anfasse.orgكصيحة البداية ، يتسلل خيط النور لعوالم اللامنتهى ، حيث ندرك بقدر طاقة استيعابنا ،، ندرج ويملأ صدورنا هواء الأمكنة رطبا ، يحملنا بتثاقل للقبض على الحرف. كواحدة من الجماجم المصطفة ، الفاغرة ، الحاضنة لعيون همقاء ، وشفاه مرددة " كلام الله" كطوفان
من الآيات يتجدد رسمها على "اللوح" لتستقر في الأدمغة مثل لازمة تتردد على الألسنة.
القدمان يوفظان لمدرسة" مولاي علي بوغالب" هذا الشكل الغريب بتقاويسه ، والباسقات يترك ظلها أشباحا تثير الذعر داخلي ، ولو كان ذلك وسيلة لمماهاة المكان وأنا أسترق النظر من نافذة /الفصل غير أن المدرس أخذ بالنقر على الإطار الأسود كوسيلة لجذب الانتباه.

anfasse.orgاللوحة الأولى  :
الإسم : الوطن
الحجم : صغير جدا
الفنان : العربي فقير
الزمن بعد الغروب مباشرة أو قبل الشروق...فالأشياء تبدو بدون ظل ، الأشخاص دون ملامح واضحة
...الألوان متقاربة  بفعل قلة الإضاءة ...أكواخ صغيرة وحقيرة...صحون إلتقاط  القنوات الفضائية
تبدو كقبعات مقلوبة ...أطياف أشخاص يصعب تحديد جنسهم ، واقفة قرب الأبواب وأخرى بجا نب سقاية ...طفل صغير يداعب حيوانا على حاوية أزبال مثقوبة ....عمود كهرباء يخترق كوخا في أقصى اليمين من اللوحة ، العمود مائل ودون إنارة ....السماء بلا نجوم ...دون ضوء في الأفق..

anfasseهذا ليس زمن الثورات والمفاجآت الكبرى فحتى الجهة التي تدعمك لتحقيق غايتك تدعم أعداءك في نفس الوقت فاعطِ الربابةَ للرب فإنه السوق !
فكَّرَ بهذا الكلام وهو تعبير كان لأحد المعتقلين معه قبل أسبوعين
فابتسمَ بحزنٍ ولكن ها هي صديقته تطرق الباب بوجلٍ وبشيءٍ من الخجل فتفتح لها أمُّهُ الباب .
صديقته تعرف أنه بالأمس وصل فقد اتصل بها قبل ذلك وأخبرها بِنيَّة العودة بعد ثلاثة أيام , رغم أنه لم يحدثها ولا أمَّهُ عن المعتقل إلا قليلاً وبعبارات مُهِّونةٍ .
هو يسكن مع أمه على أطراف المدينة وهي تعيش مع أهلها في إحدى قرى الوسط .
فكَّرَ بصديقته هذه التي تمتلك الكثير من السماحة والحس الرفيع بالحاجة إلى الثورة والتي تملك فهماً آخر لها ,
هل ستألف طقوسه الجديدة وهي التي تعرف أن سر تمرُّدهِ في الدنيا هو أنه يمتلك قلباً مُجنَّحاً غيوراً على الناس ؟
الواقع والحلم بقيا متلازمَين في السنوات الأخيرة غير أنهما لم يتجاذباه بإلحاح كما في هذا اليوم فهو محمومٌ لصيقُ سريره .

anfasseأخذته؛ لتضربَ في سجادِ ربيع؛ فظللتهما أسرابُ نوارسَ؛ رآها الصغيرُ تحت قرصِ الشمسِ غيمةً تعدو، وجواره أمّه رفعت جذعها؛ كان في عينيها خبرٌ يرتجُّ؛ يدُها النحيلةُ أخذت أمامها تطوف، ومع تنهيدةِ نارٍ سمعها تقول:
- هناك!
لم يفهم؛ لكنها أشعلته:
- تحت تلك الجُمَيزةِ يرقدُ أبوك!
لحظتها مسّه جان، ولقد اهتزّ؛ حتى جاءه من الجوِّ جناحٍ؛ أصعده؛ وتحت جذعِ الشجرةِ أسقطه كملتاع، فطفق يبوسُ الجذعَ، ثمَّ يدققُ في التربةِ كمسحور!
أكملت:
- وحدي دفنتُه يوم قتلته اليهود!

anfasseحذار أن تمدّ يدك مصافحا، سيتخمك الموقف وتردّها خائبة، منكّسة إلى جيبك، بكلمات مقتضبة ستحيّيك، ونظرة سريعة سترمقك، ولأنك كريه أو بدون رائحة.. ستحتفظ بمسافة تليق بشممها.. تصعير الخد والتعالي جزء منها، وعلّتها مذ تسنّمت مقعدا أرجوانيا، جدك ربما هندس أركانه!  ادبرها أنت الآخر، واستعد رزانتك ثم انكأ جرحا قديما.. " يحسن بي تفهّمها، ردود أفعال ليست إلا! " هكذا علّل صفاقتها. تمش على الرصيف الندي، دعها تنقره لتقرر أمرا.. قبالة المدخل الزجاجي تسمّر، وتأمل الحياة في المحطة بتلويناتها.. شاب يطارح حبيبته الغرام، تنهّد ملء ذكرياتك، وزُمّ شفتيك ثم همهم معلقا.. وقبل أن تلوي عنقك لتصيّد خربشة أخرى، ينتصب الجسد أمامك، بالكاد ينعكس.. الاكتناز ذاته، والشموخ نفسه.. يستحيل الانوجاد بدونك يا قذرا في عينها! حافظ على هدوئك والتفت، دعها تُبحر في عينيك، تتفرّس، تبحث عن ألق يؤيدها بروح الجلد والصبر، فلن تجد غير خواء يصلبها، يدعوها لحمل خطاياها  وإدانة شطحاتها وحبها الوهمي في الجسد، اتركها تبادر بالكلام.. فلست في ورطة، لم تقطع عهدا أو خالفت وعدا،  وقبل أن تنخرط في أي عتاب أو حوار، شقّ صدرك، واعصر قلبك، واستعذ بالعقل من الحب الرجيم!

anfasseهل كان عليها أن تبحث عنه طوال كل هذه السنين؟ وأن تجتهد في الطواف حول كرة الثلج كمجنونة لا تهدأ؟ هل كان عليه أن يحبها ويختفي دون وداع؟ أسئلة تطن في رأسها كبندول ساعة لا يتوقف، ثم ينتهي كل شيء.
***
إبريل 1987
... هاجساً وحيداً ما كان يؤرق مضجعها، يحاصرها فلا ترى سواه. وجهه الشاحب، عيناه المغمستان بحزن المخيم، وشوق لأنفاس معطرة تراوح المكان، تحاصرها، تجيش بصدرها فلا تنام بغير الحلم، والحلم ما كان في تكوينه.
يومها حاولت أن تدرك طريقه بأي وسيلة كانت، وبأي ثمن. فدفعت من أجله كل ما تملك. اتصلت بأصدقائه، برفاقه الذين تعرفهم والذين لا تعرفهم. تاهت في أرجاء المدينة البعيدة، دون أن تحظى بإجابة تشفي غليل روحها. حتى نبوءة العرافة لم تصدق معها، وباتت ضرباً من جنون. فالتعاريج والخطوط التي تسللت عنوة إلى كفيها خانتاها في سبر أغوار الطريق إليه. والعرافة تنزوي، لتدرك فشلها في طريق العارفين.

anfasseلم تـكـن تـادلا سـاحرة فـي عـيـنيه كما كانت ذاك الصباح … لقد اخترقها النهر منذ آلاف السنين لكنها ظلت مجرد محطة يرسو على غربتها وهم الصيادين وشرود القوارب الصغيرة .
هـا الـنـهـر اليوم يـجري كعادته ، لـكـنـه عـلـيـل ، مـتـرهل ومنكمش حد الإغماء … الماء لم يعد ماء بعدما اخـتـلـط بالمجاري الراكـضة ومـات الـسـمـك بـيـن عـفـونته … فقط بعض الأماكن البعيدة ما زالت تهب ماء النهر صفاءه وعفوية الانسياب بلا فواصل أو نقط تفتيش .
ففي الأماكن الموجودة بين هضبـتـيـن يـنـسـل هـذا الـمـجـرى الـعـذب الذي أصبح ملجأ هادئا لحياة يتهددها الموت المؤجل في كل اللحظات … هـنـاك ، دأبـت مـاريـة أن تـصطـحـب قـصـبتها لتنسى شحوب العالم وتتذكر شـيئا من طفولة مترفة على ضفاف السين حيث الحلم ينتعش دائما بروايات الفنطازيا التي ظلت ذاكرة الطفلة حريصة على تتبع خطى أبطالها .
وهناك ، أيضا كان حيدر ينبعث من رماد كتاباته لينفلت من غربـة سحيقة لفت خاطره بأزمنة كثيرة وسؤال واحد .

anfasseضرب الأخماسَ في الأسداسٍ كعادتِه في كلَّ مساءَ، فصالَ مرعدا، وجال، فذبحَ ألفا أو يزيد ذبحَ الخراف الراجفات، تخيّر فيهم متلذذا مواضعَ سيفِه، فحزَّ الرقاب، وبقرَ البطونَ؛ ثمَّ مال على السَّبايا، فاركا كفيّه، فانتقى الفارعاتِ المستسلمات، ثمَّ ساقهن مهمهما إلى فراشِه كما القطيع، فضاجعَ ألفا، أو يزيد، ولمّا فرغ؛ عاد إلى الغنائمِ؛ يجمعُ ما استطاب، فكنسَ الأراضيَ بنظرةٍ، وأشار بإصبعه، فامتلك كلَّ المزارعِ في الجوار، ثم مال فاحتضن ما شاءَ من ذهب، وكنزَّ الحقائبَ، ثمَّ استفاض؛ فاستزادَ بضربةٍ، نظفَ الكونَ مما تبقى، أو رآه فيهِ قد علق، بعدها أغمض عينيهِ، وقد ارتضى، فاستراح، وعلى وجهه ارتمى مثل غريقٍ، وقد غفا!

مفضلات الشهر من القصص القصيرة