MOALLAKATEقال ابن خلدون :
"واعلم أن الخط بيان " عن القول والكلام كما أن القول
والكلام بيان كما في النفس والضمير من المعاني ، فلا بد لكل
منهما أن يكون واضح الدلالة ." المقدمة ج2 ، ص509
ملخص :
تعرض أبو عبد الله الزوزني ، في شرح المعلقات إلى وقفات دلالية ، حيث عُد من الشّراح الذين اتّجهُوا في تحليلهم إلى الجانب المعنوي ، بأدوات إجرائية مكّنته من توضيح الغامض من القول .فانطلقت في مقاربتي ، مرتقيا مرقاَةَ من مراقي السّابقين إذْ خاضوا في هذه الإشكالية ، وأمدّوها بما احْتملته من تفاسير أذهبت عجمة المبهم من النظم المعلقاتي .

ذلك ما جعلني انتقي منها ما يناسب مقامها ، متطرقا إلى أنواع الدلالة ، وضعيةً كانت أم عقليةً أم طبيعيةً بطريقة تطبيقية لعلي أظفرُ بالغاية المنشودة من هذه الدراسة الدلالية في الدرس اللغوي من موروثنا العربي والاجتهادات اللسانية في العصر الحديث.

الكلمات المفتاحية :
الدلالة – الأثر – المعلقات – السمة – الشرح – الوضعية – الطبيعية – العقلية .

مقَدِمَةٌ

إذا كان المعنى مصاحبا للفظ في أحايين كثيرة، فإن ذلك لا يوافق مفهوم الدلالة، بوصفها مستقلة عن تلك المصاحبة على أساس أنها تتعدى الاقتران ألقصري الحاصل بين اللفظ ومعناه ، فيمكن أن تكون من غير لفظ ولامنطوق.

modaffare-nowabe2في مطوّلته "حجام البريس" يقول النوّاب :
((أبوس إيد اللي يسگي الناس
  ويحمّل تمر ، وسلاح ، ورصاص
                             بشرايعها
أبوس إيد اليشيل البرنو الزبنية
          بطرگ ثوبه ،
                            وأبايعها ...))
ومن هنا نكون قد دخلنا ساحة الاحتدام الحقيقية . وتكون الإشارة هو عدم تكرار حرف الروي – الياء ، بعد هذا الموضع ،  أبدا . هنا تظهر احترافية مظفر " الحروفية " العالية . فحين يكون الإنفعال صاخبا يستخدم الشاعر العين كحرف روي :
أواكح چني ...................... ومگطوعة أصابعها
أو :
أبوس ايد ......................... ورصاص بشرايعها
أو :
أبوس اليشيل البرنو....................... وابايعها
ولكن حين يكون الخطاب مظهرا لعملية تماه مع الأرض الأم نجده أكثر غنائية واسترخاء :
واشمّس روحي بالسنبل .................... يسگيها
أشوغ ويه الشمس ..........................ابنباعيها
مكتوب ابلاويها
 اتحفر بيه مساحيها

photo-darwicheاحتلّ محمود درويش (1941 ـ 2008) موقعاً فريداً قلما حظي به شاعر في الثقافة العربية الحديثة، ولا يُقارَن نفوذه الأدبي إلا بذلك الموقع الخاص الذي تمتّع به كبار الشعراء العرب في أطوار ازدهار الشعر، حين كان الشاعر أشبه بنبيّ الأمّة، والناطق المعبّر عن كيانها، وعرّافها الذي يستبصر أقدارها الماضية والحاضرة. وفي ثقافات الأمم تكررت على الدوام تلك البرهة الاستثنائية التي تُلقى فيها على عاتق شاعر مهمة كبرى مثل التقاط الوجدان الجَمْعي للأمّة، وتحويل الشعر إلى قوّة وطنية وثقافية، روحية ومادية، جمالية ومعرفية.


ولقد توفّرت للشاعر أسباب موضوعية وأخرى ذاتية لبلوغ هذا الموقع، وحدث أحياناً أنْ كان التفاعل بين هذين النوعين من الأسباب في صالح مشروع درويش الشعري في حصيلته؛ كما حدث، في أحيان أخرى، أنّ ضغط الشروط الموضوعية ألزم الشاعر بدفع برنامجه الجمالي إلى الصفّ الثاني والسماح للمهمة الوطنية باحتلال الصفّ الأول. ولكنه في الحالتين أثبت حساسية فائقة تجاه تطوير لغته وأدواته وموضوعاته، خصوصاً في العقدين الأخيرين من مسيرته الشعرية حين استقرّت كثيراً معادلة العلاقة التبادلية الوثيقة بين تطوير جمالياته الشعرية وتطوّر نفوذه الأخلاقي والثقافي في الوجدان العربي.

MODAFFARE6NAWABEهناك خاصية أسلوبية لدى مظفر النواب هي خاصية غير مسبوقة تتمثل في (التوكيد) . أي عدم الاكتفاء بذكر الصفة المناسبة للموصوف ، فردا أو حالة ، سلبا أو إيجابا ، لمرة واحدة أو لتثنية وصفية كما كان يحصل سابقا ، ولكن بالطَرق على أوجه التركيب الوصفي المختلفة . يمكننا الإحالة هنا إلى وصف خراب روح الراوي – الأنثى في (حجام البريس) التي لا يعلن الشاعر عن هويتها كـ ( اسعيده ) ولكنه يخز قدرتنا الإدراكية عبر حركات محسوبة لتستنتج هوية الراوي الأخير الذي سيأتي مركّبا مثلما أثاره من التباس مقصود في صفحات القصيدة الأولى , ويمكننا  أيضا الإحالة إلى ما قلناه عن الإمعان في تحطيم مهابة الشرطة كأنموذج للسلطة الغادرة ، ويمكننا.... ويمكننا ... ويمكننا ذكر عشرات الاستشهادات ليس من هذه القصيدة حسب بل من أغلب نصوص مظفر .

fort-boreal* إنَّ قراراً شجاعاً للوصول إلى الذروة يعتمد على قوّة البصيرة
                 
هذه المقولة ليست صورة تجل صوفية فقط، ولكنها أيضا رؤية وجودية وفلسفية للشاعر كريم ناصر حول  الكتابة والأدب والشعر بالخصوص. والشاعر كريم ناصر شاعر عراقي من مواليد الكوت محافظة واسط، يقيم في هولندا منذ سنة 1989. من مؤلفاته في الشعر: ديوان " بين حدود النفي " الصادر سنة 1988، وديوان " بُرادة الحديد " الصادر سنة 2000، ثم ديوان " أرخبيل الحدائق " الصادر سنة 2006 .  ويواصل كريم ناصر مشروعه الشعري بديوان جديد صدر هذه السنة 2013 ، الديوان موسوم بعنوان " نبتة يدي غابة شوكية ". التقينا الشاعر كريم ناصر الفتى المتمرد _ المهادن الذي يحمل في كلماته عبق مياه الفرات المتجددة دوما، و الرائحة المعتقة لحدائق بابل، فكان لنا معه هذا الحوار:

مصطفى الحمداوي    

* إخترت قصيدة النثر لتشتغل بواسطتها على مشروعك الشعري، هل نفهم كلّ الأشكال الشعرية الأُخَر لم تعد تلائم طبيعة الخطاب الذي تود إيصاله إلى القارئ، أم أن قصيدة النثر فرضت نفسها فعلاً في هذا الظرف التاريخي، بدليل أنّنا أصبحنا نعيش عالم الرقميات والتكنولوجيات الدقيقة سريعة التطور؟

mozaffar((ما أظن أرضا رويت بالدم والشمس كأرض بلادي
  وما أظن حزنا كحزن الناس فيها
  ولكنها بلادي
  لا أبكي من القلب
  ولا أضحك من القلب
  ولا أموت من القلب
  إلا فيها .........))      
                                  ( مظفر النواب )
                            من ديوان ( للريل وحمد )

المنجز الشعري العامي للمبدع الكبير " مظفر النواب " ليس بحاجة إلى قاريء بل إلى " قرّاء " ، ويمكننا القول أيضا أنه ليس بحاجة إلى ناقد بل إلى " نقّاد " وشتان بين " فاعل " و" فعّال " . هذا ما نحتاجه لكي " نقرأ " هذا المنجز بصورة صحيحة ودقيقة من الناحية الأسلوبية ، مبنى ومعنى ، خصوصا من وجهة النظر اللغوية  النفسية التحليلية  ، حيث لم تكتشف خفاياه اللاشعورية الهائلة والتي في حالة الإمساك بها فإنها لن تغني ثراء البحث النقدي لمشروع النواب وهو مشروع حياة كاملة حسب ، بل تمسك بالعوامل الحاكمة المستترة التي شكلت منجزه الإبداعي وتفتح مغاليق نصوصه التي لم يغص النقاد في طبقاتها العميقة .

and-whiteلا خلاف في كون عمر القصة القصيرة بالمغرب، مقارنة مع باقي أشكال وأجناس الإبداع، هي بنت بكر ، إذا جاز التعبير، لكنها مالبثت أن تمردت على كل الأنساق لتصير فنا أدبيا قائم الذات بكتابها وروادها وقرائها المتميزين.
ومما ساهم في تدويل وانعكاس هذا الجنس على وعي الإبداع والمبدع معا هو حضور التفاعلات المجتمعية الطارئة على مغرب القرن الماضي، حتى أصبح بالشكل الراقي الذي هو عليه اليوم، سيما تلك المناولات على مستوى الطروحات الفنية والجمالية.
لا نروم من خلال هذا الاستطراد تقعيد سياقات ظهور فن القصة القصيرة بالمغرب أو تطورها بقدر ما نتوخى من هذا المدخل أن يكون بوابة لاقتحام عوالم الكتابة النسائية عبر الوقوف على بعض القضايا التي أثارتها مجموعة " نحيب الملائكة "  القصصية (1) للقاصة المغربية هند لبداك، مركزين في هذه المساهمة على قضية حضور المرأة ومدى انعكاسها على وعي الكاتبة التي راهنت في هذا الإبداع الخاص على صوتها المتميز ركوب غمار تجربة جمعت بين دفتيها ما أسماه الناقد نور الدين صدوق ب" التنويع على الواحد ".

BOUCHIKHAعرفت القصة القصيرة جدا تراكما كبيرا في السنوات الأخيرة بالمغرب والعالم العربي مما يشي بأهميتها من جهة، وبإقبال العديد من المبدعين عليها الذين استهوتهم، وملكت عليهم أفئدتهم ومن المؤكد أنهم ألفوا فيها ذواتهم وضالتهم.
فهذا النمط من الكتابة يعتمد تقنيات جد مدققة ومضبوطة كالتكثيف المتاخم للشعر، لكن القائم على الإيحاء والإيماء، الإحالة والإبهام.
وتعرف الدكتورة سعاد مسكين في "القصة القصيرة جدا إشكالية المصطلح وتطرف الممارسة" هذا الجنس قائلة: "تعتبر القصة القصيرة جدا جنسا أدبيا حديثا عرفه المغرب نتيجة تطور السيرورة التاريخية لفعل الكتابة، نظرا لخضوعها لمتغيرات ومتطلبات الحياة الجديدة التي أضحت تؤمن بالوجبات السريعة، وأكلة في دقائق والسفر بالكبسولة ... لهذا صار هذا الكائن المستحدث في حاجة ماسة وضرورية كشكل تعبيري، يلتقط اللحظات المنفلتة والأحداث الومضة، بكثافة لغوية وبلاغة رمزية، تعبر عن هموم الإنسان العادي والهامشي، ولعل من بين الإشكالات التي تثيرها ق ق ج أنها هي أيضا يصعب الإمساك بها، توحي دون أن تقول كل شيء، تتلون بألف لون، حرباء" (1).

مفضلات الشهر من القصص القصيرة