anfasse.orgمواربة
في المتون استدراكات للعب على المعنى، و ثمة كاميرا تصور كل شيء، و ينحدر الأمر إلى ر كح المسرح لكن الأتربة و الجنون سيكونان أرضا لحج المعنى… ثمة رجل على حافة الجنون و ثمة رجال يرون المجنون و وراء النافذة، سيمسكون بالشمس قليلا لتدخل إلى الفراغات الفاصلة بين الكلمات و يقيسون المسافة…نحن فقط سنصفق عندما نعود وحيدين إلى بيوتنا لنخبر أحلامنا أن الشمس كانت معلقة على جبين مرآة سحرية….
هذيان
الدنيا حلوة ..أدركت الشمس تألقها،..مرت على جسدي، و مرت على الشارع، ثم انبسطت في عليائها..صباح الخير يا شمس المدينة …هل تحبين العيد…عيد سعيد يا شمس المدينة..لا تلتفتي إلى غيري..كلهم أغبياء..إنهم يصعدون السطوح لإمساكك، …يتصايحون فتعلو جلبتهم و يكون صوت مكرهم مثل لهب في طواحين الهواء..الشمس شمسي…إنهم خائنون يا صفراء يحبون القمر..يشدونه إلى أمتعتهم و أشعارهم بالحبال الغليظة…ويرتلون الخدود…وجه القمر صار بدرا..لكنهم يلهجون بالهلال..الم يخبرك احد أن الحِربة غرست في ظهرك..

anfasse.orgتعطلت كل الأفكار في رأسه حين دخل فضاء المقهى، وناوشه شعور بأنه عاد إلى الوراء عشرات السنين في سلم الحداثة.. فالمكان ليس فيه من المقهى إلا  الاسم الذي كتب بخط رديء على صفحة قصدير بالية.. هي أرض بلا سقف، انتظمت في شكل مصطبات مبلطة متدرجة تنتهي عند حافة سحيقة تطل على البحر.. أُثثت بطاولات وكراسي موغلة في البدائية.
      وقف في الممر الأول يمسح بعينيه الفضاء محاولا أن يرمق طاولة شاغرة، لكن كثافة الظلام حجبت عنه الرؤية فاضطر إلى الانحدار يستطلع المصطبة تلو الأخرى. وفي كل مرة كان ينفر مهرولا إما بسبب روائح الحشيش التي تباغت أنفه أو بسبب قبلا ت ماجنة تفرقع من فرط عبث الريق بالريق.
      أخيرا عثر على طاولة فارغة في الممر الأخير المطل على الحافة.. أغلب الظن أنها تبقى شاغرة لصعوبة الجلوس فيها، حيث تجثم عليها شجرة منسية يبدو أن أغصانها لم تشذب منذ مدة. اضطر إلى كسر بعض العيدان التي قد توخز الظهر، وجلس منتشيا بغنيمته. كان أكبر انتصاراته أنه أَوْلى ظهره للأضواء والمدينة التي توليه ظهرها باستمرار. وأطلق نظراته في المدى البعيد تخترق الظلام.. لم ير إلا مصابيح نائية لا تضيء إلا نفسها، وعلى مقربة منها رأى ضوءا يظهر ويغيب.. أدرك أنه منار يدور. واستبد به الضوء المشاكس الهارب من كل اتجاه، ورأى هالة الضوء تكبر وتقترب منه حتى أحاطته أضواء بكل الألوان، وألفى نفسه في قاعة فسيحة تعبق بأطياف الغواية والجمال. بدا أنيقا يختال وسط حضور كبير في سهر مشهود هو نجمه.. كان يغني وهم ينصتون ويتفاعلون. وطاوعته اللحظة فتفتقت جوارحه شعرا ونغما. لم يغن أغنية معروفة، إنما كان ينتج الكلمة بتلقائية ويلونها بوجدانه وإحساسه:

anfasse.orgإنني كالنهر الذي يجري في باطن الأرض
تحت الحجر الجيري للأيام
و منبعي
هو ليل الطفولة البعيدة

من قصيدة" الحلم "للشاعر المقدوني
بلاجيه كونسكي


أريد أن أرى المدينة ليس القمر المدينة
المدينة بكفيها المقرحتين
المدينة بعمالها الموسميين
المدينة التي تؤمن بالخبز وبالقبضة
                                 
من قصيدة" سوناتا" ضوء القمر للشاعر اليوناني يانيس ريتسوس
…………………
الاهداء الى منتظر الزيدي

الشمعة الأولى تشرف على النهاية , شخير الجدة يصلني منتظما بشكل يجعلني اعتقد أنها راحت في نوم عميق, سأتمكن اذن من إشعال الشمعة الثانية دون أن تشعر .
الجدة تغضب عندما استهلك شمعتين في يوم واحد !!
ستغضب وتوجه لي كلامها صارخة

anfasse.orgالحنين يكبر في نفوس الثلاثة، مرّت شهور ستة، ولم يستمعوا فيها لثغاء الخراف. ولا لهديل الحمام، كانت مدّة طويلة بالنسبة لهم.
 الربوة التي يفترشون حشاشها، منذ الصباح الباكر. تطل بشموخ على السهول المحاذية للوادي. ترتفع رؤوس سنابلها، تنظر في اشتهاء إلى رقصة الربيع، على الربوع المرصعة بأشجار الصنوبر والعرعار. وناي الرّعاة يشدو خلف التلال.
الثلاثة، يجلسون في احتماء صخرة، تنتصب حدا فاصلا لمعبر النهر. تكلّله زهور القرنفل، وشقائق النعمان، تتمايل راقصة على نسيم الصباح. وطائر المستوون يغرّد بصوته الجميل. الكوخ الوحيد القابع هناك، على مسافة قريبة من مكان جلوسهم. هو ما يتّخذونه مسكنا لهم. منذ أن حلّوا بهذه القرية النّائية والقابعة في جوف  جبال الريف. يندس بين أشجار باسقة، ويطل على خلجان مائية، تجري دون توقف.
كل الأكواخ الأخرى، توجد وراء التّلال. وحده كوخهم، أقيم هنا في هذا المكان. يضم تحت سقفه أجسادهم الثلاثة. ويحتمون فيه من لسع البرد، وقيض الحرّ.
شخشخة البنادق، تنطلق، تصل أسماعهم متقطّعة. فبدوا ينظرون في وجوه بعضهم البعض. وكانت أول طلقة دوت، تعلن عن بدء رحلة القنص. وبها سيكون اليوم، هو أول يوم يفتتح فيه موسم الصّيد. إن  هذا الصّباح سيكون مخصصا لاقتناص الخنزير البري. والذي سيفقد الكثير منه مرقده في هذه الغابة. بطلقة واحدة وبتصويب دقيق، سيصبح وليمة لعشاق أنواع هذه اللّحوم.

anfasse.org"ان أصعب مهنة هي أن تكون رجلا"
"ناظم حكمت"
إنها الثلوج...
إنه البرد ..إنه الليل ...
و إنه يسير...
عاكفا على وحدته يسير يستنزفه البياض ..يحاصره السواد...
كل شيء يغري بالموت...
لا حياة..
لا ما يشبه الحياة..
لا ما يبعث على الحياة..

anfasse.orgأخيرا قررت أن أتخلى عنها ولا أولي وجهي أبدا شطر مضانها. يكفي ما مضى. صراحة كنت مغفلا، واستطاعت أن تكبلني بغواياتها أكثر من اللازم. اقتحمت عالمي، ولم تفارقني أبدا وأنا لم أزل بعد طالبا مغلوبا على أمري، لا أملك إلا ما أسد به رمقي. مع ذلك كانت تتقاسم معي ميزانيتي الضئيلة، وتتنقل معي في حلي وترحالي. وكانت لا ترفض أن نتناوب عليها أنا وصديق لي. تصوروا.. يا لخستي مع ذلك بقيت لصيقا بها. آه.. كم كان يحلو لها أن ترمي بثقلها على صدري أو على صدورنا وتغرقنا بأريجها المميز. كلما داعبتها بأصابعي وأطبقت عليها بشفاهي تزداد حرائقها وتتقلص بين يدي. وبمجرد أن انتهي منها أطوح بها بعيدا وأنا نادم على ما قمت به فلا تأبه لذلك. أحيانا كنت اطرحها أرضا بقوة وأدعصها برجلي، لكنها تأبى إلا أن تلتصق بي،

anfasse.orgبين من هدمت حرب تموز بيوتهم، وقذفت بهم الي العراء والشوارع، كانت هناك سيدة وحيدة بملابس الجدات العتيقة الفضفاضة التي تعكس ضعف حالها، تتخذ لها موقعا بين ركام البناية، وتنتظر بغير أن تكون علي عجلة من أمرها، نجاح الباحثين في العثور علي ما يبهجها من بقايا المتاع . لا يرافقها أحد من العائلة في مهمة الانتظار اليومي . تجلس علي كرسي بلاستيكي بني تكفل متطوعون بتأمينه لها، بعد تسوية الأرض تحت قوائم الكرسي مخافة أن يميل ويقع بها، فقواها وجسمها الثقيل لا يسمحان لها بالوقوف، فكيف بالانحناء والتفتيش بين الركام، كما تفعل نسوة نشيطات حولها. ومع الكرسي بمسندين حظيت بزجاجة ماء لمقاومة عطش آب، وبقبعة قماشية شبابية زرقاء اتقاء للشمس الحارقة، ما أن تضعها علي رأسها حتى تخلعها وهي تغالب الضحك، فإذا كانت لم تلبس برنيطة في صباها، فهل ترتديها الآن كما تتساءل مع نفسها . ولو وضعتها علي رأسها ، فكيف ستتعرف الجارات إليها وماذا سيقلن عنها ؟ .
لم يبد عليها كبير قلق، كبقية العائلات اللبنانية المنكوبة، التي تنظر انتشال شيء ما ذي قيمة من حطام البيوت . لقد عثر متطوعون لها في أيام بحث سابقة، علي عدد من النثريات : إبريق بلاستيك أزرق، مكنسة، فردة حذاء نسائي، مريول مطبخ، مرآة مكسورة، مشط، حقيبة مدرسية قديمة، ساعة منبه محطمة، صابونتان، وسادة، حبات بطاطا، صوفة مخلعة، ستارة، ملعقة كبيرة واثنتان صغيرتان، وأشياء من هذا القبيل كانت تبهجها وتتشوق لها، رغم إدراكها أن بعض تلك الأشياء لم تكن صالحة في الأصل للاستعمال، فكيف وقد انضغطت تحت الركام واختلطت بتراب أبيض، ومع ذلك فهي تهفو للعثور علي المزيد .

anfasse.orgالطائرة تبتعد. تعلو وهي لا تزال تبتعد. بنهم مبرح تلتهم الارتفاعات. بشغف كبير يزدرها الفضاء الذي لا يزال على الدوام يتسع ويتسع. وصلت بلا تعب إلى جوف ثالث سماء.. وارتقت، وظلت تغوص. ثم جاوزتها إلى أقصى طرف في رابع سماء.. وهناك استقرت. مع هذا لم تحترق من شهب ولم تشتعل من نيازك. كفّت عن الغوص في ما بقي فوقها من سماوات بعيدة.. وبات واضحا أن أبوابها بالبعد أوصدت. ثم عن الأبصار اختفت، تماما اختفت.. كأنما إلى غير رجعة. كان المسافرون مزيجا متباعدا. بعضهم أوربيين.. البعض من الأمريكتين.. بعضهم آسيويين. وواحد منهم كان كثير البياض، عيناه ملّوّنتان، منظره يشبه إلى حد كبير أولاد الأجانب. لكنه في الحقيقة فلسطيني بحت، من مدينة القدس، على وجه التحديد من حي الشيخ جراح.. اسمه الرباعي كما هو مكتوب في بطاقة الهوية، سالم عمر صلاح اليبوسي. ومهنته محامي.
 جاءت جلسة سالم مريحة وملهبة لحلو ذكرياته ومرّها، منعشة للبارد والساخن من أحاسيسه. كان في أدب عارم يجلس إزاء الطاقة الزجاجية الصغيرة.. التي تشف له عن فضاء كثير منفوش في الآفاق. فور جلوسه هرول إلى عينيه المشغولتين بالنظر إلى هنا، حيث وجوه بعضهم حزينة ملبدة بفراق مالح وحامض، وفيها عبوس.. والتحديق إلى هناك، حيث وجوه كاللقاء منتعشة فيها ابتسام.

مفضلات الشهر من القصص القصيرة