. اجتازت الجنازة الطريق الطويل الضيق على ما فيه من حفر ومطبات.. ثمّ وصلت إلى طرف المقبرة الواسعة المكتظة بقبور محشوة بأموات دفن معظمهم  بلا توابيت. ومع أن الدنيا في بداية أيام الصيف.. سوى أنه كأنما استقرت فوق رأس كل واحد من المشيعين، على ارتفاع شبر أو شبرين، قطعة جمر في غاية الضخامة كأنما سقطت لتوها عليهم من جهنم.
بعد أن حطّوا التابوت العظيم الجميل المدهون بالورنيش على الأرض، قرب القبر الجديد المفتوح، الذي يكفي اتساعه لابتلاع عدة رجال، وقد يبقى مكانا لطفل صغير أو طفلين.. وقفت الجموع في صفوف مضبوطة لأداء الصلاة. وعندما صارت  شفاههم جاهزة وأفواههم على أهبة الاستعداد.. طار بهم خاطرهم، وعاد إلى بداية حكاية ظنوا حينئذ أنها عادية.. مثل كل الحكايات التي تصادفهم يوميا في أحياء غزة وشوارعها.
في ذلك اليوم كان الحاج عبد الباقي جالسا في منجرته التي أنشأها قبل أربعين عاما. يمسك في يده خرطوم الشيشة.. يحدق بنهم إلى ألواح الخشب التي كسدت وهي مرصوصة أمامه كالعمل الرديء.. والتي لم يستطع مع كل ما بذله من جهد وحيل ومراوغة أن يجد لها أي تصريف.. وفي تلك اللحظة كانت شفتاه الرفيعتان تحتضنان مبسم الشيشة، التي أشعلها بعد أن تناول فطوره وأتبعه بلتر من الماء.

abstrait01feutreyb2سار خلف الدّابّة مُكِبّ الوجه على أرض تتأرجح بين المرتفعات ، وشِقْف التّراب المُعنّى يُبْسا يتطاير رذاذا عنيفا يشجّ العرق المنسكب من جبينه. أمامه، وعلى مسافة ذيل غضوب، كان البغل يرفس الأرض الجافّة ويطوي الأثلام طيّا يوجع سنابكه، ومحراث بينهما دفن رأسه الفضّيّ يبحث في الجوف المتّقد عن أمل سقط من صاحبيْه في ذات ثَلْم.
كان سير ثلاثتهم غدوّا ورواحا من أناء قطعة الأرض حتى أطرافها.
ذيل البغل الجَهْم يسوس الخطى ، وسعيد يُلقي قبضة من البذور بين العثرة والأخرى في أفواه التّراب المفغورة .
كان عَجِلا.  يستحثّ الأيّام حرثا وبذرا.
لا أحد سواه تلخّص قبضة القمح تاريخ أيّامه الآتية. وهذه الشّقوق المفتوحة تلتهم كلّ ما يُلْقَى إليها في شره وتقول هل من مزيد.
السّماء ، من فوق ، راكدة المحيّا  لا يعتري ملامحها وجوم ولا انبساط ، ترجم الورى بجمرات حامية. والشّمس تسوط كلّ سحابة تعوم في ضوئها المستعر، ومن تحتهما لَوَتِ الأرض وجهها ظمأ .

anfasseاستيقظت متعبا هذا الصباح و متأخرا على غير عادتي ، ارتديت ملابسي بسرعة و قبلت ابنتي ، قلت في نفسي : سأتناول فطوري في مقصف العمل . نزلت الدرج بخطى متثاقلة ، عند باب العمارة وجدت حارسها الحاج أحمد ، يرتدي جلبابا أبيض و نقيا ، هذه أول مرة أراه فيها يلبس الجلباب . قام الحاج أحمد و حياني بحرارة و سألني عن زوجتي و ابنتي و عن سر غيابي هذه المدة و تمنى أن يكون السبب خيرا . لم أبد اندهاشي للحاج أحمد ، فأنا لم أسافر منذ  سنوات ، وأحييه كل صباح ، لا أعرف ربما اختلطت عليه الأمور أو اختلطت علي أنا .
أدرت محرك السيارة و انطلقت ، بدت لي الشوارع غريبة عني ، شيء ما تغير فيها ، الناس يسرعون
كما لـو أن هناك من يطـاردهم ، تبـدو عليهم الخيرة والارتباك ، عـدد من الذيـن أعـرفهم تجاهلوني ، حارس السيارات و بائع الجرائد و حتى صاحب دكان التبـغ الـذي اقتني منه كل صباح علبـة محلية الصنع ورخيصة و تعود ممازحتي لم ينظر إلي .

و أنـا أركن سيارتي قريبا من إدارة تحصيل الضرائب ، حيث أعمل موظفا منذ أكـثر من عشرين سنة رن هاتفي النقال . جاء صوت زوجتي متقطعا و غير واضح و كأنه يأتي من هوة عميقة  :