anfasse.netمطر خفيف..يبلل الحيطان..و ينفض عن شجيرة اللوز عناء صيف حار ..غمرتها نشوة طفولية وهي تعترض الرذاذ بلسانها ..لمحت من بعيد قوافل الجند ..شاحنات متهالكة تتلوى في المنعرجات كحية متعبة ..ساورها القلق ..تسارع النبض وهي تخمن في رسالته الاخيرة " سنلتحم قريبا بجيوش العدو ..لا تنسي ان تصلي لأجلي ..واحرسي جيدا شجيرة اللوز ..سيكون زهرها الابيض طوقا يزين جيدك ليلة العرس ..الى اللقاء ".
ترددت قبل اللحوق بالاهالي الى الساحة العامة ..ارتدت معطفها وحثت الخطو لتحظى بموطيء قدم وسط هذا الحشد المتلهف !
اصفرت الشمس مؤذنة بالمغيب ..هي ذي الشاحنات قد دنت لتوقف سيل الظنون ..خيم صمت رهيب على الحشد قبل ان تفرغ الشاحنات ما في احشائها من بقايا حرب مستعرة ..أشباح آدمية ..ما بين مكلوم و مثخن و مسجى على لوح خشبي ..
اندفعت الامهات بلوعة يتفحصن الجثث..تسمرت هي في مكانها ترقب المشهد ..هل ستلقاه راجلا أم محمولا على لوح ..هل مات ؟ كفكفت دموعها و اندفعت تتفحص الاجسام الممددة ..

anfasse.orgالصورة الأولى :
عندما إنتهى من كتابة روايته ،والتي إعتقد أنها ستثير أزمة سياسية وفكرية دولية ....غير عنوانها ليكون أقل حدة ...تأملها مليا ....قام للخزانة وجمع المصادروالمراجع التي إعتمد عليها فوضعها في المدفأة المشتعلة...وضع مخطوطة الرواية في كيس بلاستيكي أسود وألقى به في  آلة الغسيل... ضغط على زر التشغيل و تركها تدور....وهوينزل درج العمارة ....كان صوتها يشبه قهقهة مخمور..
 
الصورة الثانية :
ناضل في شبابه بالجامعة والمنظمة المحظورة التي كان عضوا  فيها آمن بالحرية والمساواة ...
...بالعدالة الإجتماعية .......بضرورة التغيير الجذري ...تعرض للإختطاف ثم السجن ...لكنه
ظل صامدا ومؤمنا بمبادئه....ساوموه،أغروه لكنه زاد تعنتا....وبعد ثلاثين سنة ....أصبح
رئيسا لوكالة وطنية تهتم بصيانة الحيوانات المهددة بالإنقراض.....

anfasse.org "الكَلامُ عَن الطـُّفـولة يفْترضُ طُفولة ًفي الكَلام"
الشاعر والباحث المغربي: محمد أنوار محمد.
    بدأتُ أكتشف بعض تفاصيل الحياة وأنا معلق بظهر والدتي..كنت أقضي نهاري كله وأنا مشدود إليه بطرف من القماش حسبته جزءا مني لفرط ما التصق بجسمي..لم أكن أرى من هذا الوجود إلا ما تسمح لي به المساحة الممتدة بين عنق والدتي وكتفها..كنت أحيانا أتطاول وأدفع بقدميّ في الهواء لألتقط مشهدا يستهويني..وأحيانا أكاد أحس أن والدتي تنحني قليلا لتمكنني من المشاهدة.. لا أدري لمَ كانت تصر على ربطي إلى ظهرها ، رغم أنني أستطيع أن أتحرك باستقلالية تامة عنها..ربما هي عادة متوارثة في قريتنا..وربما هي تعود إلى خشية الأمهات على أطفالهن من لدغات العقارب وسمومها القاتلة..إذ كثيرا ما يذهب الأطفال الذين يلهون في غفلة من أمهاتهم ضحية هذه اللدغات.. لذلك نادرا ما ترى امرأة لا تحمل طفلها على ظهرها حتى وإن تجاوز مرحلة الحبو..كل النساء اللائي يزرننا يأتين محملات بأطفالهن..بالأمس حين زارتنا جارتنا "أم الخيات" استرقتُ النظر إلى ظهرها..كانت ابنتها هي أيضا تشرئب نحوي في فضول..خلتُ أنها ابتسمتْ لي..ورأيتها تمد إليّ يدها وكأنها تهم بقول شئ..وحين ابتسمتُ بدوري كانت أمها قد استدارت فلم يعد يبدو منها إلا قذالها..سمعتُ والدي مرارا ينهر أمي ويأمرها أن تتركني أمشي على قدمي..كان يقول لها ساخرا أو غاضبا:"واتـِّي ما غاد تحيديش عليك هاذيك الحدبة؟راه الطفل كبر!" لا أخفيكم أنني كنت مرتاحا في وضعي ذاك..وشعرت أن والدي يغار مني..أو يحسدني على هذه المتعة..

anfasse.orgبسرعة، أحاول تفادي جموع المسافرين. أشق طريقي إلى الحافلة الزرقاء المخططة بالأصفر كما أخبرني موظف التذاكر. أجر ورائي حقيبتي الرمادية تماما مثل هذا اليوم.. كم يبدو السفر حزينا حين نركبه وحيدِين!
لسبب ما كان يجب أن أحزم ثيابي، أن أرتبها في الحقيبة، أن أبعثر بينها شيئا من خوفي، ثم أرحل. لا شيء يربطنا إلى الأمكنة غير الأوهام. وهم الحب، وهم الأسرة، وهم العمل، وهم الاستقرار أو الهدوء..
قررت إذا أن أخلف كل شيء ورائي وأبتعد. وحده الخوف يصاحبني. أحسه يتربص بي في الأمكنة وفي فكرة السفر وفي ظلي، كطفيلي يرتزق من محاولاتي أن أكونَ ليوجِد كيانا لنفسه.
أهرب إذا أو أسافر.. هما رديفان إن لم يكن هناك مجال لعودة محتملة. أهرب من الوجوه المتكررة والمعلومة مسبقا، المتشابهة حد التطابق. مثلي، تحاول أن تكون. مثلي، تشرب بُنا بسكر أو بدونه. مثلي، تؤجل النوم أو لا تفعل حين ينسدل الليل على المدينة الرتيبة. مثلي، تعرج على شارع جديد محاولة استكشاف طريق آخر للبيت المشابه للبيوت الأخرى. مثلي تختلي بنفسها في التواليت حيث لوهلة تتلمس معنى أن تكون "حقيقية" وبدون أقنعة.

anfasse.org"من ينظر إلى ساعة رملية ير انحلال إمبراطورية "                          
خورخي  لويس بورخيس     
اتفاق:
يعطي المسدس انطلاقة السباق، لكن الخيول لا تسابق الضوء ولا الرياح...تمشي الهوينى في حركات متناسقة كأنها في رقصة أو استعراض..يذهل الجمهور ..يقلق المراهنون ..يبتهج المضمار ..تدخل صفا واحدا وتفوز بالرهان

خطوتين:
يحط الصبي فوق الجدار
خطوة...خطوتين...تميل محفظته الثقيلة ..
فجأة تسقط الفراشة وينكسر الجناح

anfasse.org" الحضارة القصوى تنتج البربرية القصوى"
 (لاروشيل)

حين التقيته ، لم يكن في رأسه غير هدف واحد: كان يريد أن ينشئ فرقة موسيقية تحدث الالتقاء بين الموسيقى العربية و الموسيقى الكلاسيكية الغربية و موسيقى الجاز ذات الأصول الافريقية.
و كان قد وجد لها اسما:" الجسور"
كان يقول لي متحمسا :" أريد أن ألم شعث الموسيقى عبر العالم...أريد أن أؤسس لنوع جديد هو خلاصة الشرق و الغرب معا في الابداع الموسيقي."
فقلت له يوما : أنت تريد اذن أن تنجح حيث فشلت السياسات...لعل الأمر مستحيل.
رد وكله عزم و ثقة:" بالعكس ، الأمر ممكن ...السياسات فشلت لأنها قائمة على الكذب و النفاق و المصلحة ..الموسيقى ستنجح لأنها قائمة على الصدق والمتعة المقتسمة ".
أعجبني الزخم المشاعري فيه ، و تلك النظرة الفوقية الى العولمة التي لم يرد أن تستهلكه و تجعله مضحكا أمام نفسه و لو كان نجما أمام ملايين المستهلكين .
كنت أقدر فيه كثيرا تلك القيم الشرقية التي نفتقدها في الغرب.كان حين يحدثني عن قريته الصغيرة في القدس، أرى القدس في عينيه وطنا ..مرارة..منارة..أرى القدس في عينيه على بعد خطوة أو خطوتين .

anfasse.orgمن كان في حِلٍ مما يعوق وصلَه بمحبوبه وقال: أحِبُ.
فإني في تصديقه بين شك و يقين،
لأن الثبات على التعلق بالشيء دون وجود ما يعكر صفوه،
قد لا يقوم دليلا على المثال فيه.
أما من اجتمعت عليه صروف الدهر تقصم ظهره،
و ظل ثابتا على هواه يقول: أحب .
لا يرى عمن يحب بديلا،
فإني مصدقه إطلاقا لشهادة الحال عليه،
في المعنوي منه قبل المادي،
لما يكابده من تمزق و صراع.

anfasse.orgالمشهد الأول  :
صاح المخرج بعصبية  :  أكسيون......
الأضواء خافتة ، تحركت الكاميرات في إتجاهات مختلفة ، ترقب الجميع تصوير المشهد الأخير والإحتفال.....إقترب منها ضمها إليها برفق وقبلها ....تحسس عنقها براحتيه ثم بدأ يضغط .....جحظت العينان وكتمت الصرخة ...إنسابت دمعتان من مقلتي مساعدة المخرج.....رفع عنها يديه وتركها تنهار على الأرض .....
سطوب صاح المخرج مرة أخرى ...رائع جميل....عانق مساعدته ....تعالت التصفيقات .....أنارت المصابيح المكان.... لكنها ظلت ممددة بلا حراك.
 
المشهد الثاني :
ضرب المخرج كفا بكف بإنفعال زائد .....سكوت .....تراجع التقنيون نحو الخلف ...ساد الصمت....إقترب من الجثة
تأملها قليلا ، أشعل سجارة بيد مرتعشة وأخذ نفسا عميقا .....رماها  على الأرض وداسها بقدمه ....تقدم نحو النافذة وأزاح الستار ...تأمل الأفق البعيد  ....إرتقى حافتها .....قفز المخرج من مقعده ....سطوب ....لكن الارض كانت تقترب منه والأشياء تزداد وضوحا  .

مفضلات الشهر من القصص القصيرة