1202613274استهلال لا بد منه
وسط جمهور غفير من المهتمين بالثقافة عامة وبالقول الشعري خاصة، تم تقديم الديوان الأول للشاعر والناقد عز الدين الشنتوف المعنون "لست سواي"، والصادر عن دار توبقال للنشر والتوزيع،  بدار الثقافة التابعة لمندوبية وزارة الثقافة بطنجة،  مساء يوم 28 مارس  من السنة الماضية.
 تميزت الأمسية بالتجاوب الكبير للجمهور مع كلمات التقديم وبشكل أخص مع قراءة الشاعر من ديوانه  التي كشفت الحجاب عن شعرية متكاملة كتابة وصوتا، يتميز بها الشاعر المبدع عز الدين الشنتوف.

قراءة في ديوان "لست سواي"
لست سواي ولست سواك، خطاب الذات الشاعرة والذات الكاتبة، كيف يصبح المبدع شاعرا ومنظرا ناقدا في نفس الآن؟
 ففي المستهل يستدعي الشاعر عز الدين الشنتوف نفسا خاصا لفعل الكتابة الذي يعلن عن مشقته منذ البدء، فالشاعر وهو يستعرض فعل الكتابة أو النظم، يضعنا أمام هول الفعل\الكتابة، فالانتقال من النفس الأول عبر مدارج  التبويب، الإخبار، التقديم،  ومرورا بمدارك  الحروف، وصحائف المعنى في لست سواي، ينتهي الشاعر بمنازل النسيان والتذكر.

 tanious-amine-maaloufتقع أحداث رواية أمين معلوف "صخرة طانيوس" في مكان قصي من الكرة الأرضية، مكان لا قيمة له، في زمن الرواية، إلا بما تصنعه به أحداثه.  فـ"كفريبدا" تلك المقاطعة الصغيرة المنزوية في ركن من جبل في جنوب لبنان، على صغر حجم جغرافيتها و صعوبة تضاريسها، أريدَ لها أن تكون مرآة عاكسة لعقلية تحكمت، و لازالت في بعض مظاهرها، في نمط العلاقات السائدة بين أفرادها؛ إنها عقلية الولاء التي تقوم على التبعية و المكانة و الحظوة... فالثواب و المنفعة لا يقومان على الانجاز و الأداء بل على مقدار الولاء و الحظوة. و طبعا إذا حظرت هذه غابت أخرى غيرها كالأداء و الانجاز و الكفاءة و استقلالية الذات و غاب معها أخذ المبادرة في التخطيط لصناعة المستقبل لأن هذا الأخير ملك لشيخ المقاطعة و زعيمها الذي وحده مخول له التفكير و التخطيط، أما البقية الباقية فحظها من الحياة مرهون بدرجة طأطأة الرأس و بحرارة لثم الأيادي.

boujemaa-el-aoufi  * إضـــاءة :
    " إن الكتابة في نظرنا لا ينبغي أن تنطلق من فراغ، والكتابة التي لا تؤثثها ذاكرة واعية يضل صاحبها يبصم حروفه في فراغ ". وإذا كان الأمر كذلك، فلنسافر قليلا مع الشاعر والناقد الفني " بوجمعة العوفي " في كتابه " هوامش لذاكرة العين " ( ** )، ما دام الإبداع الفني المتكامل يفرض علينا التيه والإبحار في مساحاته الممتدة، امتداد العين المُستكشفة لخباياه وعوالمه التي قد نوفق أو نخيب في الوقوف عند معانيها البعيدة.
         إن الفن الراقي هو الذي يجعل المبدع يطل على المتلقي / المشاهد بلوحات مستوحاة من الواقع، هذا الواقع الذي يتوزع بين الوجوه والأمكنة والأزمنة التي تؤثث حيوات الإنسان، فتبدو أحيانا بمثابة زفرات صعبة تحرض الفنان على الغوص في أعماقها ليستشف  حقيقتها / حقائقها. إن ذات الفنان/ المبدع تتماهى ــ هنا ــ مع العمل الفني وتتوحد معه. وحين تكون الحواس هي البوابة التي من خلالها نستكشف الأشياء والموجودات، فإن العين تظل نافذتنا على العالم والمحيط. ومن ثم، فهي تجتزئ أهم اللحظات والموضوعات لتنقلها إلينا ــ هذه المرة ــ في شكل كتاب فني يرصد جوانب من هوامش ذاكرة هذه الأخيرة.

darouiche222إذا كنا نتغيا موضوع الموت الذي طغى على مدارات الشعر المعاصر والأشواط الذي قطعها ليشغل  الفكر الإنساني قديما وحديثا ، ليسعى هذا الأخير في مضامينه بحثا عن أسراره ، فقد ظل ــــ الموت ـــ يساوق رحلة الإنسان ـــ وبخاصة الشعرية منها ـــ وصورته ملازمة له أن سارت به الخطى ، ومحمود درويش من بين هؤلاء لتكون قصيدته رحلة إنسانية كونية لم تتوقف غاياتها عند القضية الفلسطينية ، وإنما قذفت بصورتها الشعرية في كل عوالم الإنسان وفي أغوار الذات بأبعادها مستنطقة كل منسي يومي أو أسطوري وغيرها .
لتكون لي وقفة جلية أستقصي من خلالها التشكيل الصوري لخطاب الموت عند "محمود درويش" عبر القصيدة المعاصرة ، والتي بات الموت فيها موضوعا أكثر عمقا في الشعر المعاصر لأنه صار أكثر تعمقا في الفلسفة . فما هي محمولات الشعر الصورية عبر القصيدة الحديثة " لدرويش" ؟ أو بالأحرى كيف خاطب "درويش" الموت بحلّته الجديدة عبر صور وإيحاءات جديدة ؟
1ــــــ الصوّر الموضوعية :
لم يكتف درويش بمعاصرته للتجربة الشعرية على التجديد اللغوي فحسب بل شمل الصورة كذلك ، منطلقا من أن الشعر الخالد هو الشعر الذي يستطيع تصوير الواقع بأرقى أساليب الفن والإبداع .

Donatella-Bisuttiهل يستطيع الشعر أن ينقذ الحياة؟ سؤال يتردد صداه في كتاب لي كنت قد عنونته ب: "الشعر منقذا للحياة" إقرارا لحقيقة أومن بها بإصرار، وهي خصيصة الشعر الإعجازية. أجل، تلك الحقيقة ممكنة شريطة أن نستحضر أن الشعر بهذا المعنى شيء يسكن دواخلنا، إنه جزء منا، يلازمنا منذ البداية، منذ ولادتنا باعتباره إمكانا فطريا لمقاربة حقيقة تختلف في عمقها عما نتعلمه في مسار تقويم سلوك تربوي معوجّ. فالشعر يضعنا أمام ذاك السر الخارق الذي كتب عنه كثيرا الفيلسوف الروماني لوسيان بلاغا Lucian Blaga، يضعنا أمام دلالة الواقع العميقة، مانحا معنى للتقاطع المبهم الدائم بين الموت والحياة. الشعر هو الجزء "الخارق" فينا الذي يتوجب علينا اكتشافه أواستعجال اكتشافه اليوم لمقاومة ترسبات انكسارات اليومي. قد يحدث أن يتلاشى شعاع الشعر ومع ذلك نعيشه دون وعي.

في كثير من الأماكن، خاصة في المجتمعات الغربية، يظهر أن العالم اليوم فقد مفتاحه السحري، إذ استبدل به بطاقة مغناطيسية يفتح بها مراكز تجارية ومحلات الموضة ومراكز اللياقة الجسدية، ويلج بها عوالم افتراضية: بطاقة الرخاء والرفاهية والقوة.

إن رؤية العالم المعتلة والمزيفة تلك تم نقلها إلى مناطق كثيرة من أنحاء المعمور. رؤية لم تكتف بتلويث ثقافات عريقة بل سعت إلى تدميرها. إنها شكل استعماري جديد، خفي وأكثر خداعا مما كان في الماضي، وهي تستند في نجاحها إلى السلّم المالي الدولي لاستغلال الشعوب والبلدان.

ينبغي ألا نعتبر الشعر بلسما لنفوس مجروحة، أو مهدئا أو مخدرا. ليست رسالة الشعر تهدئتنا أو حملنا إلى عوالم افتراضية. ليس الشعر هروبا أو حلما. إذا كنا نسعى إلى الهروب والانتشاء، سنجد حولنا ملاذات كثيرة لكنها خادعة. الشعر يتطلب منا وعيا أكثر. الشعر يحفزنا ويحثنا على ألا نقف عند سطح الأشياء ومظاهرها لأن الحقيقة المثلى توجد ما وراء ذلك.

arton13766-5d4f6يعد الأدب الرقمي التفاعلي من مجموعة الإبداعات التي تولدت مع توظيف الحاسوب والتكنولوجيات الحديثة، وهو" جنس أدبي جديد ظهر على الساحة الأدبية، يقدم أدبا جديدا يجمع بين الأدبية والتكنولوجية. ولا يمكن لهذا النوع من الكتابة الأدبية أن يتأتّى لمتلقيه إلا عبر الوسيط الإلكتروني، من خلال الشاشة الزرقاء المتصلة بشبكة الانترنيت العالمية، ويكتسب هذا النوع من الكتابة الأدبية صفة التفاعلية بناء على المساحة التي يمنحها للمتلقي، والتي يجب أن تعادل أو تزيد عن مساحة المبدع الأصلي للنص"(1) مما يعني قدرة المتلقي على التفاعل مع النص بكل حرية وإبداعية لأنه يكون في مواجهة مباشرة مع النص عن طريق الروابط، التي تتيح للمتلقي العديد من الخيارات في عملية التلقي أو الإبداع ، فهو يبدع نصا جديدا ومختلفا كلما اختار رابطا مختلفا يتحكم بمساراته القرائية، إذ لم يعد المتلقي في إطار الأدب التفاعلي مجبرا على اتخاذ بداية موحدة بينه وبين مجموع المتلقين الآخرين، لان البدايات غير موحدة وكذلك النهايات.


وتتّصف نصوص (الأدب التفاعلي) بعدد من الصفات التي تميّزها عن نظيرتها التقليدية.كما ترى الناقدة   الإماراتية (فاطمة البريكي) منها على سبيل المثال، ما يلي: 
    1-أن (الأدب التفاعلي) يقدّم نصًا مفتوحًا، نصًا بلا حدود، إذ يمكن أن ينشئ المبدع، أيًا كان نوع إبداعه، نصًا، ويلقي به في أحد المواقع على الشبكة، ويترك للقرّاء والمستخدمين حرية إكمال النص كما يشاؤون..

art-abstrait-illustrationفي الذهنية العربية الكلاسيكية، البطل لا يموت إلا غدراً بيد عدوه. فعناصر الملحمة لا تكتمل إلا حين تبلغ التراجيديا قمّتها، لذا يكمن الثقل النوعي القيمي للملحمة في نهايتها. ومن هنا كانت الأمور في خواتيمها. ولعل خالد ابن الوليد، وهو ابن تلك الذهنية، قد أدرك بحدود قليلة أو كثيرة معنى أن يموت المرء على فراشه لا في ساحة المعركة بيد العدو، مما دفعه للتعبير عن استيائه من هذه النهاية فيصف موته بجملته الشهيرة «فها أنا أموت على فراشي كما يموت العير».


لا تزال هذه الذهنية سائدة ومسيطرة على عقول الكثيرين. أحدهم، الشاعر السوري محمد خالد الخضر: (« وطأة الدس الأميركي في الأدب العربي وعدم الاعتبار»،  مجلة الأزمنة، 06-01- 2014) المفتون بالنهايات الملحمية. وانطلاقا من تلك الذهنية المسيطرة، لا يمكن  لمثقف أو مناضل أو مقاوم أن يُرفع الى منزلة الرمز دون أن تكون نهايته الموت على يد العدو، أما استمرار الآخرين أو موتهم على فراشهم، فهو أمر يدعو للتشكيك فيهم لدرجة اتهامهم بالتخلي عن ثقافة الصمود والتصدي: « لماذا ترنّح في مطلع عصرنا الحديث أمام أدب الآخر وتطلعاته بعد أن كشف ما كشف مثل أحمد لطفي السيد وسلامة موسى وشبلي شميل وأميل حبيبي فتحولوا من المقاومة إلى المعارضة أمام العقل الذي لم يعد يتقن ثقافة الصمود والتصدي مما جعل العدو يرتكب حماقاته في اغتيال من لم يمض في ركب هؤلاء فيترك هؤلاء في الأراضي المحتلة ويمد أصابعه الخبيثة ليقتل غسان كنفاني في بيروت وكمال ناصر وخليل الوزير وماجد أبو شرار إضافة إلى مناضلين آخرين تمكنوا من اصطيادهم وهم في أماكن عديدة».

joseph-harb222# أسطورة الإنسان الذي خدع كبير الآلهة :
------------------------------------------ 
في الأساطير الرومانية أن " جوبيتر " كبير الآلهة ، طلب من أحد الرومان أن يقوم بتضحية يقدم فيها رؤوسا . استجاب هذا الشخص للطلب وضحّى .. ولكنه قدم رؤوسا من الثوم . مع هذا لم يغضب " جوبيتر " ، بل قبل التضحية – أعني قبل هذا التأويل ، وقال للشخص :
" سأعطيك ما تريد ، لأنك برهنت على أنك جدير بالحوار مع الآلهة " (4) .
ومن المؤكد أن هذا الشخص لو لم يكن يحمل روح شاعر لما انتصر على الآلهة عبر هذا التأويل " الشعري " لأوامرها .

مفضلات الشهر من القصص القصيرة