anfasse30093لقد أبدع شعراء الجاهلية ومن قبلهم، في البحور المعهودة ، دون أن تحاصر أذهانهم أو تلطّخ غايتهم، ضرورة التقيّد بعروض معينة ولا وساوس معرفة الانتماء إلى حدودها الإبداعية حتى، والحقيقة الأرجح أن كتلكم ممارسة إنما كان تتمّ باعتماد العفوية والفطرة والسّليقة، أو تبعا لطقوس غيبية يغطّي مساحاتها شيطان الشّعر وفعّالية حضوره ،مثلما هو مذكور في الأثر، هكذا وببساطة وبنموذجية فكر وطوباوية مغزى، تراكم في ديوان العرب إرث كلام مقفى موزون ،هو بحقّ مفخرة للأدب الإنساني بالأجمال،  شغل الدّنيا لعذوبته وفلسفية رؤاه،ذاع وانتشر شرقا وغربا كأنّه النار المندلعة في الهشيم.
لحين جاء خليل بن أحمد الفراهيدي وقد فتحت له مغاليق أبواب العلوم، فأنشأ علم العروض مجموعة في خمسة عشر بحرا.
وبعده الأخفش الأوسط واضع" المتدارك" ليغدو عددها ستّة عشر بحرا كما هو معلوم.

anfasse22095تراجع الأدب الروسي - بعد تفكك الاتحاد السوفيتي - عن موقعه المتقدم في العالم عموما ، وفي العالم الناطق بالإنجليزية خصوصاً. ويقال إن القارئ الأميركي - من الجيل الجديد - يكاد يجهل هذا الأدب تماماً ، ولا يستطيع أن يذكر اسم كاتب روسي معاصر واحد. والسبب الرئيسي لهذا التراجع هو ان الادب الروسي اصبح اليوم ادباً محلياً بكل معنى الكلمة .
الأدب المحلي الذي يكون مفهوما وقريبا من شعب واحد فقط  ، وغير ممتع بالنسبة الى بقية الشعوب ، يتحول – في أفضل الأحوال -  الى مجرد مصدر لعلماء الأنثروبولوجيا ولا يهم القاري الأجنبي . أما الأدب المحلي ، الإنساني الطابع ، الذي بعبر عن روح العصر ، ويثير أحاسيس مشتركة بين البشر وتجاوباً فكرياً يتفاعل في  كل بيئة مجردة من المكان والزمان ،فهو الذي بجذب انتباه القارئ بصرف النظر عن العرق والمعتقد واختلاف الثقافات .

anfasse02094شاعرٌ قومي فريدٌ من نوعه، جوهرة خرجت من نهر النيل واعتلت عرش الشعر في فترة من الفترات الصّعبة، رغم قِصر سنوات حياته التي لم تتجاوز الأربعين إلا بقليل، إلا أنه مرّ خلالها بمحطاتٍ فارقةٍ من تاريخ الأمة العربية، كشف فيها عن مواقفه السياسية بإحساسٍ صادقٍ غيور، وفي قالبٍ شعريّ رفيع المَقام، بعد نَكسة 67 كَتب قصيدَته المشهورة "البكاءُ بين يديْ زرقاء اليمامة"، عبّرَ فيها بحُرقة شديدة عن حُزنه وصَدمته من هزيمة العرب المُذلّة في الحرب ضد إسرائيل، ولأنه يحملُ هُموم الأمة ويُؤرقُه مَصيرُها كما يجبُ على أيّ شاعر أن يكون، فقد رفضَ توقيعَ السادات لاتّفاقيةِ كامب ديفيد عام 1978 وكَتب قصيدته الرافضة للتطبيع " لا تُصالح" ، جاء فيها:
لا تُصالح
ولو منحوك الذّهب
أترى حين أفقأُ عينيك
ثم أثبّت جوهرتين مكانهما.. هل ترى..؟
هي أشياء لا تُشترى..

keyyete-lahroufeمقدمة:
"كية لحروف"1 هو الديوان الزجلي الثاني للشاعر الزجال يوسف الطاهري القادم إلينا من عسر الزمن المغربي، هذا الزمن الذي أنجب شعراء ومبدعين شبوا على القيم الوطنية والمبادئ الانسانية، فحملوا همومها، ودافعوا عنها بأرواحهم وأقلامهم. صدر سنة 2016 عن مطبعة نجمة الشرق ببركان، بعد ديوان أول "يا ما غدا العيد: قصائد من زمن الرصاص" كان قد عرف النور سنة 2010. يضم بين دفتيه اثنتي عشرة قصيدة وكلمة تصديرية بقلم الشاعر نفسه عنونها ب"قلق الكتابة وألم الفراق" انساحت جميعا على فضاء ورقي بلغ اثنتين وتسعين صفحة.
يلمح المتتبع لقصائد الديوان حضورا لافتا لأنا الشاعر، وما يلبث يستغورها حتى يحس حسيس هذه الأنا، ويتناهى إلى سمعه تصاعد أناتها وزفراتها بفعل ما تنوء به من هموم الحياة وأوزارها، مما جعلها تعيش حالة من التشظي بين عسر الإبداع وغربته، والرغبة في معانقة الحلم.

تقديم : كان يلزم انتظار غاية نهاية 2016 حصول ليلى السليماني،على جائزة غونكور، أهم استحقاق أدبي في فرنسا، كي يكتشف الجمهور الكبير ما يعلمه سلفا أغلب هواة الأدب: يوجد في البلدان المغاربية جيل من المبدعات باللغة الفرنسية،يتمتعن بموهبة خاصة،وبلغن الشهرة في نهاية المطاف. تقدم ياسمينة لحلو،في هذه المقالة،هؤلاء المبدعات الجدد اللواتي يؤلفن باللغة الفرنسية. 

*ليلى صبار : 
يعتبر هذا التمزق بين الوطن الأصلي وبلد الاحتضان،دافعا متواترا تعيشه مختلف الأجيال: ولدت ليلى صبار في الجزائر سنة 1941 من أب جزائري وأم فرنسية،وهي تعيش في فرنسا منذ سنة 1961 .العلاقات الوجدانية بين الشرق والغرب،ألهمت نتاجها الروائي،على غرار عملها : لا أتحدث  لغة أبي. حيث ساجلت هذا التمزق وكذا الهوة بين ضفتي البحر الأبيض المتوسط.

من أجمل قصص الحب والعشق في زماننا ما نسجتهُ عفوية الأقدار بخيوط من ذهب بين كاتبين مرموقين ألّفهما حبُّ القلم وعشقُ الكلمة، يتعلق الأمر بالكاتب اللبناني جبران خليل جبران والكاتبة مي زيادة ذات الأصول الفلسطينية، فما كان يجمع بينهما هو حبٌّ عذري أفلاطوني لا ريب فيه، خالص من كل الشوائب، زاخر بكل آيات الجمال والجلال، وصفه العارفون به بالحب السماوي الذي عجزت الأرض على احتوائه فرفرف بجناحيه إلى السماء، ولعل ما أصبغ هذا الحب العذري السماوي بصبغة الانبهار ما كان لطرفيه من سلطة هادئة على جمالية الكلمة وتصويرية الأحاسيس الجارفة والعواطف الصادقة المُنزّهة عن دونية المادة، فلم تلبث هذه السلطة أن حلّقت بمن ينبشُ في خبايا هذا العشق المجنون نحو عوالم مثالية منفصلة عن كل ما لا يُرغبُ فيه، لا يُفتحُ مجالها الرحب سوى للمشاعر الطاهرة والأحاسيس النبيلة لتُقيم على أرضها صرح الحضارة، وإذا كانت العلاقة بين مي وجبران قد اتصفت بالغرابة والندرة في غايتها، فهي أولى بأن توصف بذلك، وأجدر بأن تصير نبراسا للسابحين في أغوار الحب والعشق دونما عبرة ولا دراية. وإذا كان جبران ممن يؤيدون فكرة الكلمة في قدرتها ومقدرتها على أن تُحدث ما تُحدثه القذائفُ والبراكينُ، فإن قوة هذه اللغة تلين وتذوب أمامه بقدرة قادر بمجرد أن تبدأ أناملُه بمداعبة كلماته العابرة للقارات من أمريكا إلى القاهرة، في رسائل حب لم تتوقف لعشرين ربيعاً.

anfasse13084في سياق استرسال الثورة التكنولوجية، ونشوء مجتمعات المعرفة، انبثقت في المنتصف الثاني من القرن العشرين الثورة المعلوماتية، التي لم تلبث بوسائطها التواصلية السمعية والبصرية والمكتوبة، أن أمست حدثا كونيا مثيرا، أفضى نتيجة تأثيراته الحضارية السريعة بالإنسان، إلى ارتياد عوالم  رقمية، لم يكن له عهد من قبل بمجالاتها المعرفية والخدمية والترفيهية، وإلى معايشة بموازاة حياته الواقعية حياة افتراضية، تتزامن فيها الأزمنة، وتتوحد الأمكنة، وتلغى المسافات والحدود بين المحلي والكوني، ويتآلف الآني والتاريخي، ويتجانس الحقيقي والخيالي، ويتحقق التعارف مع الغير النائي، وتبادل الآراء والمشاعر معه، والترفيه عن النفس بعفوية وحرية...
إن هاته الحياة المستحدثة نتيجة الرقمنة، بعثت الإنسان على فك جل الأطواق التعبيرية، التي كانت تحول دون تواصله مع بني الإنسان ومع محيطه، إذ أمكنه ابتداع معدات إلكترونية رقمية ذكية، أسعفته على التواصل السريع المتعدد القنوات والأغراض، وتدبير شأنه الذاتي، وشؤونه الموضوعية، و استشراف بتلقائية و خبرة علمية عالية آفاق حياتية رحبة، وابتداع عوالم ابداعية تفاعلية ذات تناسقات جمالية حركية، ترتهن بسيرورة التلقيات واحتمالاتها.

معلوم أن النظرية الارسطية في الشعر والفن عموما ، وما يتعلق بأسسها الجمالية، تقوم بكاملها على مفهوم المحاكاة ، وهو مفهوم مركزي في كتاب الشعر لأرسطو. وقد أثيرت حول المفهوم نقاشات و جدالات واسعة بين مختلف أصناف الباحثين في قضايا الشعر و الفن، و فلسفة الجمال بكيفية خاصة، وذلك منذ أن ظهر الاهتمام بكتاب الشعر لأرسطو لدى مفكري عصر النهضة الأوروبية مع بداية العصر الحديث ، ولازال النقاش مستمرا الى لحظتنا الراهنة، خاصة في حقول علوم البلاغة والنقد الحديث.
ولعل السر في اتساع دائرة الاهتمام بـهذا المفهوم من طرف المهتمين  بقضايا النقد والشعرية العامة، يعود بالكلية إلى طابع الإرباك الذي صاحب المفهوم ، خاصة لدى الباحثين الاروبيين، منذ أوائل  القرن 16 والى الآن ، وهو إرباك غذى ، بشكل ظاهر، جميع الآراء التي أثيرت حول المفهوم، ولقد أرجع بعض الباحثين هذا الإرباك إلى طبيعة المفهوم ذاته، من حيث هي طبيعة تكونـها الحمولة الأفلاطونية، التي لم يستطع أرسطو، حسب رأي هذا البعض من الباحثين، استبعادها بكيفية واضحة وصريحة في خطابه حول الشعر . وهذا ما جعل، حسب هذا الرأي ، القضايا التي طرحها أرسطو في كتابه عن الشعر (هدفا لألوان لا حصر لها من التأويل والفهم المتباين)([i]) وعلى رأس كل هذه القضايا قضية المحاكاة نفسها، والتي هي حجر الأساس في الخطاب الأرسطي حول الشعر والفن كما أسلفنا.

مفضلات الشهر من القصص القصيرة