anfasse...هنا يتوقف "سيزيف" /
هنا تنفلت الصخرة من بين يديه، لتندحر إلى سفح الجبل /  ما أشقاك يا "سيزيف" /  هل ستعاود الكرٌة مرة أخرى، لتحمل الصخرة من جديد، ثم تتحمل مشقة الصعود إلى قمة الجبل، فتهوي بك مرة ثالثة ورابعة وخامسة ...إلى الحضيض؟؟/  
ما أشقاك يا "سيزيف" /  ماذنبك هذا الذي عوقبت عليه هكذا عقاب؟؟/
 كفكف دمعك يا "سيزيف" // هات أحملُ عنك / هات نتقاسم الشقاء والعذاب مثلما تقاسمنا رغيف الخبز والفول المدمًس// قد كنتَ مخلصا لي يا سيزيف..أفلآ أخلص لك ؟/ قد مددت لي يد محبة ووفاء وإعانة..أفلا أمد لك يدي ؟؟/ قد أقرضتني كثيرا كثيرا من وقتك وكلماتك الصادقة وطيبوبة قلبك..أفلا أرد بعضَ بعضِِ ديٌُني؟؟/
يا "سيزيف"/ الصديق صديق الضيق، فاجعلني أكون صديقا//
يا "سيزيف"/ لم أخجل منك حينما كنت في حاجة إليك، أفتخجل مني وأنت على شفير الهلاك ؟/ نعم يا سيزيف.. أنا لست ذا قوة وبأس، ولا يستطيع كاهلي أن يتحمل ثقل هذا الجلمود الفرعوني، كما أن ساقيً النحيلتين لن تقاوم هذا الجبل الشديد الانحدار...

anfasse"إن أجمل البحار
هو ذلك الذى لم نذهب إليه بعد
وأجمل أيامنا
لم نعشها بعد
وأجمل ما أود أن أقوله لك لم أقله بعد
"
(ناظم حكمت)
يسلمني القلق إلى الأرق، فيغدو جسدي نهبا للسعات الفكر المتحفز وقرصات الألم، وأهم بدخول المنطقة المحظورة في ذاكرتي، فتدخل أمي بكوب من عصير، تتبعها أختي بصحن من الفاكهة وأخي بكيس ورقي، يبسطه أمامي وهو يضحك: "أحضرت لك تشكيلة من كل الأصناف،  الشامي، اللبناني، الأمريكي، اليوناني".
وتبدأ عروض الترغيب في قضم لقمة من كل لون.. التفاح يزيل الشحوب ويعيد النضارة إلى البشرة.. منشط للدورة الدموية، يبعد شبح الجلطات، يقوّي الدم، رائحته تنعش القلب، الاستحمام بشامبو بنكهة التفاح يمنح الجسد نشاطا وحيوية.. حبة منه  في الصباح  يعطي......

anfasseوالتقينا ..
وضعت يدي في يدها الصامتة المرتعشة ومشينا ..
أوراق الخريف كانت تتساقط في ذلك المساء هنا وهناك وكأنها حيرتنا وارتباكنا يتناثران على الأرض .
شعرت بأصابعها تنتفض كجناحي طير مذبوح . هل تود أن تخلص أناملها من يدي المحمومة ؟
لا . لن أترك لها الفرصة وقد جمعت طوال هذين اليومين كل لطف الدنيا لأغرقها فيه حتى ترضى .
ليست أول مرة تغضب مني وأغضب منها ..
لا. ليست أول مرة .
بدأت العبارات تتزاحم على طرف لساني .كل عبارة ترى نفسها الأجمل والأحلى في أذن الحبيبة . وأنا أضرب الأوراق اليابسة بقدمي وأستجدي صوتي . تبا لهذا السد الذي انتصب في حلقي يمنع تدفق هذا النهر الهادر في أعماقي !
وظللنا نسير في الحديقة ..ويسير معنا الخريف .. ويسير هاربا أمامنا المساء ، وعصافيري تنقر الجدار الرخامي في عناد . وفجأة عمني فرح غامر . رأيت فجوة كبيرة في السد اللعين وانهمرت أنهاري . فتحت فمي لأتكلم حين سمعتها تقول :

anfasseنزل عليه النبأ كالصاعقة..بقي مسمَّرا في مكانه كأنما شلت أطرافه..من أين له تدبير المال الكافي في انتظار تسوية المشكل الإداري الذي يعرف جيدا تعقيداته البيروقراطية وتشعباته المسطرية..نهره الموظف من خلف الشباك :
- اتصلْ بصندوق التقاعد لتعرف سبب حجز معاشك..ودَعْ مَنْ يليك في الصف يتقدم..
التفت إلى الذي يليه في الصف فإذا هو في مثل سنه ، وإن كان لا يزال يفيض حيوية ونشاطا..جر خطاه المتثاقلة في اتجاه الباب وهو يلعن في سره هذا الحظ التعس الذي ما فتئ يلازمه..توجه نحو البناية التي تضم مكاتب صندوق التقاعد ، وشرح للموظفة في مكتب الاستقبال مشكلته ، فأحالته على المكتب المختص..قال الموظف بعد أن استنطق شاشة الحاسوب أمامه :
- تنقص ملفك شهادة الحياة..لا يمكن أن يُصرف معاشك دون توفر هذه الشهادة..
رد بلهجة لم يستطع معها إخفاء ما يغلي في صدره من غضب وثورة :
- ولكنني حي أرزق..ها أنذا واقف أمامك..هل هناك شهادة أكثر مصداقية من هذه؟
رفع إليه الموظف عينين كعيني لبؤة متوثبة للانقضاض على فريستها :

anfasseما دام شقائي محتوما فلماذا أعيش؟ وقف السؤال في نقطة من الوعي تأبى السير إلى الماضي. فتسمرت رجلاه قرب النافذة وأحكمت يداه القبض على الحافة بقوة وحزم. هل يريد الإنتحار حقا، أم أنه يختبر الحالة فقط؟  إلتفت إلى الداخل فصد بصره ظلام ثقيل يسكن الغرفة ويتمدد عبر الباب ليبتلع ما بقي من أعضاء الشقة. صحيح أن الألم يحز في قلبه الساعة، لكن ليس الألم ما يدفع به إلى هذا الموقف الجنوني. هكذا قرر وهو يكابد شعورا قويا لا يقاوم بأنه يهوي إلى أعماق سحيقة. وتخايلت لعينيه صورعدة من الماضي. رأى وجه أمه الشاحب قبل موتها بساعات، لاح له شبح أبوه وقد احتقن به الدم وشارفت روحه على الصعود، ونزلت على وعيه بقوة صورة أخيه الذي أصيب بالإيدز وقد علته الأورام وانتفخ وجهه كإسفنجة.
    جر نفسا عميقا وأغمض عينيه محاولا جمع تركيزه المبعثر في نقطة واحدة. ولكن التركيز تأبى عليه، ولما شعر بأن محاولته تبوء بالفشل، عاد ينظر إلى فكرة الإنتحار بشيء من الإهتمام البعيد عن الخوف أو التهيب. وكأنما يتأمل قصة بطلها شخص آخر تماما. فتح عينيه ورمى ببصره إلى أسف العمارة حيث لاح له شبح ضخم لشجرة مورقة تنتصب في الرصيف بجانب العمارة. لقد مر عليه عمر طويل وهو قابع في هذا البيت! لقد قدح هيكل الشجرة زناد ذاكرته من جديد وتخايل لعينيه ذاك اليوم الذي قدم فيه مع أهله إلى هذه العمارة، حيث كانت تلك الشجرة لا تزال شتلة صغيرة لا تكاد تبين إذا نظر إليها ناظر من النافذة. إنه يوم بعيد موغل في الماضي. ولكنه قريب من مراكز الإحساس والتصوير.

anfasseحدثني صديقي ابراهيم فقال إنه أطعم قطه بقايا وفيرة لسمكة عظيمة ، أتى بها في ذلك اليوم لوجبة غذاء الأسرة التي تضم الأب والأم وابناً وابنة .وأنه اعتاد رعاية القط بكل ما تيسر من طعام وشراب ومأوى. لا يؤمن له حقاً كحال الأجنبيين الأطعمة المعلبة المخصصة للقطط التي تباع في المولات ومحلات السوبر ماركت الكبيرة . وتفسيره لذلك أنه لا حاجة لقطه العزيز بطعام معلب محفوظ ، فهو أي القط ( أجل القط وليس القطة كما أكد صديقي المتقاعد ) يشارك أهل البيت قوتهم اليومي ، وينال نصيبه كواحد منهم مع مراعاة أنه نهم أكول ، شهيته مفتوحة وعينه فارغة .، ولا راد  لنهمه في ظروف الوحدة التي يعيشها ،فهو أي القط المحترم يتيم ، وقد عاش أحوالاً مروعة شهد عليها صديقي بنفسه . فقد افترست أمه الرؤوم شقيقاً له أي مولودها وبعد ولادته بأسبوعين ،وهو ما لا يملك صديقي تفسيراً له ، سوى المصادقة على القول المأثور عن القطط ثم الثورات التي تأكل أبناءها . وهرب قط ثان شقيق له من هول ما راى ولم يعد . ولم يلبث كلب ضال أن تسلل إلى الحديقة ذات ليلة بلا قمر ،وافترس بدوره القطة الأم . أما الأب ، القط الأب فلا علم لصديقي بشأنه شيئاً . فالقطط تتلاقى وتتكاثر بغير ارتباطات زوجية مقدسة ، ودون إخلاص يذكر للزوج في حال وجوده . وبهذا فإن القط ، قط صديقي الذي أسماه ألون ، هو فوق يتمه ووحدته سليل أسرة شقية مثلومة الشرف وضيعة المحتد . منكودة ومنكوبة . ولم يعد له من راع وحام ونصير في الأرجاء الفسيحة ، سوى صديقي ابراهيم الذي يتعاطف معه ويحدب عليه ما وسعه ذلك .

anfasseضحكت وقد بدت أسنانها المنتشية كأزهار البنفسج فى فصل الربيع
توارت للوراء قليلاً وقد أسدلت عصابة سوداء لتخفى نصف وجهها الأسفل
لتظهرعيناها المكتحلة كبقعة حبرعلى صفحة بيضاء
أو كعصفور الجنة محلقًا على خلفية من السحب الحبلى كالعهن الابيض
ازاحت قليلاً غطاء وجهها فارتجف حين بدت شفتاها المكتظة بخلاصة عصائر الدنيا
كان يعشق نكهة الفراولة ربما لأنها الأقرب شبهاً إلى شفتاها أو إلى وجنتيها
ودارت فى رأسه الأفكار عن مخزون العسل المصفى وبقايا الخطيئة الاولى
وابتسم حين بدأت تردد على مسامعه رقم هاتفه الجوال وكان قد سألها إن كانت تذكر رقم هاتفه
فرددت الرقم كاملاً وهى تتمايل كأنها أعواد الياسمين يداعبها قطر الندى لتعلن بداية العهد الجديد

anfasseهداء إلى فارس القصة القصيرة د.يوسف ادريس فى الذكرى الثامنة عشر على رحيله"
كان وقت الغروب يخيم على أرجاء البلدة الصغيرة
جمع من الناس على رصيف القطار المتجه جنوبا ً
والأمتعة المتناثرة على الرصيف المتهدم تجعل السير مهمة صعبة
كانت هى تجلس فى مكان منعزل وكأنها ملكة ترعى شئون العامة من برجها العاجى
اقترب هو يحمل أمتعته التى لا تخلو مما أعدته أمه قبل كل رحلة سفر
توقف القطار للحظات فاندفعا للداخل مع جموع المسافرين
بصعوبة بالغة وصلا الى مقاعدهما والتى كانت متجاورة
جلست فى صمت وجلس هو يتأمل ما أفاض به الرب
كان الباعة الجائلون يخترقون ذلك الصمت
ينثرون الحلوى أو دبابيس الشعر وأشياء لا تخطرعلى بال

مفضلات الشهر من القصص القصيرة